ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 30/04/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


هل يستطيع مؤتمر حزب البعث القادم

 إجراء إصلاحات وتغييرات جذرية؟

ناصر الغزالي

تجنح كل التسريبات الواردة من مصادر رسمية إلى التأكيد على أن مؤتمر حزب البعث القادم سوف يشكل تحولاً هاماً في الحياة السياسية في سوريا. ويشاطرها الرأي كثير من المحليلين السياسيين المهتمين بالشأن السوري. ويتفق هؤلاء ما أورده رئيس الجمهورية في كلمته أمام مجلس الشعب في الخامس من آذار الماضي، حين ذكر في نهاية خطابه المتعلق بالانسحاب من لبنان أن المؤتمر المقبل سيكون القفزة السورية الكبرى. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في أي اتجاه سوف يكون هذا التغيير المرتقب؟

أود أن أبدأ بالتوضيح أن الخروج من هذا المأزق الذي نعيشه بالتغيير أمر لابد منه ففي التغيير خروج من هذا المستنقع الراكد الساكن الحافل بالرواسب العفنة، لكن التغيير لايعني نسفه فشظاياه سوف تصيب المجتمع ككل وهذا ماتريده الولايات المتحدة الاميركية، بل يتم بتمكين كافة المنافذ لتحريك مياهه عبر قنوات مجتمعية داخلية. وذلك لإعادة الروافد كلها لحركته لبناء مجتمع دائم الحركة والحيوية.

نعود إلى السؤال الأساسي في أي اتجاه سوف يكون التغيير؟

-  يتخذ الاتجاه الأول والذي يتوق له المجتمع السوري المواطنة لا السلطة كناظم أساسي. هذا الاتجاه ذو منظومة تحتوي التعددية والمشاركة السياسية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير, وهو الاتجاه الذي ينتقل بنا إلى دولة الحق والقانون وفصل السلطات (التشريعية والقضائية والتنفيذية) والذي يعتبر العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص أساسا للسلم الأهلي وعدم الشعور بالغبن .

- يتخذ الاتجاه الثاني منحى مختلفا تماما  إذ أن محركه الأساسي هو الضغط الخارجي لا الإرادة والرغبة الداخلية لدى النظام في التغيير. يهدف أصحاب هذا الاتجاه إلى تحسين صورته الخارجية أمام تهديد الخارج بتغيير بعض الأسماء القياديه ضمن توازنات مراكز القوة، و بتقديم تنازلات وطنية لحل الصراع العربي الإسرائيلي بأي ثمن للبقاء وذلك ضمن فلك الارادة الامريكية ومنظومة الشرق الأوسط الكبير، والانتقال بالمجتمع من هيمنة المافيا الأمنية التسلطية التي تحكمت بالبلد منذ أربعين عاماً إلى هيمنة المافيا الاقتصادية ورمرمتها (نسبه إلى رامي مخلوف رغم أن بعض الشائعات القادمة من دمشق تقول أن السلطة سوف تقوم بتحجيم المذكور), بالإضافة إلى قليل من التحسينات في الظاهر السياسي وذلك بحل بعض القضايا العالقة مثل قضايا المعتقلين والمنفيين والبدون. وعلى الرغم من أهمية هذه القضايا التي يتطلع المجتمع السوري إلى أن يتم التعاطي معها وحلها فإن من الواجب التذكير بأن ذلك يتم بشكل هبة يقدمها النظام وليس كحق يتم استرداده.

أن أي تغيير يحتاج إلى ثلاثة قواعد أساسية: تتمثل الأولى في إرادة التغيير والثانية في وسائل وأدوات التغيير أما الثالثة فتتعلق بالهدف من التغيير والمستهدف فيه. تتوخى هذه الدراسة تقديم صورة نقدية للاتجاه الذي يبدو أن مؤتمر حزب البعث القادم سيتخذه لما يرتأيه من تغيير وذلك عبر مقاربة تحليلية لكيفية تعاطيه مع هذه القواعد الثلاثة.

