ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 18/01/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الإسـلام والنظـرة إلى الآخـر

الأستاذ الدكتور أسعد السحمراني*

بسم الله الرحمن الرحيم

" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم  من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون". سورة الممتحنة.

خرجت علينا في الآونة الأخيرة أصوات مصدرها دعاة العولمة/الأمركة, أو من هو بحكم التابع لهم او الحليف تنال من المسلمين والعرب ملاحقة لهم بتهمة الارهاب, ولذلك بات من الأهمية بمكان أن يعمل أهل الرأي والدعاة لتظهير الصورة بالشكل السليم وفيها ان الاسلام دين السماحة ومنهجه وسطي وغائيته السعادة البشرية جمعاء انطلاقاً من الآية الكريمة التي جاء فيها الخطاب الإلهي للرسول صلى الله عليه وسلم:" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وفي المعنى نفسه كان الحديث النبوي الشريف الذي جاء فيه بلسان رسول الله:"إنما أنا رحمة مهداة".

1- الاسلام وقبول الآخر الإنسان:

 إن الاسلام الرسالة السماوية الخاتمة استهدف- كما هي الحال في الرسالات السماوية كافة- تحقيق سعادة الانسان, ورفع شرفه وكرامته, ونشر العدل في مواجهة الظلم, والفضيلة في مواجهة الرذيلة, والهدى في مواجهة الضلال.

وقد جاء البلاغ الإلهي بأن الانسان خليفة الله تعالى في الأرض, ومزود بالعلم وبالعقل, وهذه الخاصية لم تكن سوى له, يقول الله تعالى:" وإذ قال ربك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة"؛ أي الإنسان.

وفي موضوع الخلق كان للإنسان من الخصائص ما فاق فيه المخلوقات كلها بلا استثناء,  قال تعالى: " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم".

الإنسان في الإسلام, وفي النص القرآني مكرم لآدميته قبل كل اعتبار, وبالتالي فإن الملتزم بالإسلام مطالب أن يلتزم النص القرآني وما يوجه اليه. وفي الآية الكريمة:" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً".

تأسيساً على ما تقدم نقول: إن الإسلام يطالب المسلمين ويوجههم الى قبول الآخر أياً كان انتماؤه احتراماً لآدميته. وهذا الأمر لم يبق في الإطار النظري بل رافق الإسلام منذ العهد الأول له. وكان التطبيق في المجتمع الأول في المدينة المنورة بعد الهجرة حيث قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم التعدد في الإنتماء العقدي والديني والقبلي أو العائلي والإجتماعي في هذا المجتمع, وكان لذلك ميثاق يصح ان نقول عنه أنه ميثاق وطني, أو دستور يؤسس لمجتمع تصان فيه حقوق المواطنية للجميع.

وهذا بلا نقاش منطوق الآية الكريمة:" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ويخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين".

2- الإسلام وقبول الآخر المسلم:

إن الموقف الفئوي والمتعصب الذي يحكم سلوك بعض المجموعات والجماعات او الفرق والاتجاهات, والذي يقوم على ادعاء ان كل فريق هو الفرقة الناجية موقف كان ولا يزال يولد الشقاق, ويؤسس لفتن بدأت مع الخوارج في اواخر عهد الخلفاء الراشدين.

ان الفرقة ورفض فئة لأخرى جرّ في التاريخ الاسلامي مشكلات كثيرة تجندت لها اقلام, وصرفت عليها جهود ولا تزال حبذا لو صرفت في امور اكثر جدوى للمسلم وللانسان عموماً, وقد وصل الامر في مرات كثيرة على مستوى الافراد او المجموعات وأحياناً الحكم الى حد الاقتتال وسفك الدماء, ولا أحد يستطيع تفسير مثل هذه الظاهرة وقول الله تعالى:"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" فأين تنفيذ امر الله تعالى:"رحماء بينهم" عند حصول الاقتتال؟

ثم أين الالتزام بما اتانا به رسول الله في الحكم نفسه في خطبة حجة الوداع, وقد قال صلى الله عليه وسلم:" أيها الناس: إن دماءكم واموالكم وأعراضكم حرام عليكم الى ان تلقوا ربكم, كحرمة يومكم هذا, في شهركم هذا, في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد".

