محمد
سيد رصاص وصب الماء الكردي
في
طاحونة المعارضة السورية
جورج
كتن*
للصديق الكاتب محمد
سيد رصاص موقف خاص من الكرد في
سوريا والعراق، وهذا من حقه،
ونحن نحترم رأيه، ولكن هذا لا
يمنع من مناقشته والتحقق من أنه
يستند للحقائق والوقائع
المعروفة.
يرفض الكاتب في
مقاله للسفير (25-10-2004) مصطلحات
"المسألة الكردية" و "الحقوق
الثقافية" و "الشعب الكردي"
في سوريا، فهل يمكن إنكار أن
هناك كرد مجردين من الجنسية
بمئات الآلاف، وأن الكرد في
سوريا من قومية مختلفة عن
القومية العربية ولا يمكن
تذويبهم فيها، وأن من حقهم
المطالبة باستعمال لغتهم في
جميع المجالات، وهو حق ضمنه "إعلان
حقوق الأفراد المنتمين لأقليات
قومية" الصادر عن الأمم
المتحدة عام 1992 والذي أقر حقوق
الأقليات بتطوير هويتها
وثقافتها وحقها في المشاركة في
إدارة مناطقها وواجب المجتمع
الدولي بحمايتها في حال تعرضها
لانتهاكات. فإذا أغمضنا العين
في السابق عن هذه الحقائق فهل
يمكننا ذلك بعد أحداث آذار 2004
التي أكدت أن هناك فعلاً "مسألة
كردية" يفترض حلها قبل أن
تستفحل، وإلا كنا كمن يدفن رأسه
في الرمال.
يتهم الكاتب في
مقاله الأحزاب الكردية السورية
بأنها "تابعة فكرياً
وسياسياً للبرزاني والطالباني
وإوجلان المتحالفين مع دمشق،
والمنقلبين على هذا التحالف
عشية حرب العراق2003، "ليضعوا
بيضهم كله في السلة الاميركية".
وهو تاريخ غير دقيق يتجاهل
انتفاضة الكرد عام 1991 وهجوم جيش
صدام على المدن الكردية وما نتج
عنه من هجرة مليونية والتدخل
الدولي والدور الاميركي
البريطاني في إنشاء المنطقة
الآمنة في شمال العراق لحماية
الكرد من عملية الصهر الشوفيني
التي باشرها النظام الصدامي منذ
منتصف السبعينيات ووصلت ذروتها
أواخر الثمانينيات في حملة
الأنفال الدموية وقصف حلبجة
والتهجير القسري والتعريب
وتدمير آلاف القرى، بينما
غالبية السياسيين العرب يسدون
عقولهم وآذانهم أو يبررون للبطل
القومي "حامي البوابة
الشرقية".
هل كان الكاتب يفضل
للكرد رفض الحماية الدولية في
القرار 668 والاميركية
والبريطانية، وفتح صدورهم
للإبادة الصدامية لكي لا يتهمهم
بوضع بيضهم في السلة الاميركية؟
وهل "وضع البيض" هذا يبدأ
منذ 1991 أم عشية حرب 2003؟ في تلك
الفترة كانت علاقات القيادات
الكردية العراقية مع دمشق جيدة
ومتوافقة حول التصدي للنظام
الصدامي الدموي الذي كانت دمشق
تستشعر خطره. وحتى بعد حرب
العراق تستمر القيادات الكردية
في التردد على دمشق ساعية
لعلاقات أفضل.
أما بعض الأحزاب
الكردية السورية فكانت تقيم
علاقات مع النظام على أمل
الحصول على الحقوق عن طريقه،
بينما أحزاب أخرى لم تكن تجد
نتيجة من مثل هذه العلاقة، وهو
أمر يوجد له مثيل لدى الأحزاب
العربية فمنها من وجد في جبهة
أحزاب النظام الطريق لتحقيق
الأهداف، وأخرى فضلت معارضته
ودخلت السجون، وأفضل دليل على
ما نقول أن الكاتب أشار في مقاله
للقائه في سجن عدرا عام 1992
بمجموعة معتقلة من أعضاء
وقياديي الأحزاب الكردية، فهل
كان ذلك لأنهم متحالفون مع
النظام؟ لو كان ذلك صحيحاً
فلماذا دخلوا السجون بدل دخول
جبهة النظام؟. فالكاتب يفضل
إدانتهم في الحالتين إذا
تحالفوا أو لم يتحالفوا مع النظام.
إن تشويش الوقائع
الكردية يفيد الأستاذ رصاص في
معركته مع المعارضة السورية
التي يتهمها بأنها صمت العقل
والأذن عن خلفية تقارب الأحزاب
الكردية معها الذي تم برأيه
بناء على "تبعيتها"
للقيادات الكردية من خارج سوريا
المتحالفة مع أميركا عشية الحرب.
