بمناسبة
نكسة حزيران 1967
هوامش
على دفتر الصمت العربي
د.
محمد أحمد الزعبي*
1.
هوامش على دفتر النكسة :
إذا
خسرنا الحرب لاغرابة
لأننا
ندخلها
بكل
مايملكه الشرقي من مواهب
الخطابة
بالعنتريات
التي ماقتلت ذبابة
ما
دخل اليهود من حدودنا
لكنهم
تسربوا كالنمل من عيوبنا
كلفنا
ارتجالنا
خمسين
ألف خيمة جديدة
حدثني
صديق قديم كان على صلة بذوي
السلطان في دمشق عام 1967 قال :
عندما
قرأت قصيدة
نزار: هوامش على دفتر النكسة ،والتي
كانت أبياتها تقطر دما ودموعا ـ
كما هي حال المقتطفات أعلاه ـ
حيث كنا مانزال على بعد أيام
قليلة من هزيمة حرب 1967، قررت
أن أبدأ رحلة
التغريد خارج السرب ، وأن
أعمد إلى نشر هذه القصيدة في
الصفحة الأولى من جريدة البعث ،
علها تلعب دور الدومري في
إيقاظ النائمين من "الرفاق
" .
نعم لقد
استيقظوا من نومهم
صبيحة اليوم التالي ، ولكن
ليس ليعيدوا النظر في
حساباتهم الخاطئة التي
أثمرت هذه الكارثة القومية
والقطرية ، وإنما ليمطروني
بوابل من الـ : لماذا ؟ وكيف ؟ وألا تعلم
يارفيق ... ؟
الخ من التساؤلات المتعلقة
بالقصيدة والشاعر والاستعمار
والإمبريالية والحزب القائد ...
الخ .
إ
ننا الآن في شهر حزيران من عام
2004 ، وهو مايعني أن عمر احتلال
اسرائيل لهضبة الجولان التي
بكاها نزار عام 1967 شارف على
الأربعين عاما ،( وهو مايمثل عمر
جيل كامل من أجيال الدولة
الثلاث ، كما يراها عبد الرحمن
بن خلدون ) دون
أن يتمكن ذلك الدومري من
إيقاظ هؤلاء الذين مايزالون
يغطون في نومهم
العميق ، بل إن ابتساماتهم
الصفراوية الباهته وهم يتقلبون
في فرشهم الوثيرة أثناء
استغراقهم في النوم ولا سيما
بعد عام
1970 وكذلك حركات عيونهم
المغمضة توحي بأنهم ربما
كانوا وما زالوا
يرون في منامهم أحلاما بل
ولربما كوابيس
سعيدة !!
.
ترى
ألا يسمح هذا لنا الآن بأن
نوقظ نزار القباني
من سباته الأبدي لنقول له
والألم يعصر قلوبنا
:
لقد
أسمعت إذ ناديت حياً
ولكن لاحياة لمن تنا دي
وما
دمنا بصدد النكسة ونزارالقباني
ــ يتابع الصديق القديم ــ
، فقد قفزت إلى ذاكرتي الآن
صورة معبرة نشرتها جريدة
البعث
على أبواب الخامس من حزيران
عام 1967
، وأيضا
في صفحتها الأولى ، كانت ا لصورة
عبارة عن مربعين متجاورين
ومتساويين ، احتوى أحدهما على
صورة للملك عبد الله الأول كتب
تحتها عام
1948 واحتوى
المربع الثاني
على
إشارة استفهام كبيرة ( كإشارة
إلى : من سيكون ياترى بطل
الهزيمة الجديدة ؟ )
كتب تحتها عام 2/1 1967 (كإشارة
إلى أن شهر حزيران يقع في منتصف
العام) . ولما
كانت المسافة الزمنية بين
التاريخين
عشرين عاما فقد عمد
الكاتب
إلى الإستعانة مرة أخرى بنزار ،
وكتب تحت المربعين المذكورين
أعلاه بيتي الشعر التاليين
لنزار ( رغم عدم
تعلقهما
بموضوع النكسة :
عشرون
عاما يادروب الهوى
وما يزال الدرب مجهولا
عشرون
عاما ياكتاب الهوى
ولم أزل في الصفحة الأولى
ومرة
أخرى ألا يسمح لنا مرور قرابة
الأربعين عاما على احتلال
الجولان وسيناء ( المحررة !! )
والضفة والقطاع
إضافة إلى احتلال فلسطين
عام 1948 ، أن
نسال أصحاب
السعادة و الجلالة والفخامة
والعظمة والسمو
عن السبب الحقيقي الكامن
وراء تخاذلهم وصمتهم بل وتآمرهم
مع الأعداء ضد أبناء جلدتهم !؟ .
