دسّ
ونحل من غير صحة... ودعوى تخبط من
غير دليل
"دلال
البزري" تفتري على العلامة
الشيخ القرضاوي
الطاهر إبراهيم*
لعل الموضوعية هي من أهم ما ينبغي
أن يتميز به الكاتب عند ما
يتناول قضية ما، أو يعرض
لانتقاد رأي إنسان آخر. كما أن
الإنصاف والحيادية مطلوبان حتى
في نقد الأعمال الفنية: في مشهد
درامي لمسلسل أو فيلم، أو
مقارنة شعرية بين شاعرين أو
أكثر. فكيف إذا كانت القضية
تتعلق بالحكم في مناظرة بين
طرفين أو أكثر؟ لاشك أن الكاتب
يجب أن يتمتع بحيادية كاملة وأن
يساوي بين المتناظرين في التعرض
لآرائهم.
أقول هذا الكلام بعد أن قرأت ،في
صحيفة "الحياة" عدد يوم
الأحد 28 نوفمبر الماضي، مقالا
للكاتبة "دلال البزري" تحت
عنوان "القرضاوي دفاعاً عن (وسطيته)
أو:دليل للإرهاب الفكري".
وقد كان برنامج "حوار مفتوح"
لمقدمه "غسان بن جدو" الذي
عرضته قناة "الجزيرة" يوم
السبت في 20 "نوفمبر" الماضي
تحت عنوان "الخطاب الديني
والعلاقة مع الغرب" هو اللوحة
التي حاولت الكاتبة ""البزري"
انتزاع مادة مقالها منها.
كنا ننتظر من كاتبة متمرسة في
الكتابة مثل "البزري"،وقد
عُرض أمامها نموذجان من
المفكرين هما، الشيخ القرضاوي
العالم المعروف و "ستيف
إمرسون" صاحب كتاب الجهاد
الأميركي، أن تتناول الموضوع
بحيادية وإنصاف وبمهنية الكاتب
الذي يتحرى الدقة.
وإذا كان قد قيل قديما: "إذا
كنت ناقلا فالصحة أو مدعيا
فالدليل". فإنه لمما يؤسف له
أن نجد أن اقتباسات الكاتبة من
الحوار كان معظمها مغلوط،
وادعاءاتها كلها تفتقر إلى
الدليل.
أما الحيادية فقد خلا مقال
الكاتبة منها كليا. وهي قضية لا
تخفى على كل من قرأ المقال، وكان
قد شاهد قبل ذلك البرنامج
الحواري. وما عاد مثل كلام "البزري"
يقنع حتى من كان على دراية بسيطة
في أمور النقد، في عصر
الفضائيات والإنترنت.
كما أن "البزري" اتهمت الشيخ
بالتقية –أي الكذب- ،وأوغلت
كثيرا في قذفه، من دون أن تثبت
أيا من التهم بكلام صريح صحيح
منسوب إليه، فكتبت: "فانطلقت
تقية الشيخ على سجيتها وراح
ينفي تهم الإرهاب والتطرف
والأقوال والتصريحات وفتاوى
القتل وكراهية المسيحيين
واليهود".
كما أنه كان ينبغي أن تضع الكاتبة
المتحاورين –القرضاوي،إيمرسون-
على قدم المساواة، وهو ما لم
يحصل.فقد اكتفت بوصف "إيمرسون"
بأنه "صبّ كل الأسئلة
الاتهامية الاستفزازية الممكنة
,وكانت أسئلة غبية..". ولم
تتطرق،ولو بكلمة واحدة، إلى ما
ورد في خطابه العنصري المتأجج
بالكره للشيخ والمنظمات
الإسلامية. بينما أفردت مقالها
كله للانقضاض على الشيخ
القرضاوي، وللانتقاص من فكره.
وليتها كانت أمينة في اقتباسها
من أقوال الشيخ القرضاوي.
اقتباسات الكاتبة "البزري"
لم تكن أمينة.
أولا: جاء في مقال "البزري"
أن القرضاوي عمل " على تنصيب
نفسه على انه هو الإسلام"
عندما قال: "من أراد أن
يحاكمني فليحاكم الإسلام!".
