ماذا
تريد المعارضـة السـورية
خـالـد
الأحمـد*
يستطيع
المتابع للأحداث السـورية خلال
السنوات القليلة الماضية أن
يسـتنتج بعض الأمور منها :
أولاً ـ تشـمل
المعارضة السـورية لنظام الحكم
الذي اسـتمر أكثر من أربعـة
عقـود ، (90%) من الشعب السوري ،
فقد أعلن الإسلاميون
معارضتهم للنظام الحاكم الذي
سلب الحريات ، ونهب الأموال ،
وكمم الأفواه ، وفرض الأحكام
العرفية ، وعطل القانون
والدستور ، وعندما رفع
الإســـلاميون صوتهم بالمعارضة
منذ ( 1964، في مسجد السلطان ) ، وفي
(1973 خلال أحداث الدستور ) صبت
الحكومة عليهم أقسى وأشـد أنواع
البطش والقتل والتنكيل انتهى
بمجزرة حماة (1982) حيث قتلت
السلطة ثلاثين ألفاً من أبناء
المدينة . ويتبين الآن مماقاله
محمد سليم حماد في كتابه (تدمر
شاهد ومشهود ) أن السلطة قتلت في
سـجن تدمر قرابة (13 ـ 18 ) ألفاً من
خيرة أبناء الشعب السوري ، كما
يؤكد ذلك الصحفي السوري نزار
نيـوف .
ثــانياً
: واليوم ترفع القوى
اليسارية في سوريا صوتها
بالمعارضة ، ممثلة بالمحامي
رياض الترك ، والصحفي نزار نيوف
، وعدد من أعضاء مجلس الشعب
المستقلين مثل رياض سـيف ومأمون
الحمصي ، والدكتور عارف دليلة .
ويعنى
ذلك أن المعارضة السورية للحكم
تشمل أقصى اليمين وأقصى اليسـار
، مرورا بالبعثيين المنشقين عن
الحزب الحاكم مثل عبد الله
الأحمد وغيره ، والناصريين مثل
منتدى جمال الدين الأتاسي .
ثـالثــاً
: وممايلفت النظر في هذه
المعارضة اتفاقها على مايلي :
1
ـ التغييـر السـلمي ، فهي
لاتريد انقلاباً عسكرياً يضعها
على كراسي الحكم كما فعل
البعثيون ، بل ترفض ، ورفضت في
الماضي ، هذه الطريقة ، طريقة
اغتصاب الحكم بواسطة الدبابة ،
ومازالت تؤمن أن الدبابة اشتريت
بأموال الشعب ؛ لتحميه من
أعدائه ، لا لتقتله ، ولاتريد
عنفاً ، ولاتريد الاستقواء
بالأجنبي ، كما سنرى ، إنها
تريـد الإصــلاح فقط ،
تريد من النظام القائم أن يصلح
نفسـه ، تريد ذلك وتنادي بـه ،
ووسيلتها إليه العمل السياسي
والإعلامي ، والمطالبة
المستمرة بالحقوق المستلبة
للشعب السوري ، والتي صادرتها
حكومته ، وليس مستعمراً أجنبياً
عن البلد ،
ونبذ العنف من المعارضة ومن
أجهزة الدولة الأمنية .
2
ـ ضرورة إلغاء الأحكام
العرفية التي استمرت في سوريا
طيلة أربعين عاماً مضت .
3
ـ إرسـاء نظام التعددية
السياسية ، وإلغاء نظام الحزب
الواحد ، وفتح المجال أمام
الجميع ليسهم في خدمة الوطن .
فهاهو
الأســتاذ ريـاض التـرك
يصرح بأنه يحق للإخوان المسلمين
بتأسيس حزب سياسي ، يعبرون من
خلاله عن رأيهم السياسي ،
ويسهمون في خدمة وطنهم .
وهاهم الإخوان المسلمون
يصدرون بياناً يستنكرون اعتقال
رياض الترك ويطالبون بإطلاق
سراحه ، وإطلاق سـراح جميع
السجناء السياسيين .