لقد بتنا اليوم بحاجة إلى ألف
دومري
ودومري
، لكي يذكروا هؤلاء المتخاذلين
والصامتين والمتآمرين بقول عمر
أبو ريشة عام النكبة الأولى :
رب
وامعتصمـاه انطلقـت
ملء أفواه البنـات اليتّم
لامست أسماعهم لكنـهـا
لم تلامس نخوة المعتصم
2.
تزييف الوعي العربي
يتعرض
الوعي العربي ، في هذه الحقبة
التارخية الحساسة ، إلى هجوم
شرس يباغته من عدة جهات
، من بينها
الصورةالمتلفزة ، التي تبثها الفضائيات المختلفة ،
الأجنبية منها والمحلية ،و التي
باتت تخترق مسام بيوتنا ورؤوسنا
على
مدارالساعة
، وبالتالي
تحاصر وعينا وأفكارنا
وطموحاتنا، بل وتحول بيننا وبين
الوقوف على حقائق الأمور.
إن
التلفاز يمثل هنا ـ على
مانرى ـ ثالثة الأثافي في مثلث
الشر الإستعماري ( بالمعنيين
القديم والجديد ) المكون من :
المدفع( القوة العسكرية )
والمصنع ( القوة الإقتصادية )
والتلفاز ( القوة الإعلامية
والدعائية ) ، من حيث أن المدفع
يفتح
الطريق
للمصنع سواء بالإحتلال
المباشر ( كما هي الحال في
فلسطين والعراق الآن ) أو غير
المباشر ، كما هي الحال في بقية
الأقطار العربية دونما استثناء
، ويبقى على الإعلام
قطع الطريق على قوى
المعارضة والمقاومة
، التي يمكن أن تعصف بكلا
الإحتلالين الآخرين ، وذلك
بواسطة غسل أدمغة الناس ومن ثم
حشوها بوعي زائف يقبل
بالأمر الواقع
ويتعامى
عن الإحتلال ، مركزا على المستقبل
دون الماضي ودون الحاضر ( كما هي
الحال مع موقف السلطة
الفلسطينية من وعد بوش المتعلق
بالدولتين ، ومع موقف جلاوزة
الاحتلال الأمريكي للعراق من
وعد بوش أيضا
بالديمقراطية
و كذلك
مع صمت
النظام السوري على احتلال
اسرائيل لهضبة الجولان أمس و
اليوم على أمل تحريره غدا !!
) .
وبما أن المستقبل
سوف يصبح بدوره حاضرا ومن ثم
ماضيا فسنظل ندور في حلقة
مفرغة لايعرف اولها من آخرها
، بل إن هذه اللعبة الخبيثة من
تزييف الوعي يمكن أن
تؤدي وهي تؤدي الآن فعلاً ــ
إلى انقسام الأمة إلى قابل
بالأمر الواقع وإلى رافض له ،
الأمر الذي سوف يعقد موقف
المواطنين الشرفاء ، ويضعهم
مكرهين أمام" خيارين أحلاهما
مر " : القبول بخيار المستقبل
غير المضمون ، وإذن التغاضي عن
الإحتلال والسكوت على جرائمه،
أو اللجوء إلى خيار المقاومة
، التي
يمكن أن تتجاوز عملياتها
المحتل إلى أعوانه وعملائه من
أبناء الوطن ، الأمر الذي يعطي
وسائل الإعلام فرصة
الخلط
ـ المتعمد غالباً ـ
بين المقاومة المشروعة
للإحتلال والإرهاب
. ولابد من الإشارة هنا إلى أن
عملية غزو الوعي البشري
وإعادة صياغته ( هنا تزييفه )هي
عملية علمية معقدة تتقاطع على
صعيدها عدد من العلوم الطبيعية
والإنسانية ولاسيما البيولوجيا
وعلم النفس وعلم الإجتماع
، وهي تستلزم بناء جسر من الثقة المتبادلة بين
المرسل ( وسائل الإعلام)
والمتلقي
( الناس) ، كيما يتم تمرير
المؤامرة (
الرسالة ) من الأول إلى الثاني .
