ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
نحو
جامعة متقدمة وديمقراطية المسألة
الجامعية وقضية الطلاب في سوريا "الزمن
الراهن هو ساحة المعركة،
والمعرفة هي سلاحنا"[1] عام
1959 رفض الدكتور أحمد السمان،
رئيس جامعة دمشق، تنفيذ قرار
صادر عن رئاسة الجمهورية
العربية المتحدة بقبول صدام
حسين وطلبة عراقيين آخرين،
لاجئين في سوريا ولا يملكون
ثبوتيات كافية، رفض قرار قبولهم
في الجامعة على اعتبار أنه "مخالف
للشروط الأكاديمية ولقانون
جامعة دمشق". ورغم تدخل عبد
الحميد السراج، وزير الداخلية
ورجل دولة الوحدة القوي في
سوريا، فقد أصر الدكتور السمان
على موقفه، واضطر دكتاتور
العراق المقبل أن يدرس في
القاهرة. هاني
الفكيكي الذي يورد الحادثة في
كتابه "أوكار الهزيمة"
يعلق عليها بالقول: "أثار رفض
السمان استغرابا شديدا في
نفوسنا واستهولنا، ونحن
القادمين من العراق أن يتحدى
رئيس جامعة قرارا من رئيس
الجمهورية، فكيف وإن هذا الرئيس
هو عبد الناصر". ويضيف: "فلما
أعدنا تذكيره بالقرار الرئاسي،
أجاب: إذن اذهبوا إلى جامعات مصر".
ويلمح القيادي البعثي السابق
إلى تفسير محتمل لهذه "القصة
الدالة" بأن سوريا "مرت
بتجربة برلمانية دامت أربع
سنوات"[2]. وفي
عام 1975، وفور إنهائه دراسة
التاريخ سجل السيد رفعت الأسد،
مع زوجته وابنه، في كلية الحقوق
في جامعة دمشق، "وكانوا
يقدمون الامتحان سوية في غرفة
رئيس الجامعة الدكتور زياد
الشويكي (...) وعندما جائتهم
الأسئلة مع فناجين القهوة وكتب
السنة الأولى قال لهم [لمن جلبوا
له الأسئلة والقهوة والكتب]
رفعت: العمى في قلبكم..ابعثوا
لنا استاذا يدلنا أين توجد
الأجوبة لهذه الأسئلة".
العماد أول مصطفى طلاس الذي
يروي الواقعة يقول ايضا إنه حين
كان السيد رفعت الأسد "منتسبا
إلى الجامعة (قسم التاريخ) شكا
لي رئيس القسم الدكتور محمد خير
فارس بان رفعت يأتي مع مفرزة من
الحرس الى الجامعة أيام
الامتحان ولا أحد يجرؤ من
المراقبين أن يقول له شيئا،
فماذا افعل؟" يقول العماد:
"قلت له لا تفعل شيئا لأنه لن
يعمل لديكم أستاذ تاريخ!"[3] تمثل
القصتان اللتان يفصل بينهما 16
عاما نموذجين للعلاقة بين
الجامعة والسلطة في بلدنا. في
النموذج الأول تخضع الجامعة
لقانونها الذاتي، أي "للشروط
الأكاديمية وقانون الجامعة"
حسب تعبير الدكتور السمان،
وترفض الخضوع لكل ما يتعارض مع
مقتضيات العلم أو قواعد العمل
الجامعي حتى لو صدر من أعلى سلطة
سياسية في البلاد، فيما تخضع
الجامعة ذليلة مهانة في النموذج
الثاني لقانون مفروض عليها من
خارج هو قانون السلطة
الاعتباطية. في النموذج الأول
تقول الجامعة للسلطة لا، في
النموذج الثاني تشتغل الجامعة
خادمة أو "صبابة قهوة" عند
صاحب السلطة. نسمى النموذج
الأول الجامعة الوطنية
المستقلة، والثاني الجامعة
الشمولية والمستقيلة. لم
تكن جامعة دمشق التي تاسست عام
1923 تحت اسم الجامعة السورية
مثالا للاستقلالية وقوة
الشخصية والثبات في وجه السلطة
على الدوام[4]، ولم تكن الجامعات السورية العامة الأربعة
خلال السنوات الثلاثين الماضية
على الدرجة من ضعف الشخصية التي
توحي بها القصة الماساوية
الثانية. الجامعة
الشمولية وقعت
القصة الأخيرة في سياق عملية
إعادة بناء النظام السياسي ككل
على القوة والإكراه من جهة،
وصعود نزعة طموحة إلى توسع
السلطة وإلحاق كل أوجه الحياة
الاجتماعية بها من جهة أخرى.
تجلى التوجه الأول في طفرة في
ولاية أجهزة الأمن على الناس
وحضور محسوس للخوف في المجتمع،
فيما عبر الثاني عن نفسه في
عملية "شعبنة" شاملة (منظمات
شعبية من المهد إلى اللحد) لا
تترك أية فسحة اجتماعية مستقلة.
وكان من ملامح سياسة التوسع
الشاملة هذه تأسيس منظمة طلائع
البعث 1974 التي تحقن الأطفال
السوريين جميعا بعقيدة الحزب
الحاكم وبتمجيد رموزه في "مدارس
للتعبئة والتعليب" حسب تعبير
طالب جامعي مر بتلك المدارس،
وتحول اتحاد شبيبة الثورة من
منظمة للشبان البعثيين إلى
منظمة إلزامية للشبان السوريين
جميعا، وتراخت معايير التنسيب
في حزب البعث ذاته على نطاق
المجتمع ككل في الوقت الذي صار
الانتماء إليه "يطعم من جوع
ويؤمن من خوف"، والعكس صحيح.
وتم كذلك "فتح" الرياضة
وضمها إلى مملكة الهيمنة
الشمولية. وتحول "الاتحاد
الوطني لطلبة سورية" منظمة
بعثية أيضا. ودشنت عملية عسكرة
الجامعة في الفترة ذاتها عبر
المعسكرات الجامعية الصيفية ثم
عبر تخصيص يوم كامل لمادة تدريب
عسكري تهدر وقت الطلاب وتوطن
مظاهر العسكرية في قلب الجامعة.
كذلك ازدهر فن كتابة التقارير
والوشاية وأضحى الواشي مثال
المواطن الصالح، وفرض تطابق تام
بين الوطنية والولاء للسلطة،
وبات الناس مطالبون بإثبات
وطنيتهم أمام اجهزة أمن مطلقة
الصلاحية. سياسة
الاستيعاب ربما
نذكر أن فترة النصف الثاني من
سبعينات القرن العشرين وما بعد
هي مرحلة "سياسة الاستيعاب"
الجامعية، التي عنت قبول جميع
الحائزين على الثانوية العامة
في الجامعات والمعاهد السورية[5]. وبينما كان يمكن لهذه السياسة أن تكون ذات
مضمون ديمقراطي بالفعل، فإن
تنفيذها الارتجالي دون اهتمام
بالتناسب بين الحجم الطلابي
والحجوم التعليمية والتجهيزية
والإدارية، واللامبالاة
بالارتقاء بالسوية العلمية
للجامعة أو الحفاظ عليها على
الأقل، واندراج الاستيعاب
الجامعي ضمن سياسة هيمنة متعددة
الأبعاد على المجتمع السوري
صادرت منه السياسة والشباب[6]، كل ذلك تسبب في إفراغ سياسة الاستيعاب من
مضمونها الديمقراطي المحتمل.
فالمشكلة في الواقع ليست في
الاستيعاب بحد ذاته، بل في: (1)
عدم مواكبة نمو رأس الجامعة
لنمو جسدها، اي التناسب بين
مستواها العلمي واستقلالها
وتطوير تجهيزاتها ومناهجها
وكفاءة كادراتها وبين ازدياد
عدد الطلاب؛ (2) تفريغه من محتواه
الديمقراطي، أي تحسين الفرص
الاجتماعية للطبقات الأضعف،
عبر إدراجها في سياسة هيمنة
شمولية معادية لكل أشكال
الاستقلال الاجتماعي كما رأينا
للتو. ولعل أقوى دليل على انفصال
سياسة الاستيعاب عن
الديمقراطية أنه تم في إطارها
فتح باب واسع جدا للاستثناءات
والتمييز بين المواطنين الشبان
على اسس حزبية وولائية وسلطوية
وقرابية. والاستثناء، بداهة، هو
نقيض الديمقراطية ونقيض
القانون ونقيض العدالة[7]. لذلك
كانت ثمرات سياسة الاستيعاب من
جنسها: جامعات مكتظة، جسيمة،
غير متطورة، مستواها العلمي
متواضع[8]. لكن
العامين الأخيرين اظهرا انه
يمكن نقد سياسة الاستيعاب من
موقعين متباينين ولهدفين
متعارضين تماما. هناك نقد
لسياسة الاستيعاب يرفض
الاستيعاب، أي يرفض استفادة
أوسع نسبة من الشبان السوريين
من التعليم العالي ويفتح
بالمقابل اقنية جانبية للتعليم
المفتوح والتعليم الموازي
والجامعات الخاصة، ويمثل هذا
النهج وزير التعليم العالي
الحالي[9]. هذا نقد نخبوي معادي للديمقراطية، وهو
استمرار للتمييز الشمولي
بطريقة مختلفة: من التمييز بين
الشباب السوري على اسس حزبية
وإيديولوجية وولائية إلى
التمييز على اسس طبقية
واجتماعية. وهناك نقد ديمقراطي
لسياسة الاستيعاب يدافع عن
توسيع الاستيعاب لكن يعترض على
إخضاعه لتنظيمات الشمولية
ويدافع عن جامعة راقية علميا
بقدر ما هي حرة. من هذا الموقع
الأخير ينطلق نقدنا[10]. احتلال
الجامعة يدين
تدني المستوى العلمي للجامعات
للتطبيق الشمولي والارتجالي
لسياسة الاستيعاب ولتحزيب
الجامعة أو تبعيثها بعبارة د.
منذر خدام، ولتقدم معايير
الولاء على الكفاءة على مستوى
الطلاب ومستوى الأساتذة وعلى
مستوى الإدارة والمستخدمين،
وكذلك لفتح أبواب الاستثناء (العلامات
الممنوحة للشبيبيين والحزبيين
والمظليين ..) في الحيز الذي
يفترض انه موطن إنتاج معايير
العدالة والنظام والأصول. وليس
في ذلك أي سر. فبقدر ما تتحول
السلطة داخل الجامعة إلى أيدي
غير الجامعيين، وبقدر ما يتم
الفصل بين الجامعيين والقرار
الجامعي وتفقد الجامعة الحق في
تقرير مصيرها، فإنها تكف عن
التطور ومراكمة الخبرة
والتقاليد وبلورة شخصية مستقلة.
وما يزيد الحال تدهورا ولوج
طلاب متدنيي المستوى العلمي إلى
الجامعة من باب الاستثناءات،
والتوسع في سياسة ايفاد لمصلحة
طلاب موالين لا يقدرون قيمة
الجهد والعمل[11]. جرت
هذه التحولات في سياق صراعي
متوتر، بل متفجر، أثمر خضوع
الجامعة منذ اواخر السبعينات
بخاصة لغزو حزبي وأمني
وميليشاوي، أعطى السيادة في
الحرم الجامعي بالذات لرجل
الأمن أو للحزبي او للمسلح.
