عودة
الإخوان المسلمين إلى سورية:
الاستحقاق
والعقبات
بقلم:
الطاهر إبراهيم*
قرأنا
في نشرة "كلنا شركاء في الوطن"
الإلكترونية في عدد الاثنين 5
تموز الماضي، تعليقا للأستاذ
"فائز سارة" علي دعوة عضو
البرلمان السوري "محمد حبش"
الإخوانَ المسلمين الموجودين
في الخارج إلي العودة إلى
سورية، في الحوار الذي أجرته مع
حبش "أبيض وأسود" في 21
حزيران الماضي. ومع كل التقدير
لهذه البادرة التي أطلقها
الدكتور حبش، فإن هناك بعض
الملاحظات التي لا بد من ذكرها،
لتتوضح الصورة كاملة أمام من
يتصدى إلي هكذا دعوة، تمس
مفصلاً رئيساً في المشهد
السياسي السوري.
وسأكتفي
ببعض النقاط التي أوردها
الأستاذ "سارة"، وسجل فيها
وجهة نظره على البادرة. قال حبش:
"أشعر بأن سورية جاهزة
لاستقبالهم (أي الإخوان
المسلمين) كأفراد. (وأن) النظام
يريد ألا تكون هناك معارضة في
الخارج وهذه رغبة صحيحة. نحن
نطالب الآن بإلغاء العقبات" .
وبالرغم
من أنه "لا جديد في موقف
السلطات السورية في الموضوع"،
كما لاحظ الأستاذ سارة، من خلال
كلام حبش، حيث أن النظام ما زال
يصر علي عودة الإخوان المسلمين
كأفراد، "ويجري تصفية
ملفاتهم الأمنية وإغلاقها .."،
(وهي تعني أن لا عودة لأي مواطن
"مهجّر" إلى سورية إلا بعد
أن يمر على لجنة أمنية، وفي ذلك
ما فيه من إرهاب نفسي لعدة أيام،
ربما يتمنى العائد أنه لم يعد)
ويبدو واضحاً، مما ورد بين
المزدوجتين، أن موضوع الإخوان
المسلمين ما يزال محجوزاً لصالح
أجهزة الأمن وحتى إشعار آخر.
الجديد
في دعوة الدكتور حبش - كما لاحظ
ذلك الأستاذ فائز سارة - أنه
أشار إلى أمر هام، وهو وجود "عقبات"
حقيقية أمام عودة الإخوان
المسلمين، طالب بإلغائها. فما
هي تلك العقبات التي أشار إليها
الدكتور حبش ولم يسمها؟
ابتداء،
نقول إن العقبات التي تقف أمام
عودة الأخوان المسلمين إلي
سورية بخاصة، وباقي فصائل
المعارضة بعامة، يمكن تذليلها،
دفعة واحدة، بالعودة السريعة
بسورية إلي وضعها الدستوري قبل
قيام الوحدة في عام 1958 من القرن
الماضي، وبإلغاء قانون الطوارئ
وكل المحاكم الاستثنائية. ولكن
هناك أموراً مستعجلة تسبق تلك
العودة، وتحقيقها أسهل أمام
النظام السوري، ولن تكون هناك
عودة آمنة ما لم تتم معالجة تلك
الأمور التي تعتبر غاية في
الأهمية، وهي لازمة وغير كافية،
ولكنها شديدة الحساسية منها:
أولاً:
إن أول وأهم ما ينبغي معالجته في
سورية هو إغلاق ملف الاعتقال
باعتباره قضية إنسانية، ونزع
الصفة السياسية عنه. وإغلاق هذا
الملف يجب أن لا ينتظر الانتهاء
من تسوية ملف الإخوان المسلمين.
فهو ما يزال ينخر في عمق الوجدان
الإنساني السوري علي مدى أكثر
من ربع قرن، وينطوي علي دمل
يعتمل في نسيج المجتمع السوري.
وإن إغلاق هذا الملف سوف يزيح من
أمام السوري المنفي عقبة نفسية
كانت تقف في طريق عودته وهي
الخوف من الاعتقال بعد وصوله
إلى الوطن. وما لم يتم تسوية هذه
القضية، فسيجد النظام نفسه
واقفاً في المربع الأول. وإذا
بَخِل النظام بتطويق تداعيات
هذا الملف فهو بغيره أبخل.
ثانياً:
إن بقاء القانون 49 لعام 1980، الذي
يحكم بالإعدام علي مجرد
الانتماء السياسي لجماعة
الإخوان المسلمين، ساريَ
المفعول، سوف يبقي سيف هذا
القانون مسلطاً فوق رقبة أي عضو
من هذه الجماعة يعود إلي وطنه.