لا نفهم لماذا ينكر الكاتب على
الكرد في سوريا التأثر
بالقيادات الكردية العراقية
كما يتأثر سوريون عرب
بقيادات عربية غير سورية،
أو ربما كما يتأثر الكاتب
بماركسيين من مختلف القوميات؟
كما نستغرب أن يطلب
من المعارضين السوريين عدم
تناسي الماضي–الذي يصوره كما
يشاء-، ليطالبهم برفض أن يصب ماء
الكرد في طاحونة المعارضة،
وليتهمهم بالفقر الثقافي وقصر
النظر وافتقاد الحنكة
السياسية، رغم أنه من أولويات
الحنكة السياسية قبول صب الماء
الكردي في طاحونة المعارضة
السورية، طالما أن الطرفان
يتفقان على أولوية العمل من أجل
انتقال سوريا للديمقراطية، هذا
التوافق غير قائم حتى الآن على
برامج مشتركة أو هيئات محددة،
فالمطلوب استكماله وليس
التراجع عنه بناء على الماضي
المستند لخلفية تاريخية مشوشة،
علماً أن الكاتب لا يقول لنا أين
يفضل أن تصب الماء الكردية، هل
في طاحونة النظام لكي تتصدى
المعارضة للنظام والأحزاب
الكردية معاً؟ وهل هو مع
المعارضة وينتقدها من داخلها،
أم يسعى لمعارضة المعارضة
والنظام معاً؟.
يضيف الكاتب
تشويشاً آخر إذ يستنكر قول
قيادي كردي أن "سوريا بلد
متعدد القوميات" رغم أن
الأستاذ في مقاله يرى أن "سوريا
تضم أفراداً
ينحدرون من قوميات هي أكثر
من قوميات العراق وإيران
وأفغانستان". يلاحظ الفرق بين
تعبيري الكاتب، ففي البلدان
الثلاث تتواجد "قوميات"
أما في سوريا ف" أفراد
ينحدرون من قوميات"، ربما لأن
الصفة القومية حكر على الأفراد
الذين ينحدرون من القومية
العربية، وهو تقسيم للقوميات
إلى درجات، فالكاتب يخشى إذا
اعترف ب"المسألة الكردية"
والقومية الكردية من "نزع
الطابع العربي عن اسم سوريا...
وإن ذلك سيقود للفيدرالية
وتقرير المصير وتوزيع الحصص...وإلخ"
وهو ما يمكن وضعه في إطار
الهواجس، فلم يثبت حتى الآن أن
هذا مما يطرحه أي
حزب كردي. ألا يلاحظ الكاتب
أن المطالبة باستعادة الهوية
السورية لمئات آلاف المجردين
منها، هو في جانب منه تمسك للكرد
بكونهم جزء من الشعب السوري؟
كما يتهم الكاتب
الكرد بأنهم يعتبرون أية أرض
يطأها كردي أرضاً كردية، وهذا
من الخيال التهويلي، فلم نسمع
أن الكرد في حارة الرز أو حي
الأكراد في دمشق أو أحياء في حلب
اعتبروها أرضاً كردية، حتى في
الشمال الشرقي حيث الأكثرية
كردية، تعتبرها جميع الأحزاب
الكردية أرضاً سورية.
يدعو الكاتب لحل
المسألة -الكردية، التي لا
يعترف بأنها كردية-
ب"القوة"، وهي دعوة
لاستخدام العنف بدل الدعوة
للاعتراف بالحقوق ولاتفاقات
وتسويات قائمة على تفاهمات بين
أبناء الوطن الواحد، ناسياً أن
"القوة" لم تعد تحسم محلياً
أو إقليمياً بل دولياً. وهو رغم
رفضه لمصطلح "الحقوق
الثقافية" في أول المقال فإنه
يقبل به في آخره
شرط أن يقترن بالتخلي عن كل
مشروع سياسي يمس الأرض
والجغرافيا، دون أن يقدم أي
دليل على أن هناك ما يمسها في
برامج الأحزاب الكردية، فهو
يطالبهم بالتخلي عن مشاريع من
نسج خياله، ويشكك
بوطنيتهم، ويرى أن الأولوية
للأرض والجغرافية وليس
للإنسان، فلا يورد في مقاله أي
شيء عن مظالم تعرض لها الكرد،
تستوجب حلاً إنسانياً، إذا تحقق
فلا خشية بعد ذلك على الأرض
والجغرافيا.
يطالب الكاتب الكرد
باعتبار سوريا وطناً نهائياً
لهم، ولكي يكون منصفاً كان يجب
أن يدعو العرب لذلك أيضاً، فهل
تخلى عن الوحدة العربية وأصبح
يعتبر سوريا وطناً نهائياً، أم
أن هذا مطلوب من الكرد فقط؟
لا نرى ما يمنع
الحوار على اعقد المسائل
وأكثرها حساسية للوصول إلى حلول
مشتركة على أن يكون ذلك في إطار
تقبل الآخر المختلف، بعيداً عن
التهديد باستخدام القوة، أو عن
الاتهامات بالتبعية التي أصبحت
من المصطلحات البالية للحرب
الباردة المنقضية.
*
كاتب فلسطيني مقيم في دمشق
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|