ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 15/02/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


بسم الله الرحمن الرحيم

رسائل المراقب العام – الرسالة الحادية والعشرون

بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية ورأس السنة الهجرية 1426

من المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية، إلى إخوته وأخواته أبناء الجماعة وأنصارها وأصدقائها.. داخل البلد الحبيب وخارجه.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وكلّ عامٍ وأنتم بخير، وأسأل الله عز وجل أن يعيد علينا ذكرى الهجرة النبوية، وقد فرّج عن أمتنا همومَها، وأذهب عنها أحزانها، وأعادها سيرتها الأولى، سيرةَ العزّ والمجد والفخار.. إنه سميع مجيب.

أما بعد أيها الإخوة الأحبة والأخوات: فإني أحمد الله إليكم، وأصلي وأسلم على سيدنا وقدوتنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ في السرّ والعلن، فإنها خيرُ الزاد، كما أذكّركم ونفسي بما تواصينا عليه في الرسائل السابقة، من مجاهدة النفس للارتقاء بالمستوى الروحيّ، وتعميق الوحدة القلبية بين الإخوة، والتحقّق بأركان البيعة، والقيام بواجب الدعوة إلى الله عزّ وجلّ بالحكمة والموعظة الحسنة، والتعاون والتكافل في مواجهة التحدّيات المالية، والعمل الجادّ الدؤوب للنهوض بجماعتنا، والقيام بواجباتنا تجاه وطننا وأمتنا..

أيها الإخوة الأحبة والأخوات: إن سيرةَ المصطفى صلى الله عليه وسلم، مدرسةٌ للدعاة، فالله عز وجل يقول: "لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً"، ويقول أيضاً: "قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور رحيم". ولقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدارسون سيرته، كما يتدارسون السورة من القرآن، ذلك أن هذه السيرة الشريفة، هي التطبيقُ العمليّ للقرآن، والتجسيدُ الحيّ لرسالة الإسلام، ولقد أخبرت السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سُئِلَتْ عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: "كان خلقُه القرآن".

أيها الإخوة الأحبة والأخوات: إن ذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، مناسبةٌ عظيمة، حريّ بنا أن نستوعبَ دروسَها ونحن نعيش مرحلة الهجرة ونواجه تحدّياتها، وما أكثر دروسَ الهجرة، وما أعظم العبرَ المستخلصة منها!. أذكرُ منها على سبيل المثال لا الحصر:

1 - الصبر على الشدّة والبلاء في سبيل الله: فلقد لاقى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة المكرمة، من الشدّة والأذى وهم يبلّغون دعوة الله، ما يصعب على البشر احتمالُه، مما اضطرّ الرسول صلى الله عليه وسلم للتوجه إلى الطائف لالتماس النصرة، ثم عاد إلى مكة في جوار (المطعِم بن عديّ)، كما اضطرّ أصحابه للهجرة إلى الحبشة أولاً، ثم إلى المدينة بعد ذلك، ثم أُذِنَ للرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة.

ثم إن الهجرةَ نفسَها نوعٌ من الابتلاء، فالله عز وجل يقول: "ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسَكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلٌ منهم.." والرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب مكة فيقول: "والله إنك لأحبّ بلاد الله إليّ، ولولا أنّ أهلكِ أخرجوني ما خرجت".

لقد كان في صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، على ما لا قَوْه من الأذى في مكة، ثم في اضطرارهم إلى الهجرة إلى الحبشة والمدينة، دروساً رائعةً ما أحوجنا إلى استيعابها ونحن في هجرتنا، لتكون هذه الهجرة مرحلةً جديدةً من مراحل العمل في سبيل الله والدعوة إليه، بدلاً من أن تكون مدعاةً للإحباط واليأس، شريطةَ أن نستحضرَ دائماً الإخلاصَ لله عز وجل في هذه الهجرة، متذكّرين قولَ الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمالُ بالنيات، وإنما لكلّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله، فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرتُه لدنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه".

2 - الإعداد الجيد والتخطيط المحكم والأخذ بالأسباب: إن من يقرأ قصة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم مع صاحبه الصدّيق، لينبهرُ من حسن الإعداد وإحكام الخطة، والأخذ بجميع الأسباب المادية التي يمكن أن يهتديَ إليها العقل البشريّ، كلّ ذلك مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم مؤيَّدٌ بالوحي، وأن الله عز وجل قادرٌ على أن ينقلَه وأصحابَه إلى المدينة دون أيّ عناء، ولكنه التشريعُ للأمة، والمثلُ للدعاة. ولنستعرضْ معاً بعضَ مظاهر هذا الإعداد وذلك التخطيط:

- إعدادُ الراحلتين، وتعهّدهما بالرعاية أربعة أشهر، ثم تجهيزهما على أحسن وجه.

- الاستعانةُ بأهل الخبرة والاختصاص، واستئجارُ خبيرٍ بالطرق وهو على الشرك (عبد الله بن أُرَيْقِط) .

- التزوّد بالمال والطعام، حيث كانت أسماءُ بنت أبي بكرٍ تحمل إليهما الطعام كلّ مساء، وكان عامرُ بن فهيرة يأتيهما باللبن في الليل، وكان أبو بكرٍ الصدّيق قد احتمل معه ماله كلّه (ستة آلاف درهم) .

- الاحتياطُ الأمنيّ المتمثّل في كتمانِ أمر الهجرة، والتمويهِ على الأعداء، وتحسّسِ أخبارهم، فلم يعلمْ بأمر الهجرة إلا المجموعةُ الصغيرةُ التي كان لها دورٌ في التنفيذ، وبقي عليٌ كرّم الله وجهه لينامَ في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدّثرَ بلحافه، كذلك فقد كان التوجّه إلى الجنوب باتجاه اليمن، بدلاً من الوجهة الحقيقية إلى الشمال باتجاه المدينة، ثم التربّصُ في الغار ثلاثة أيام، ريثما يخفّ الطلب ويهدأ البحث، وكذلك إعفاءُ آثار الأقدام حتى لا يستدلّ المشركون على الجهة والمكان..