كم نحن بحاجة الآن كي يذكر كل انسان نفسه أولاً وسواه ثانياً بهذا الخطاب النبوي وأن يختم: اللهم فاشهد. فبذلك يكون قد تبرّأ كل مؤمن مبلَّغ وملتزم امر الله تعالى وسنة نبيه المصطفى من شياطين الأنس دعاة الفتن, وأهل الغلظة الذين يفرقون بين الناس دون احساس بالمسؤولية تجاه الله تعالى واتجاه عباد الله من المسلمين او سواهم, لأن من يرفض قبول الآخر المسلم يصعب ان يقبل غير المسلم, وبذلك يكون قد جانب الإسلام وأهله, ويكون ممن ابتعدت بهم الخطى عن جادة الصواب والله تعالى أعلم.

يقول الله تعالى:" واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون".

ولعل المشكلة في أولئك الذين يخلطون بين الفقه والشرع, ويعملون لإلزام الناس بفقههم, وهذا مطلب غير محق زد على ان بعض الآراء والمواقف تبنى عند الفئويين وغير العارفين بحقيقة الأمور على الجهل او على الهوى والمصلحة فتثمر هذه الحالة اختلافات في الفتيا, وكان الأصح ضبط الفتوى بالنص القرآني والسنة النبوية كي تجنب الجميع اتباع الهوى والرأي الخاص.

وقد صور هذه الحالة الإمام علي كرم الله وجهه أجمل تصوير عندما قال:" ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه, ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله, ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعاً, وإلههم واحد, ونبيهم واحد, وكتابهم واحد.

أفأمرهم الله- سبحانه- بالإختلاف فأطاعوه, أم نهاهم عنه فعصوه؟.

أم أنزل الله سبحانه ديناً ناقصاً فاستعان بهم على اتمامه؟ ام كانوا شركاء له, فلهم ان يقولوا, وعليه ان يرضى؟ أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصّر الرسول صلى الله عليه وسلم عن تبليغه وادائه؟".

لا بد من اعادة النظر في مسألة اصدار الفتاوى حلاً لما نرى من شغب واختلافات في ساحتنا, وكي تأتي الفتوى سليمة, والحل ان نوقف فتيا الافراد, ونذهب باتجاه المؤسسات والمجامع الفقهية القائمة لأن تشابك الامور لا يحتمل ان تبقى الفتيا في اطار فقه الافراد هذا مع اعتماد الاصل الذي يقضي بعدم التغافل عن قاعدة دور ان الحكم مع المصلحة, وان يتم التركيز من جهة أخرى على فقه الواقع.

والمسألة الأخرى هي التأكيد على موقع العرب والعربية في المرجعية, فالقرآن عربي, والسنة بالعربية والتراث الفقهي بالعربية, وتدوين التاريخ والمنجزات الحضارية كان بالعربية, والحالات التطبيقية للتشريع الإسلامي منذ مجتمع المدينة المنورة بعد الهجرة والصحيفة كانت في المجتمع العربي؛ لكل هذا يكون من الضروري أن تكون مرجعية المسلمين عربية؛ أي ان تكون المجامع الفقهية ومصادر الفتوى العربية, وان يتعرب لغة وثقافة العالم المسلم غير العربي كي يكون له سهمه في مجامع البحوث والفقه.

ونترك جمال الدين الأفغاني يبين هذا الأمر حيث يقول: "فالأتراك أهملوا امراً عظيماً, وحكمة نافعة قالها السلطان محمد الفاتح, رحمة الله عليه, وأحب أن يعمل بها السلطان سليم, وهي قبول اللسان العربي, لسان الدولة, وتعميمه بين من دان بالإسلام من الأعاجم, ليفقهوا أحكامه, ويمشوا على سنن الإرتقاء, بعلومه وآدابه ومكارم أخلاقه ومحاسن عوائد أهله.

فالعرب ما نجحوا بفتوحاتهم بشكل الدين الظاهري فقط, بل بفهم أحكامه والعمل بآدابه, وذلك ما تمّ ولا يتمّ الا باللسان, وهو اهم الأركان".

تأسيساً على ما تقدم يكون الأمر المطلوب هو وقف الاستيراد للحلول الجاهزة, والانبهار بشعارات براقة, ومواقف انفعالية احلتها ظروف ما على امير جماعة, او صاحب مشروع في بلده لانه كما قال المثل العربي: ما هكذا تورد الابل يا سعد.

3- الأسلام وقبول الآخر المسيحي:

إن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين أساسها المودة، والمودة كما هو معلوم درجة عالية من العلاقات السامية النبيلة بين طرفين وعمادها الحب. والمسيحيون أقرب الناس مودة للمسلمين، وفي هذا جاء النص القرآني متجاوزاً مجرد القبول للآخر المسيحي أو النظرة الإيجابية له إلى هذه الدرجة المتميزة من العلاقات. قال الله تعالى: "ولتجدنّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون".