ولسوء حظ الكاتبة أن قناة
الجزيرة تترجم الحوارات حرفيا.
فقد جاء في الترجمة الموجودة
على موقع "الجزيرة" على
لسان الشيخ: ( مَن أراد أن
يحاكمني فليحاكمني إلى أصول
الإسلام التي أؤمن بها وأدعو
إليها وأضمنها خطابي في كل..).
وكل من لديه فهم ولو بسيط يدرك
أن هناك خلاف واسع يصل إلى 180
درجة بين أن يحاكم الإنسان حسب
أصول الإسلام كما ورد في كلام
الشيخ، وبين أن يحاكم الإسلام
نفسه!. والفرق
واضح بين ما ورد في مقال "البزري"
وبين ما قاله الشيخ، وكل ما يمكن
التعقيب به:أن الكاتبة قامت
بجريمة تزوير يعاقب عليها
القانون.
ثانيا: في معرض نقلها للتعليق على
جوابه على سؤال "إيمرسون"
له عن الإرهاب والعمليات "الاستشهادية"
قالت: إن القرضاوي "أولاً: ربط
بين "بن لادن" وقضية فلسطين.
فعاد وأدرج العمليات
الانتحارية ضمن سياق 11 أيلول,
تماماً كما "نظّرَ" بن لادن
بُعيْد فعلته". أما ما ورد على
لسان الشيخ القرضاوي فنصه
الحرفي–جاء بعضه باللغة
العامية-كما يلي:(بالعكس ده أول
بيان إسلامي صدر لدينونة ماحدث
في إحدى عشر سبتمبر كان بياني،
صدر في"إسلام أون لاين" أول
بيان إسلامي)..
ثالثا:أكدت الكاتبة أن الشيخ
القرضاوي "شدّد على الترابط,
بل التطابق,بين الإرهاب
والمقاومة".
أما الشيخ القرضاوي فقد قال: (جاءني
الصحفيون الأميركيون وقالوا أن
إجازتك للعمليات الإستشهادية
الفلسطينية معناها أنك تجيز
العمليات اللي بتاع إحدى عشر
سبتمبر قلت لهم: لا، فرق كبير
بين الأمرين، فرق في الغاية
والوسيلة: العمليات
الاستشهادية التي تحدث في
فلسطين دفاع عن الوطن ولكن اللي
بيروح يغزو أميركا ما بيدافعش
عن وطنه بيروح يغزو وطنا آخر.
وبعدين من ناحية الوسيلة،
العمليات الاستشهادية واحد
بيضحي بنفسه هو حر في نفسه، إنما
ده واحد بيضحي بركاب الطائرات
هل وكَّلوه في أنه يضحي بهم؟).
فأين هو التطابق بين المقاومة
والإرهاب في كلام القرضاوي؟
والأمر هنا واضح التزوير بل
والافتراء أيضا، كما في
المثالين السابقين، "فالبزري"
قامت بعملية تزوير يعاقب عليها
القانون.
من أين حصلت البزري على الفتاوى
التي نسبتها للشيخ؟
بعد أن اتهمت الشيخ القرضاوي ب"وعورة
افكاره", أشارت "البزري"
إلى: "وثيقة قيد التداول
الالكتروني تعمل على جمع
التواقيع, تدين الشيخ القرضاوي
بتأجيج الإرهاب عبر فتاواه
المتطرفة. وابرز هذه الفتاوى
اثنتان: الأولى تحكم على
العلماني بالردة -وبالتالي بهدر
دمه..-. أما الثانية فتحضّ على
قتل الأميركيين في العراق,
مدنيين وعسكريين..".
أما تهمة الحض على قتل
الأمريكيين فقد فندها "القرضاوي"
خلال الحوار بقوله:
( قلت
مَن هو المدني؟هل إذا دخل
مهندسون أو عمال أو فنيون مع
الجيش الأميركي هل يعتبر هؤلاء
مدنيون؟ هل المقاتل هو من يكون
في الدبابة وإلا من يخدم
الدبابة أيضا؟..).