وباتت التفاعلات بين الطلاب تمر
عبر هؤلاء بصورة محتومة، فلا
مجال لأمسية ادبية من دونهم ولا
لعرض فيلم سينمائي ولا لرحلة
ولا حتى لمجلة حائط. وفي
تلك الفترة وفي سياق المواجهات
الأليمة التي شهدتها البلاد وما
أفضت إليه من ارتفاع طلب النظام
على الولاء والموالين أخذ
التمييز بين طلاب العلم صورا
بشعة لم تعرفها سوريا منذ
استقلالها. وبالنتيجة تبلورت
درجتان من المواطنة: مواطنو
الدرجة الأولى وهم أهل الولاء،
وبالخصوص من اجروا دورات مظليين
أو صاعقة أو كتائب طلابية
مسلحة، ومواطنو درجة ثانية من
غير الموالين[12]. بل تغير شكل الولاء وحده الأدنى المقبول.
فلم تعد الصفة البعثية كافية،
صار المسلح الميلشياوي مفضلا.
ومن الطبيعي ان يستفيد من هذا
الوضع الطلاب الأدنى مستوى
والفاشلون[13]. أي من يرتقون سلم العلم بالبندقية أو من
ينالون كرسيا في كلية الطب عبر
إنزال مظلي وفقا لكاريكاتير
رسمه وقتها الفنان علي فرزات
ونال عليه علقة ساخنة من "سرايا
الدفاع". الوظائف
الاجتماعية للجامعة الجامعة
الشمولية باختصار جامعة قمعية
ومتخلفة وبلا شخصية، علمها
متدني وحرياتها تنافسه في
التدني. فقد كان لا بد للشروط
التي وصفناها ان تنعكس باذى
جسيم على نهوض الجامعة بوظائفها
الاجتماعية. سنقتصر فيما يلي
على حال الوظيفتين العلمية
والمدنية. الوظيفة
العلمية للجامعة بينما
تتحول الجامعات في العالم من
نقل المعرفة إلى صنعها، ومن
تدريس العلم إلى إنتاجه فإن
قدرة جامعاتنا المحلية على محض
نقل العلم تواجه صعوبات حقيقية.
وتقع هذه الصعوبات على مختلف
حلقات السلسلة الجامعية:
المدرسين والمناهج وطرائق
التدريس والتجهيزات والجو
الجامعي بمجمله. يتواتر
الكلام على تدني مستوى الكادر
التدريسي في الجامعات السورية
على ألسنة الطلاب وعامة الناس
ومسؤولي التعليم العالي أنفسهم[14]. وتترواح أسباب التدني بين ضآلة فرص متابعة
التطورات العلمية في العالم
وضعف الرواتب وانفصال كفاءة
الاستاذ عن الدخل الذي يناله
الأمر الذي يضعف دوافعه لتحسين
قدراته العلمية. ومن أهم
الأسباب أيضا ان نصف اساتذة
الجامعات السورية خريجون من
أوربا الشرقية[15]، وبالخصوص في عقد الثمانينات وقت كانت
نظمها التعليمية تنهار. ومعظم
هؤلاء في الأصل موفدون بفضل
ولائهم لا بفضل تفوقهم. ولا يزال
معيار الولاء يتقدم اليوم
بالذات على معيار الكفاءة
والأهلية في اختيار المعيدين
للتدريس[16]. وتشكو
المناهج على العموم من تأخرها
عن احدث المعارف العلمية في
البلدان المتقدمة ومن تدني
مستوى التاليف في جامعاتنا.
ولغياب مجلات علمية محترمة دور
مهم في هذا المجال. ويعمد مدرسون
يرغبون في الترفع إلى استاذ
مساعد في الكليات العلمية إلى
تكليف طلابهم بترجمة كتب درسوها
هم او حصلوا عليها بطريقة، ما ثم
يضعون اسماءهم عليها كمؤلفين
ويمنحون الطلاب بضع درجات في
امتحاناتهم[17]. وفي هذا 3 تحايلات لا تحايل واحد. الأول هو
سرقة جهد المؤلف الاصلي والناشر
الأصلي دون إذن منه؛ الثاني هو
سرقة جهد الطلاب؛ الثالث
الإساءة للعلم والتعلم لأنه في
الغالب يكون مستوى الترجمة
متواضعا وغير مفهوم احيانا.
حيال مثل هذه الممارسة يتساءل د.
عمر شابسيغ: "هل هذه هي
الأمانة العلمية التي يجب أن
يتميز بها الأستاذ الجامعي
المربي؟". ويشفق د. شابسيغ على
أخلاقيات الطلاب في عملهم بعد
التخرج حين يرون أساتذتهم
يسرقون جهد الآخرين[18]. وفي
حالة نادرة وغريبة من حالات
الإجماع يجمع الطلاب والأساتذة
أنفسهم ودارسي التعليم العالي (وما
قبل العالي) في بلادنا على أن
طرائق التعليم تعتمد التلقين
والحفظ والاستذكار بدلا من
الفهم والتحليل والحس النقدي[19]. ويثبت بعض الأساتذة متدنيي المستوى هذا
النهج حين يطالبون الطلاب بحفظ
حرفي لما درسوه لهم تثبيتا
لسلطتهم عليهم. لكن يلعب دورا في
ذلك نقص التجهيزات وضعف الدافع
لدى الكادر التدريسي للمغامرة
في أساليب تدريس طليعية، وذهنية
الموظف المهيمنة في أوساط إدارة
الجامعات ومسؤولي التعليم
العالي، ونقص المراجع العلمية
ذات القيمة التي يمكن ان
يعتمدها الطلاب. والأهم ان
تجريب الخروج على مألوف العادة
عسير في نظام جامعي وسياسي
محافظ يشتبه بالمغاير والمختلف
ويرتاب بالإبداع ويعاقب
المبدعين ويكافئ الإمعات
المتبعين. والعلاقة وثيقة بين
طرائق نقل العلم وتدريسه وبين
حريات التعبير والتفكير والرأي
في الجامعة والمجتمع من جهة،
ونوعية العلاقة بين المعلم
والطالب من جهة اخرى. إن فرصة
تجريب طرائق تعليم تفاعلية
وديمقراطية محدودة في ظل نظام
جامعي وسياسي محافظ وغير
ديمقراطي. كذلك
يميل مركز ثقل العملية
التعليمية في الجامعة لمصلحة
التلقين لا التجريب، والنظري لا
العملي، بسبب ضعف التجهيزات
وتقادمها، وتدني مستوى
المخابر، ونقص المساعدين
المخبريين الأكفاء، وضخامة عدد
الطلاب قياسا بمستوى التجهيز
المتاح وضعف مستوى الاكثرية
الساحقة من الطلاب باللغات
الأجنبية[20]. وفي هذا المجال يلعب نقص عدد الحواسيب
وصعوبات الاتصال بشبكة
الانترنت وغلاء اسعار الاشتراك
فيها دورا سلبيا في تشجيع
البحث العلمي الذي صارت
الشبكة تقوم بدور بالغ الأهمية
فيه. فسوريا تتقدم فقط على اليمن
والسودان والعراق في مدى انتشار
الانترنت[21]. وتكلف 25 ساعة اتصال بالانترنت قرابة 10% من
متوسط دخل الفرد بينما هي اقل من
1% في معظم دولا العالم[22]. إضافة
إلى كل ما سبق فإن المناخ العام
في الجامعة وفي المجتمع والدولة
لا يشجع على نهوض الوظيفة
العلمية. فالجامعة لا تعيش خارج
المجتمع ولا يعيش العلم خارج
الثقافة. والحرية للثقافة
كالماء للسمك. ولا يمكن للثقافة
أن تزدهر خارج بيئة اجتماعية
وسياسية تكفل حرية الراي
والتعبير والفكر والاعتقاد
والنقاش الحر. ولا يمكن للمجتمع
ان يتاسس على المعرفة دون كفالة
حق المواطنين في الوصول إلى
المعرفة ومصادر المعلومات،
والشفافية والمساءلة. و"الباحث
العلمي لا يشتغل بكامل طاقته
العلمية إلا في بيئة آمنة ماديا
ومعنوياً"[23]. الشخصية
والازدواجية الفكرية والسلوكية
والأخلاقية لا يمكن للعلم
والفكر العلمي أن يزدهرا[24] ولا ان يكرس المرء نفسه للمعرفة والعلم،
علما أن "العلم لا يعطيك بعضه
إن لم تعطه كلك" كما كان يقول
أسلافنا. على
أن الشيء الأساسي من وراء ذلك
كله هو أن العلم ليس قيمة مستقلة
في نظامنا الاجتماعي الحالي ولا
يشكل قناة فعالة للترقي
الاجتماعي. إنه تابع لشيء آخر:
الوجاهة، الدخل، السلطة.
المعادل
المؤسسي لانعدام استقلال العلم
هو تبعية الجامعة. ليست
جامعاتنا مواطن للعلم والمعرفة
والفكر الحر لأنه، بكل بساطة،
لم يتخذ في اي يوم من الأيام
قرار حقيقي لجعلها كذلك، بما
يتطلبه ذلك من تخصيص موارد ووقت
وجهد ومؤسسات مستقلة جديدة. لا
بل إن الممارسة الفعلية التي
وصفناها فوق توحي بان الجامعة
منذ ثلاثة عقود مجرد حيز إضافي
للهيمنة وتوسع السلطة. ولا يمكن
توقع نشوء جماعة علمية وطنية
فيما السلطة في الجامعة نفسها
لمسؤولي الأمن أو لطلاب حزبيين،
وفيما تفوق سلطة مسؤول امني أو
حزبي سلطة أكبر استاذ جامعي. لقد
نجح نظام الحكم في البلاد في
بناء اجهزة أمن ذات إنتاجية
عالية من الخوف لأنه بذل لها
الجهود والموارد، فيما كان سجله
الجامعي متدنيا لأن الجامعات
والمعرفة والبحث العلمي ليست من
أولوياته. النقطة
الثانية لتطوير الوظيفة
العلمية لجامعاتنا بعد القرار
هي أن تكون السيادة فيها للعلم
وأهل العلم من أساتذة وطلاب لا
لعناصر الأمن أو أية منظمات
سياسية. الجامعة غير المستقلة
لا يمكن أن ترتقي علميا ولا ان
تطور لنفسها تقاليد وشخصية
متميزة. إلى
ذلك ليس النمط الاقتصادي السائد
في البلاد حافزا على البحث
العلمي او الإعلاء من قيمة
العلم والعلماء. في الواقع
تحتاج المشاريع الاقتصادية
الخاصة إلى "ظهر" سلطوي
يحميها لا إلى علماء أو باحثين.