إن بناء الجسر المشار إليه من
الثقة بين
وسائل
الإعلام المختلفة وبين
المستمعين أو المشاهدين أو
القراء يستلزم بدوره أن تغلف الكذبة
بغلاف أنيق ومنمق من
المعلومات
الصادقة .
وتتعلق
درجة الثقة
بين المرسل والمتلقي عادة
بمقدار نسبة الكذب إلى
الصدق في الرسالة ، وهو امر
تحدده نوع وطبيعة والأهداف
القريبة والبعيدة لهذه الرسالة
. ومن جهة ثانية فإن
المؤسسات الإعلامية
الكبيرة وذات
الأهدا
ف الاستراتيجية البعيدة ، تحتاج
إلى تمويل ضخم لايقع في مكنة
الناس العاديين ، وإنما في مكنة
الدول ، ولا سيما الغنية منها ،
وفي مكنة بعض المؤسسات
الرأسمالية ، أو الشخصيات
الثرية ( المليارديرية ) ، والتي
عادة ماتكون جزءا
لايتجزأ
من اللعبة الرأسمالية الكبرى
، بل ولعبة الدول الكبرى .
وعملا بالقاعدة التي تقول "
إن من يأكل من خبز السلطان لابد
أن يضرب بسيفه" ، أي
يقا تل معه ، فإن وسائل
الإعلام المؤثرة محليا وعالميا
، ولا سيما الفضائيات منها
لابد
أن يكون ويظل هدفها الأساسي ،
وربما غير المرئي ، الدفاع عن
هؤلاء الأغنياء والأقوياء ، في
وجه الضعفاء
والفقراء
بما في ذلك حقهم
في غزوهم واحتلال بلادهم
، وفرض مشاريع الإصلاح
والتطوير والتحديث بقوة السلاح
عليهم
. إن موقف الكثير من وسائل
الإعلام العربية ، العاربة منها
والمستعربة ،
من الإنتفاضة الفلسطينية
المعجزة ، ومن المقاومة
العراقية الباسلة ، ليؤكد بصورة
لالبس فيها صحة ماذهبنا إليه .
ولابد
من الإشارة في هذا المقام إلى أن
، عباءة الديمقراطية وحرية
الرأي ، التي تتلطى تحتهابعض
وسائل الإعلام العربية
والأجنبية ، وتدسها في رؤوس
الناس تحت مسميات براقة ومخادعة
، أن هي واقع الحال إلا"
كلمة حق يراد بها باطل " ذلك
أنها تضع الحق والباطل على
مستوى واحد ، وتطرحهما
كوجهتي نظر متكافئتين
ولكنها متعارضتان
إن كافة القوانين السماوية
والأرضية ، حكمت وتحكم على كل من
يحتل أرض الغير ويبيد البشر
والشجر والحجر فيها ويهلك الحرث
والنسل ـ كما هي الحال في فلسطين والعراق ـ بأنه مجرم ،وأن من يتعاون
معه، من أبناء الوطن بانه
خائن ، فكيف يمكن أن يتحول الإجرام والخيانة
إلى وصفة إعلامية ينبغي على
المواطن العربي أن يتجرعها صباح
مساء باعتبارها مجرد وجهة نظر
.
إننا
لاننكر على وسائل الإعلام
العربية ، ولا سيما الفضائيات
منها تغطيتها الجيدة لمعظم
الأحداث الفلسطينية والعراقية
ولكن
ماننكره ونستنكره هو توظيف
العديد منها
برامجها السياسية
والثقافية والإقتصادية
والإجتماعية ،
في خدمة التطبيع مع
الإحتلالين ، الإسرائيلي
لفلسطين والجولان وسيناء
،والأمريكي للعراق ، وذلك
تنفيذا لرغبة مالكي هذه
الفضائيات
الذين
يعرف الجميع تبعيتهم ( المطلقة
أو النسبية ) بل وتعاونهم مع
هذين المحتلين للأرض العربية .
