ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 05/10/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الأجهزة تأكل الحصرم والعمال يضرسون

بمناسبة الأحكام بالسجن على عمال سوريين في لبنان

بقلم : محمد الحسناوي*

طوال نصف قرن من التدخل والتقلب في الشأن اللبناني كان المطلوب من الأطراف المعنية ولاسيما الشقيقة سورية .. رأب الصدع ، وتعزيز الأخوة اللبنانية السورية ، فضلاً عن إعمار لبنان واستئنافه الصيغة اللبنانية الفريدة ، وليس الذنب دائماً على الطليان ، أو المواطنين العاديين الذين انخدعوا بالشعارات ، واكتشفوا الزيف جهاراً نهاراً ، ورضوا بالعودة إلى الصيغة القديمة بعد أن اكتووا بالصيغ ( الجديدة)   المؤبدة !

مناسبة الحديث عن الجرح اللبناني المفتوح ليس قرار مجلس الأمن ( 1559) بإخراج القوات السورية من لبنان ، الذي دوّل القضية بعد أن كان شأناً إقليمياً ، سقفه سورية عملياً ، وما يسمى قوات الردع عربياً ، إنما أحد جذور الأزمة ألا وهو تدخل الأجهزة الأمنية السورية ، وإصرارها على هذا التدخل بتفاصيل الحياة اللبنانية سلطوياً واستفزازياً وابتزازياً أيضاً ، متعامية عن الفرق بين قمع الأغلبية المناهضة للصهيونية والإدارة الأمريكية في سورية ، وبين شعب لبنان الشقيق الذي يلقى اهتماماً مشروعاً وغير مشروع من الأطراف الدولية ، يزداد مع ازدياد التطبيقات الجديدة لخرائط الشرق الكبير . 

نظام الحكم السوري هو نظام حكم حزب قومي ، لكن ممارساته غير قومية بدءاً من لبنان وانتهاء  به ، وهذا أحد وجوه المفارقة والمأساة ، وسبب رئيس في تفاقم الوضع السوري واللبناني والعربي . فإذا لم يستطع هذا الحزب توحيد قطرين يحكمهما (سابقاً ) الحزب نفسه ، فعلى الأقل أن لا يُنفّر الجار الشقيق المتميز لبنان من هذه الأخوة ، فضلاً عن أن يكسبه بالحسنى ، لا بالقمع ونهب الخيرات وتهجير السكان . يبدو أن هذه النصائح المخلصة فات أوانها في المسألة السورية اللبنانية بعد تدويلها ، ونخشى أن يفوت الأوان للإنقاذ السوري المنشود أيضا !!

دعونا بالمناسبة نحلل الواقعة الأخيرة : المحكمة العسكرية اللبنانية تصدر أحكامها بالسجن على 19 عاملاً سورياً ، متهمين بالاعتداء على رجال الأمن بالعنف والشدة والتظاهر وإثارة الشغب والتخريب ، وذلك على خلفية عمليات تحرش واعتداء ، تعرض لها بعض السوريين انتقاماً لمقتل المغدور بيار عفارة في محلة برج حمود ، على يد مواطن كردي سوري قبل أسبوع تقريباً ) ( الشرق الأوسط 23/9/2004 ) .

ظاهر الأمر أن الجريمة جنائية ، فاتخذ القضاء مجراه ، في الحكم بالسجن ثلاث سنوات على تسعة متهمين ، وشهرين على أربعة ، وعشرين يوماً على البقية وهم خمسة . وباطن الواقعة بل جذورها سياسية محضة . حين تكون الجريمة جنائية ينتهي أمرها ، أما إذا كانت ذات جذور أو طبيعة سياسية ، فهي (دُمّل) أو (خُراج) قابل للتكرار بل التفاقم ، والمعلوم أن مسألة العمال السوريين في لبنان ، لها مضاعفاتها العنفية المتكررة : من حوادث تفجير ، وقتل ، ومصادمات ، وتعميق للاختناقات السورية اللبنانية على مختلف المستويات . والواقعة المؤسفة التي نحن بصددها ليست الأولى والأخرى من نوعها ، بل هو مسلسل ، يطل برأسه بين حين وآخر .

نعيد إلى الأذهان  البحوث والندوات اللبنانية التي خصصت لموضوع العمال السوريين في لبنان ، وأثرها على هجرة المواطنين اللبنانيين أو الأمن اللبناني ، أو العلاقة الأخوية بين الشعبين الشقيقين بل التوءمين . فذهب بعض الدارسين اللبنانيين إلى تقدير عدد العمال السوريين بمليون ونصف المليون نسمة استناداً إلى سجلات الحدود ( محاضرة بعنوان : الاتفاقات الاجتماعية وانعكاساتها الديموغرافية في العلاقات اللبنانية – السورية ، محاولة تقويمية ، قدمها الدكتور بسام الهاشم أثناء انعقاد المؤتمر الوطني عن العلاقات السورية – اللبنانية ، برعاية الحركة الثقافية في انطلياس بتاريخ 14-15/11/2000م) ، وردّ عليهم بعض الدارسين السوريين بأنهم لا يزيدون عن نصف هذا الرقم ، لأن قسماً من العمال ، عملهم موسمي أو يومي أو يعودون بعد إنجاز ما جاؤوا من أجله أو في الأعياد ، يدخلون ويخرجون ( تقدير العمال السوريين في لبنان بمليون ونصف ..بحث سياسي عن رقم ذهبي – لمحمد علي الأتاسي – جريدة الحياة 18/4/2001م) . كما ذكرت الدراسات أن الأعمال التي يقوم بها السوريون غالباً هي الأعمال التي يرفض العمال اللبنانيون القيام بها ، لمشقتها كأعمال البناء والزراعة ، أو يأنفون من عملها كالخدمات والكناسة والنواطير وما   شاكلها . وذكرت أن العامل السوري ينافس اللبناني بأجره المحدود ، وطواعيته .

والسؤال : لماذا يضطر العامل السوري إلى هجر حقله أو مصنعه ، وترك أمه وأبيه ، أو أولاده وزوجته ليعمل مغترباً في غير بلده ، وفي ظروف قاسية أو جاسية ، ويقبل بالأجر المحدود ، والعمل   الوسخ ؟ ولماذا بلغ هذا العدد الضخم من العمال ، وظهرت الحساسيات مع الأشقاء اللبنانيين والوصول إلى حدّ المصادمات ، وارتكاب الجرائم الجنائية المتبادلة ، ولم يعرف ذلك من قبل إلا منذ دخول القوات السورية إلى لبنان ؟

الجواب البسيط : أن العامل السوري يعاني من البطالة داخل سورية ( %30 من اليد العاملة . كل عام ربع مليون عامل يضاف على قطاع العاطلين ) ، وارتفاع مستوى الأسعار ، وانخفاض قيمة الليرة السورية ، وأنواعاً من الاضطهاد الفئوي أو الأمني أو العنصري ، أو من مجموع ذلك وغيره وأمثاله ، فنص الدستور والمادة رقم 8 يشرع التمييز بين المواطن الحزبي وغير الحزبي : وابن الست وابن الجارية ، وفي الممارسة اليومية يأتي التطبيق أقسى وأشدّ حين ، يُعضد أو يُنفذ بوسائل أجهزة القمع الخمسة عشر الحضارية جداً : القبول بالجامعات ، البعثات الدراسية ، فرص العمل ، مزايا العمل الحزبي والمؤسسات المشتقة منه ، اتحاد شبيبة الثورة ، الاتحاد الطلابي ، المليشيات المسلحة ، الحرس الجمهوري ، الوحدات الخاصة ، سرايا الدفاع ، وأخيراً لا آخراً النخبة المتنفذة في مفاصل الأجهزة السيادية في الدولة . والهجرة إلى لبنان الشقيق أقرب وطعامها أطيب . أما المهاجرون القسريون إلى دول الخليج العربي ، وبقية أرجاء المعمورة ، لاسيما بعد أحداث الثمانينات من القرن المنصرم ، فقدّر عددهم بالملايين ، وبعضهم ، جعل حجمهم يساوي حجم الباقي من المواطنين ( المستكينين) للأقدار !