أما الاقتصاد الحكومي فطارد
للكفاءات بسبب هزال أجوره
وتغلغل الفساد وانفصال الكفاءة
عن الدخل فيه. وتثبت دراسة غير
منشورة ان ارتفاع سوية التحصيل
العلمي لا تنعكس ارتفاعا
متناسبا في الدخل[25]. وفي
الحالين ينفصل النشاط
الاقتصادي عن العلم انفصالا
تاما، ما ينعكس سوية متدنية
لرأس المال البشري السوري، هذا
بينما 64% من القيمة المضافة في
البلدان المتقدمة مصدرها راس
المال البشري[26]. وبينما يتحدث التنمويون عن اقتصاد
المعرفة ومجتمع المعرفة، وعن أن
دور المعرفة في الاقتصاد الجديد
سيغلب دور الراسمال المادي،
وستهتم الدول المتقدمة
والشركات الكبرى بكادرها من
العقول المبدعة أولا، فإن
ميزانية البحث والتطوير في
الدول العربية لا تتعدى 02% من
الناتج المحلي الإجمالي فيما هي
2,5-5% في البلدان المتقدمة[27]. ولم يعد من باب التخمين أن الرؤوس العالمة
ستحل محل الأيدي العاملة[28]. والحال
إن ما تعرضه الجامعة على
الاقتصاد من قوى علمية محدود إن
لم نقل معدوما، وما يطلبه
الاقتصاد من الجامعة محدود او
معدوم أيضا. فجامعاتنا تخرج
موظفين لا علماء او خبراء أو
باحثين، أو حتى محض مهنيين
أكفاء[29]. وحين تحتاج السلطات إلى علماء وخبراء
فإنها تطلبهم من دول أجنبية ولا
تثق بمواطنيها حتى حين يملكون
مؤهلات تضاهي تأهيل نظرائهم
الجانب (عقدة الأجنبي أو "الافرنجي
برنجي") . إلى
جانب القرار والاستقلالية
والموارد يقتضي جعل الجامعات
"معابد للعلم"[30] تحولا ثوريا في نظام القيم: من نظام متمحور
حول السلطة إلى نظام متمحور حول
المعرفة. فتشوه نظام القيم
العامة وتعطل الدور الارتقائي
للعلم والعمل لمصلحة قيم السلطة
والولاء وانهيار القيمة
المادية للعمل[31]، أفضى إلى انهيار مجتمع العمل ذاته، أي
الناس الذين يعيشون من جهودهم
ومعرفتهم وكفاءتهم فيما رجحت
كفة من يحوزون السلطة ومن
ينتجون الخوف والموت. إن البلاد
التي تتفوق فيه "مصانع الخوف"
على "معابد العلم" لا
مستقبل لها. وإذا
تحدثنا بلغة تقرير التنمية
الإنسانية العربية لعام 2003 نقول
إن "نسق الحوافز المجتمعي"
يقوم على "تقديس القوة
والثروة ويضعف أخلاقيات
المعرفة"[32]. لقد
تشوه "نسق الحوافز المجتمعي"
في سوريا بتأثير نوعين من الريع:
تحصل الأول من المساعدات
الاقتصادية العربية التي ترتبت
على الفورة النفطية التالية
لحرب تشرين 1973، والثاني من
استخراج النفط في التسعينات وقد
منح الريع بشكليه استقلالية
مبالغا فيها للدولة عن المجتمع
واقتصاد الانتاج المحلي،
وأغناها عن "كماليات" مثل
الثقافة والعلم والجامعة. وكانت
تدفقات المال الريعي النفطي
التي تلت حرب تشرين قد مولت
التوسعية الدولانية في جميع
المجالات: في الاقتصاد كما في
الأمن والإدارة الحكومية و"المنظمات
الشعبية" وسياسة الاستيعاب
الجامعية. وفرت
السياسة الأخيرة أعدادا ضخمة من
الخريجين تم توظيفهم في فترة
ارتفاع معدل النمو إلى حوالي 7 %
في النصف الثاني من السبعينات.
في تلك الفترة كما نعلم صدر
المرسوم رقم 49 لعام 1976 الذي تلزم
الدولة نفسها فيه بتوظيف جميع
خريجي كليات الهندسة. وفي عام 1996
سيغدو التعيين اختياريا
للراغبين، قبل أن يلغى من طرف
واحد عام 2004. والثابت وراء هذه
التغيرات هو النهج الفوقي
القسري الذي لا يعرف الرفق
بالمواطنين ولا يخطر له ببال أن
يشاروهم أو يستمع لآرائهم في
قراراته. فقد فرض على المهندسين
العمل لدى الدولة رغم اعتراض
أعداد منهم وقتها، بما فيهم
نقابة المهندسين[33]، ثم ألغي المرسوم مؤخرا بالأسلوب الأوامري
ذاته. وليس
من الصحيح اليوم الاعتقاد أن
المشكلة لا تحل إلا باستمرار
التزام الدولة بتوظيف
المهندسين. فمن المرجح أن نسبة
مهمة من 60 ألف مهندس يعملون لدى
الدولة من مجموع 85 ألف مهندس في
سوريا يتلقون رواتب دون دون عمل
ويمثلون حالة للبطالة المقنعة.
الأنسب وضع معالجة المشكلة في
سياق سياسة تنموية متكاملة تهتم
بالتخلص من البطالة المقنعة
التي أثمرتها سياسة الاستيعاب
والالتزام السابقة دون أن يكون
البديل تضخيم صفوف البطالة
السافرة، سياسة تهتم بترقية
مستوى الجامعة كيلا تثابر على
ضخ مهندسين وخريجين متدنيي
المستوى في اقتصاد يزداد
ليبرالية وتطلبا للكفاءات.
وخلافا لما يقول رئيس الوزراء
في سياق كلامه على المرسوم رقم 6،
ليست الدولة "رب عمل كما هو القطاع الخاص. فهل يسمح القطاع
الخاص بدفع راتب عامل لديه لا
حاجة له وليس لدى رب العمل
شغل لديه؟"[34] هذا الكلام خطير لأنه يعتبر أن "الدولة"
تملك المال العام كما يملك
الخواص أموالهم، وتتصرف فيه كما
يتصرف المالكون الخواص دون
استشارة أحد ودون تقديم كشف
حساب أمام احد. ونحن نعلم أن "الدولة"
التي يتحدث عنها رئيس الوزراء
غير منتخبة، ولا نملك اية ضمانة
بان سياساتها وخططها ستراعي
المصلحة العامة أكثر مما تراعي
أصحاب مصالح خاصة[35]. والواضح أن السيد عطري يريد التخلي عن
التزامات الدولة دون التخلي عن
اي قدر من سلطتها. وهذا غير عادل
وستكون له آثار ضارة على
التوازن والاستقرار الاجتماعي.
فالمنطقي أنه اذا تخلت الدولة
عن التزامات اجتماعية فينبغي أن
تتنازل عن احتكارها السياسي
الذي انبنى على التزاماتها تلك،
أي عما أسميه "العقد
الاجتماعي الاشتراكي": تؤمن
الدولة للمواطنين عملا ودخلا
مقابل انتزاع حقوقهم السياسية[36]. وإذا عمدت إلى تفكيك بعض خطوط الدفاع
الاجتماعية فينبغي ان تسمح
للناس ان ينظموا صفوفهم للدفاع
عن أنفسهم. ومعلوم أنه حين احتج
الطلاب على تخلي الدولة عن ذاك
الالتزام قمعوا من قبل زملائهم
البعثيين المُحرَّضين، ثم
اعتقل عديدون منهم. لسان الحال
يقول نتخلى عن التزام بتأمين
العمل لكم ونقمعكم إذا دافعتم
عن لقمة عيشكم. الغرض
مما تقدم أن مشكلاتنا التنموية
اليوم ثمرة سياسات تنموية
مرتجلة في الأمس. وأن أحوال
التنمية والجامعة معا كانتا
ضحية تلك السياسات. وما كان
مشكلة تحول إلى كارثة بدءا من
عام 1980 حين احتلت الجامعة ومنح
المظليون والكتائب المسلحة
إمكانية الدخول إلى أية كلية
بصرف النظر عن قدراتهم العلمية.
ومنحت الأولوية في الإيفاد
للموالين. بعد سنوات تخرج أولئك
وعادوا ليتسببوا في انتشار
الفساد وسوء سمعة الجامعة
وأهانة قيم العلم والعمل. وبفضل
هذا السلوك غير المسؤول وبفضل
الشمولية الولائية التي تجمع
بين تقييد المجتمع والتمييز بين
المواطنين، أخذت سوريا تتتقل في
تلك الفترة من بلد متخلف يجتهد
بحثا عن طريق التقدم إلى بلد
متخلف يمضي قدما على طريق
التخلف. والسر في ذلك ان صعود
قيم السلطة والولاء وانتشار
الخوف في المجتمع قد أنجب
قانونا اجتماعيا جديدا يصح ان
نسميه قانون البقاء للسيء
والصعود للأسوأ، اي لمن تقتصر
كفاءاته على الولاء والتملق
وكتابة التقارير[37]. وطردت العملة الإنسانية الردئية العملة
الجيدة من التداول في غياب "سوق
وطنية" حرة للآراء
والاجتهادات والكفاءات. وقد دفع
هذا القانون إلى "سدة المفاصل
التنفيذية في الدولة بكادرات
محدودة الثقافة والإمكانيات
وقليلة الطموح والأحلام في كثير
من الأحيان. وقد حاولت هذه
الكادرات إخفاء محدوديتها من
خلال المزايدة السياسية
القوموية أو المزايدة في
التصريحات الاقتصادية القاصرة
المتخفية وراء ستار الهيمنة شبه
الكاملة للدولة على مناحي
الحياة"[38]. وهكذا
كان الربع الأخير من القرن
العشرين امتحانا للتنافس من أجل
البقاء، ينجح فيه "أهل الثقة"
والولاء ويفشل فيه اهل العلم
والعمل، ما سميناه البقاء
للأسوأ. هذا هو اوتوستراد
التخلف. وهكذا
بدا كأن سوريا تناضل من اجل
التخلف. وحين نسمع شكوى رسميين،
مثل السيد نبراس الفاضل مستشار
رئيس الجمهورية للشؤون
الاقتصادية او السيد عبدالله
الدردري رئيس هيئة تخطيط الدولة
أو السفير سامي الخيمي من ندرة
الكفاءات، فإننا نعلم السر:
انهيار قيمة العلم والعمل
المادية وقلب قسري لنظام القيم
الاجتماعي لمصلحة السلطة طوال
ربع قرن كامل. ومن الطبيعي أن من
يزرع الولاء يحصد الفساد، ومن
يبذر الخوف يحصد الشلل
الاجتماعي والعجز عن المبادرة.