3 . الديمقراطية بين الشكل
والمضمون :
يذكر
كاتب هذه المقالة ، أنه عندما
أعلنت القيادة القومية لحزب
البعث العربي الإشتراكي عام 1958
قرار حل الحزب في إطار اتفاقية
الوحدة بين سورية ومصر ، قال أحد
البعثيين يومها متندرا " إذن
فليلتحق كل بعثي بأقرب عشيرة له
" . تذكرت هذه الواقعة وانا
أحاول إحصاء الإنتماءات
المختلفة التي تتنازع المواطن
في بلداننا ، والتي ستلقي
بظلالها على ممارسة
الديمقراطية فيما لو حصلت مثل
هذه الممارسة .
لقد
تبين للكاتب وفي إطار تخصصه
السوسيولوجي ، أن كل فرد منا ،
نحن العرب ، مسكون بنوعين من
الإنتماءات الإجتماعية التي
تتجاذب آراءه
ومواقفه ، وهما :
الإنتماء
العمودي ، الذي يسري على كافة أفراد
المجتمع بغض النظر عن تمايزاتهم
الطبقية والأيديولوجية ، وهو
يشمل
بصورة
أساسية الإنتماءات : القومية ،
والقبلية ، والدينية ،
والطائفية ، والجغرافية ( قرية ،
مدينة ) ، والجنسية( امرأة ، رجل )
، والعمرية ( سلسلة الأجيال ) ،
والمهنية .
الإنتماء
الأفقي ،
الذي يسري على جزء معين فقط من
أفراد المجتمع ، بغض النظر عن
تمايزاتهم العمودية ، وهو يشمل
الإنتماء
إلى طبقة
إجتماعية ، أوفئة ، أو شريحة ،
وبالتالي فهو إما أن يكون من
الفئة / الفئات العليا ، أو من الفئات المتوسطة ، أو من
فئة / فئات المستضعفين والفقراء
.
وجدير
بالذكر هنا هو أن هذين النوعين
من الإنتماء الإجتماعي هما
متداخلان ومتساندان ، ويتعيش كل
منهما على الآخر،
ولعل هذا مادفع ابن خلدون
إلى الحديث عن هذه المسا ندة بين
المال والجاه ( أنظر الفصل
الخامس من الباب الخامس من
مقدمة ابن خلدون ، والذي يحمل
العنوان "
في أن الجاه مفيد للمال " )
. ومن جهة أخرى فإن تواجد وتعايش
هذين الإنقسامين ليست خاصية
عالم ثالثية أو عربية أو
إسلامية فقط ، وإنما هي موجودة
أيضا في المجتمعات الغربية
الصناعية المتطورة ، وإن بصور
ودرجات مختلفة عما هي عليه
الحال في البلدان النامية .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا :
كيف يمكن ممارسة الديمقراطية في
مجتمعاتنا العربية مع وجود هذه
الإشكالية الإجتماعية ؟
ترتبط
الديمقراطية من الناحية
الإجرائية بصندوق الإقتراع الذي
يرتبط بدوره ، بحد أدنى من الموضوعية
التي
ينبغي أن يتحلى بها الناخب ،
ولكن الناخب
مرهون إلى تلك الإنتماءات
العمودية والأفقية
التي اشرنا إليها أعلاه
، فهل هذا يعني أن
الديمقراطية ممتنعة في بلداننا
؟ ، الجواب طبعا بالنفي ، ذلك
أنه لاسبيل لتنمية الروح
الديمقراطية عند المواطن إلا
عبر المزيد من الممارسة
الديمقراطية، بل إن صندوق
الإقتراع هو أقصر الطرق إلى
الموضوعية التي يتجاوز الناخب
بها
معظم ، إن لم نقل كل ،
الإنتماءات الضيقة التي تعود
إلى مراحل تاريخية سابقة وصولا
إلى الإنتماء الأرحب والأشمل
والأوسع ، الا وهو الانتماء إلى
الوطن والأمة . يقول عالم
الإجتماع الفرنسي ريمون آرون
منتقدا من يقللون من أهمية رأي
الشعب في الممارسة الديمقراطية
: " إن الديمقراطية التي
تؤدي وظيفتها على أكمل وجه ، هي
التي وجدت الوسيلة
للتأثير
بالشعب وجعله يعتقد بان
الحاكمين ينفذون إرادته ، في
حين أنها تترك للحاكمين إمكانية
ترجيح كفة الحكمة في الحكم . وما
هذا التحليل إلاّ تبسيط إجمالي ,
لأنه ليس هناك اي سبب يجعل الحكم
أكثر حكمة من الشعب . " (أنظر :
ريمون آرون ، المجتمع الصناعي ،
بيروت 1965 ، ترجمة فيكتور باسيل
،ص 69 ) .