أما ترجمة هذه المودة فقد بدأت مع السنوات الأولى للإسلام نصرة وتآزراً في مواجهة الشرك وأهله. فعندما اشتد الأذى على المسلمين في مكة المكرمة من قبل المشركين كان قرار رسول الله إلى عدد من الصحابة بأن يرحلوا إلى أرض الحبشة فهي كما عرفها عليه الصلاة والسلام أرض صدق وفيها ملك لا يُظلم عنده أحد: وبالمقابل بادلهم النجاشي المسيحي موقف المودة نفسه عندما أعرض عن وفد قريش وما حمل معه من هدايا، وتمسك بالعهد والميثاق مع المهاجرين المسلمين إلى دياره.

تضاف إلى هذه المحطة المهمة التي تؤسس لعلاقات تترجم المودة التي أشارت إليها الآية الكريمة الطريقة التي تعامل بها رسول الله مع وفد مسيحيي نجران الذي جاءه ومعه أسقفان، واستقبلهم في مسجده بالمدينة المنورة بعد العصر، ولما حان وقت صلاتهم قال لصحابته: دعوهم يصلون. فقاموا وصلوا في مسجده وبحضوره صلى الله عليه وسلم متجهين إلى البيت المقدس. إن هذه الواقعة تشكل قمة الذروة في نظام قبول الآخر واحترام معتقده وشعائره، ولا أظن التاريخ يحفل بحادثة مماثلة.

وإذا تجاوزنا العهود التي أعطيت للمسيحيين، ومواثيق الأمان، وقد حوتها مجلدات إلى واقعة فتح بيت المقدس زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكانت لنا محطة مشرقة في العلاقات الإسلامية-المسيحية. عند حصار القدس طلب بطريركها صفرينوس أن يحضر أمير المؤمنين عمر ليسلم له مفاتيح المدينة فاستجاب عمر رضي الله عنه تأكيداً لقاعدة "أقربهم مودة"؛ ودخل القدس واستلم مفاتيحها، ولما حانت الصلاة، وطلب منه البطريرك صفرينوس لم يفعل الخليفة ذلك خوف أن يستغل ذلك أناس بعده فيطالبوا بموقع الكنيسة تحت حجة أن الخليفة صلى فيها، وبعدها كان عقد الأمان المشهور باسم العهدة العمرية، وقد ورد فيها:

"هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين عمر أهل إيليا (القدس) من الأمان أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم ولصلبانهم ومقيمها وبرّيّها وسائر ملتها أنها لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حدها ولا من صليبهم ولا شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضارّ أحد منهم ولا يسكن بإيليا معهم أحد من يهود".

هذه العهدة العمرية ليست الوحيدة وإنما تماثلها عقود أمان كثيرة ومواثيق أكدت وتؤكد عمق الروابط الإسلامية-المسيحية. ومن ذلك أن كنيسة القسطنطينية في القرن السابع الميلادي والثامن الميلادي عندما ضاقت ذرعاً بالآخر المسيحي الماروني وهي مسيحية، ولاحقت أتباع المارونية مع القديس يوحنا مارون، فقد وجد الموارنة أمنهم وأمانهم في مناطق الشمال اللبناني وفي ظل الدولة العربية، وفي ظل الحاكم المسلم الأموي وبعده العباسي.

وعندما تمرد بندار على العباسيين، وقام بثورة المنيطرة من أعمال جبل لبنان، وكان قرار الوالي العباسي يومها صالح بن العلي بن العباس أن ينال من موارنة جبل لبنان بسبب ما فعله بندار وأتباعه تصدى له الفقيه المسلم عبد الرحمن الأوزاعي رحمه الله تعالى، وأرسل له رسالته الرادعة التي تدل على عمق المودة لا مجرد القبول بين المسلمين والمسيحيين. ومما جاء في الرسالة:

"وقد كان من إجلاء أهل الذمة من أهل جبل لبنان ممن لم يكن ممالئاً لمن خرج على خروجه، ممن قتلت بعضهم، ورددت باقيهم إلى قراهم ما قد علمت. فكيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة، حتى يخرجوا من ديارهم وأموالهم؟". واستشهد الأوزاعي بقوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى".