بالحصيلة
أمسى المجتمع السوري النقيض
التام لمجتمع المعرفة الذي تحدث
عنه ودعها إليه تقرير التنمية
الإنسانية العربية عام 2003 والذي
يقوم على "نشر المعرفة
وإنتاجها ووتوظيفها بكفاءة في
جميع مجالات النشاط المجتمعي:
الاقتصاد والمجتمع المدني
والسياسة والحياة الخاصة وصولا
إلى الارتقاء بالحالة
الإنسانية باطراد اي تحقيق
التنمية الإنسانية"[39]. قد يصح ان نسمي مجتمعنا في ذلك الوقت (اليوم
أقل؟!) مجتمع السلطة لأن القيمة
المركزية فيه هي السلطة،
والفاعلية المهيمنة فيه هي
فاعلية إنتاج السلطة وعرضها
وتنميتها وغزوها لجميع مناحي
الحياة الاجتماعية بما فيها "الاقتصاد
والمجتمع المدني والسياسة
والحياة الخاصة"، وبالطبع
الجامعة[40]. والمقصود دائما سلطة الإكراه والقسر وليس
سلطة القانون. يقتضي
النهوض بالوظيفة العلمية
للجامعة تقوية سلطة الأساتذة
وإدارة الجامعة حيال الحزب
والأمن واتحاد الطلبة،
واستقلال العلاقة العلمية بين
الاستاذ والطالب عن اية علاقة
اخرى، وكفالة حصانة الأساتذة
فيما يعلمون ويفكرون. حصانة
الأستاذ الجامعي ضرورية أيضا من
أجل القيام "بالدور الأخلاقي
والاستقلال والمسؤولية
والاستباق" التي أكدت عليها
اليونسكو، وتشمل "1- ضمان
وتطوير وظائفهم الأساسية
مخصصين كل أنشطتهم للدقة
الأخلاقية والعلمية الفكرية؛ 2-
القدرة على إبداء الراي بشأن
المشكلات الأخلاقية والثقافية
والاجتماعية بكل الاستقلال
والمسؤولية، وممارسة السلطة
الفكرية التي يحتاج إليها
المجتمع لترشيده إلى التفكير
والعمل؛ 3- تعزيز وظائفهم
النقدية والاستشرافية، عن طريق
التحليل المستمر لما يستجد من
الاتجاهات الاجتماعية
والاقتصادية والثقافية
والسياسية، ومن ثم أداء دور
المرصد القادر على التنبؤ
والإنذار المبكر والوقاية؛ (...)؛
5- التمتع بكامل حريتهم
الأكاديمية واستقلاليتهم على
أنهما تمثلان جملة من الحقوق
والواجبات، مع الشعور
بالمسؤولية التامة تجاه
المجتمع وقبول الخضوع لمساءلته"[41]. الوظيفة
المدنية للجامعة والقضية
الطلابية
محور
الوظيفة المدنية للجامعة هو
الطلاب كما كان محور وظيفتها
العلمية هو الاساتذة أو الكادر
التدريس بعامة. أعني بالوظيفة
المدنية للجامعة ما تمنحه
لطلابها الشبان من فرص لتطوير
شخصياتهم ومن نضج إنساني وفكري
وثقافي ومن معرفة أغنى بمجتمعهم
وبلدهم ومن تعارف على زميلات
وزملاء لهم من خلفيات اجتماعية
ودينية وإثنية وسياسية
وإيديولوجية مختلفة، ما كانت
لتتاح لأكثريتهم في غير الجامعة.
وهذا الجانب الأخير الخاص
بالدمج الاجتماعي بالذات بالغ
الأهمية في مجتمع تعددي إثنيا
ودينيا ومذهبيا وفكريا
كالمجتمع السوري، وفي مؤسسة
تجمع شباب البلاد المتعلم
كالجامعة. فإذا نجحت الجامعة (والجيش)
في الوظيفة الدمجية كان اندماج
المجتمع السوري بخير، وبالعكس.
ولذلك فإن إصلاح هاتين
المؤسستين ضمانة لمستقبل
الوحدة الوطنية أكثر من أي شيء
آخر. غير
أن واقع الحال مناقض للمأمول.
فالجامعة في سوريا لا تجمع، إن
لم نقل إنها تكاد تكون معرضا
لتجاور السوريين وتساكنهم
السلبي، وشح التفاعلات
الاجتماعية والثقافية
والإنسانية فيما بينهم. والسر
في ذلك يعود بكل بساطة إلى منع
التفاعلات المستقلة بين
الطلاب، اي العمل المشترك الذي
لا تشرف عليه وتوجهه وتراقبه
أجهزة غير طلابية، تهتم أولا
بمنطق السيطرة والتحكم لا
بالتواصل الحر والتعاون
المستقل لشباب سوريا. في
جامعة حلب ينقسم الطلاب إلى عرب
واكراد، ومسلمين ومسيحيين،
وديريين وأدالبة.. وهكذا، وتعيش
كل مجموعة شبه مستقلة عن
الأخرى، وثمة ما يشبه ذلك في
دمشق. وهذه ليست روابط اهلية
ساكنة بل هي ايضا تحالفات
انتخابية تظهر بأسطع صورة في
مواسم الانتخابات الطلابية. ولا
حاجة إلى القول إنها تحالفات
انتمائية وليست برنامجية. وحين
شكل طلاب من جامعة حلب إطارا
مدنيا حديثا يتوحدون فيه وراء
هذه الانقسامات الأهلية تعرضوا
لأشكال من التضييق توجت
بالاعتقال في 24 نيسان الماضي[42]. فالمشكلة ليست في قوة الروابط الأهلية بل
في منع السلطة الأمنية والحزبية
تكون روابط مدنية منافسة من
جهة، وفي قيام الروابط الأهلية
بدور عمومي حديث برعاية من
الحزب الحاكم واتحاد الطلبة
الرسمي من جهة أخرى. ترسخ
هذا الشرط العام الماضي حين
عومل قطاع الطلاب بصفته خطا
احمر لا يسمح له بان يشارك في
النشاط العام المستقل. واحتكار
قطاع الطلاب سنة قديمة قدم
ميثاق "الجبهة الوطنية
التقدمية". وتلقى دفعة قوية
في زمن الشمولية الضاربة
والضارية في بداية الثمانينات،
الذي قصم ظهر الجامعة والمجتمع.
لذلك بالذات كانت مشاركة طلاب
الجامعات وجيل الشباب بصورة
عامة في "ربيع دمشق" محدودة
بصورة لافتة. وحين تنشط طلاب
جامعة حلب في العامين الدراسيين
2002-2203 و2003-2004 أخضعوا لأشكال
متعددة من الضغوط والتهم
والتهديدات والاعتداءات انتهت
باعتقال 11 طالبا في دمشق في 24
نيسان الماضي[43]. الحريات
الطلابية تنشيط
الوظيفة المدنية للجامعة يمر
بصورة محتومة عبر الحريات
الطلابية بما فيها حرية المنابر
وحرية التجمعات وحرية التنظيم
الطلابي، وبالطبع حرية الراي
والتعبير والتفكير والنقاش.
فعبر هذه الحريات يتدرب الجيل
الشاب على وعي القضايا العامة
والاهتمام بها وتطوير أشكال
مبتكرة للتعبير عن ذاته. فالجيل
الشاب، والجامعي بخاصة، هو جيل
التمرد والإبداع والمغامرة.
وإخضاعه للرقابة والتأطير ضمن
هياكل قمعية محافظة واحادية
الصوت يهدر طاقته وإقدامه،
ويضيع على البلاد منبعا لا ينضب
من الشجاعة والحيوية والتجدد،
ويدفع الثقافة إلى الذبول
والتعفن، والحياة السياسية إلى
الشيخوخة والموت، والمجتمع ككل
إلى المحافظة والجمود.
الممر
الإلزامي للحريات الطلابية هو،
هنا ايضا، استقلالية الجامعة.
فالاستقلالية هي الجذع الذي
تتفرع عنه الوظيفتين العلمية
والمدنية للجامعة. لكنها تعني
في سياق الكلام على الوظيفة
المدنية للجامعة جلاء الأمنيين
والحزبيين عن الجامعة أي نيل
استقلالها السياسي، بينما كانت
تعني هناك استقلالها بمعايير
خاصة بعملها تتمحور حول العلم. على
المستوى القانوني يتوجب نزع
الطابع القمعي والمرتبط بطرد
الحرية من الجامعة والمجتمع من
اللائحة التنفيذية لقانون
تنظيم الجامعات الذي صدر عام 1982
في ظل جنون الأمن الذي تملك
النظام. وبالخصوص البند 6 من
المادة 134 الذي يعتبر أن "تنظيم
الجمعيات داخل الجامعة أو
الانتساب إليها أو المشاركة في
اعمالها دون ترخيص مسبق من
الجامعة أو المنظمات الشعبية
المختصة" "مخالفة تستوجب
اتخاذ إجراءات انضباطية
وتأديبية". وكذلك البند 7 الذي
ينص على أن "الاشتراك في
اعمال ذات طابع سياسي خلافا
للقوانين والأنظمة النافذة أو
القيام بأعمال منافية للآداب أو
الاحترام الواجب للهيئات
النظامية". والبند رقم 9 من
المادة ذاتها الذي يجرم "توزيع
النشرات أو إصدار جرائد حائط أو
وضع إعلانات باية صورة كانت أو
جمع توقيعات داخل الجامعة
والأمكنة الملحقة بها دون إذن
مسبق من رئاسة الجامعة أو
المنظمات الشعبية المختصة".
علما أن الطلاب المفصولين من
جامعتي حلب ودمشق عوقبوا
استنادا إلى هذه المادة
والمادتين 135 و136، وتصنف الأولى
العقوبات إلى 13 مرتبة آخرها
واشدها الفصل النهائي من
الجامعة. كذلك إلغاء المادة
المخزية رقم 162 من قانون تنظيم
الجامعات القديم (صادر عام 1975)
والتي تنص على أنه "لا يجوز
الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ
أمام اية هيئة قضائية في
القرارات والأوامر الصادرة من
الهيئات الجامعية في شؤون
الطلاب". وهذه مادة قرقوشية
تحرم قطاعا من المواطنين من
الحق في العدالة وتشبه المداة 137
من قانمون العاملين الجديد التي
أثارت جدلا قبل بعض الوقت. إنها
مادة تجرم حق الدفاع عن النفس
وتؤسس لطغيان لا إنساني. وهي عار
على الجامعة وعلى البلد وعلى من
اصدروها. اتحاد
الطلبة وعسكرة الجامعة وللأسف
كان الاتحاد الوطني لطلبة سوريا
الحلقة النوعية لتبعية طلاب
الجامعة وليس الإطار
الديمقراطي لتمثيل الطلاب
وحماية الاستقلال الجامعي.
ويكفي اطلاع عابر على موقع
الاتحاد على الانترنت أو صحيفة
"الغد" نصف الشهرية التي
يصدرها الاتحاد لنرى أنه يعرف
ذاته كمنظمة بعثية. ليس
الاتحاد تعبيرا عن مدنية
الجامعة بل هو عنصر من عناصر
العسكرة التي أخذت شكل احتلال
مسلح طوال عقد الثمانينات
المظلم وبعض التسعينات لتاخذ
اشكالا اقل جهامة في السنوات
الأخيرة. وكان من مظاهر عسكرة
الجامعة حتى وقت قريب تخصيص يوم
كامل من ست ساعات للتدريب
العسكري الجامعي طوال أربع
سنوات دراسية ومعسكرات صيفية من
أسبوعين لثلاث سنوات، إضافة إلى
مادة إيديولوجية، تنفر الطلاب
ولا تستنفرهم، اسمها "الثقافة
القومية الاشتراكية" يدرسها
موظفون إيديولوجيون غرباء على
الجامعة والقيم الجامعية. هذا
فضلا عن وجود مفارز امنية مسلحة
في الكليات وعن ظاهرة الطلبة
المخبرين الذين كانوا يكتبون
التقارير بزملائهم. في
السنوات الأخيرة تراجعت هذه
المظاهر لكن لا زلنا بعيدين عن
استقلال الجامعة ولا يزال حرمها
منتهكا من الأمنيين والحزبيين
كما قلنا. إن
إصلاح اتحاد الطلبة يمر
بالضرورة بنزع صفته الحزبية.