لابد من التركيز على إن التغيير مهمة منوطة بالسلطة التشريعية وعلى أنها وباعتبارها الحاضنة الأساسية لمجموع الشعب السوري فهي وحدها المخولة قانونياً بإجراء عملية التغيير. لقد تم تعطيل هذا المؤسسة بشكل كلي من قبل السلطة التنفيذية التي قررت الآن أن تأخذ على عاتقها عملية التغيير من خلال الحزب الحاكم والذي تم تعطيله هو الآخر سياسيا وتنظيميا ولم يتبق منه سوى المنتفعين وبطانة النظام، وهنا لا بد من التساؤل عن قدرة حزب كهذا أن يقود عملية التغيير. لقد نصب حزب البعث والبرلمان السوري بشار الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية قبل خمس سنوات دون أدنى اعتبار لإرادة الشعب وسلطته التشريعية.  وكنت قد كتبت مقالا نشر في العدد الأول لمجلة مقاربات قدمت فيه قراءة استشرافية لما قد تؤول لها الأمور. لقد اقترحت حينها أن الأمر لا يتلخص في الموقف من الحكم الجديد بل في مساءلة ما يمكن أن يقدمه للشعب السوري من حرية واحترام لحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ومن إعادة اعتبار للمواطنة بوصفها اللبنة الأساسية لبناء مجتمع مدني. إن السنوات الخمس التي حكم خلالها الرئيس بشار الأسد سوريا, وهي فترة زمنية انتخابية في الدول الديمقراطية، مدة كافية لتقييم النظام السوري الجديد إذ أن قراءة متأنية لما حصل  في المجتمع السوري وما تم تقديمه يساعد على تحديد معالم الاتجاه الذي سيتخذه التغيير المرتقب. لقد ألقى الرئيس بشار الأسد منذ البداية خطاب القسم الذي حدد به مشروعه السياسي، فتفاءل الكثيرون به. ولا أخفيكم أنني من الفئة التي تفاءلت به نسبيا وخاصة بعد زياراتي إلى سوريا والتي شعرت خلالها أن هناك بعض الإجراءات الطفيفة التي يمكن أن تبشر بعهد يختلف عن سابقه. لكن التدقيق والنظر بترو إلى ما تعيشه سوريا الآن من فساد وتسلط وتشرذم يستدعي قراءة الأحداث بطريقة تحليلية بعيدا عن الأمنيات والرغبات. لقد تم في هذه الفترة إطفاء شمعة النور التي أضاءتها رموز ربيع دمشق الذين تم اعتقالهم وإصدار الأحكام الجائرة بحقهم. لقد تلقى المجتمع عدة ضربات من خلال الاعتقالات التي شملت عددا كبيرا من نشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان والإسلاميين ومستخدمي الانترنت والعائدين من العراق والطلاب المحتجين على قرارات وزارة التعليم وكذلك أثناء حوادث القامشلي التي مثلت خرقا جسيما لمبادئ حقوق المواطنة والمجتمع والتي تم التعاطي معها بطرق أمنية أفضت إلى انقسام في المجتمع السوري كاد إن يشكل مشكله كارثية لولا قيام المعارضة السورية وأهل القامشلي من المواطنين السوريين الأكراد والعرب باستيعابها وامتصاص ما حدث. لقد جاء حادث اغتيال الحريري ليشكل ضغط دولياً على الحكومة السورية لفتح موضوع التغيير وجاء السلام الثنائي بين رئيس الجمهورية ورئيس دولة اسرائيل ليثير مزيدا من التساؤلات حول الموضوع.