ولما أطلق سراحه للمرة
الأخيرة كان الأستاذ علي صدر
الدين البيانوني أول من اتصل
بـه هاتفياً يهنئـه بالسـلامة ،
والخروج من السـجن ، ولاينـس
الإخوان المسلمون ، ويثمنون
موقف الأستاذ رياض منهم ؛ عندما
أراد الرئيس الراحل منـه إصدار
بيان يحمل فيه الإخوان مسؤولية
المذابح التي وقعـت في سوريا
خلال الثمانينات ، فأصـر
الأستاذ رياض على موقفـه الواضح
وهو أن الإخوان دافعوا عن
أنفسهم عندما اضطرتهم السلطة
إلى ذلك ، ودفعتهم إليه دفعاً .
كما
يؤيد الأستاذ علي صدر الدين
البيانوني ـ المراقب العام
للإخوان المسلمين ـ يؤيد
الأسـتاذ نزار نيوف خلال
مقابلته مع محطة الجزيرة ،
ويقول كل ماقاله الأستاذ نزار
قلناه قبل عشرين عاماً ، كما
أثنى الأستاذ نزار على موقف
الأخ أبي أنس .
4
ـ اتفقت المعارضـة السورية بشتى
أطيافهـا وفي مقدمتها الحركة
الإسلامية عامـة والإخوان
المسلمون خاصة اتفقـوا على عـدم
الاسـتقواء بالاجنبي ،
وكان هذا الموقف الوطني المشرف
قبل تورط المعارضة العراقية في
الاستعانة بأمريكا ، وزاد هذا
الموقف صلابة بعد أن اتفق
العاقلون على أن استبداد صدام
السابق أهون من استكبار أمريكا
في العراق حالياً .
رابعـاً
:
سقط التصنيف الطائفي
الذي استغله النـظام الحاكم على
مدى ثلاثين عاماً مضت ، وسـخر
بعضاً من الطائفة العلوية
لمصالح أباطرته الخاصة ، وقد
أعلن الأستاذ نزار نيوف أن
كثيراً من أبناء الطائفة
العلوية مسحوقون مثل غيرهم من
الشعب ، وأن المستفيد منهم فئة
قليلة ، ويذكرنا هذا بموقف
النظام من صلاح جديد والشاعر
سليمان الأحمد وأولاده وغيرهم
كثير . ويبدو أن قسماً غير قليل ؛
من أبناء الطائفة العلوية
سـوف يقف أو وقـف مع المعارضة ،
ومنهم الدكتور عارف دليله خبير
الاقتصاد المعروف ،
مما سيقصم ظهر الحرس القديم
الذي سـخر بعضاً من هذه الطائفة
لمصالحه الشخصية .
خـامسـاًً : يبدو أن
الرئيـس بشـار الأسـد وبعض
مؤيديه من الكبار الجدد (
ومنهم اللواء آصف شوكت ،
والمقدم ماهر الأسـد وغيرهم)
يريدون التغيير ، لأنهم حتى
الآن لايمسـكون إلا أجـزاء
بسـيطة جداً من دفـة الحكم
والسـلطة ، وقـد تملك الحرس
القديم ( ومن أهم رجاله قادة
الأجهزة الأمنية ) ، تملك هذا
الحرس دفـة الحكم وتشبث بـها
بقـوة ، وصار يتمسك بقراره حتى
لو خالف بشـار الأسـد ، وربما
يكون الرئيس ذا عقلية متفتحـة
ويريـد أن يكون بلـده
ديموقراطياً ـ كما بين ذلك في
خطاب القسـم ـ لكن الحرس القديم
يخاف من الديموقراطية على
مصالحه الشخصية ومصالح أولاده
وأحفاده ، وقد وصل الجشـع
ببعضهم إلى أن يبيع قطعاً من
الأرض السورية ليجعلها مقبرة
للنفايات النوويـة .