فهو لا يستطيع أن يكون اتحادا
لطلبة سوريا وتابعا في الوقت
نفسه لأحد الأحزاب السورية، حتى
لو كان حزب البعث. فتبعيته
الحزبية تحد من قدرته على تمثيل
الطلبة والدفاع عن مصالحهم.
ومعلوم ان صوته كان خافتا حين
رفعت اجور السكن الجامعي دفعة
واحدة بنسبة 1600%. لكن صوته لم يكن
غائبا حين فصل طلاب من جامعة حلب
فصلا نهائيا وآخرون فصلوا مؤقتا
وبعضهم فصل من الاتحاد ذاته.
الواقع انه كان عالي الصوت ضدهم.
وكان أبكم أيضا حين فصل طلبة
أكراد من جامعة دمشق في آذار
الماضي على أنشطة لا علاقة
للجامعة بها[44]. لقد تعاملت السلطات مع مواطنيها بأسلوب
انتقامي، وأظهرت الجامعة، وليس
اتحاد الطلبة وحده، انعدام
شخصيتها حين قبلت أن يطردوا
منها جزاء نشاط قاموا به خارجها
ولا علاقة له بها. ومع ذلك لم
تمتنع السلطات عن اعتقال من
تعتقد انه أسهم في أحداث آذار
وتقديمه إلى المحاكمة. إن
جامعة معدومة الشخصية لا يمكن
إلا أن يكون دورها محدودا في
بناء شخصية المجتمع.
ومشكلة
الاتحاد على كل حال هي أنه تابع
للسلطة السياسية وليس للسلطة
الجامعية. تبعيته هذه تحدد سقف
نشاطه. فحين تتعارض المطالب
الطلابية مع الخطط الحكومية فإن
من له الكلمة الأخيرة هو
الحكومة. ولذلك يمر إصلاح
الاتحاد بفصل اتحاد الطلبة عن
السلطة السياسية وتحرير الحركة
الطلابية من احتكاره لنشاطها
وتأطير عملها.
الفجوة
الجيلية قاد
احتلال الجامعات المباشر منذ
أواخر السبعينات إلى إبعاد جيل
واحد على الأقل من العمل العام
المستقل. وقد ترتب على ذلك فجوة
جيلية حقيقية بين الجيل الذي
كان شابا في أواخر السبعينات
والجيل الذي ولد في اوخر
السبعينات. وحرم الجيل الأكبر
من طاقة وشباب الجيل الأصغر،
بينما حرم الأخير من خبرة
وتجربة الأكبر. وهذه الفجوة
مصدر سوء التفاهم الجيلي القائم
في سوريا: مسافة وجدانية وعقلية
ولغوية بين جيل يتفتح على
الاهتمام بالشأن العام اليوم
لكنه يشعر انه لا يفهم ولا
يتعاطف مع تجارب جيل بعيد عنه،
وبين جيل كهل يشعر أنه حبيس
زمانه المنقضي لا يستطيع
التواصل مع الأجيال الأصغر[45]. وسبب سوء التفاهم الجيلي وجود حلقة جيلية
مفقودة، أي جيل وسيط بين من هم
اليوم في العشرين وسطيا (بين 15 و25)
وبين من هم في الأربعين فما فوق؟
أين جيل الثلاثينيين؟ من
وجهة نظر معيار السلطة الضيق،
اي احتكار كل اشكال المبادرة
الاجتماعية المستقلة، يبدو هذا
نجاحا لا شك فيه، لكنه من وجهة
نظر حياة وطنية معافاة سياسيا
واقتصاديا وثقافيا ومعنويا
كارثة مأساوية. إنه هدر لتجارب
وحيوات و"أخطاء" لا تقدر
بثمن ولا تنزل على سوريا من
السماء. وهذا في الواقع محض مثال
واحد على تعارض مطلب السلطة في
الخلود مع مطلب المجتمع في
التجدد والتقدم[46]. لقد كلف خلود السلطة المجتمع السوري الفتي
شيخوخة باكرة.
الفجوة
الجيلية وسوء التفاهم الجيلي
مساس بالوحدة الوطنية لا يقل
خطرا عن الفجوة بين المكونات
الاجتماعية الثقافية للشعب
السوري التي تشكل الجامعة معرضا
لها، ولا عن الفجوة الطبقية
التي تتسع كل يوم. ومحاولة تجسير
الفجوة الأولى لا تقل أهمية عن
تجسير الثانية ووضع سياسات
اجتماعية منحازة إلى الضعفاء
والفقراء لتضييق الفجوة
الطبقية. ولا نتخيل سبيلا لذلك
لا يمر بالحريات الطلابية
والجامعية من جهة، والحريات
السياسية والنظام التمثيلي من
جهة اخرى، وحق المواطنين في
التنظيم والتعبير والتفاوض
والاحتجاج الجماعيين دفاعا عن
النفس من جهة أخيرة.
التقاء
تدني المستوى العلمي مع ضعف
الوظيفة المدنية للجامعة ومع
القلق من مستقبل منذر بالبطالة
أو بدخل متدن يولد لدى الشباب
السوري شعورا بالاغتراب، وما
يسميه بعضهم "عدم الانتماء"
أو "اللاانتماء للهنا، لهوية
مكروهة مهزومة، مشحونة
باللامعنى واللاجدوى" حسب
تعبير طالب جامعي. ويركز شاب
تخرج حديثا على البطالة التي
يصفها بانها "الكابوس الذي
يحياه هذا الجيل باسره، وهي
قضيته الأولى التي لا تعدلها
قضية أخرى"[47]. وحيال هذه "المأساة" الجيل "مرعوب
حتى النخاع" و"لا يملك
القدرة على التفكير بمشروع بديل
أو التفكير العقلاني بهذه
الظاهرة، والأدهى انه لا يؤمن
بأي حل". ويذكر الشاب ذاته "مشكلة
تحقيق الذات" في مواجهة القمع
الذي يراه أوسع مما فهمه "السادة
الأجيال السابقة"، فهو تسلط
اقتصادي "يملأ الحياة
بمتطلبات لا تنتهي"، وهو كذلك
قمع "أخلاقي، أبوي" "مغلف
بالنفاق". وليس
بعيدا عن هذا البناء النفسي ما
سماه تقرير التنمية الإنسانية
العربية لعام 2003 "الاكتئاب
السياسي" الناجم عن "قتل
الرغبة في الإنجاز والسعادة
والانتماء" على يد "القمع
والتهميش"من جهة، واصطدام
الشباب بصمود المكانة الموروثة
وغلبتها على الكفاءة المكتسبة
من جهة أخرى[48]. ومن هنا هيمنة "ثقافة الإحباط والرفض"
التي قد تعثر على تصعيد ديني
متشدد لها. ولا شك انه لأسباب من
هذا الطراز يفكر 51 من الشبان
العرب بين 15 و20 عاما في الهجرة
من بلادهم[49]. إن لهم "حقا في دولة صالحة للعيش"[50] لا يضمنه من يعظونهم بالوطنية ويحتكرون
السلطة والثروة وبهجة الحياة.
لا ننس أن الوجه الآخر لقانون
البقاء والصعود للأسوأ هو
الهجرة للأكفأ! والسؤال
من اوصل شبابنا إلى هذه الدرجة
من التشاؤم؟ وأي مستقبل للبلاد
إذا كان الجيل الشاب منغصا،
مكتئبا، لا يجد قيما حية تشبع
حاجته للانتماء، ولا أطر عمل
مستقلة تعبر عن هذه الحاجة؟ الاتجاهات
الجديدة للحال الجامعية
السورية بعد
الجامعة الشمولية وثمارها
المرة يبدو أن الجامعة السورية
على مفترق طرق اليوم. فقد تم
الترخيص لجامعات خاصة، وسمح
لطلاب قادرين بان يشتروا تعليما
عاما يرغبونه ولا يملكون
مؤهلاته (التعليم الموازي)،
ومكنت الانترنت من إنشاء جامعة
افتراضية سورية، أي تعليما عن
بعد. وتتوحد دلالة هذه التحولات
التي لا تزال في بداياتها في
إنهاء احتكار الدولة للتعليم،
إنفاقا ومناهج، وتحرير (لبرلة)
التعليم العالي وخصخصته. ومن
المبكر الكلام على مستوى
الجامعات الجديدة وسوية
خريجيها ومنافستها للجامعات
الحكومية التي خربتها ثلاثة
عقود من الشمولية، لكن من
المرجح أننا نسير نحو جامعات
حكومية ضعيفة الكادر، سيئة
التجهيزات، تستقطب ابناء
الطبقات الدنيا، فيما يذهب
أبناء أثرياء عصر الشمولية إلى
الخارج أو إلى الجامعات الجديدة
التي ستجتذب إلى رواتبها الأعلى
الأساتذة الأكفأ ( راتب الأستاذ في الجامعات الخاصة 3 اضعاف
راتب الأستاذ في الجامعات
العامة). فمنطق الرأسمال والربح
اقوى من منطق البلاغة
الإيديولوجية وهو الذي سيفرض
ذاته في النهاية. وفي
سياق انسحاب الدولة الكيفي من
وظائفها الاجتماعية صدر في مطلع
العام الماضي المرسوم رقم 6 الذي
يحل الدولة من التزامها بتوظيف
الراغبين من خريجي كليات
الهندسة. كما هو متوقع فقد صدر
المرسوم دون نقاش مسبق مع
الطلاب او ممثليهم المنتخبين
ودون تدرج في تطبيقه ( مهلة خمس
سنوات مثلا، بحيث يدخل الطلاب
كلية الهندسة وهم على علم بأن
الوظيفة المضمونة لا تنتظرهم)
ودون إجراءات تصحيحية تعدل من
تأثيره ( تمييز إيجابي لصالح
خريجي الهندسة الحاليين وخلال
السنوات الخمسة التالية في
مجالات منتقاة: سكن، قروض،
إيفاد خارجي..). وشهد شباط من
العام الحالي أول اعتصام طلابي،
مستقل وقاعدي في الجامعة،
احتجاجا على المرسوم[51] الذي يستفيد من انعدام شخصية الجامعة ومن
سحق الحركة الطلابية ليتبرع
مجانا لكابوس البطالة بأحلام
ألوف الشبان في حياة يمكن
الكفاح فيها.