هكذا تأصلت العلاقات، ولهذا قام المسيحيون العرب والشرقيون عموماً مع مواطنيهم المسلمين يقاومون هجمة الفرنجة اللاتين واجتياحهم المنطقة، والمثال البارز قائد ميمنة جيش صلاح الدين الأيوبي عيسى العوّام.

واستمر الاحترام والقبول على قاعدة: "لا إكراه في الدين" وعلى قاعدة "أقربهم مودة"؛ وبذلك نجد في أيامنا هذه المسيحيين كما المسلمين يواجهون العدوان الإسرائيلي وسواه، ومما يذكر في هذا الباب الضابط الفدائي المسيحي السوري الذي قدم حياته مغرقاً البارجة جان دارك عام 1956 إبان العدوان الثلاثي على مصر برئاسة جمال عبد الناصر من قبل فرنسا وبريطانيا والعدو الإسرائيلي. وفي حرب 6/10/1973 العربية الإسرائيلية كان قائد جيش العبور على الجبهة المصرية الضابط المسيحي القبطي اللواء فؤاد عزيز غالي، وعلى الجبهة السورية كان رئيس أركان الجيش اللواء المسيحي يوسف شكور.

وإذا يممنا شطر المقاومة والانتفاضة ضد الاحتلال الصهيوني فإن العدوان لم يوفر بيت لحم وبيت جالا ولا المسيحيين ومن ذلك نفي المطران إيلاون كبوجي، والتضييق على البطريرك ميشال صباح وغير ذلك كثير.

إن المودة المطلوبة اليوم هي تلك التي تقوم على أسس القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية من أجل رفع الظلم ونشر العدل، ومن أجل وقف العدوان على مصائر الشعوب تحت ستار شعارات العولمة أو الأحلاف والتكتلات، وفي رأس القائمة وقف العدوان والاحتلال الإسرائيلي، وإعادة الحق لأهله.

وقد وجه إلى ذلك الإرشاد الرسولي الذي وجهه البابا يوحنا بولس الثاني إبان زيارته إلى لبنان في العام 1997. ومما جاء فيه:

"لا بد خاصة من تكثيف التعاون بين المسيحيين والمسلمين في كل المجالات الممكنة، بروح التجرد، أي من أجل الصالح العام وليس من أجل مصلحة أشخاص معينين، أو من أجل مصلحة طائفة خاصة".

وهنا لا بد من الرد على الأمريكي الذي يعمل لنشر فكرة عدم قبول الإسلام للآخر المسيحي بما قاله رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني كمال شاتيلا، وهو ما يلي: "من قال إن الولايات المتحدة هي مسيحية، وهي التي مارست دور المتفرج أثناء الحرب التي دارت بين مليوني مسيحي في رواندا وبوروندي بين قبائل الهوتو والتوتسي، وهي التي تتسلط وتسط على أمريكا اللاتينية منذ الخمسينات ديكتاتوريين عسكريين. من يتهمنا بالعنصرية لم يستطع تحمل فكرة وصول رئيس كاثوليكي إلى الرئاسة في أمريكا (كينيدي) فقتلوه ذلك أنهم أرادوا رئيساً بروتستانياً".

إن رفض قبول الآخر فعل أمريكي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية على أكثر من مستوى. فلقد بدأوا ذلك في العقد الأخير من القرن العشرين يوم خرج على العالم أحد مفكريهم فرانسيس فوكوياما بمقولة: نهاية التاريخ. وبعده صامويل هنتنجتون بمقولة: صدام الحضارات. وبعد أحداث 11/9/2001 خرج القس فرانكلين جراهام المقرب من جورج بوش الابن والذي حلف هذا الأخير أمامه يمينه يوم تولي الرئاسة، خرج هذا القس يوم 18/10/2001 ومن على شاشة C.N.N الأمريكية بهجوم حاقد على الإسلام، ومما قاله جراهام: "لا أعتقد أن هذا دين عظيم، ولا أعتقد أنه دين سلام... إن الإسلام كله دين شرير".

إذا أضفنا موقف جراهام إلى تراث الولايات المتحدة في القتل والاسترقاق واستخدام القوة ضد كل الشعوب، والدعم المفتوح للعدو الإسرائيلي نعرف عندها من هو الذي ينظر بدونية للآخر، ومن هو العنصري الذي يمارس الإستعلاء.  

