في
تقرير رسمي للمكتب الوطني
للدفاع عن الأرض ومقاومة
الاستيطان
سياسة
شارون:
تكريس
احتلال الضفة الغربية!!
القدس
– ناهض منصور
ذكر المكتب الوطني للدفاع عن
الأرض ومقاومة الاستيطان في
تقرير له بان شارون منذ توليه
رئاسة الحكومة الإسرائيلية
للمرة الثانية، وحتى الآن، فإن
سياسته تجاه الشعب الفلسطيني
تشهد مزيداً من التصعيد وتكريس
الاحتلال، ليس في الحصار الخانق
للمدن والبلدات والقرى
الفلسطينية، وفرض العقوبات
الجماعية بحقه وحسب، إنما تميزت
هذه السياسة أيضاً بتصعيد وتيرة
الاستيطان بكافة الأوجه
وبمختلف الذرائع، التي يمارسها
المستوطنون تحت حماية ومساندة
جيش الاحتلال في كثير من
الأحيان، وبقرارات عسكرية
رسمية صادرة عن أركان حكومته
لتسهيل السيطرة والنهب
والمصادرة والاعتداء على
ممتلكات الفلسطينيين وأراضيهم
ومزروعاتهم ومصادر رزقهم،
لتحقيق أهداف المستوطنين
وتسهيل مهماتهم في أحيان أخرى،
وذلك لفرض وقائع على الأرض يصعب
إزالتها، مما يؤكد أن سياسة
شارون الحقيقية هي تكريس
الاحتلال للضفة الغربية وعدم
الانسحاب منها.
وفي التقرير الرسمي
الصادر عن المكتب الوطني
للدفاع عن الأرض ومقاومة
الاستيطان
التابع للجنة التنفيذية
لمنظمة التحرير الفلسطينية قال
الباحث نايف أبو عيشة معد
التقرير : على الرغم من
الإدعاءات الكاذبة لهذه
الحكومة، بأن "عرفات" كان
هو العقبة في طريق السلام بين
إسرائيل والفلسطينيين، إلا
أنها ومنذ انتخاب "أبو مازن"
بعد رحيل "عرفات"، ورغم
انعقاد قمة شرم الشيخ، الذي
أكدت فيه الأطراف العربية
المشاركة، وخاصةً الطرف
الفلسطيني، على ضرور تحقيق
السلام بين الطرفين، والالتزام
بخارطة الطريق لتحقيق ذلك، إلا
أن الحكومة "الجديدة"،
وبعد مشاركة حزب العمل فيها، ما
زالت تسير على ذات السياسة
العدوانية ضد شعبنا وأرضه
ووطنه، ولم يتغير شيء على أرض
الواقع، من شأنه أن يخفف من
معاناة الشعب الفلسطيني، فما
زال الحصار والإغلاق والحواجز
والتدمير والاجتياح المتواصل
للمدن، والقتل بدم بارد، وفرض
العقوبات الجماعية، وكل
الإجراءات القمعية المعادية،
وكذلك مواصلة تصعيد وتيرة
الاستيطان في المناطق المحتلة
عام 1967، وبناء جدار الفصل
العنصري الذي سيلتهم 12% من أراضي
الضفة الغربية، بعد قرار تعديل
مساره، وليس أدل على حقيقة
نوايا هذه الحكومة، ما كشفته
صحيفة "يديعوت أحرونوت" في
أواخر شباط الماضي، عن مخطط
جديد يتمثل ببناء أكثر من 6 آلاف
وحدة استيطانية جديدة خلال
المرحلة القادمة في العديد من
المستوطنات القائمة؛ "معاليه
أدوميم وموديعين عيليت وبيتار
عيليت، وهار جيلو وجيفعات زئيف
وهار أدار، وجفعات بنيامين
وعيتس أفرايم والكنا، وألون
شيفوت وتسوفيم". لذا فإن
المتتبع لوتيرة الاستيطان
المتصاعدة، منذ مطلع العام
الحالي 2005، يمكن أن يرى بوضوح،
ويدرك بصورة لا يرقى إليها
الشك، أن شارون يراهن على عامل
الوقت في عدم الاستجابة
لاستحقاقات السلام مع الشعب
الفلسطيني وفق قرارات الشرعية
الدولية، وذلك بفرض وقائع
استيطانية على الأرض، من شأنها
أن تنسف وتدمر أي إمكانية لحل
سياسي مستقبلي للمناطق
الفلسطينية، بما يمكَن شعبها من
إقامة دولته الوطنية المستقلة
وعاصمتها القدس، بما في ذلك
تفكيك المستوطنات ورحيل
المستوطنين عنها وعودة
اللاجئين الفلسطينيين، وانسحاب
إسرائيل إلى حدود حزيران 1967.