وبعد
قمع فوري تعرض له الطلاب اثناء
اعتصامهم الاحتجاجي، اعتقل
طلاب من جامعة حلب ودمشق على
خلفية الاشتباه بقيامهم بنشاط
طلابي مستقل، وكان بينهم بعض
الناشطين في اعتصام حلب وبعض
المفصولين من جامعتها. وأفرج عن
أكثرهم بعد أسبوعين فيما لا
يزال محمد عرب ومهند الدبس
سجينان في عدرا ويحاكمان أمام
محكمة أمن الدولة بتهمة... ماذا؟
معاداة أهداف الثورة؟ تتخلى "الدولة"
عن التزام اجتماعي نابع من
مفهومها "الثوري" لذاتها
ومن أهدافها الاجتماعية، ومع
ذلك تحاكم المحتجين بتهمة
معاداة تلك الأهداف بالذات!! من
يحاكم من؟! القصد
من الإشارة إلى هذه الواقعة
المعروفة محاولة توضيح ملامح
النموذج الجامعي المقبل: يستمر
العنصر الإملائي الموروث من
الشمولية، وفي الوقت نفسه يتم
التخلي عن التزامات الدولة
الاجتماعية وتدشين عملية خصخصة
التعليم. أو باختصار قمع
وخصخصة، قمع يمكن من التستر على
محاباة الأغنياء وتمرير تفريغ
التعليم العام من مضمونه
اللديمقراطي تحت جنح الخوف. لطيف
أن نتذكر أن احتلال الجامعة في
بداية الثمانينات سوغ بمحاربة
الرجعية وتحت شعار ان "لا
حياة في هذا القطر إلا للتقدم
والاشتراكية" و"بناء مجتمع
الطبقة الواحدة". الآن
الجامعة لا تزال خاضعة لكن
اتجاه السياسات اختلف، وخضوعها
هو المطلوب لفرض سياسات جديدة.
والجوهري في السياسات الجديدة
أن الامتيازات والاستثناءات
المرتبطة بالسلطة والولاء تخلي
مكانها لامتيازات مرتبطة
بالمال والثروة. من المرجح أن
ينجم عن هذا المسار نموذج
تعليمي غير موحد، شبيه بالحال
اللبنانية لكن مع دخل سنوي
للسوريين يقل عن ربع دخل
اللبنانيين. وهكذا
لم يتم التخلي عن سياسة
الاستيعاب إلا بالتخلي عن
الاستيعاب ذاته، بل في الواقع
تم التخلي عن الاستيعاب
الديمقراطي مع الحفاظ على
الإطار الشمولي الذي كان يحتويه
ويخنقه: التمييز والاستثناءات
لصالح الحزبيين والشبيبيين
وابناء أعضاء هيئة التدريس من
جهة، ودون بلورة سياسة واضحة
المعالم للنهوض بالمستوى
العلمي والبنى التحتية
للجامعات من جهة أخرى. ويغفل
التوجه "الليبرالي الجديد"
في مجال التعليم العالي أن نسبة
طلاب الجامعات في سوريا في
الفئة العمرية 18-23 لا تتعدى 12,5% رغم كل الكلام على ديمقراطية
التعليم فيما المعدل العالمي 20%
والشرق أوسطي 25% وفي البلدان
المقدمة 40%[52]. إلى
ذلك يقوم الرفع الشديد لمعدلات
القبول في الجامعات بدور حاجز
جمركي يمنع دخول الطلاب من
الصنف غير المرغوب فيه إلى سوق
التعليم العالي التي تزاداد
ليبرالية. والصنف المرغوب هو
الطلاب الذين استطاعوا شراء
التفوق في الثانوية العامة
بأموال آبائهم. فمن المعلوم أن
التعليم ما دون الجامعي في
سوريا قد خضع في مرحلة الشمولية
لخصخصة ضمنية عبر انتشار الدروس
الخصوصية كالوباء في الهشيم،
وبالخصوص في البكالوريا
والإعدادية. ولا يستطيع الفقراء
دفع أجرة هذه الدروس ولا "استئجار"
المعلمين الأكفأ الذين يكونون
عادة أغلى ثمنا. وهكذا ينتج
الفقر الفقر وينتج الغنى الفرص.
وهو ما يعطي فكرة مقلقة عن
مستقبل سوريا بعد الشمولية.
ولعل الطلاب البعثيين الذين
ضربوا زملائهم وزميلاتهم يوم
"اعتصام الهندسات" المشرف
لا يعلمون أنهم أدوات في يد سياسة سيكونون من اول ضحاياها.
فمعظمهم فقراء استفادوا من
امتيازات الشمولية التي سيفرض
منطق السوق إلغائها قريبا
لمصلحة امتيازات تنبع من الثروة. لا
ينبغي لنقد الاتجاهات الحالية
لسياسة التعليم الحالي أن يحجب
عنا حاجة الجامعات السورية إلى
إصلاح حقيقي، شامل وجذري. وليس
ثمة اية خطأ في نوع من التعددية
الأكاديمية وفي قيام مؤسسات
تعليم عالي خاصة. الخطأ ان
الانتقال من الجامعة الشمولية
إلى الجامعة ما بعد الشمولية
يتم دون اية رقابة اجتماعية
ودون حركة طلابية فاعلة وناشطة
ودون منظمات طلابية مستقلة ودون
منابر جامعية حرة ودون فرص
لعامة السوريين في إبداء رأيهم
بهذا التحول ودون تقارير موثوقة
عن الحال الجامعية السورية.
باختصار دون رقابة ديمقراطية
على أخطر تحول اجتماعي تشهده
البلاد منذ بداية حكم الحزب
الواحد قبل قرابة 42 عاما[53]. ولا
جدال في ان سياسات ترسم من فوق
ستراعي مصالح من هم فوق، ولن
تهتم بمصالح الأكثرية
الاجتماعية المحرومة من
التعبير عن ذاتها والتي ستجد ان
شروط حياتها ستفلت منها لأقوياء
السلطة والثروة بعد ان كانت
تفلت لأقوياء السلطة وحدهم[54]. وفي
غياب الرقابة الديمقراطية من
المحتمل جدا ان ننتقل من فشل
الدولة إلى فشل السوق إذا
تبنينا لغة تقرير التنمية
الإنسانية العربية الأول. في
إطار تدارك هذا الاحتمال نتبنى
ما دعا إليه التقرير ذاته من
وجوب قيام "مجالس إدارة
مستقلة رباعية التمثيل"
لمؤسسات التعليم العالي
الأهلية، مكونة من "الدولة،
وقطاع الأعمال، والمجتمع
المدني، والأكاديميين"[55]. نحو
جامعة متقدمة وديمقراطية هناك
بعدان لعملية الإصلاح الجامعي
الضرورية، بعد يتعلق
بالوظيفتين العلمية والتنموية،
وبعد يتصل بالوظيفة المدنية
والحريات الطلابية. في
البعد الأول تقترح هذه الفقرة
الختامية رؤية خماسية الأركان
للإصلاح الجامعي السوري نلخصها
بخمس كلمات: 1ـ
قرار 2ـ استقلال 3ـ موارد 4ـ كفاءات 5ـ تفاعل لا
غنى قبل كل شيء عن قرار وطني
بالإصلاح الشامل لأحوال البلاد
مع ما يقتضيه ذلك من اقرار بان
النموذج السياسي والتنموي
والتعليمي المفروض منذ أكثر من
أربعين عاما قد أوصلنا إلى طريق
مسدود. ولا بد أن يكون القرار
معلنا ويسعى إلى كسب أوسع
قطاعات الشعب إلى صفه وإشراكها
في العملية الإصلاحية. القرار
يحتاج إلى شجاعة وقدرة على
تغليب المصلحة العامة على أية
مصالح خاصة، وإدارك لقوة
المواقع والمصالح المهيمنة
اليوم في الدولة، والتي تفضل
نموذجا "إصلاحيا" زائفا
تتحكم فيه من فوق دون إشراك
الشعب ودون نقاش علني. وأول
تجليات قرار الإصلاح على
المستوى الجامعي والطلابي هو
استقلال الجامعة مع ما يعنيه
ذلك من انسحاب الأمنيين
والحزبيين من الجامعة، وفصل
اتحاد الطلبة عن السلطة، وحرية
العمل الطلابي، وتقوية موقع
الأساتذة في العملية الجامعية.
ويفترض بقانون تنظيم الجامعات
الجديد المنتظر صدوره أن يهتم
بقضية الاستقلالية أولا. الإصلاح
الجامعي يقتضي موارد أكبر بتصرف
الجامعات مع قمع صارم للفساد
والهدر. ميزانية التعليم العالي
لعام 2001 كانت 2,7 % من الميزانية العامة[56] وعام 2002 بلغت 3,1%.
وتكاد تقاربها ميزانية وزارة
الداخلية. هذا هرم أولويات غير
سليم. فالتعليم الأساسي والعالي
استثمار تاسيسي وفوق استراتيجي.
وهو توظيف في المستقبل وليس
إنفاقا لأرصدة
الماضي[57]. ومعنى كلمة تربية يتضمن هذا المعنى. من
الحيوي "تربية" ميزانية
التعليم والتعليم العالي
أضعافا دون حسابات اقتصادية
قصيرة الأمد. فما سنزرعه اليوم
سنحصده غدا اضعافا مضاعفة. وبينما
من الملح أن يكون بتصرف الجمعات
موارد كافية فإن حسن التصرف
بالموارد مهم ايضا[58]. وإذا امكن تأمين موارد للجامعات العامة من
غير الدولة فينبغي ألا تحول
موانع تشريعية دون ذلك. من هذا
الباب نقترح أن تقدم الجامعات
تقريرا سنويا عن مجمل أنشطتها.