4- الإسلام والنظرة إلى الآخر اليهودي/الصهيوني:

كان التعامل مع يهود منذ مجتمع المدينة الأول زمن رسول الله والصحيفة على أنهم كتابيون، ولكنهم خانوا المواثيق، وعملوا على التحريض ضد المسلمين، وحاولوا اغتيال رسول الله لذلك تم إخراجهم من مجتمع الجزيرة، وبقي التعامل معهم على أنهم كتابيون فيما خلا الجزيرة، وعاشوا بأمان باعتراف قادتهم المعاصرين أو القدامى. ليس هذا فحسب بل إنهم احتلوا المناصب، ووصلوا إلى الوزارة ورئاسة الدواوين في الأندلس، وكان مصيرهم كمصير المسلمين على يد الصليبيين الفرنجة في الجلاء من الأندلس (إسبانيا اليوم).

والدليل على إعطائهم عهود الأمان وجودهم في بلاد عربية عديدة هي: المغرب ومصر واليمن ولبنان وسوريا والعراق وفلسطين. ولكنهم تنكروا لهذه الحالة من الأمان الذي أعطي لهم عندما قاموا بتأسيس حركة عنصرية لم يعرف لها تاريخ الأمم مثيلاً هي الحركة الصهيونية، وإذا بيهود العصر من كل القوميات والأعراق، وأغلبهم خزريون تهودوا في القرن الثامن الميلادي يتحولون إلى هذه المنظمة العنصرية ومن خلالها اغتصبوا ولا يزالون أرضنا ومقدساتنا وهجروا شعبنا وشردوه، ومارسوا القتل والإرهاب والتدمير.

هذا يؤكد الحقيقة الإلهية الخالدة في الآية الكريمة: "لتجدنّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا".

ويهود هؤلاء الذين انقلبوا على كل المواثيق، ومارسوا العنصرية والعدوان كان فعلهم هذا نابعاً من عقيدتهم الزائفة بأنهم الشعب المختار، ومن خلال مفاهيمهم المعادية لكل من هو غير يهودي، هذه المفاهيم التي فعلت بها نصوص العهد القديم كما صاغوها، وبعدها نصوص التلمود.

إن اليهودية-الصهيونية تمثل أخطر نموذج عنصري يقوم فكره على رفض الآخر أو بالأحرى العمل على إبادته، وسلب كل ما يخصه. ومما قالوه في العهد القديم: "وإن لم تطردوا أهل الأرض من وجهكم كان من تبقونه منهم كإبرة في عيونكم، وكحربة في جنوبكم يضايقونكم في الأرض التي أنتم مقيمون بها".

وفي التلمود يقولون: "أقتل الصالح من غير الإسرائيليين... وإذا وجد أحد يهود أممياً (غير يهودي) وقع في حفرة فعليه ألا يخرجه منها، حتى لو وجد اليهودي سلماً يمكن للأممي أن يخرج بواسطته، فالواجب عليه في هذه الحالة نزع السلم".

ونترك لكاتب يهودي هو إسرائيل شاحاك الحديث في هذا الصدد حيث يقول: "ينبغي الإقرار من البداية أن التلمود والأدب التلمودي –بصرف النظر من الطيف العام المعادي للأغيار الذي يسري فيهما- يحتوي على مقاطع معادية جداً ووصايا موجهة أساساً ضد المسيحية. على سبيل المثال، إضافة إلى الاتهامات الجنسية البذيئة ضد يسوع، ينص التلمود أن عقوبة يسوع في الجحيم هو إغراقه في غائط يغلي".

وإذا تتبعنا ما فعلوه في فلسطين المحتلة, ومعه أشكال العدوان والإحتلال التي مارسوها ضد البلدان العربية وصولاً الى مشاهد القتل والتدمير التي نشهدها هذه الأيام نعرف دفائن النفس اليهودية-الصهيونية التي عبر عنها الحاخام عوفاديا يوسف الزعيم الروحي لحزب شاس الذي قال بمناسبة الفصح اليهودي في شهر نيسان/أبريل من العام 2001 متحدثاً عن العرب وبعد أن وصفهم بالأفاعي:"يجب أن لا نرأف, ولا بد من قصفهم بالصواريخ وإبادة هؤلاء الأشرار والملاعين".

هؤلاء لا يمكن ان ينظر إليهم المسلم ولا سواه مسيحياً كان أم إنساناً إلا نظرة تقوم على رفض مفاهيمهم وفكرهم هذا مع السعي لمواجهة الخطر والأطماع التي يحملونها وبهم يصدق قول الله تعالى:" إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولّوهم".