ويجب أن لا يقام كبير وزن لما
يردده بعض المسؤولين السوريين
من أن القانون مجمد، لأنه في أية
لحظة يمكن نفخ الروح فيه، وتقع
الطامة، ما لم يتم إلغاء هذا
القانون الجائر.
ثالثاً:
قد لا تعترض الغالبية الساحقة
من المنفيين على العودة الفردية
إلي الوطن. ولكن الاعتراض ينصب
على إصرار الأجهزة الأمنية على
العودة من خلال البوابة
الأمنية، لأن ذلك يشكل انتقاصاً
من حق المواطن السوري في العودة
دون أي شروط إلي وطنه.
رابعاً:
مع كل التقدير لصدور مرسوم
العفو العام عن كثير من
المجرمين، في بداية عهد الرئيس
بشار الأسد، ولأن هذا العفو لم
يشمل المعتقلين السياسيين
والمنفيين، فقد جعل الجميع يشعر
بالأسف، لأن هذا العفو تناسى
المنفيين، ولم يتضمن المعتقلين
السياسيين، مع أن معظمهم قد
انتهت مدة الحكم عليه وتحفظت
عليه إدارات السجون الأمنية.
كما أن سياسة إطلاق سراح
المعتقلين "بالقطارة" وحسب
المناسبات، يؤسس لتسييس تلك
الخطوات التي ينبغي أن تبقى
إنسانية بحتة.
أما
المنفيون فقد أخرجهم من وطنهم
وديارهم الخوف على أنفسهم
وأهليهم، وما لم يصدر عفو عام
يشمل الجميع، فسيبقى عبور
الحدود مسكون بالخوف في نفس كل
من يفكر في العودة من هؤلاء إلى
الوطن. ونحن نعتقد أن إصدار
العفو العام سوف يؤدي إلي عودة
مئات الألوف وهم مطمئنون إلى أن
عودتهم غير منقوصة. صحيح أن بعض
القياديين ربما لن يعودوا إلا
في ظل تسوية سياسية، إلا أن
الصحيح أيضاً أن الغالبية
الساحقة التي ترفض العودة عن
طريق البوابة، سوف لن تتردد
بالعودة عند صدور عفو عام عن
جميع المنفيين بلا استثناء.
خامساً:
ما تزال القيادة السياسية في
سورية تتردد في إزالة الحيف
الواقع بحق عشرات الآلاف من
المنفيين السوريين وأولادهم،
المحرومين من حقهم بالحصول علي
وثائق السفر. ونشير هنا إلى أن
أية خطوة تتم لتشجيع المنفيين
على العودة إلي وطنهم سورية، لا
بد أن تسبق ببادرة حسن نية،
تتمثل بحصر موضوع وثائق السفر
الحساس بين أيدي السفراء
والقناصل، وإبقائه بعيداً عن
أيدي مندوبي أجهزة الأمن
الملحقين في القنصليات السورية.
ونشير
أخيراً (إلى) ملاحظة الأستاذ "سارة"،
إلى أن عودة المنفيين السوريين
تتقاطع مع اهتمام السلطات
السورية في أمرين، حشد إمكانات
السوريين في مواجهة التحديات،
والثاني تخفيف وجود معارضة
خارجية للنظام. ولا نذيع سراً
إذا قلنا أن تخفيف وجود
المعارضة في الخارج يتم فقط
بتشجيع أفراد هذه المعارضة،
الذين هم رأسمالها الأهم، على
العودة. ولا يتم ذلك إلا في حالة
واحدة فقط، وهو إلغاء أسباب هذا
الوجود، التي عددنا بعضاً منها
آنفا.
فقط
نؤكد هنا أن حساسية المرحلة
والتحديات التي تواجه سورية، لم
يتم حتى الآن التصدي لها من قبل
النظام بما يكافئ تلك التحديات.
وقد قيل في المثل: لن تحصل على
العشرة حتى تنفق التســـعة،
والمطلوب حالياً أقل من التسعة
بكثير.
لقد
سجل الأستاذ فائز سارة في
مقاله، أنه قد "خطا الإخوان
المسلمون السوريون في الخارج
خطوات باتجاه التقارب مع النظام
والفئات السياسية والاجتماعية
المختلفة، فنقدوا تجربة
الماضي، وأعلنوا تبنيهم أساليب
عمل علنية وديمقراطية ..".
وكأني بالأستاذ سارة يريد أن
يقول، أن الكرة الآن في ملعب
نظام الحكم السوري، وأنه آن
الأوان لكي يدرك ذلك، وأن يرد
التحية بأحسن منها أو مثلها.
__________
*
كاتب سوري مقيم في المنفى، عضو
مؤسس في رابطة أدباء الشام
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|