وقد
أصدر الرئيس بشار الأسـد عدة
قرارات جريئة لتخدم المواطن
السوري لكن الحرس القديم عطلها
، ومنها القرار الذي أصدره
الرئيس بشار للسفارات السورية
وأمرها أن تمنح كل مواطن سوري
جوازاً لمدة سـنة ، وقد عملت
السفارات بهذا القرار شهراً
واحداُ أو أقل ، ثم أوقفته بنـاء
على تعليمات أباطرة الأمـن ،
دون علم الرئيس في الغالب ،
واليوم يصدر هذا القرار للمرة
الثانية ، يمنح كل مواطن سوري ،
يعيش خارج سوريا جواز سـفر لمدة
سنتين ، دون النظر إلى وضعه
الأمني ، ونسأل الله عزوجل أن
يستمر هذا القرار ويترسخ ، لأنه
يعيد ـ ولو جزئياًـ حقـاً
طبيعياً للمواطن السوري ، للجـد
والابن والحفيـد ، بعد أن سـلب
منهم هذا الحق عشرات السنين
.
واليوم
يحاول اللواء غازي كنعان
توحيد أجهزة الأمن كلها تحت
قيادتـه كوزير للداخلية ، وإذا
استطاع ذلك ، فأنا باسمي الشخصي
أبارك هذه الخطوة ، وأراها خطوة
متواضعة في طريق طويل ، قد يخرج
الشعب السوري من تسلط وظلم
أباطرة الأمـن ، هذا على فرض أن
اللواء كنعان يختلف عنهم ، وكما
يقول بعضهم أن
عملـه الطويل في لبنـان ،
عـدل شيئاً من تفكيره ، وأسلوب
عمله ، وبالفعـل كانت الفوضى
وتضارب المصالح الشخصية
لأباطرة الأمـن تأكل الأخضر
واليابس في سوريا .
والآن :
والمطلوب
الآن التنسيق بين صفوف
المعارضة ، وذلك من خلال
مؤتمر وطني يعقد خارج سوريا ـ
حيث يتعذر ذلك داخلها ـ ويعلن عن
منهج عمل للتغيير السـلمي في
سوريا ، تشارك فيه كل أطراف
المعارضة ، وحتى من يرغب من رجال
النظام الراغبين في هذا التغيير
.
وقد
طرح الإخوان المسلمون ( مشروع
ميثاق شرف وطني للعمل السياسي )
، ومما جاء فيه : ( إن دعوتنا إلى
المشاركة في هذا الحوار حول
مـشروع هذا الميثاق مفتوحـة
لجميع القوى السياسية
والشخصيات العامة ) .
كما
جاء في مشروع الميثاق : ( وأن
الاعتراف بالآخر الوطني (
العقائدي والسياسي والفكري
والثقافي ..) ركيزة أساسية من
ركائز التفكير والحركة ... وليس
في وسـع أحد أن يمحو الآخر أو
ينفيه ) .
وتمثل
هذه الأفكار الواردة في مشروع
ميثاق الشرف الوطني للعمل
السياسي لجماعة الإخوان
المسلمين ، أفكاراً متفق عليها
من قبل المعارضة السـورية
المعاصرة ، وأسـاساً يصلح لعقد
مؤتمر وطني للمعارضة السـورية .
والمطلوب
الأول هو كـف يـد المخابرات
العسـكرية عن الشـعب ،
وإعادتها إلى ثكناتها ، لتقوم
بعملها الأصلي ، وهو متابعة
العسكريين ، وليس المدنيين . ومن
ثم إلغاء الأحكام العرفية
واحترام الدستور والقانون .
وقد
انعقد مؤتمر المعارضة السورية
الأول في لندن (23ـ25) آب 2002 ،
وبعد مداولة ومناقشة وتعديل بعض
فقرات مشروع الشرف الوطني الذي
طرحته جماعة الإخوان المسلمون ،
تمت الموافقة عليه من المؤتمرين
ليصير ميثاقاً وطنياً ، كما
شكلت لجنة لهذا الميثاق الوطني
تتكون من سبعة أشخاص أحدهم علي
صدر الدين البيانوني المراقب
العام للإخوان المسلمين .
