من
عقبة العقبة الى شرم الشيخ
بلال
الشوبكي*
ما ان انتهى محمود عباس من القاء
خطابه في العقبة حتى توالت ردود
الفعل الفلسطينية الرافضة لذلك
الخطاب والمستنكرة له من كل
الفصائل ومن الشارع الفلسطيني،
بل ومن بعض القادة في السلطة،
لكن كل ما جرى لم يكن خارج نطاق
التوقعات سواء بالنسبة لخطاب
عباس أو بالنسبة لردود الفعل
الغاضبة.
لكن الغريب ان لا يختلف خطاب عباس
في شرم الشيخ كثيرا عن سابقه في
العقبة، بل ويعيد نفس المعاني
وان كانت بكلمات جديدة ولا نرى
ردة الفعل الفلسطينية مثلما حصل
بعد خطاب العقبة.
ما الجديد، ما الذي تغير؟!
في الحقيقة ان التغيرات كثيرة من
كافة الزوايا بين الظروف التي
أحاطت بخطاب العقبة والظروف
التي أحاطت بخطاب شرم الشيخ وان
كانت الفترة بين الخطابين ليست
طويلة الا انها كانت مليئة
بالاحداث والتطورات.
فما الذي جعل موقف الفصائل
والشارع الفلسطيني الى ان يتوزع
بين تأييد الخطاب او تقبله على
مضض أو توجيه النقد الخفيف له،
بعدما كان مرفوضا من الجميع؟
بالنسبة لحركة فتح عندما ثارت
وانتفضت على خطاب عباس في
العقبة، لم تكن ثورتها في حقيقة
الامر الا على عباس الذي جاء
بناء على ضغوط امريكية وتضامنا
مع زعيمها ابو عمار، ولم يكن
أمامها سوى خطاب العقبة ليكون
الشرارة التي تشعل نيران غضبها
على بن الحركة العاق.
اما الآن وبعد خطاب شرم الشيخ، كيف
تحولت نيران فتح بردا وسلاما
على عباس؟
الاجابة على هذا التساؤل من شقين
:
أولا: عندما ألقى محمود عباس خطابه
في العقبة لم يكن في نظر فتح الا
خيار أميركا الذي فرض عليهم،
أما الان فإن محمود عباس كان
خيار فتح قبيل الانتخابات
الرئاسية وخيار الشعب بعدها (من
وجهة نظر فتح)، لذلك فإن أي ثورة
من فتح على محمود عباس هي ثورة
على نفسها اذ ان عباس هو خيار
فتح كما تبين،لذا فان فتح ستكون
حريصة على دعم عباس حتى لاتفسح
المجال لمنافسي فتح لدخول
الساحة، اي ان دعمهم لعباس ليس
حبا لعلي وانما كرها لمعاوية.
ثانيا: وفاة عرفات وما أدى اليه
ذلك من تحول محمود عباس من ذلك
الرجل الثاني في المنظمة يوم لم
تكن سوى منظمة الرجل الواحد الى
ابو مازن القائد الرمز، خليفة
الراحل.
أما بالنسة لحركة حماس، فإنها
عندما وقفت بقوة في وجه خطاب
عباس في العقبة بالرغم من
تفاهمها مع عباس بشان الهدنة
فهي لم تكن وقفة ضد سياسات فتح
بقدر ماهي سياسات شخص بعينه وان
كان من قيادات فتح، بل على العكس
ان رفض حماس لخطاب العقبة جاء
متناغما مع موقف افراد فتح
ومدعما لقوة ابو عمار في الشارع
الفلسطيني، كما ان التزام عرفات
الصمت حيال خطاب عباس فتح
المجال أمام حماس لان تقف بقوة
في وجه عباس في حين لم تكن قادرة
على مواجهة عرفات لنفس الاسباب.
أما الان وبعد أن أصبح عباس هو
خيار فتح فإن أي مواجهة مع عباس
فهي مواجهة لفتح في واقع الامر،
مما دفع حماس الى ان تنأى بنفسها
عن هذه المواجهة وتخفف من حدة
اتنقادتها لخطاب شرم الشيخ، بل
ان حماس ستستغل وجود عباس على
رأس فتح حيث أن وجوده هذا سيضعف
من شعبية فتح في الشارع لحساب
حركة حماس.
اما بالنسبة للهدوء الذي انتاب
الشارع الفلسطيني بعد خطاب عباس
فإن سببه يكمن في أن الراي العام
الفلسطيني موجه من قبل الفصائل
الفلسطينية، ومتأثرا بوسائل
الاعلام التي ساهمت بشكل كبير
في تقبل الشارع لما جرى في شرم
الشيخ، اضافة الى المواقف
الدولية والعربية التي ساهمت في
الايحاء للشارع الفلسطيني أن لا
حل الا مع عباس.
*
محلل سياسي_ فلسطين
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|