حقوق
الإنسان ما بين الشريعة
الإسلامية
والقوانين
الوضعية
الحلقة الثالثة
طريف
السيد عيسى
حقوق الإنسان
في ضوء دستور الدول
يعتبر دستور أي
دولة عبارة عن صيغة تنظيمية
لتنظيم عمل أجهزة الدولة وبيان
الحقوق والواجبات وبذلك يجب أن
يكون الدستور حاميا لحقوق
الإنسان من أي اعتداء سواء كان
من قبل أجهزة الدولة المدنية أو
الأمنية والعسكرية أو من قبل أي
جهة من غير الدولة .
كما أن الدولة
وأجهزتها المختلفة وكافة
المؤسسات والتجمعات ملزمة بهذا
الدستور وأي خروج عنه يعتبر نوع
من الاستبداد والتسلط والتعدي
على الحقوق وعليه لابد من تطبيق
الدستور على الجميع بلا أية
محاباة.
ومعلوم أن دولة
القانون والدستور
حتى تستقيم أمورها دون
طغيان وتسلط لابد أن تتوفر فيها
عدة أمور :
ـ وجود دستور
تتوفر فيع عملية التدرج في
النصوص القانونية
ـ أن تخضع الدولة
وأجهزتها وباقي مكونات المجتمع
لهذا الدستور
ـ أن ينبع هذا
الدستور من حضارة وهوية وثقافة
المجتمع
ـ أن يتضمن
الدستور اعترافا صريحا
بالحريات والحقوق الفردية
والجماعية وتوضع الآليات التي
تضمن عدم التجاوز على أي نص من
الدستور أو تجميده لمصلحة حزب
أوفئة ما وفي نفس الوقت يتضمن
آليات التنفيذ وبرامج الاصلاح .
فوجود الدستور
أمر ضروري لأنه يضمن قيام العمل
المؤسسي ويحد من التسلط والتفرد
وبذلك يكون السياج الذي لايجوز
الخروج عليه او عنه لأنه في تلك
الحالة تفقد الدولة قانونيتها
وشرعيتها.
كما أن عملية
التدرج في النصوص بحيث تكون
هناك نصوص تسمو على نصوص أخرى
بحسب أهميتها وأن تكون هناك
نصوص تابعة لغيرها بحيث يخضع
النص الأدنى للنص الأعلى دون أي
تناقض بينهما , كما يجب أن تكون
هناك نصوص تعبر عن السمات
الرئيسية للدولة بحيث لايجوز
لأحد كان من كان أن يخرج عليها
أو عنها.
وفي الدستور
لايجوزلأي دائرة أو جهاز أو
مؤسسة أن تتخذ أي اجراء يتعارض
مع الدستور لأن هذه الدوائر
والأجهزة والمؤسسات جزء من
الدولة فعليها الخضوع لسلطان
الدستور , وأي خروج يعني أن
الدولة الواحدة تتحول الى عدة
دول فهذه دولة أمن الدولة وهذه
دولة المخابرات العسكرية وتلك
دولة العسكر وهؤلاء حرس قديم
وأولئك حرس جديد .
أما قضية الحريات
والحقوق فهي الهدف من قيام دولة
الدستور والقانون لانهما وجدا
لضمان تمتع الأفراد بحرياتهم
العامة , وأي انعدام أو تعدي
عليهما فهذا يعني أن الدولة
تحولت الى الأستبداد والظلم
والقهر وحكم الفرد والجزب
القائد للدولة والمجتمع
وانعدام الأمن .
كل ذلك يستدعي
ضمانات لابد منها لسيادة
الدستور وتتمثل هذه الضمانات في
:
ـ الفصل بين
السلطات الثلاث
التشريعية والتنفيذية
والقضائية
ـ تنظيم عملية
الرقابة القضائية بعيدا عن كل
أشكال الهيمنة والاملاء
ـ تطبيق وتفعيل
نظام الشورى ( الديمقراطية )
ان عملية الفصل
بين السلطات الثلاث ضمان لعدم
اعتداء أي منهما على عمل الاخرى
وفي نفس الوقت يلزم الدولة على
احترام تلك السلطات , لكن لايمنع
أن تشكل كل سلطة حالة رقابية على
السلطة الأخرى , كما أن عملية
الفصل تمنع سيطرة سلطة على
أخرىوبذلك تستمد هذه السلطات
صلاحياتها من الدستور ولاتخضع
لأي جهة ما في الدولة .