الذين خدموا كجنود أو ضباط في جيش
بلادهم يعرفون أن المقاتلين في
الجيش لا يمثلون إلا أقل من نصف
العسكريين في القطعات. فهناك
الإداريون والذين يعملون في
إطعام الجيوش. بل إن الجيش
الأمريكي يرفد القطعات العاملة
بجيش آخر من المهندسين
والأطباء، فهل يحق للطبيب الذي
يداوي المرضى والجرحى أن يزعم
أنه ليس من الجنود لكونه طبيبا؟.
وهذا هو بالضبط فحوى ما قاله
الشيخ ردا على اتهامه بأنه أفتى
بقتل المدنيين الأمريكيين.
أما التهمة الأولى فنتحدى "البزري"
أن تأتي بالمصدر الذي أخذت منه
الفتوى التي زعمت فيها أن الشيخ
القرضاوي "حكم بردة العلماني
وأهدر دمه؟". وكان عليها قبل
أن تلقي جزاف كلامها أن تشير إلى
المصدر الذي وجدت فيه هذه
الفتوى. وإذ لم تشر إلى المصدر
فإنها تكون قد افترت على الشيخ
افتراء بينا ونسبت إليه ما لم
يقله. نقول هذا الكلام دون أن
نتطرق إلى صحة الحكم من عدمه،
لأنها قضية أخرى.علما أن الشيخ
لم ينف إسلام هؤلاء (العلمانيين)
كما جاء في برنامج الشريعة
والحياة الذي أذيع يوم الأحد 5
كانون أول الجاري حيث جاء في
الحوار:
(خديجة بن قنة [مقاطعاً]:
ولكنهم مسلمون.).
(يوسف القرضاوي: هم مسلمون، ولكن
فيه فرق بين مسلم وإسلامي.)
وهذا الكلام يلقم "دلال البزري"
الحجر ويظهر افترائها على الشيخ
بشكل واضح وبين.
ولكن لماذا كل هذا الكره للشيخ
"القرضاوي"؟
بعد أن أشارت "البزري" إلى
أن الشيخ هو "رئيس" الاتحاد
العالمي لـ"علماء المسلمين"
كتبت: "علينا أن نوضح لأنفسنا,
قبل العالم, وبالحجة الدقيقة, أن
الشيخ القرضاوي لا يمثلنا,ولا
"اتحاده" ناطق بإسمنا".
وهي إحدى المغالطات التي لا
أقول أنها وقعت فيها سهوا، بل
تقصدت ذلك. وإلا فكيف يكون
القرضاوي ممثلا للبزري وهي ليست
من العلماء، ولم يوجه إليها
دعوة لتعترف باتحاد علماء
المسلمين؟ ولكنه الكره الذي ملأ
أسطر المقال. وأنا أدعو كل الذين
لم يقرأوا مقال البزري أن
يعودوا إلى أرشيف "الحياة"
ويستخرجوا المقال ليروا أني لم
أثبت من فقرات مقال "البزري"
إلا غيضا من فيض الكلام الذي
تنتقص فيه من العلامة الشيخ "القرضاوي".
وعلى كل حال فإن الافتراءات
ساقتها "دلال البزري" في حق
العلامة القرضاوي لا تختلف في
كثير أو قليل عن الشتائم التي
وجهها لفضيلته الأمريكي "إيمرسون"
في حلقة الحوار المفتوح التي
أشرنا إليها، وهي صفحة من صفحات
تسطرها أمريكا وأدعيائها في
المنطقة في الحملة الشرسة التي
تقودها ضد الإسلام ودعاته.
فقط أشير هنا إلى قضية هامة وهي
أن الذين يهاجمون الشيخ
القرضاوي،وخصوصا الأمريكيين
،إنما يهاجمون الاعتدال في
الشارع الإسلامي، فيترسخ
التطرف، وبالتالي يسهل عليهم
الهجوم على
الإسلام ودعاته من خلال
تقديم نماذج الغلو والتطرف على
أنها تمثل الإسلام.
* كاتب سوري يعيش في
المنفى / عضو مؤسس في رابطة
أدباء الشام
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|