ومن
جهة ثانية ، فإن الكثيرين منا
مسكونون بهاجس الديمقراطية
الغربية ( الاوروبية والأمريكية
) بوصفها المثل الأعلى
للديمقراطية الذي على كافة شعوب
العالم ان تحذو حذوه .
إن مانرغب الإشارة إليه حول
هذه النقطة هو :
ــ
إن الناخب الغربي متحرر إلى حد
بعيد ، بالقياس إلى ناخب
البلدان النامية عامة والناخب
العربي خاصة ، من إسار قيود
الإنتماءات العمودية التي
سبق أن اشرنا إليه ، ولذلك فهو
أقرب إلى الموضوعية التي هي أحد
شروط الممارسة
الديمقراطية السليمة .
ــ
إن الناخب الغربي على درجة من
الثقافة الإجتماعية والسياسية
، تحول دون أن تقوم السلطة
الحاكمة أو أية جهة
لها
صلة با لتلاعب بالعملية
الإنتخابية ، بله تزويرها ،
الأمر الذي ترتب عليه درجة
عالية من الثقة المتبادلة بين
الناخب
وصندوق الإقتراع ، وبالتالي
بين الناخب ونتيجة الإنتخابات .
ــ إن النظام الغربي نظام رأسمالي بصورة
أساسية، ولذلك فقد تمت صياغته
على كافة الصعد ( الإعلام ،
التربية والتعليم
التعددية الحزبية ، التبادل
السلمي للسلطة، النظام
الإنتخابي، النظام الإقتصادي ...الخ
) بما يجعل من التفكيرفي
الانتقال
من الرأسمالية إلى
الإشتراكية عبر صناديق
الإقتراع أمرا
لايخطر ببال الناخبين ، بمن
فيهم الطبقة العاملة.
ــ
إن الديمقراطية الغربية ، دعمت
وتدعم في
معظم البلدان النامية
دكتاتوريات قمعية ، معادية
لشعوبها ،بعيدة كل البعد
عن الديمقراطية ، وذلك
مقابل أن تقوم هذه
الديكتاتوريات بتسهيل ورعاية
المصالح الإقتصادية والسياسية
والثقافية
الغربية ( الرأسمالية أساسا
) . ويتغير الموقف عندما تتعارض
مشاريع هذه الديكتاتوريات مع
المشروع / المشاريع
الإمبريالية
، حيث يتم تجييش الجيوش لمحاربة
هذه الديكتاتوريات تحت شعار
الدفاع عن الديمقراطية وحقوق
الإنسان
وهو
أمريدخل في إطار النفاق السياسي
، والكيل بمكيالين ، وينطبق
عليه قول الشاعر المرحوم معين
بسيسو :
الشمس شيء داخل الحدود
والشمس شيء آخر في خارج
الحدود !
ــ إن عدم ممارسة حوالي
نصف الناخبين لحقهم الإنتخابي
في معظم بلدان الديمقراطية
الغربية ،وبالتالي حصول الناجح
في الإنتخابات على نصف
النصف فقط، إنما هو تعبير عن فقر
المضمون مقابل غنى الشكل في
هذه البلدان . ولعل
ارتفاع مستوى المعيشة (
بالمعنيين النسبي والمطلق )
لكافة طبقات وفئات المجتمعات
الصناعية المتطورة ، كنتيجة
لتطورها العلمي والتقني ،
وأيضا كنتيجة لاستعمارها ،
وبالتالي استغلالها البلدان
النامية ونهب ثرواتها الطبيعية
والبشرية ، قد خلق حالة من
عدم الإهتمام بالسياسة ،
واعتبارها مهنة تخص البعض دون
البعض الآخر ، وأدى
بالتالي إلى انصراف
الكثيرين إلى تلبية حاجاتهم
الفردية المادية والجسدية (
المثلية الجنسية ، المخدرات ،
نوادي
العراة...الخ ) وذلك على حساب
حاجاتهم الروحية والاجتماعية
والإنسانية
، والتي من بينها، الاهتمام
بالسياسة
بصورة أكثر جدية وفاعلية ،
الأمر الذي كان سيعيد التوازن
إلى العلاقة بين الشكل والمضمون
فى الديمقراطية الغربية
فيما
لو حصل .
4
. صدام حسين كظاهرة إجتماعية :
4.
