دعوة
للمشاركة في ملتقى
الشيخ
محفوظ النحناح (رحمه الله)
بقلم:
مصطفى محمد الطحان
soutahhan@hotmail.com
تلقيت
من الأستاذ أبو جرة سلطاني رئيس
حركة مجتمع السلم، دعوة
للمشاركة في ملتقى الشيخ محفوظ
النحناح يومي 22 و23 حزيران (يوليو)
2004م بالجزائر العاصمة.
والمساهمة في محاضرة حول
المصالحة الوطنية رؤية
استراتيجية.
وكان
لابد من الاستجابة.. فالشيخ
محفوظ النحناح زميل عزيز..
وداعية موفق استطاع في أصعب
الظروف التي اجتاحت الجزائر أن
ينجو بحركته وبإخوانه، وأن
يتجاوز بهم أدق المراحل، وأن
يؤسس بهم ولهم تراثاً فقهياً
وسياسياً لم تزده الأيام إلا
شموخاً ووضوحاً.. هذا الفقه الذي
يعيش في ظله اليوم إخوانه.. وهو
الفقه الذي يثير إعجاب الأصدقاء..
وتتجمع حوله الأطياف التي تؤمن
بالمصالحة الوطنية على أرض
الجزائر.
تحدثت
عن التحديات التي تواجه
المصالحة الوطنية.. في محاولة
لتجنيب هذه المحاولة المخاطر
التي قد تواجهها والخلل الذي قد
يحدث.
بناء
الأوطان
فالأوطان
يبنيها أبناؤها.. المخلصون لها..
العاملون لرفعتها.. من مختلف
الأطياف.
وبعض
الخلاف الذي يمكن أن نسميه
بالخلاف الإيجابي.. هو الذي يكسب
الحياة رونقها، فيزهي بالمنظر
فيزداد جمالاً وتألقاً.
ولقد
أثنى النبي صلى الله عليه وسلم
على مواقف أصحابه.. عندما كانت
تتباين في إطار البناء والتعمير.
فعندما اختلف أبو بكر وعمر رضي
الله عنهما في قضية أسرى بدر..
أثنى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عليهما وأشار إلى اختلاف
الأفكار واختلاف الطبائع،
فشبّه أبا بكر بسيدنا إبراهيم
الأوّاه الحليم.. وشبّه عمر
بسيدنا موسى القوي الأمين.
وحلف
الفضول الذي أقامته قريش لمصلحة
مكانتها وزعامتها، أثنى عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فهو يقدم خدمة لحقوق الإنسان
الغريب العاني.
وعندما
دخل الجيش الإسلامي مكة ليعيدها
إلى الإيمان.. ويوحد بها الأمة
المسلمة قال بعضهم: اليوم يوم
الملحمة.. اليوم تستحل الحرمة..
اليوم تذل قريش.. فلما سمعها
النبي صلى الله عليه وسلم قال:
بل اليوم يوم المرحمة.. اليوم
تعز قريش.. ويعز المجتمع
الإسلامي بها.
بين
الإخاء والحزبية
إن
روح التحزب التي تعمقت في نفوس
العاملين لبناء الأوطان.. هي
السبب الرئيس في كل المواقف
المتشنجة التي تحول دون تدفق
العطاء والإنتاج.. وليس من حلّ
لهذه الخلافات المصطنعة إلا
بإحسان الظن وسلامة الصدر
والالتقاء على كلمة سواء وهدف
مشترك.
أما
الهدف فهو ثوابت الأمة: الإسلام
واللغة العربية والحريات
والديمقراطية وقضية المرأة..
وغيرها. تماماً كما كان يراها
أخونا محفوظ النحناح، وقد استقى
معارفه ومنهاجه وتجربته من
الإسلام الذي دفع الجميع لتحرير
الجزائر.. ومن المنهج القرآني
الذي أقام أمة ما زالت البشرية
تهتدي بنورها ما وجد منصفون في
الدنيا.. ومن فقه الحركة
الإسلامية التي نهل من معينها
فقيدنا الكبير.
عندما
تطرح ثوابت الأمة تجد معظم
الناس يوافقون عليها.. وعند
التطبيق يختلفون.. لماذا؟
هناك
أسباب كثيرة.. ولكن أخطرها هو
الغرب الاستعماري.
ابتداءً
من القرن الـ19 احتل الغرب كل
بلاد المسلمين (جزّأها، وألغى
مدارسها، وألغى لغتها، وغيّر
منهاجها، واستنزف ثرواتها،
وأعاد تربية وتشكيل ونفسية
أبنائها).. لماذا؟
أجاب
بنفسه على هذا السؤال فقال:
للقضاء على الفكر الإٍسلامي،
وعلى المسلمين البرابرة،
وإلحاق المسلمين بالحضارة
الغربية.
الديمقراطية
الديمقراطية
التي ينادي بها الغرب.. ويطالب
المسلمين بتطبيقها.. ابتداءً من
بداية القرن التاسع عشر والقرن
العشرين وحتى اليوم، هي ديكور
مصطنع لتأمين مصالح الغرب..
أو
كما قال وارن كريستوفر وزير
خارجية أمريكا.. أن بلاده تريد
الديمقراطية.. ولكن بما يضمن
مصالحنا.