إن الصهاينة قاتلوا المسلم كما المسيحي في الدين وفي رأس قائمة هذا القتال أعمالهم من أجل تهويد القدس, وكذلك أخرجونا من ديارنا, والأمريكي الداعم لهم يظاهر أي يساعد على إخراجنا لذلك ينهانا الله تعالى عن إقامة العلاقات معهم أو قبولهم, وبالتالي فإنهم لا يدخلون في إطار الآخر الذي دعا الإسلام لقبوله, وإنما نهانا الله تعالى عن قبول من يمارس ضدنا هذه الأنواع من العدوان. وهذا يترتب عليه انه لا سلام مع القاتل ولا مع المغتصب للحقوق والمقدسات والأرض, والصلح والسلام يكون في حال أوقف هذا العدو محاربته لنا في الدين, وفي حال خرج من أرضنا ومقدساتنا وعندما يعود أهل الأرض الى أرضهم في مثل هذا يكون السلام والصلح ممكناً, والأمريكي تستقر العلاقات معه حين يوقف انحيازه ودعمه المفتوح للعدو, ويوقف مظاهرته على إخراجنا من ديارنا, هذه هي النظرة للآخر اليهودي/الصهيوني.

5- الإسلام والنظرة إلى الآخر غير الكتابي:

تقدم القول أن الإسلام يقبل الآخر الإنسان بفعل التكريم الذي أقره الله تعالى لبني آدم طالما أن هذا الآخر لم يقاتل المسلمين في دينهم أو يخرجهم من ديارهم.

والسابقة التاريخية هي حادثة إبلاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المجوس (الزرادشتيين), حين قال للسائلين:" سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب". وعندما افتتحت بلاد فارس وتمت مصالحة المجوس أهل بيوت النار, والصابئة الذين تحتل الكواكب مكانة في عقيدتهم على ما هم عليه, وصنفوا أنهم أهل شبهة كتاب لهم عهود الأمان كأهل الكتاب مع فروق بسيطة هي أنه لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم.

وإذا يممنا شطر مناطق النمور الآسيوية كالصين والهند واليابان وسواها حيث يتوزع ما يقارب 40٪ من سكان العالم, وهؤلاء في الغالب يدينون بغير الإسلام والمسيحية, فهم بوذيون وهندوس وكونفوشيوس وشنتويون, وهؤلاء من عالم يعاني وعانى من الغزو الإستعماري, وله معنا قواسم مشتركة في مقاومة العنصرية, ومشاريع الهيمنة الأمريكية باسم العولمة, وهم يعيشون اليوم تحديات على مصالحهم, وبينهم وبين العالم العربي والإسلامي مصالح مشتركة وخاصة الصين لذلك لا بد من التعامل معهم على أساس قبول الآخر الإنسان والإنفتاح عليهم على قواعد الإنسانية والمصالح المشتركة مع البحث عن قيم مشتركة قد تتبعها حالات تفاعل ثقافية ودينية على قاعدة الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.

خـاتـمة:

الأصل في الإسلام هو قبول الآخر الذي لم يقاتل المسلمين في الدين ولم يخرجهم من ديارهم والحرب في الإسلام تكون دوماً دفاعية ضد المعتدي كحالة العدوان الإسرائيلي ومن يسانده او ما يشابهه إنطلاقاً من قول الله تعالى:" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين".

وكما أن الإسلام يقبل الآخر ويرفض الفئوية كذلك يوجد في الغرب عموماً وحتى في الولايات المتحدة مواطنون وتيارات وأهل فكر يرفضون العنصرية وأساليب التسلط والهيمنة باسم العولمة أو بأي اسم آخر, ولا يمكن للبشرية أن تركب سفينة النجاة باتجاه بر الأمان والعلاقات المستمرة إلا إذا قامت لغة الحوار مع سيادة العدل ونشره ووأد الظلم ومشاريعه, ووقف الإحتلال والعدوان على حقوق الآخرين أياً كانوا. هذا ما تحتاجه البشرية كي تتخلص من نار الصراعات والحروب ولا حاجة لما يمارسه الأمريكي من توزيع آلة الحرب والدمار, أو أساليب الإستيلاء والإختراق أو محاولات التخريب الثقافي والأخلاقي.

أما عندنا فلا حل للصراع الا بردع الإحتلال الصهيوني ورد الحقوق لأصحابها بتحرير الأرض والمقدسات وواجب من هم أحرار فعلاً أن يقفوا مع حقنا هذا لردع العنصرية الصهيونية عدوة الدين والإنسان.

* مسؤول الشؤون الدينية في المؤتمر الشعبي اللبناني / أستاذ في جامعة الإمام الأوزاعي- بيروت

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