1
ليست
ظاهرة صدام حسين ( مالئ الدنيا
وشاغل الناس ) مجرد ظاهرة
كارزمية عابرة ، وإنما هي ظاهرة
إجتماعية
تغوص
جذورها في الوضع العراقي
والعربي والدولي ، وهو مايؤيده
ويؤكده من جهة المدة الطويلة
التي قضاها الرجل
الذي
كان يقف على قمة هرمي السلطة
وحزب البعث ، والتي قاربت
القرون الأربعة ، ومن جهة أخرى
أن إزاحته عن السلطة تمت فقط عن
طريق تدمير
العراق واحتلاله عسكريا
بالتعاون الكامل بين الولايات
المتحدة الأمريكية وحلفائها ،
وبين النظام العربي الرسمي وعلى
رأسه دول إعلان دمشق الثمانية
المعروفة ، والمعارضة العراقية
، المرتبط منها
بالمخابرات الأمريكية وغير
المرتبط . ولسوف نكتفي هنا
بالإشارة إلى عدد من الإشكالات
المتعلقة بهذا الموضوع ، والتي
نعترف سلفا أن دراسته دراسة
علمية صحيحة ، إنما تحتاج إلى
منهجية سوسيولوجية مختلفة ،
تحيط بكافة الأبعاد
الداخلية
والخارجية وعلى المستويين
الأفقي والعمودي
، وهو أمر ليس في مكنة مثل
هذه المقالة المتواضعة .
4. 2
إن
جملة من العوامل الأيدو ـ
سياسية العراقية
والعربية والدولية المعقدة
والمتداخلة والمتغايرة ، والتي
تنتمي إلى كل من المجالين
الذاتي والموضوعي ، تقف وراء
تشكل ظاهرة صدام حسين ، بما هي
ظاهرة عراقية وعربية في آن واحد
.
ولعل
قيام ثورة الثامن من شباط /
فبراير 1963 في
العراق ، والتي تلتها على الفور
ثورة الثامن من آذار1963
في سورية ، قد مثل المدماك
الأول في تكوين البنية النظرية
والعملية لنظام صدام حسين
وبالتالي نظام حزب البعث اللاحق
.
ذلك
أن الجد ل النظري الذي شهدته
عملية إعادة بناء الحزب، بعد
نجاح مؤامرة الإنفصال
1961 ، قد بدأ يأخذ الأن (1963)
منحى نوعيا جديدا بسبب : 1) تحول
حزب البعث من حزب معارض إلى حزب
حاكم في كل من سورية والعراق ، 2)
بروز دور العسكريين ( العنصر
الأساسي في ثورتي شباط وآذار)
على حساب دورالمد نيين في
الحزب،
3)
انكشاف موقف قادة الحزب ، في كل
من سورية والعراق من مسألة
الإنفصال ومن إعادة الـوحدة مع
مصر، وبالتالي من الوحدويين
والناصريين الذين كانوا شركاء
كاملين للبعثيين
في ثورتي شباط وآذار ، الأمر
الذي تسبب في مزيد من
الأزمات
ومن الإنقسامات الحزبية ، التي
بدأت تتبلور في صورة صراع
نظري بين
يسار ويمين من جهة وبين عسكريين
ومدنيين من جهة أخرى ، ثم تحول
لاحقا ( بعد انعقاد المؤتمر
القومي السادس
1964، وتبنيه
لـ "
بعض المنطلقات النظرية "
ذات الطابع الماركسي ) إلى صراع
سياسي وعسكري
، ظاهره أيديولوجي ، وباطنه
طائفي ـ قبلي بامتياز ! ، ولقد
تجسد هذا الصراع
، بتكريس الإنفصال ، وبموت
اتفاق 17 نيسان لقيام اتحاد مصري
ـ سوري ـ عراقي كبديل عن الوحدة
المصرية ـ السورية السابقة
، و بظهور قيادتين قوميتين
للحزب ، واحدة في دمشق وأخرى في
بغداد،الأمر الذي أدى في نهاية
المطاف إلى بروز ظاهرة صدام