إن تصعيد النشاطات الاستيطانية
التي تم رصدها على مدار الشهرين
السابقين، تبيَن خطورة الهجمة
العدوانية الشرسة التي تنتهجها
حكومة شارون مع سبق الإصرار،
وتوفير الحماية العسكرية
المطلقة والأمن لقطعان
المستوطنين وعصاباتهم الفاشية،
كي ينفذوا اعتداءاتهم المتكررة
يومياً، وقرصنتهم للأرض وما
عليها، وما بداخلها من ثروات
مائية وزراعية وغيرها. الأمر
الذي يوسع شهيتهم العدوانية
المتواصلة، وما يشكله ذلك من
خطر استراتيجي كبير على مستقبل
الأراضي الفلسطينية، والمتمثل
بتوسيع المستوطنات القائمة،
وتقوية وتوسيع البؤر
الاستيطانية والمواقع العسكرية
القريبة من المعابر والحواجز
التي أقامتها بين المدن
والبلدات الفلسطينية، وتحويلها
تدريجياً إلى مستوطنات، تستقدم
إليها المزيد من المستوطنين
والمهاجرين الجدد، كما هو مخطط
الآن في منطقة "قبر راحيل"
قرب مدينة بيت لحم، وغيرها.
وأضاف أبو عيشة بقوله : أما على
صعيد النشاطات الاستيطانية
التي تم رصدها على مدار الشهرين
السابقين (كانون الثاني وشباط)،
فقد تمثلت في قيام قوات
الاحتلال ومجموعات المستوطنين،
بتجريف مئات الدونمات في
محافظات طولكرم والقدس وسلفيت،
من أجل إنشاء طرق استيطانية
بديلة، واستكمال إقامة جدار
الفصل العنصري، وتوسيع مستوطنة
"أريئيل"، وتجريف مساحات
واسعة من أراضي بلدة بيت سوريك
في محافظة القدس، بهدف
المصادرة، عدا عن تجريف 2365
دونماً في محافظتي الخليل ورام
الله، لاستكمال بناء جدار الفصل
العنصري وتوسيع إحدى
المستوطنات القائمة في محافظة
الخليل، وإقامة نواة استيطانية
جديدة والاستيلاء على تلة
مجاورة تبلغ مساحتها 144 دونماً
في محافظة الخليل أيضاً.
كما أنها قامت بالتخطيط لشق شارع
التفافي حول القدس، لربط
المستوطنات في محافظتي القدس
ورام الله ببعضها، وشق شارع
استيطاني آخر يربط مستوطنة "كريات
أربع" بالحرم الإبراهيمي في
مدينة الخليل، وما يمثله ذلك من
تدمير للأراضي والمزروعات. أما
التوسع الاستيطاني فقد تمثل
ببناء مستوطنتين جديدتين في
محافظة قلقيلية، هما "تسوفين
الجديدة" و"نوفا تسوفيم"،
وذلك بهدف مصادرة المزيد من
الأراضي والاستيلاء عليها.
وبناء 400 وحدة استيطانية حول قبر
راحيل في محافظة بيت لحم، من أجل
تثبيت الهيمنة والسيطرة على
المنطقة. بالإضافة إلى قرار
بناء 6391 وحدة استيطانية في
المستوطنات القائمة بالضفة
الغربية.
وما يتعلق بالمحاصيل الزراعية
يقول أبو عيشة : ، فقد شمل ذلك
إتلاف مئات الدونمات من
المحاصيل الزراعية الشتوية،
والأشجار المثمرة في محافظتي
الخليل وبيت لحم، على مساحة من
الأرض تبلغ 1080 دونماً، بهدف
ترحيل أصحاب الأرض والاستيلاء
عليها، والحاقها بالمستوطنات
القريبة. كما تواصلت اعتداءات
المستوطنين، حيث بلغت 15
اعتداءً، منها 11 اعتداءً في
محافظة الخليل، واعتداءين في
محافظة بيت لحم، واعتداءين في
محافظة نابلس. وتمثلت باعتداءات
جسدية بحق المواطنين، وضد
ممتلكاتهم، منطلقين من
المستوطنات والبؤر الاستيطانية
القريبة من التجمعات السكانية
الفلسطينية، ومعظم تلك
الاعتداءات تمت على مرأى من
جنود الاحتلال وتحت حمايتهم.