3 - التوكّل على الله والثقة المطلقة به بعد الأخذ بالأسباب: فالقلب لا ينبغي أن يتعلّق بالأسباب المادية، بل يبقى متعلّقاً بالله عز وجل وحدَه، مسبّبِ الأسباب، القادرِ على كلّ شيء، والذي بيده ملكوتُ كلّ شيء. ولنستمع إلى هذا الحوار المعبّر:

- "يا رسولَ الله!. لو نظر أحدُهم إلى موطئ قدمه لأبصرَنا!." – "يا أبا بكر!. ما ظنّك باثنين الله ثالثهما؟."

ثقةٌ بالله مطلقة، وتوكّلٌ على الله حقّ ، مع حسن الإعداد والتخطيط والأخذ بالأسباب.. فكانت العنايةُ الإلهية، وكان الحفظُ والتسديد، ثمرةً عاجلةً لذلك كله.

4 - محبّة الصدّيق للرسول صلى الله عليه وسلم وافتداؤه بنفسه: نلمسُها في رحلة الهجرة بأروع صورها، لنستمعْ إلى أبي بكرٍ رضي الله عنه وهو يقول: "والله لا تدخلْه (الغار) حتى أدخلَه قبلك، فإن كان به شيءٌ أصابني دونك.." وعندما بقي ثقبان في الغار لم يتمكّنْ من سدّهما ألقمَهما رجليه، ثم نام الرسول صلى الله عليه وسلم في حِجْره، فلُدِغ أبو بكرٍ في رجله، لكنه لم يتحركْ مخافةَ أن ينتبهَ الرسول صلى الله عليه وسلم من نومه، حتى سقطت دموعُه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وفي الطريق إلى المدينة، كان الصدّيقُ رضي الله عنه يمشي ساعةً بين يدَي الرسول صلى الله عليه وسلم، وساعةً خلفَه، ففطن إلى ذلك الرسولُ صلى الله عليه وسلم، وسأله فأجاب: "يا رسول الله!. أذكرُ الطلبَ فأمشي خلفَك، وأذكرُ الرفد فأمشي بين يديك"، فقال الرسولُ صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر!. لو كان شيءٌ لأحببتَ أن يكون بك دوني؟" قال: "نعم، إن قُتِلتُ فإنما أنا رجلٌ واحد، وإن قُتِلتَ أنت هلكت الأمة!."

5 - دور المرأة المسلمة والشباب: إن المهماتِ التي كانت تؤدّيها أسماءُ بنتُ أبي بكر، وعائشةُ رضي الله عنهما، لتؤكّدُ أهميةَ الدور الذي يمكن أن تقومَ به المرأة في العمل الإسلامي إلى جانب الرجل. كما أن المهمةَ التي كان يؤدّيها عبدُ الله بن أبي بكر، من تسقّط أخبار قريش في مكة نهاراً، ونقلها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في المساء، لتؤكّدُ دورَ الشباب، وأهميةَ الاستفادة من طاقاتهم الفاعلة.

6 - الأخوّة بين المهاجرين والأنصار: هذه الأخوّة التي ضربت أروع الأمثلة في المحبة والبذل والإيثار، جديرٌ أن تكون مثلاً يُحتذَى للأخوّة الحقيقية في الله.

أيها الإخوة الأحبة والأخوات: لقد كانت هجرةُ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة المنورة، بدايةً لمرحلةٍ جديدة، انتصرت فيها دعوة الله، بعد مرحلةٍ قاسيةٍ من المعاناة والصبر على البلاء، والأخذ بجميع الأسباب الممكنة، وحسن الإعداد والتخطيط، والتوكّل على الله عز وجل، والثقة المطلقة به، والتفاني بمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتأسّي به، والاستفادة من كلّ الطاقات، والأخوّة الحقيقية التي ربطت بين قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربوا فيها أروع الأمثلة.

فهلا ّجعلنا من هجرتنا في سبيل الله منطلقاً لمرحلةٍ جديدة، تستوعبُ دروسَ الهجرة الأولى وعِبَرَها، نخلصُ النية لله عز وجل، ونبذلُ قُصارى جهدنا للأخذ بالأسباب المادية والمعنوية، مقتدين بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الإعداد والتخطيط واستفراغ الوسع، وبذل الطاقة والجهد، مع صدق التوكّل على الله عز وجل، صابرين، محتسبين ما أصابنا ويصيبُنا من شدّةٍ وبلاءٍ عند الله عز وجل، واثقين بنصره، مؤكّدين محبتَنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بحسن اتّباعه، والاقتداء به، والعمل بهديه، مستفيدين من طاقات إخواننا وأخواتنا، متحققين بمقتضيات أخوّتنا، ووحدة قلوبنا، واجتماع كلمتنا، متمثّلين في ذلك كلّه قولَ الله عز وجلّ: "الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح، للذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيم، الذين قال لهم الناسُ: إن الناسَ قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيماناً، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ، لم يمسسهم سوء، واتّبعوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم. إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءَه، فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمني"ن.

وإلى أن نلتقيَ ثانيةً في رسالةٍ قادمة، أستودعُكم الله أيها الأحبة، وكلّ عامٍ وأنتم بخير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. والله أكبر ولله الحمد.        

الأول من محرم الحرام 1426 الموافق للعاشر من شباط 2005

أخوكم : أبو أنس

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