وينبغي أن تكون هذه التقارير
عنصرا في توجه اوسع نحو دمقرطة
الجامعات ومعرفة الراي العام
بما تفعل. النهوض
بالوظيفة العلمية للجامعات
يستوجب مستوى عاليا من الكفاءات
من جهة والربط بين مستوى
الكفاءة والدخل من جهة ثانية. إن
أجرا متساويا لكادرات تدريسية
وعلمية غير متساوية هو مكافأة
للأسوأ. وقد ينبغي النظر في
تشكيل لجنة مستقلة كاملة
الصلاحية من اساتذة محترمين
لتقييم مستوى الكادرات
الجامعية. ثمة كادرات غير
مؤهلة، والشيء الوحيد الصحيح هو
إبعادها من الجامعة، فيما يمكن
تطوير قدرات وكفاءات البعض
وترقية البعض الآخر. تطوير
كفاءة الكادر الجامعي يقتضي
سلطة حقيقية مستقلة للجامعة
وحرية فكرية غير منقوصة لجميع
أطراف العملية الجامعية من
اساتذة ومدرسين وطلاب. اخيرا،
يقتضي الإصلاح الجامعي أوسع
انفتاح وتفاعل ممكنين مع جامعات
البلدان المتقدمة. من المرغوب
أن تجري اتفاقيات توأمة مع أرقى
الجامعات العالمية إذا كان هذا
ممكنا وكذلك مع أفضل الجامعات
العربية. فائدة التوأمة مع
الجامعات العربية أن مشكلاتها
قريبة من مشكلاتنا وقد نستفيد
منها بدرجة لا تقل عن التوأمة مع
ارقى الجامعات في العالم. ويمكن
الاستفادة من الانترنت على
طريقة الجامعات الافتراضية
لتطوير منهج جامعاتنا ومعاصرة
أحدث المعارف العلمية. يمكن
لاتفاقيات التوأمة ان تفيد ايضا
في إعادة تاهيل الأساتذة
والمدرسين الجامعيين، وفي
استقبال مدرسين من الخارج، وفي
ايفاد الطلاب ليرجعوا مدرسين في
جامعاتنا أو بصورة مؤقتة
للاطلاع على نماذج متقدمة
للعملية الجامعية، وكذلك
استقبال طلاب واساتذة من
الجامعات المتقدمة. وقد
نضيف اقتراحا أورده د. عمر
شابسيغ بضرورة فتح جامعة جديدة
في كل محافظة ليس فيها جامعة وفي
الوقت ذاته تصغير حجم الجامعات
القائمة. وستكون فرص هذا
الاقتراح أكبر بقدر ما يندرج في
سياسة لا مركزية توزع ثمار
التنمية على سوريا جيمعا وعلى
السوريين جميعا. في
بعد النهوض بالحركة الطلابية
نقترح مجموعة من الخطوات: 1ـ
أولا وقبل كل شيء الإفراج عن
محمد عرب ومهند الدبس، وإعادة
الطلاب المفصولين في كل من
جامعتي حلب ودمشق. هؤلاء الطلاب
رمز كرامة الحركة الطلابية
والجامعات في سوريا. 2ـ حرية العمل الطلابي بما في ذلك تشكيل
الجمعيات والمنتديات وإصدار
النشرات ومحورة قانون تنظيم
الجامعات حول استقلال الجامعة
والحريات الطلابية والأكاديمية.
3ـ إنهاء الاستثناءات جميعا بما فيها
لأبناء أعضاء الهيئة التدريسية
وبالطبع للبعثيين. فهي مخالفة
للدستور ولمبادئ العدالة معا. هذه
الرؤية تشترط استقلال العلم عن
السلطة، وعدم استخدام الجامعة
والعلم وسيلة للدعاية. آن أن
ننتهي من من مجتمع السلطة وندشن
مجتمع المعرفة والحرية.
منتدى
الأتاسي دمشق
3/12/2004 [1]
إدوارد
سعيد، من محاضرة ألقاها في
جامعة القاهرة عام 2003، وارد
في تقرير التنمية الإنسانية
العربية الثاني (مجتمع
المعرفة)
الصادر عام 2033 عن برنامج
الأمم المتحدة الإنمائي. [2]
هاني الفكيكي: أوكار الهزيمة: تجربتي مع
حزب البعث العراقي. دار رياض
الريس للكتب والنشر، بيروت، ط2،
1997. ص 152-153. [3]
العماد اول مصظفى طلاس: أميركا
تستحث رفعت الأسد للوصول إلى
السلطة في العام 1984، دار
الذاكرة، بيروت، دون تاريخ. ص
65. [4]
من
أجل لمحات عابرة عن حال جامعة
دمشق بين أواخر العشرينات
والخمسينات، انظر: بشير
العظمة: جيل الهزيمة بين
الوحدة والانفصال: مذكرات.
دار رياض الريس للكتب والنشر،
بيروت ط1، 1991. [5]
لخص
الر ئيس حافظ الأسد نظرية
سياسة الاستيعاب في خطاب له
امام مؤتمر الاتحاد الوطني
لطلبة سوريا في ربيع عام 1980
كما يلي:"نحن
في الحزب والدولة يجب أن
نتدبر أمر كل طالب. الحزب
والدولة يجب أن يكونا لكل
طالب وطالبة بمثابة الأب
والأم وعلى هذا الأساس قررنا
منذ سنوات أن نوجد مكانا في
كلية أو معهد لكل طالب أو
طالبة ونفذنا هذا القرار". http://www.nussyria.org/speech4.htm [6]
حول
مصادرة السياسة والشباب:
محمد علي الأتاسي: حول
مشكلات الشباب، محاضرة ألقيت
في منتدى الأتاسي، 2/12/2001. [7]
في
العام الدراسي 200-2001 بالذات
كان 87 من
مجموع 345 مقبولا في كلية الطب
بجامعة حلب قد استفادوا من
بعثيتهم لا من علمهم، أي ما
نسبته 25,2%
من المقبولين. انظر سالار
هيمن"المفاضلة
الاستثنائية: هل هناك دولة في
العالم تمنح علمات نضالية؟"
موقع اخبار الشرق
الإلكتروني، 20/7/2002. [8]
كان
عدد طلاب جامعة دمشق عام 2002
حوالي 98 ألفا وجامعة حلب
يقارب الخمسين ألفا. وهذه
حجوم عملاقة بالمقاييس
العالمية، وبالخصوص إن قيست
إلى البنية التحتية الجامعية
والمدينية! [9]
يقول الوزير الدكتور هاني
مرتضى: "أنا
أرى أن التعليم
المجاني على مدى عقود هو ما أضر التعليم في سورية.
وقد يكون هذا الكلام غريباً
ومستهجناً لدى البعض، لكن
أستطيع أن أقول
عن خبرة بهذا المجال،
وبالتجربة والبرهان أمامنا،
أن تحمّل الدولة
لأعباء تدريس ربع
مليون طالب هو ما سبّب هذا
التقصير والتراجع في مستوى
التعليم".
يقول ايضا: "وأنا أقول هنا إنه يوجد في العالم كله تفاضل بين غني
وفقير، فهذه هي سنّة الكون،
فلماذا نطالب نحن أن نعيش خارج هذا
التقدير؟" من حوار أجراه
معه إياد شربجي في "الدومري"
في 13 ايار 2002. [10]
من
أجل منظور ديمقراطي ونير
لأزمة التعليم العالي
وإصلاحه أنظر د. عمر شابسيغ:
أزمة التعليم العالي في
سوريا، كلنا شركاء، 5/8 و6/8 /2004.
وكذلك: أزمة
التعليم العالي في تفاقم
مستمر، كلنا شركاء، 7/8/2004. [11]
يقول
وزير التعليم العالي في
الحوار المذكور في الهامش 6:
"أوفد للدراسات العليا خارج القطر ذات
مرة ألفا طالب مرة واحدة،
وهذا كان بمثابة كارثة على
التعليم في سورية، إذ عاد هؤلاء إلينا بعد ذلك مدرسين
متفاوتي الإمكانات، لكننا
رغم ذلك مضطرون لمعاملتهم بنفس السوية، إذ
ليست هناك قوانين تسمح
بمكافأة الأستاذ بحسب مستواه
العلمي. وهذا ما
يشكل على الأستاذ الكفؤ ضغطاً
وشعوراً بالغبن قد يدفعه
للهجرة، وإن لم ينجح بالسفر فإن همته ستثبط في
التدريس، وسنخسره في كلتا
الحالتين". [12]
في
العام الدراسي 1981- 1982 كان هناك
102 طالب مظلي بين 300 طالب في كلية الطب بجامعة
حلب. وقد "تخرج" هؤلاء
من الدورتين الأولى
والثانية للشبيبة المظليين
هذه الدورات كان أصحابها
يدخلون الكلية التي يريدونها
مهما كان مجموعهم في الثانوية
العامة. [13]
يقول
د. اسماعيل الحامض في مقال
بعنوان "سوريا بلد العجائب":"وبحلول
عام 1980 اجتاحت كليات الطب في
سورية موجات من الشبيبة
والمظليين قذف بهم رفعت الأسد
إلى هذه الكليات بغض النظر عن
معدلهم في الشهادة الثانوية ،
ومع انهيار منظومة الدول
الاشتراكية وانتشار الجامعات
الخاصة وتزايد ظاهرة الدراسة
المأجورة توجه عدد كبير من
طلابنا للدراسة في هذه الدول
بعيداً عن المعايير العلمية
والقانونية ،وفي هذه
الجامعات بدأت الدراسة عن بعد
حيث كانت تقتصر على منح شهادة
الدكتوراة للقادة والسياسيين
، ومن ثم أصبحت هذه الجامعات
تبيع شهادة الدكتوراة لأي شخص
يدفع ، ومن ثم امتدت لتشمل
الشهادات الجامعية العلمية
كالطب والصيدلة". موقع الرايarraee.com
، 17/12/2003. كان الدكتور الحامض طالبا في
كلية الطب في بداية
الثمانينات. [14]
يقول
وزير التعليم العالي بأن "أساتذتنا
بحاجة إلى إعادة تأهيل، إذ أن هناك
أساتذة عادوا بالدكتوراه منذ
20 عاماً، ولم يحضروا أي مؤتمر
علمي منذ
ذلك التاريخ، ودخلهم القليل
لا يمكنهم من تطوير وتحديث
معلوماتهم في عالم سريع التطور". حوار إياد شربجي معه في
الدومري في 13/5/2002. [15]
ينسب د.
اسماعيل الحامض (سوريا بلد
العجائب...) هذه المعلومة إلى
وزير التعليم العالي في
مقابلة أجرتها معه جريدة
الحياة. [16]
د. منذر
خدام: هواجس لتطوير التعليم العالي
والبحث العلمي في سورية،
الحوار
المتمدن، 3/12/2004. [17]
هذه
الواقعة معاينة شخصية لكاتب
هذه السطور في كلية الطب
بجامعة حلب بين عامي 1997 و2000. [18]
د.
عمر شابسيغ: ازمة التعليم
العالي في سوريا، كلنا شركاء،
6/8/2004. [19]
ليس
هناك مصدر يتناول قضايا
التعليم لا يشير إلى هذه
القضية. كأمثلة: تقريري
التنمية الإنسانية العربية
لعامي 2002 و2003، مقالة د.
شابسيغ، مقالة د. منذر خدام. [20]
85%
من المخزون المعرفي العالمي
اليوم باللغة الانكليزية! هذا
يعني ان من لا يجيدها يكاد
يكون اميا. [21]
التقرير الثاني حول التنمية الإنسانية
العربية، 2003، UNDP، ص 64. [22]
في تقدير كلفة
الانترنت افترضنا أن وسطي
الاشتراك 25 ساعة شهريا تكلف 650
ليرة + أجور الاتصال بالهاتف.
وهو ما يتعدى على الأرجح 10% من
وسطي دخل السوريين الشهري. حول الكلفة في بلدان عديدة، انظر ص 47 من
التقرير الثاني. المغرب أغلى
الدول العربية، الكلفة فيه
اقل من 3%. [23]
خدام.