وعندما يكون
القضاء نزيها ومستقلا ويمتلك
صلاحيات الرقابة فانه في تلك
الحالة تخضع الدولة لسلطة
الدستور وليس العكس وهذا يتطلب
أن تكون هناك حصانة لتلك السلطة
تتمكن من الفصل في المخاصمات
بكل حرية سواء بين أفراد
المجتمع أو بين الدوائر
والأجهزة وسلطة القضاء هي التي
تحكم بخطأ أو صحة أي تصرف بعيدا
عن هيمنة الأمن والمخابرات
والمتنفذين في الدولة حتى لو
كان رأس الدولة نفسه .
أما الشورى (
الديمقراطية كأسلوب لادارة
الدولة وليس مصدر للتشريع )
فانها أضمن وسائل الرقابة على
الجميع بلا استثناء من رأس
الهرم في الدولة الى أصغر محكوم
, كما أنها تفتح المجال واسعا
للمساهمة الايجابية والفعالة
داخل المجتمع في جو من التنافس
الشريف لانها لاتسمح بهيمنة فئة
على مقدرات البلاد والعباد وهذا
يدفع بالجميع للمساهة في بناء
الدولة والمجتمع ولا تشعر أي
فئة سواء كانت دينية أو قومية
أنها مهمشة.
وعندما نستعرض
دساتير بعض الدول نجد فيها من
الخلل والثغرات التي جعلت من
الفرد صنما يعبد ومن الحزب
قائدا وحيدا للدولة والمجتمع
وكل ذلك يرجع الى :
ـ فساد الأساس
الفكري والمرجعية التي اعتمد ت
عليها عملية انشاء الدستور الذي
تم وضعه من قبل البشر وهم محدودي
القدرات وسيبقون كذلك لان
الانسان مهما بلغ سيبقى فهمه
قاصرا عن فهم الكون والسنن
الكونية والمستقبل كما أن
الانسان يبقى غير معصوم عن
الخطأ لذلك لابد من اعتماد
مرجعية هي من خلقت الانسان
والكون وهي شريعة الله .
ـ ان الدساتير
الحالية ستبقى عرضة للتجاوز
وظلم الآخرين وباسم الدستور
وبغطاء منه لان الانسان هو من
وضعه .
ـ كما أن الانسان
تتلاعب فيه الأهواء والمصالح
وبذلك يمكنمه التلاعب بالدستور
في اللحظة التي يرى فيها أن
عملية التعديل أو التغيير في
الدستور هي لمصلحته أو لمصلحة
فئة معينة ولايستدعي الأمر أكثر
من اشارة أمنية ليتم عقد اجتماع
طارئ للسلطة التشريعية وخلال
وقت قصير يتم تعديل أي نص بما
يتلائم مع مصلحة القائد الأوحد ,
أو أنه تحت غطاء أن البلاد تمر
في ظروف صعبة فعليه يتم اقرار
قوانين الطوارئ والأحكام
العرفية ويتم تجميد فعالية
القضاء ليحل محله القضاء الأمني
والعسكري وتفتح المعتقلات
أبوابها لتستقبل عشرات الالوف
من المواطنين تحت مبرر حالة
الطوارئ وبذلك تتوسع حالة
الاستبداد حتى تصبح كالسرطان
وتنتشر في المجتمع طبقة
المستفيدين الذين يدورون في فلك
المستبد فيتحركون لحركته
ويسكنون لسكونه ويصبح القائد
الأوحد هو قبلتهم .
ـ وفي غياب سلطة
الدستور يعمل المستبد على حجب
الشمس عن كل معارض فتختفي
المؤسسات وتذوب السلطات وتداس
القوانين تحت أقدام الأجهزة
الأمنية والعسكر فيصبح الحاكم
هو الخصم والحكم وهو القاضي
والجلاد .
ـ وفي غياب سلطة
الدستور تصبح الدولة بكل
دوائرها وأجهزتها صانعة
لمعاناة الشعب وقاضية على آماله
بل ان الشعب مجبر على الهتاف
باستمرار بالروح بالدم نفديك
ياقائد بفضل اتساع مساحة الخوف
والقلق التي تزرعمها أجهزة
الأمن والمخابرات التي تصبح
أكثر من عدد وزارات الدولة .
ـ وفي غياب سلطة
الدستور تنقلب المفاهيم فيصبح
الاستبداد ديمقراطية مفصلة على
مقاس النظام تحت شعار
أنت حر في أن تقول ما أريد
وبذلك تصبح الديمقراطية تأصيلا
للطغيان والديكتاتورية وتصبح
صناديق الاقتراع توابيت لدفن
ارادة الشعب .
والى لقاء مع
الحلقة الرابعة
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|