حسين في العراق ، و حافظ الأسد
في سورية كتعبير
عن
التباين الكمي والكيفي في
التكوين الإجتماعي والثقافي
والحزبي بين القطرين ، وأيضا
بين الرجلين ، الأمر الذي
ترتب عليه
ــ من جملة ماترتب ــ ، من
جهة ، التشابه الكبير في السياسة
الداخلية للنظامين ، من حيث
إلغاء الديمقراطية
في
القطرين إلغاء تاما ،
وإحلال حكم الحزب الواحد
ومن خلاله الشخص الواحد محل
حكم الشعب ، ومن جهة أخرى
التباين
الكبير في سياسة النظامين
الخارجية ، من حيث تعاون نظام
الأسد مع الولايات المتحدة
الأمريكية ، ومع أعوانها
في المنطقة العربية ،
لتصفية القضيةالفلسطينية
،ولوضع حد لنشاط وتوسع
التيارالإسلامي في سورية، بما
هو تيار أصولي يقف حائلا دون
تغلغل القيم والثقافة الغربية
في جسم المجتمع العربي
خاصة والمجتمعات الإسلامية
عامة ، بينما قامت استراتيجية
صدام حسين
والنظام العراقي على ضرورة
تحرير فلسطين
من
البحر إلى النهر،( ولكن على
طريقته الخاصة ) ،ووضع عائدات
النفط العراقي في خدمة هذه
الاستراتيجية
، وكان
برأيناهذا هو السبب الحقيقي
الكامن وراء الحصار الإقتصادي
والعسكري العربي
والدولي الطويل للعراق ، الذي
بدأ عام 1989 ، وانتهى باحتلال
العراق في
شهر أفريل / نيسان 2003 ، والقضاء
على نظام صدام حسين وعلى حزب
البعث العربي الإشتراكي كحزب
حاكم .
4.
3
إن وصف ظاهرة ما بأنها إجتماعية ، إنما
يعني بصورة أساسية أنها : غير
معزولة ، وغير عابرة ، وغير خاصة
بفرد أو جماعة أو شعب ،
وأخيرا غير وحيدة الشكل
والمواصفات ، وإنما خاضعة للتبد
ل والتغير بتبدل وتغير الزمان
والمكان سواء من حيث الشكل أو من
حيث المضمون ، فالعصور ــ كما
يقول ابن خلدون ــ " تختلف
باختلاف مايحدث فيها من
الأمور
والقبائل والعصبيات ، وتختلف
باختلاف المصالح ، ولكل واحد
منها حكم يخصه . " ( ابن خلدون ،
المقدمة ، الفصل الثلاثون من
الباب الثالث ) . ويجسد عالم
الإجتماع الفرنسي ريمون آرون
هذه الإشكالية بالقول : "
فهناك أولا تناقض في مطلبين ،
أحدهما أن تكون الحكومات متعقلة
والثاني أن تعمل وفقا لأهواء
الشعب ، إذ أنه من الضروري أن
تحصل على تأييده ، ولكن إذا
أردنا أن لاتعني الحكومة إلاّ
بتنفيذ إرادة الشعب فلا نستطيع
ان نطلب منها التصرف بتعقل
وحكمة ... ومجتمعاتنا الحالية لم
تستطع بعد الخروج من هذا المأزق
. " وكما مر معنا سابقا فإن
ريمون آرون يرى في
متابعته
لهذه الإشكالية أنه " ليس
هناك أي سبب يجعل الحكم أكثر
حكمة من الشعب . " ( ر. آرون ،
مرجع سابق ص69)
إن
مفهوم الديمقراطية إنما يعني
تطبيقيا : إن أي نظام لاينبثق من الشعب
لايمكن أن يكون ممثلا ً
حقيقيا لمصالح هذا
الشعب
، إنه في أحسن الحالات يمكن أن
يكون ممثلا لجزء ضئيل من
المواطنيين , أ قلية ما ، على
حساب مصالح الأكثرية ، أي على
حساب مصالح الشعب والأمة .