نفسه. [24]
تعرضت
شخصيا للعديد من المساءلات
الأمنية من جراء كلام كتبته
أو قلته. وكنت مطالبا اكثر من
مرة أن اثبت وطنيتي امام
اشخاص دخلوا اجهزة الأمن
لأنهم نجحوا في البكالوريا
"شحط"!! وجرى مثل ذلك
لزملاء كثيرين من المثقفين
والناشطين. وحوكم 14 ناشطا في
حلب بتهمة النية في حضور
محاضرة كانت قد قدمت أصلا
مرتين في دمشق والسويداء. [25]
مصدر
مكتوم. [26]
وارد في: أ. د. علي بن سعد هزاع
القرني: اللائحة المنظمة
لشؤون منسوبي الجامعات
السعودية من أعضاء هيئة
التدريس ومن في حكمهم، تحليل
ونقد. http://wwww.ksu.edu.sa/kfs-website/source/2.htm
. [27]
يقول
د. منذر خدام: "الأموال المرصودة للبحث العلمي في سورية
لا تشكل سوى جزء بسيط من
مخصصات التعليم العالي التي
هي بالأساس متدنية جداً، (لا
تزيد عن 0.35% من الدخل الوطني)،
علماً أن منظمة اليونسكو كانت
قد أوصت بأن لا تقل مخصصات
البحث العلمي عن 1% من الدخل
الوطني، وهي في فرنسا نحو 2.54%
وفي أمريكا نحو 2.62%". المصدر
نفسه. [28]
حول
هذه الافاق: تقريرا التنمية
الإنسانية العربية لعامي 2002 و2003. [29]
يقول
رئيس فرع نقابة المهندسين في
دمشق: "نحن لا نخرج مهندسين بل
انصاف مهندسين خريجين فلا
يستطيعون المنافسة في سوق
العمل مع الدول المجاورة"
مساهما بذلك في حشد المبررات
لتخلي الدولة عن توظيف
الراغبين من خريجي كليات
الهندسة ومتنصلا عن مسؤولية
النظام ككل عن تدني مستوى
الجامعات وخريجيها. كلام
النقابي ورد في لقاء لرئيس
الوزراء مع مهندسين ونقابيين
حول المرسوم رقم 6. تشرين،
10/3/2004. [30]
أعتقد
ان التعبير لأوغست كونت الذي
أمل أن يكون العلم دينا
للمستقبل، وذلك في أوساط
القرن التاسع عشر، مرحلة عز
الثقة بالعلم والتقدم. [31]
يقول
د. إلياس
نجمة إن العلملين
باجر وتبلغ نسبتهم 30% من مجمل
العاملين في القطر عام 1968
، حوالي 450 ألفا، كانوا ينالون
43% من الدخل الوطني. اليوم
تبلغ نسبة العاملين باجر 60%
من مجمل العالمين ولا
ينالون أكثر من 25% من الناتج
المحلي الإجمالي، علما أن هذه
النسبة تبلغ بين 50 و70% في معظم
دول العالم. الحياة (التاريخ.....).
هذا لا يعني انهيار قيمة
العمل فقط ولكن انهاير
الطبقات العاملة وموازين
القوى الاجتماعية وصعود قيم
الريع والسلطة.
[32]
تقرير
2003، ص9. [33]
ذكر
بذلك رئيس الوزراء نفسه
المهندس ناجي عطري في حوار مع
مهندسين حول المرسوم رقم 6،
ولكن في سياق الاستفادة من
اعتراض عمره 3 عقود لتسويغ
قرار اتخذ اليوم!! تشرين،
10/3/2004 [34]
تشرين،
10/3/2004 [35]
يستطيع
جميع السوريين ضرب أمثلة على
استخدام السلطة العومية
لتحقيق مصالح خصوصية. عقود
الهاتف الخليوي هي المثال
الأشهر فحسب. [36]
انظر
لكاتب هذه السطور: العقد
الاجتماعي البعثي وتناقضاته،
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=17275 [37]
مثال
ماساوي على هذا القانون أن
مدير مستشفى حلب الجامعي بين
عامي 1986 و1993 كان طبيبا
بيطريا، وحين كنت طالبا في
كلية الطب عام 1980 كان يقال عن
المدير المقبل للمشفى
الجامعي أنه "كتيّب تقارير".
[38]
د.
سامي الخيمي: دعوة إلى الوطن.
كلنا شركاء، 23/7/2004.
ويضيف الخيمي إن ذلك افضى
إلى "تراجع مهني واضح لدى
جميع فئات الشعب (..) وخفف كل
ذلك من تفاعل الشعب السوري مع
محيطه الإقليمي والعالمي،
وقلل من تعرضيته exposure للهبات الفكرية والمهنية
والاقتصادية التي عصفت
بالعالم، ولحسن الطالع أو
لسوئه، تدفق النفط في البلد
ولم يستخدم للأسف سوى جزئياً
كوسادة تمويل للتحولات
الاقتصادية أو الاستثمارات
التنموية الفعلية، بل استخدم
لتغطية العجز أو الخسائر
الناجمة عن سياسة اقتصادية
غير متماسكة". [39]
تقرير
التنمية الإنسانية العربية
لعام 2003. ص 2-3 وص 39-40. برنامج
الأمم المتحدة اإنمائي UNDP . [40]
أخذ
ينتشر بدءا من الثمانينات
نموذج السلطوي حامل
الدكتوراه. . وقد رسم فواز حداد صورة هذا النموذج في
روايته"مرسال الغرام". ص
ص 385 – 392 ووضح دوافعه: "السلطة
تفتقر إلى الثقافة، حسنا، بعد
حيازتنا للشهادات، باي شيء
سيتميز هؤلاء السفلة؟!"
هؤلاء السفلة هم المثقفون
الذين "يمارسون الإرهاب
الفكري بشهاداتهم، ويرومون
بمؤهلاتهم العلمية إلى
احتكار العلم والذكاء".
مرسال الغرام، دار رياض الريس
للكتب والنشر، طبعة اولى، 2004. [41]
المصدر:
هامش رقم 7. [42]
تستحق
تجربة طلاب جامعة حلب أن تدرس
جديا من قبل المثقفين
والمهتيمن. إنها نموذج مبكر
لاحتجاجات المستقبل ولأشكال
الانتظام الطلابي في
المستقبل وكانت إطارا ممتازا
لتدرب الشباب الجامعي على
العمل العام وعودته إلى
السياسة. [43]
في 9/3/2004 فصل 5 طلاب من جامعة حلب
فصلا نهائيا (محمد عرب وهاشم
اسعد ولينا رزوق وبراءة راضي
وباسل ديوب) وطالبان لمدة عام
(حسن قاسم وخلود الدبش) [ أعيد
فصل حسن نهائيا في بداية
العام الجامعي الحالي] وانذر 4
طلاب (أحمد عبدالله وشفان رشك
وعابد اسود ودلكش علي). [44]
في
مقال للدكتور منير
شحود استاذ مادة التشريح في
كلية الطب بجامعة اللاذقية
بعنوان "انطباعات استاذ
زائر عن حلب وجامعتها" يورد
طرفة يتكثف فيها الوضع
الجامعي الراهن في سوريا
،وتلقي ضوءا على غربة المواطن
(ناهيك بغير المواطن) الكردي
في بلده: "ويتم الوعظ
السياسي الرسمي من وقت لآخر؛
فعندما حدث ما حدث في
القامشلي, لفت انتباه المدرس
اسم كردي لطالب يقف مذعورا
وخائفا, فقام المدرس بوعظه
كما يلي: "ماذا تريدون؟ أنت
يا بني مواطن عربي كردي!".
نظر الطالب إليَّ عسى أن
أسعفه برأي أو أعطيه الأمان,
وتلعثم بكلمات قليلة فهمت
منها أنه يتحدث عن قضية
الأكراد المحرومين من
الجنسية" موقع الحوار
المتمدن،
22/6/2004. [45]
نجد
نموذجا لسوء التفاهم الجيلي
في مقالة بعنوان "أزمة
العمل السياسي بين الشباب ام
أزمة السؤال" لموريس عايق،
وهو شاب تخرج حديثا من كلية
الهندسة. يختم عايق مقالته
بالدعوة إلى "منع كل شخص
جاوز الأربعين من الكلام"
كطريقة لمساعدة الجيل الشاب.
الحوار المتمدن، 26/9/2004. [46]
المثال الأكثر دلالة: تدمير
الأحزاب السياسية المعارضة
بما يضمن للسلطة الانفراد
وطول البقاء لكن الأحزاب هي
الحلول التي أتيحت للمجتمع او
ابتكرها المجتمع لتجاوز
انقساماته العمودية. مثال آخر:
نجاح السلطة في إخضاع الجامعة
قاد إلى موت الجامعة علميا
ومدنيا، وتاليا ندرة
الكفاءات في البلاد. المغزى
ذاته دائما: نجاح السلطة
الشمولية يدفع ثمنه المجتمع
والوطن، ومقتضيات هيمنتها
المؤبدة تتسبب في مآزق
اجتماعية واقتصادية وثقافية
مكلفة. [47]
عايق،
هامش رقم 17. [48]
تقرير
التنمية الإنسانية 2003، ص 141. [49]
تقرير التنمية الإنسانية 2002، ص
28. [50]
التعبير
وارد في تقرير 2002، ص 66. [51]
حول معاني اعتصام طلاب جامعة
حلب وموقعه في سياسة النظام
أنظر لكاتب هذه السطور "اعتقال
طلال الجامعة: استمرار سياسة
العزل السياسي والجيلي".
النهار، 7/5/2004. المقال موجود
على الانترنت: http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=17675 [52]
مصدر
مكتوم. [53]
وتعاد
قراءة تاريخ التعليم العام
ويحمل المسؤولية عن تدهور
مستوى الجامعات. انظر اقوال
وزير التعليم العالي في هامش
رقم5.
فالفقراء هم الذين سيدفعون
ثمن التحول نحو التعليم الخاص.
من حوار أجراه معه إياد شربجي
في الدومري في 13 ايار 2002. [54]
كمثال،
يبلغ رسم
التسجيل السنوي في جامعة
القلمون يتراوح بين 250 ألفاً و400
ألف ليرة سورية حسب الاختصاص. [55]
تقرير
2002، ص 57. للاستزادة الفصل
المعنون: بناء القدرة البشرية:
التعليم. [56]
المجموعة
الإحصائية السورية لعام 2002:
بلغت مخصصات التعليم العالي
8792999 الف ليوة سوريا من إجمالي
الميزانية البالغة 322000000 ألف
ليرة. ميزانية وزارة الداخلية8048190
ألف ليرة. [57]
تتكرر تعابير من نوع "هدر للإمكانات
الدولة" (الغد، 9/11/2004) و"الدولة
لن تكون قادرة على الاستمرار
في نزف
اموالها وتحمل اعباء الجامعات والسكن
وسوى ذلك ولا سيما في ظل
التزايد السكاني الذي
نشهده" (حوار أجرته معه عبير ونوس.
الثورة، 9/11/2004) في مقابلات
وزير التعليم العالي كأن
الأمر يتعلق يدائرة حكومية
عاطلة لا بأول حق للمواطن
وأهم محرك للنمو. إذا كان
التوظيف في التعليم العالي
هدرا فما الذي ليس هدرا؟
وماذا نسمي ميزانيات الشرطة
والمخابرات ومجلس الشعب
واتحاد الشبيبة ومنظمة
الطلائع...إلخ؟ [58]
يقول
عمار ساعاتي رئيس اتحاد
الطلبة إن الجامعات لا تصرف
غير نصف ميزانياتها كي ترفع
رسوم التسجيل السوية فيها من
600 ليرة حتى 5000 ليرة. تشرين/
8/3/2004. المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |