أيوجد
حقاً عشرة مخربين، فقط؟ ومن هم؟!
المهندس:
شاهر أحمد نصر/ طرطوس
اعتمد
الحوار في كل مرحلة تاريخية من
مراحله ـ
الذي يرى البعض فيه شكلاً من
أشكال الصراع ـ كما اعتمدت كل
جهة وفئة من الفئات المتحاورة
أدواتها المعرفية ومصطلحاتها
الخاصة، تعبر عن فكرها وفلسفتها
و نهجها في التعامل مع الواقع
والآخر..
فالأطراف
فقيرة الحجة كثيراً ما تلجأ إلى
أحكام مباشرة قطعية، مستخدمة
مصطلحات أقرب إلى الشتائم منها
إلى لغة الحوار، وتنم عن زاد
معرفي ضحل لا يسمح
لأصحابها من رؤية الآخر غير تابع
أو عدو.. فتنفي هذه القوى أية
إمكانية
للحوار، وتلغي الآخر لأنّه لا ينسجم مع
تصوراتها الفكرية، أو بالأحرى
لأنّه لا يلبي
مصالحها..
هكذا
انتشرت مصطلحات: التحريفية،
والانتهازية، والعمالة في
مرحلة صراع بعض القوى الماركسية
فيما بينها، وفي علاقتها بالآخر..
وكان يكفي أن تصف المناوئ،
أو الذي يختلف
معك في الرأي بصفة من هذه الصفات
حتى تصل إلى "الحقيقة الناجزة"
ويحسم الأمر، وتنتفي الحاجة
للاستمرار في الحوار..ثم انتشرت
مصطلحات التكفير، والخيانة.. من
قبل بعض التيارات والقوى
الإسلامية..وفي
أيامنا الراهنة يسود مصطلح
الإرهاب والتخريب.. وعلى الرغم من أنّ الحياة أثبتت
عدم جدوى مثل هذه الطرق
والأساليب في
الحوار والصراع، وعلى الرغم من الويلات
التي جلبتها على الأطراف التي اتبعتها..
فإنّ البعض يصر على الاستمرار
في استخدام هذا المنهج من
التفكير
والحوار والعلاقة بالآخر..
من
المعروف إنّ بلادنا شهدت منذ
عقود حواراً يأخذ أشكالاً
مختلفة حول سبل
الخروج من الأزمة التي تعاني
منها كافة مناحي الحياة
الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية فيها،
فضلاً عن سبل مواجهتها للتحديات
الخارجية والدخول
السليم في عصر المعلوماتية.. ونستطيع
القول إنّ رسالة 99 مفكراً
ومثقفاً في بداية
هذا القرن كانت نقطة تحول فيها،
ثم تلاها بيان الألف، ومن ثم
عشرات العرائض
والاعتصامات التي يشارك فيها
الآلاف من المواطنين على الرغم
من أجواء
الخوف والرعب الذي تغلغل في
النفوس بسبب سيادة قوانين
الطوارئ والأحكام العرفية..
وتركزت مطالب هؤلاء المفكرين
والمثقفين وأبناء الشعب على
المطالبة بالإصلاح
لمعالجة مجمل الأوضاع التي تضعف
البلاد في تطورها ومواجهتها
للتحديات
الخارجية، وبناء بنية سياسية
واجتماعية واقتصادية أساسها
الحرية والديموقراطية
وبناء دولة القانون على أسس عصرية تسمح
لبلادنا في بناء علاقة سليمة مع العالم،
ومواجهة الأخطار المحدقة.. ومن
المعروف للجميع أنّ أسس بناء
الدولة
العصرية الحديثة هو الرضى والقبول
والتداول السلمي للسلطة فيها
بين الأحزاب
السياسية على أسس ديموقراطية، وبالتالي
أساسها إلغاء احتكار أي حزب أو
فئة للسلطة
إلى الأبد، ومن هنا كانت الدعوة
لإلغاء المادة الثامنة من
الدستور،
وإلغاء حالة الطوارئ، من أولويات الدعوة
إلى الإصلاح وبناء الدولة على
أسس عصرية
سليمة..ولقد اتفق جميع دعاة
الإصلاح في بلادنا على هذه
المطالب..
إلاّ
أنّ البعض الذي مازال متمسكاً
بلغة الخطاب القديمة
والمصطلحات الجاهزة
أضاف تهماً جديدة على دعاة
الإصلاح آخرها "التخريب"
فها هي صحيفة
"الرأي العام" الكويتية تطالعنا
في عددها الصادر في 14 /9/2004 برأي
لمسئول
يرى في دعاة الإصلاح: "وتحديداً إلى ما
يثار من مطالب لتعديل الدستور
السوري تجاه
إلغاء المادة الثامنة التي تنص
على قيادة حزب "البعث"
للدولة والمجتمع وقال "إن
حزب البعث العربي الاشتراكي هو
حزب الأكثرية الساحقة في سورية
(,,,) فلماذا يتم رفض وضع هذا الإطار ضمن
صيغة دستورية سليمة"، وأضاف:
"إذا كان كل
عشرة أشخاص وجدوا أن مسيرة البلد بكاملها
لا تناسبهم وانهم يريدون أن
يصنعوا حزباً
مهمته التخريب، فإن هذا ليس
اسمه حزبا سياسيا ولا معارضة،
بل إن هذا اسمه
تخريب على الوطن وهو منطق الناس
المعزولين الفردين الذين
ينطلقون من الديموقراطية
للتعدي على الديموقراطية".
كم
من الأسئلة تراود القارئ حول
هذا الشكل من الخطاب؟!
طالما
الحزب يشكل الأكثرية فما الخوف
من الحكم من دون المادة الثامنة
من الدستور؟
وما الخوف من الحكم من دون
الأحكام العرفية وقوانين
الطوارئ؟ وهل حقاً السادة
الأفاضل من الـ 99 مفكراً
ومثقفاً والألف وغيرهم ممن
يدعون إلى الإصلاح هم من المخربين؟ وماذا
نسمي الحالة البائسة لاقتصاد
البلاد؟ وأكثر من ثلث القوى
العاملة الشابة تعاني البطالة، وأكثر من
ثلث أبناء الشعب يعيشون دون
مستوى خط الفقر،
وأقل من 5% من السكان يملكون معظم
مقدرات البلاد؟! ومن المسئول عن
هذه الحالة؟!
لا
نريد أن نكرر الكثير مما قيل،
لكننا نرى من المفيد التأكيد
والتذكير بأن الدعوة إلى الإصلاح
هي في صالح الجميع، بمن فيهم
المستفيد من
الوضع الراهن، وفي صالح حزب البعث أيضاً،
والتأخير في الإصلاح يضر الجميع أيضاً..
فهلا نستفيد من دروس التاريخ؟! ـ
ومن المفيد أن يعلم الجميع بأنّ
التاريخ سيقول كلمته عاجلاً أم
آجلاً ـ وهلا نتصالح مع التاريخ
ومسرة الحياة
السليمة، ونفتح صفحة جديدة في لغة
الحوار والعلاقة بين أبناء
الشعب أساسها
الحرية والديموقراطية بعيداً عن الخوف
من سيف قوانين الطوارئ والأحكام العرفية؟! لبناء
وطن قوي على أسس عصرية تمكنه من
مجابهة كافة التحديات والأخطار.
Shaher5@scs-net.org
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|