أما فيما يتعلق بإخطارات
المصادرة للأراضي، فقد بلغت
مساحة الأراضي التي تم تلسيم
أصحابها إخطارات بالمصادرة
لأغراض عسكرية، وتوسع استيطاني
وإقامة معابر، 3780 دونماً منها
3650 دونماً في محافظة القدس
والباقي في مافظتي نابلس
وقلقيلية.
أما على صعيد هدم المنازل
والإخطارات بهدم أخرى، فقد هدمت
قوات الاحتلال 21منزلاً وبركسات
مواشي، وبناية مكونة من 7 طوابق
فيها 12 شقة، في محافظتي القدس
وقلقيلية، أما الإخطارات
بالهدم فقد شملت 82 منزلاً
ومنشأةً، ووقف البناء في
محافظتي الخليل والقدس بحجة
البناء دون ترخيص، وحماية جدار
الفصل العنصري.
وفيما يتعلق بمصادرة الأراضي،
فقد صادرت قوات الاحتلال 12266
دونماً، ومئات الدونمات
الأخرى، لاستكمال بناء جدار
الفصل العنصري، ولأغراض
عسكرية، في محافظات (الخليل
وطولكرم والقدس وسلفيت وطوباس
وجنين).
وأما الأشجار المثمرة التي تم
اقتلاعها فقد بلغت 2880 شجرة
زيتون في محافظات طولكرم
والخليل ورام الله، بهدف شق
الطرق الاستيطانية وبناء جدار
الفصل العنصري، وتوسيع
المستوطنات ومصادرة الأراضي.
وأخيراً قامت سلطات الاحتلال
بإخطار أصحاب أراض في محافظة
بيت لحم لإخلائها بهدف إقامة
جدار الفصل العنصري، تبلغ
مساحتها 800 دونم، كما أخطرت
أصحاب مساكن وآبار وجدران
لهدمها وردمها وإزالتها من
المنطقة للهدف ذاته في الأغوار.
الخلاصة:
إن تصعيد وتيرة الاستيطان
والسياسة العدوانية التي
يتبعها شارون منذ توليه رئاسة
الحكومة الإسرائيلية، توضح
تماماً أنه بات يمتلك
استراتيجية خطيرة ومحددة يسعى
لتحقيقها بالوسائل السياسية
المقترنة بقوة الأمر الواقع.
فمن جهة ينجح في تسويق خطة
الانفصال الأحادي الجانب عن
قطاع غزة، باعتبارها "مدخلاً
لتطبيق خارطة الطريق"،
ومقدمة لاستئناف "مسيرة
التسوية" مع السلطة
الفلسطينية بعد انتخاب رئيسها
الجديد. ولا يضيره في هذا الصدد
القول "أن خروج قواته من قطاع
غزة – للتمركز على تخوم القطاع
وفي أراضيه غالباً- جاء بفعل
الانتفاضة والمقاومة، علماً
بأن لهذه المقاومة دور هام في
طرح شارون خطته، والعمل على
تنفيذها. ومن جهة أخرى فهو يكثف
عمليات الاستيطان وخلق المزيد
من الحقائق المادية على الأرض
في الضفة الغربية، وبخاصة مدينة
القدس، التي تزداد صعوبة
تجاوزها في أي مفاوضات قادمة
للتسوية، ومن شأنها أن تعطي
مزيداً من التمسك بفكرة أن
الأراضي المحتلة (الضفة الغربية)،
"ليست محتلة"، بل متنازع
عليها. وتجد هذه الفكرة تجاوباً
في عدد من الأوساط الدولية،
وبخاصة في الولايات المتحدة،
ناهيك عن كونها باتت تشكل
قاسماً مشتركاً أعظم بين
الأحزاب الإسرائيلية الرئيسية.