عند مناقشة القاعدة الأولى وهي "إرادة التغيير" يجب الأخذ بالحسبان أنه لم يكن من الممكن التحدث عن التغيير من قبل السلطة لولا الأحداث الأخيرة والضغط الدولي الذي رافقها وتلاها. لقد انحصر الحديث فيما سبق ببعض الإجراءات الشكلية لكن ما حدث جعل السلطة أمام خيار صعب يجبرها على التغيير. من هنا نستطيع أن نحدد معالم هذه الإرادة فهي إرادة مستلبة مجبرة على التغيير ولن تستطيع بحكم استلابها تقديم تغيير لصالح المجتمع بل سيتم التغيير لصالح رغبات الإدارات الأمريكية والأوروبية وذلك عبر تحسين ظروفها للدخول في الشراكة الاورومتوسطية. في أحسن الأحوال سيتم التغييربشكل مشابه للصيغة المصرية.

أي الدخول في المشروع الشرق الاوسط الكبير وتقديم تنازلات جوهرية على المستوى الوطني مع هامش للحركة السياسية. لكن هذا التغيير سيترافق بزيادة تهميش الفئات الفقيرة وزيادة أعبائها وتضييق الخناق عليها ضمن سياسة اقتصادية تعتمد خصخصة القطاع العام وزيادة الانفتاح الاقتصادي ضمن ما يسمى مافيا الاقتصاد وما إلى ذلك مما ينضوي تحت هذا النموذج.

أما الحديث عن القاعدة الثانية وهي الوسائل والأدوات التي سوف يقوم عليها التغيير فيتوجب القول أن وسائل التغيير وأدواته في أي مجتمع إنما تنطلق من كافة مكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وبدون هذه المكونات لا يمكن الحديث عن تغيير حقيقي. أما أن تكون الوسائل والأدوات عن طريق حزب البعث العربي الاشتراكي والذي استطاع خلال فترة حكمه أن يهمش ويحطم هذه المكونات فهذا أمر يمكن استشراف نتائجه سلفا. قد تأتي هذه التغييرات عبر إعادة صياغة جديدة لهذا الحزب وربما تغيير اسمه لكن حاملي مكوناته الجديدة لن يطالهم التغيير. سيعودون بظاهر جديد وجوهر قديم إذ تشف الأنباء الواردة من دمشق عبر الصحف ومصادرها الرسمية أن ما سيتم ما هو إلا تغيير للأوجه وإعادة هيكلة وجوه جديدة لها نفس السمات والطبائع.

أما القاعدة الثالثة وهي الهدف والمستهدف من التغيير فيتوجب الربط بين شقيه. أن الهدف الحقيقي للتغيير في أي مجتمع أن يكون تغييرا نحو الأفضل من خلال عقد اجتماعي متجدد لكل مكونات المجتمع  مع الأخذ بالحسبان مصالحه الأساسية الوطنية والاستراتيجية الراهن منها والمستقبلي. لكن هدف التغيير من قبل السلطة مختلف كليا عن هذا إذ يتمثل الهدف الآن في إرضاء المجتمع الدولي بسبب الضغوط الهائلة. من هنا لا يمكن التوقع إن يكون المستهدف الحقيقي للتغيير هو إرضاء مكونات المجتمع السوري إذ أن المستهدف هو تحسين الصورة الخارجية. ربما يكون هذا التحليل قد جانب أو أغفل أمورا يرى فيها آخرون مجالا لاستشراف صورة أقل إعتاما، لكن وجب التنويه بما يمكن أن تسير إليه الأمور وما يبدو أنها سائرة إليه. وعلى مجمل الأحوال، فإن المؤتمر القطري لحزب البعث بات وشيكا، والفترة التي تفصلنا عنه آخذة بالنقصان. وإننا لنتساءل الآن مع الأستاذ ميشيل كيلو ماذا يفيد الرئيس في النهاية إن هو لم ينفصل عن نظام فاسد ومفلس كي يندمج في شعب نزيه وخلاق ويأخذ فرصته الثانية والأخيرة في تحقيق ذلك؟

هذا هو مايدفعني الآن للكتابة بدل انتظار ما قد لا يأتي أبدا.

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