وتتطلع
المعارضة السورية ( داخل البلد
وخارجه ) إلى عقد مؤتمر وطني
، تجلس فيه المعارضة السورية في
الداخل والخارج ، ومن يشاء من
أطراف النظام الحاكم ، كخطوة
تمهيدية لعقد مؤتمر مصالحة وطني
داخل سوريا ، تحضره جميع فصائل
المعارضة السورية ، مع أطراف
الجبهة التقدمية الوطنية ،
بمافيها حزب البعث العربي
الاشتراكي ، مؤتمر ينظر لسوريا
بعين الواقع ، وعين الحرص على
مستقبل هذا الحصن الأخير من
قلاع العروبة ، بعد سقوط بغداد ،
مؤتمر يستفيد من درس العراق ،
ويضع مصلحة الوطن قبل المصالح
الشخصية ، وقبل المصالح الفئوية
، وقبل المصالح الحزبيـة ،
وينظر للحاضر المهدد بالخطر
المحدق بالوطن ، وينظر للمستقبل
في عالم طغت فيه أمريكا
واستكبرت ، ومارست الإرهاب
علناً في العراق وأفغانستان ،
وتهدد سوريا كل يوم ، ويجب أن
نهتم بحاضرنا ومستقبلنا
ونستفيد ونعتبر من ماضينا ، كل
ذلك من أجل سوريا حـرة كريمة
لجميع أبنائها بدون استقصاء أو
إلغـاء .
سادسـاً
: تتفق
المعارضة السورية على مطالبها
المشروعة والمتواضعـة وهذه
أهمها :
1-
إلغاء قانون الطوارئ الذي
يجثم على صدر الشعب السوري منذ
أكثر من أربعين سنة .
2
ـ احترام حقوق الإنسان
في سوريا ، وإطلاق سراح كافة
ســجناء الرأي . وإعادتهم إلى
الحياة المدنية الطبيعية ،
وتعويضهم عن الأضرار الكبيرة
التي لحقت بهم .
3
ـ كشف مصير المفقودين ويعدون
بضعة عشر ألفاً من أبناء الحركة
الإسلامية ، وتعويض ذويهم عن
الضرار الجسيمة التي لحقت بهم .
4
ـ كف أيدي المخابرات
العسكرية عن التدخل في شؤون
المدنيين ، لأن عملها متابعة
العسكريين ، وليس المدنيين ،
ومن أولى مهامها رصـد جواسيس
إسرائيل ومكافحتهم ، ومتابعة
العسكريين الذين ينهبون الأخضر
واليابس في سوريا ، والذين
حولوا الجيش إلى مزارع خاصة لهم
، يخدم فيها مجندو الخدمة
الإلزامية ليوسعوا أملاكهم
ويزيدوا مدخراتهم وتحويلاتهم
من القطع الأجنبي خارج سوريا .
5ـ
السماح بقانون الأحزاب
السياسية في سوريا ،
ومايتطلبه من صحافة حـرة ،
وأنشطة سياسية علنية لجميع
المواطنين بلا استثناء وبلا
إقصـاء .
6ـ
إجراء انتخابات حرة ونزيهـة
تحت إشراف عربي ودولي ، لتأسيس
مجلس شـعب حقيقي ، يمثل سوريا
كلها بجميع فئاتها وشرائحها ،
ويكون هذا المجلس أعلى سـلطة في
البلاد ، وبعده تشكل حكومة
منتخبـة بواسطة هذا المجلس .
ونسأل
الله عزوجل أن يحفظ سوريا ،
عاصمة الأمويين ، ويجنبها
المصير الأسود الذي وقعت فيه
شقيقتها بغداد ، أعانها الله
وفك أسـرها .
والحمد
لله رب العالمين
*كاتب
سوري في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|