ولعل ذهاب شارون في هذا الاتجاه
يستمد الكثير من قوته من خلال
مواقف الإدارة الأمريكية،
وخاصة عقب زيارته لواشنطن في
منتصف نيسان من العام 2004. حيث
قدم بوش ما وصف بأنه "وعد
بلفور" جديد لإسرائيل، عندما
اعتبر أن الاحتلال يشكل حقائق
على الأرض، ولا عودة لحدود
حزيران 1967، الأمر الذي يؤكد بما
لا يدع مجالاً للشك، أن أمريكا
قد سلمت ملف الصراع الفلسطيني –
الإسرائيلي بالكامل لشارون.
وهذا ما يفسره تغير مفردات
الخطاب السياسي الأمريكي، بشأن
التراجع عن دورها "كوسيط"
– وحتى وسيط غير نزيه – نحو دور
"المسهَل"، وغياب مفردة
"عملية السلام" من هذا
الخطاب ليحل محلها مصطلح "تسوية
النزاع"، وليس – صراع. لذا
فإن السياسة الأمريكية باتت
تسير حسب بوصلة شارون، ومحكومة
إليها، فيما يسعى الأخير إلى
ترتيبات أمنية، وهذا ما أكد
عليه في قمة شرم الشيخ بشكل
واضح، كما عينت الإدارة
الأمريكية مبعوثاً أمنياً –
عسكرياً أمريكياً – لمراقبة
الاجراءات الأمنية، وامتنعت
وزيرة الخارجية "رايس" عن
المشاركة في قمة شرم الشيخ،
ولاحقاً جاء حديث الإدارة
الأمريكية عن تعيين مستشار
لمتابعة ملف الإصلاح لدى السلطة
الفلسطينية.
إن مجمل التطورات السياسية
الراهنة، والمقترنة بالحقائق
الاستيطانية على الأرض، تعني أن
الإدارة الأمريكية أيضاً، لم
تعد تعتبر الأراضي الفلسطينية (الضفة
الغربية) هي أراض محتلة بعدوان
1967، بل هي بحاجة إلى حلول في
إطار "المتنازع عليها"،
وذلك بسبب تراكم الحقائق
المادية الاستيطانية التي يجب
أخذها بعين الاعتبار. من جهتها
تعتبر حكومة شارون أن قيام دولة
فلسطينية ممكناً، طالما ستخضع
لمنطق التفتيت وانعدام مقومات
السيادة على الأرض. ولدى شارون
حلول ومشاريع جاهزة لمنح هذه
"الدولة" تواصلاً عبر
مجموعة من الجسور والأنفاق
والتحويلات تربط معازلها
ببعضها البعض، دون التعرض
للتجمعات الاستيطانية بالخطر،
وهذا يتجاوب – من وجهة نظر
إسرائيل – مع المطلب الأمريكي
بضرورة أن تكون الدولة
الفلسطينية متواصلةً إقليمياً.
وإلى أن يتم التوصل إلى هذه
المقاربة عبر مفاوضات غير
متكافئة، يستمر بناء جدار الفصل
العنصري، وتصادر حكومة شارون
آلاف الدونمات من الأرض، وتعزل
عشرات آلاف الفلسطينيين وتدمر
اقتصادهم، وتواصل عزلهم
ومحاصرتهم. كل هذا والسلطة
الفلسطينية تسعى إلى إثبات
أهليتها في السيطرة الأمنية
للدخول في مفاوضات تسوية سياسية
مع إسرائيل، محكومة سلفاً بسقف
شارون المدعوم أمريكياً، إلى
جانب عملها على إنجاز الاصلاحات
الداخلية، لإقامة نظام أمني هو
جزء من الترتيبات الأمريكية –
الإسرائيلية للمنطقة كلها. وحتى
ذلك الحين، فإن حجم الأراضي
التي ستبقى للتفاوض بين الطرفين
الفلسطيني والإسرائيلي لن
يتجاوز 30 – 40% من مساحة الضفة
الغربية، إذا ما نظرنا إلى حجم
وطبيعة المصادرات للأراضي،
وعمليات التوسع الاستيطاني
المحمومة. وهذا تجسيد حقيقي لما
قاله شارون عند انتخابه لرئاسة
الحكومة في المرة الأولى: "إقامة
دولة فلسطينية على 40% من مساحة
الضفة الغربية"، وهي مساحة
وفق منظومة الاستيطان ومشروع
"التواصل" الإقليمي ذاته –
مقسمة إلى 8 كنتونات، "ولتسموها
ما شئتم؛ دولة أو حتى
إمبراطورية".
|