إن
جردة سريعة لكافة السلطات
الحاكمة في الوطن العربي من
المحيط إلى الخليج
ووضعها على المشرحة
السوسيولوجية
سوف
ترينا ، بما لايدع مجالا للشك ،
أنها جميعا لاتمثل شعوبها ، بل
ولا حتى الأقليات التي جاء ت بها
إلى سدة الحكم ،
سواء
أكانت هذه الأقلية عسكرية أو
مدنية ، قبلية أو طائفية ، ..الخ،
الأمر الذي يجعلنا نقرر بثقة ،
أن صدام حسين من هذه الزاويه لا
يعتبر ظاهرة غريبة أو شاذة في
مجتمع ( المجتمع العراقي )
لايختلف عن غيره من المجتمعات
العربية الأخرى
التي
يسوسها عمليا السيدان سايكس
وبيكو ، ونظريا ، أصحاب
الجلالة والسيادة والسعادة
والعظمة والسمو! ، بل إننا نرى
أن
صدام حسين يتميز عنهم جميعا ، في
أن نقيصته تركزت في سياسته
الداخلية ( احتكار السلطة
وتغييب دور الشعب العراقي وما
ترتب على ذلك من أخطاء قاتلة)
بيد أن سياسته الخارجية كانت
تجسد ــ إلى حد ما ــ
فكر حزب البعث فيما
يخص
الوحدة العربية وتحرير فسلطين،
بينما شملت نقائص الأنظمة
العربية الأخرى كلا من
السياستين الداخلية
والخارجية (احتكار السلطة
وتغييب دور الشعب + التعاون مع
الإمبريالية والصهيونية
لتثبيت التجزئة القومية
وحماية
دولة
اسرائيل). إن مانراه صحيحا من جهتنا هو أن
السياستين الداخلية والخارجية
هما وجهان لعملة واحدة ، وإن أي
خلل في أحد الوجهين لابد وأن
يسري بالضرورة
المنطقية والعملية على الوجه
الآخر، وذلك
بحكم العلاقة الجدلية
الكائنة بين العوامل الداخلية
والخارجية في تكوين الظواهر
الاجتماعية .
وإذا كان الخلل في سياسة
صدام حسين الداخلية ، أدخله
حربين غير محسوبتي النتائج
القريبة والبعيدة ، سواء على
المستوى العراقي او العربي أو
الدولي ( كما تبين لاحقا ) فإن
الخلل
في السياستين الداخلية
والخارجية للنظام العربي
الرسمي ، قد أدخله إلى خندق
أمريكا وإسرائيل ، ليقوم
الثلاثة معا
مستغلين
الخلل في سياسة صدام حسين
الداخلية ، والذي أعطوه اسما
حركيا هو أسلحة
الدمار الشامل ، والديكتاتورية
،
وأقول
إسما حركيا ، لأن الإسم الحقيقي
له هو ،
القضاء على التوجه القومي
ـالإسلامي ـالعلماني
لنظام البعث في العراق
الذي
كان يمثل تهديدا
لكل من إسرائيل ، والأنظمة
العربية الموالية لها ،
وللمصالح النفطية
والاستراتيجية للدول الصناعية
الكبرى ، وخاصة الولايات
المتحدة الأمريكية ، أقول ليقوم
الثلاثة معا بحرب شاملة على
العراق واحتلاله
وتدمير
بنيته الفوقية والتحتية ،
التاريخية والجغرافية , المدنية
والعسكرية ، وبالتالي
لفتح أبوابه ونوافذه أمام
كل مخابرات
وسفلة العالم ، ولاسيما
الأمريكية والإسرائيلية منها
، وذلك أمام صمت الأنظمة
العربية وتفرجها، ولا سيما صمت تلك الأنظمة
التي ماتزال اسرائل ( وبالتعاون
الكامل والشامل مع الولايات
المتحدة الأمريكية ) تحتل أرضها
وبحرها وسماءها
منذ مايقارب الأربعين عاما .
ومرة أخرى ألا يحق لنا أن
نصيح / ننادي
مع عمر أبو ريشة :
لا
يلام الذئب في سطوته
إن يك الراعي عدو الغنم
وختاما
لابد من القول هنا ، أن الشعار
الذي تطرحه بعض الفئات والعناصر
التي لايشك في وطنيتها في
العراق ، والذي هو: ليسقط
الإحتلال الأمريكي وليسقط صدام
، كان يمكن أن يكون صحيحا فقط
فيما لو كانت أمريكا قد جاءت إلى
العراق لحماية صدام ، وليس
لإسقاطه . إن الموقف الصحيح الذي
نراه في هذا المقام , هو التحالف
بين كافة القوى الوطنية في
العراق، سواء أكانت قبل
الإحتلال مع نظام صدام أو ضده ،
وذلك لطرد المحتل أولا ، ومن ثم
يمكن فتح الملف
الداخلي.
الخميس
15 / 07 / 2004
*أستاذ جامعي مقيم في ألمانيا
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|