لقد شخص الأكاديمي الاقتصادي السوري الدكتور عارف دليلة أزمة المأساة الاقتصادية بأن %5 من المواطنين يستولون على مانسبته %80 من الدخل السوري ، وأن ما ينفق من مال مهدور على سيارات المسؤولين وأسرهم وأزلامهم من الأموال العامة في السنة الواحدة ، يكفي لرفع رواتب موظفي الدولة خمس عشرة سنة ، فكان جزاؤه المحاكمة الصورية أمام محكمة عسكرية ، والحكم بسجنه عشر سنوات ، بعد الاعتداء عليه وتسريحه ، وإهمال معالجة أمراضه الصحية . أما البرلماني السوري ...حمصي ، فقد تصدى لأحد المليارديرات الجدد ابن خال الرئيس فادي مخلوف في صفقة الخليوي ، التي كلفت خزينة الدولة مئات الملايين من الدولارات ، ودفع ثمن ذلك منصبه ، وحوكم أيضاً وحكم عليه بضع سنوات من السجن برغم اعتلال صحته . أما أخو الرئيس رفعت الذي شارك في صفقة نفق بحر المانش مع حكومتي فرنسة وبريطانية ، ونفذ مجزرة تدمر الكارثية في الثمانينات ، فهو ما يزال يسرح ويمرح في مرابع ماربيا الخيالية آمناً مطمئناً ( صحته حديد) كما يفيد ! فماذا يستطيع العامل السوري أن يفعل غير الهجرة ...أو الانخراط في    (الإرهاب ) ؟ أو ممارسة النوعين في لبنان المفتوح الجرح ...

هذا هو الوجه الأول من مأساة العامل السوري في مسقط رأسه ، أما وجهها الثاني فهو في الأرض اللبنانية ، حيث الغربة والتقشف ، والسكن القميء المزدحم إن وجد ، والأجر الزهيد ،وانتفاء التأمين الاجتماعي أو الصحي والتعويض عن إصابات العمل ، أوالخضوع للابتزاز الأمني من الأجهزة الأمنية السورية ..بدءاً بالتجسس ، مروراً بزراعة الحشيش في مزارع البقاع وغيرها ، انتهاء في عصابات السلب والإتاوات  بأنواعها .

في تفاصيل الواقعة الأخيرة ( في برج حمود ) جاء ما يلي : ( ثلاثة من زملائكم العمال دخلوا اليوم منطقة برج حمود ليجمعوا النفايات منها ، فاعترضتهم مجموعة من اللبنانيين ، وقصت أذن واحد منهم وكسرت رجل الثاني . وكان للنبأ وقع الصاعقة على عمال سيوكلين الذين انتفضوا ، وخرجوا إلى الطريق العام ، يطلبون الثار ، وما إن قطعوا الطريق ، ووصلت أخبارهم إلى القوى الأمنية حتى وصلت مجموعة المؤازرة من عمال سوريين ، تردد أنهم أتوا من صيدا ومناطق أخرى . مع وصول القوات الأمنية إلى المكان كان التجمع العمالي بدأ يأخذ شكل تظاهرة احتجاجية مع نزع العمال ملابسهم الفوقية ، وترديد شعارات سياسية من قبيل ( بدنا الجيش السوري وبس ) ( بشار وبس ) ( وبالروح بالدم نفديك يا بشار ) ( سوريا سوريا سوريا ) ...( جريدة النهار 20/9/2004 ) .

من يصدق أن المواطن السوري الكردي ، المحروم من الجنسية السورية ومن حقوق المواطنة الدنيا في مسقط رأسه غرب سورية القامشلي ، و يهتف بسقوط الرئيس بشار والنظام السوري ، يضطر إلى الهتاف باسم بشار و النظام السوري شرقاً في الأرض اللبنانية ؟ وفوق ذلك يرتكب جناية قتل ، ويحكم عليه بالسجن ؟ إنها صناعة (سورية) كما يقال : بامتياز .

الإدارة الأمريكية تقول للنظام السوري : إما أن تكون كنظام صدام حسين وطالبان أو أن تكون كنظام القذافي ومشرّف . والنظام السوري يقول للمواطن السوري : إما أن تكون حزبياً عميلا أو سجينا أو شريدأً أو قتيلاً . إنها العقلية الأمنية التي تتلبس العالم من راسه إلى أساسه !! فبؤسى لهذا العالم .

* كاتب سوري

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