أو
كما قال من قبله دالاس وزير
خارجية أمريكا الأسبق.. أن بلاده
تعلم أن أرتيريا دولة غير
اثيوبيا.. ولكن مصالحنا تقتضي أن
تكون ارتيريا جزءاً من إثيوبيا.
· عقد
العرب مع الغرب صفقة.. يساعد
فيها الشريف حسين الإنكليز في
حربهم ضد العثمانيين.. مقابل
إعطائه إمبراطورية عربية
مستقلة. يقول لورنس الذي كان صلة
الوصل بين الفريقين نحن نخدع
حلفاءنا.. ولكن هذا الكذب
لمصلحتنا.. وهو أهم بالنسبة لنا
مائة مرة من أن نفي بوعودنا.
عقدت
الصفقة عام 1915 وكانت الثورة
العربية ضد العثمانيين عام 1916..
وفي الوقت الذي كان ينتظر
الشريف حسين الوعود، كانت تجري
تحالفات سرية في سايكس بيكو
يوزعون فيها الأرض العربية على
الإنكليز والفرنسيين..
·
وأعطى الإنكليز وعد بلفور عام
1917 لإقامة دولة إسرائيل..
· وفي
عام 1918 أعلن الجنرال اللنبي
قائد القوات المشتركة عندما دخل
القدس: لقد انتهت اليوم الحرب
الصليبية.
· وعندما
قامت حركات التحرير في كل
البلاد العربية وطردت
الاستعمار وشكلت حكومات مستقلة
ديمقراطية.. قامت الإمبريالية
الجديدة الأمريكية بالانقلابات
العسكرية، لتعيد هذه البلدان
مرة أخرى تحت مناطق النفوذ.
حقوق
الإنسان
وكما
كانت الديمقراطية مجرد ديكور..
فإن حقوق الإنسان لا تزيد عند
الغربيين عن هذا الوصف..
ازدواجية في المعايير..
فالإنسان العربي المسلم عندهم
مجرد إرهابي لا حقوق له..
والإنسان الصهيوني الذي يقتل
الفلسطينيين ويجرف أرضه ويقلع
زيتونه.. هو إنسان راق متحضر له
كل الحقوق..
المصالحة
الوطنية
ولقد
استطاع شيخنا محفوظ النحناح.. أن
يفتح صدره وصدر حركته لكل
الأطياف: الإسلامية وغير
الإسلامية.. القومية والوطنية..
العربية والأمازيغية.. الرجل
والمرأة.. الطالب والعامل..
ينطلق معهم من مفهومه
للديمقراطية والشورى التي تسلم
الفرد والمجتمع لأحسن وسائل
الحوار وأروع النتائج.. ومن
نظرته لحقوق الإنسان الذي كرمه
ربه )
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا
بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ
فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ
الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا
تَفْضِيلاً((1).
ومن
تجربته الثرة التي بدأت مع
الثورة التي حررت الجزائر باسم
الإسلام.. ومن الكفاح السياسي
الذي واجه به الطغيان ودفع ثمنه
من حريته سنوات في السجن أمدته
بفرصة لإعادة التفكير والتقدير..
ومن الواقعية التي رآها في
البعد عن التطرف كيفما كان ومن
أي مصدر جاء.. استنكر قتل
الأبرياء وتحكم الطغاة.. وصبر
على مصابه في فقد إخوانه.. وعلى
الاتهامات التي طالته وطالت
حركته.. فعل ذلك عن وعي كامل أنه
يخط خطاً وسطاً في فهم الأمور..
وسياسة وسطاً بين التطرف
والتطرف.. ولعله كان موقناً أن
هذه الوسطية ستوصل الجزائر إلى
خير الأمور. قال تعالى: )وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء
على الناس ويكون الرسول عليكم
شهيداً((2).
لقد
أبكت هذه الشهادة سيدنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين
سمع هذه الآية على لسان عبد الله
بن مسعود رضي الله عنه.. ولقد
رأيت أخينا محفوظ يبكي شوقاً
لهذه الشهادة..
الدولة
تحتفي بذكراه
لقد
كان اللقاء برعاية رئيس
الجمهورية السيد عبد العزيز بو
تفليقة..
ولقد
أشاد وزير الخارجية بلخادم
بالفقيد.. وبإخوانه الذين على
دربه..
وأوضح
في جلاء أن آمن أبناء الأمة على
الأمة هم حملة تراثها ودعوتها..
وهذا بحدّ ذاته مكسب أن يلتقي
السياسي والوطني والإسلامي على
صعيد واحد..
إنها
دعوة لكل الأنظمة العربية
والإسلامية التي تنشد كرامة
شعبها، ومستقبل أمتها، أن تضع
يدها بيد الإسلاميين الذين لا
يغدرون ولا يمكرون وعلى ربهم
يتوكلون.
نداء
إلى الأحباب
وأختم
هذه الخاطرة بالنداء والدعاء أن
يكلأ ربنا كل داعية مخلص لدينه
وأمته.. وأن يجمع قلوب رجالات (حمس)
على كلمة سواء.. تعيد التوازن
وتقويه.. وتفتح باب المحبة
والأخوة التي أولها سلامة الصدر
وآخرها الإيثار.
والحمد
لله رب العالمين.
الجزائر
24
حزيران (يونيو) 2004م
------------
(1)
الإسراء- 70.
(2)
البقرة- 143.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|