حول
عودة المنفيين إلى
أرض
الوطن
فريد
حداد
ما زال النظام الاستبدادي المتصدع
في سورية , مُصرّاً على أن
يتعامل مع الاستحقاقات الوطنية
الملّحة , بسياسة ( التطنيش ) ,
أو سياسة غض النظر , أو سياسة
المداورة . ويصر على استبعاد ان
يكون القانون هو الحكم .
فهو ( يطنش ) عن مطالب ,
كمطلب رد المظالم الى أهلها
, وتلك
التي لاتناسب استفراده بالحكم .
ويغض النظر عن وقائع لا تخدمه
ولكنه ليس مؤهلاً في حينها
لقمعها . ويداور
لئلا يضفي صفة الحّق عن كل ما
يتنازل عنه مرغماً لخصومه .
أو ما يمنحه لمواليه
.
فها هي المنظمات السياسية
والحقوقية المعارضة , تمارس
نشاطها بشكل علني , من دون أن
يكون هناك قانون واضح ينظم
عملها , ويقنّون
تأسيسها , ويحفظ حقوقها ,
ويحميها ,
من بطش النظام أولا ,ً وكما
يحميها من ان تكون أداةً بيد
الغريب .
فالكل يعمل بالأعتماد على سياسة
غض النظر التي تمارسها
السلطة , علماً أن غالبية
العاملون في
الحقل السياسي المعارض ,
كانوا من نزلاء زنازين
النظام ولسنوات طويلة في ظروف
ومناخات داخلية ودولية مختلفة .
وها هو النظام , وبموجب الدستور
الذي سنّه للبلاد ( يقود الدولة
والمجتمع من خلال جبهة وطنية
تقدمية ) غير محدّدة القوى
المشاركة فيها!!!!!! . فان شارك
الملائكة بها اليوم , تكون
صياغات الدستور ,
كما دستور الجبهة نفسه ,
صياغات
صحيحة .
وان شارك بها غداً اباليس
الجحيم تبقى ايضاً صحية , وفي
كلتا الحالتين يبقى حزب البعث
قائداً للمجتمع والدولة من خلال
جبهة وطنية تقدمية ؟؟؟؟؟
. وان حُظرت أحزابها ,
وأعتُقل أعضائها , فلا حصانة لهم
ولا حقوق , لا في دستور الجبهة ,
لأنه دستور مبني للمجهول , ولا
في دستور البلاد المعطل بقانون
الطوارئ , و
يبقى كل شيء بالنسبة للنظام
صحيح وغير متناقض مع
الدستور . فما هي هذه الجبهة
اذاً ؟ وكيف تُحدد ثوابتها
وحقوق أطرافها ؟ ومن هي الأحزاب
التي تشكلها ؟ فذاك بعلم القائد
" الأمين "
وحده , الذي يمنح رضاه
الشرعية , كما يُحجبها غضبه .
وها هم كوادر التجمع الوطني
الديمقراطي , الذين أعلنوا
انتهاء اختفائهم بعد 21 سنة من
الملاحقة , وعودتهم للحياة
العامة , من دون ان يكون هناك
قرار سياسي أو أمني بوقف
ملاحقتهم الغير شرعية أصلاً .
فظهورهم العلني أخذ طابع التحدي
للنظام والأستعداد لتحمل
العواقب في
وقت لاحماية لهم ولا لغيرهم في
ظل سيادة قانون الطوارئ . وقد
اتبعت السلطة حيالهم سياسة غض
الطرف , فهم ليسوا ملاحقون الآن ,
ولكن بنفس الوقت ,
لا شيء يمنع السلطات
حالياً من اعتقالهم وفتح
ملفاتهم القديمة , الا وهّنها
وضعفها الملحوظ وتصدع بنيانها .
وها هو قانون منع محاكمة رجال الأمن الذين يرتكبون جرائم
اثناء تأديتهم لعملهم ,
الا بموافقة رؤسائهم . أي
انها مواربة في القانون تصنع من
ارادة الرئيس في العمل ومن
خلالها ارادة رئيس الرئيس طبعاً
, ميزاناً
لتحديد الحقوق وتقييم الوقائع .
وها هي نفس الأسطوانة المشروخة
تعود اليوم بمناسبة الحديث عن
عودة المنفيين
والمشردين الى الديار . ان عودة
الفنان التشكيلي يوسف عبدلكي
الى ربوع الوطن , تأتي باعتقادي
بنفس سياق ظهور كادرات التجمع
الوطني الديمقراطي
الى العلن . وان لم تكن خطوته
هذه , قد اتت كتحدٍ للنظام ,
فانها جاءت بالبناء على ضعف هذا
النظام واهتزازه من ناحية , كما
انها تعبير عن استعداد هذا
المناضل لتحمل اية نتائج سلبية
تترتب على عودته ,
كثمن لأن يحيى على تراب وطنه
, من
ناحية أخرى .
ان اشادة بعض جهات المعارضة
السورية بالداخل بعودته ,
كما عودة
العقيد جاسم علوان , واعتبار ذلك
بانها بداية لعودة المنفيين ,وانها
النقطة التي عملت عليها طويلاً
المنظمات الحقوقية , وكأن النصر
المبين قد تحقق الآن بعودتهما
, هو اعتبار خاطئ وخطير , لأنه
خالق للوهم في نفوس عشرات
الألوف ممن يتجّرعون كأس الغربة
المرّ في كل يوم
آلاف المرات , وكما يصب في
طاحون دعاية
النظام الأستبدادي ,
الذي يسعى
عبر وعود كاذبة , ومخدرة
للناس , توحي
بان التغيير قادم , لشراء
الوقت . متأملاً
في ان تعود الرياح لتهب بما
تشتهي سفنه .
كما انه يساعد النظام في نفس
الوقت على الأستمرار في نصب
الكمائن في
المطارات والحدود ,
لمن أضنته الغربة ,
وبات يصدق اي شيء عن أصلاح
الأوضاع واجراء التغيير. حيث ان
عدداً من المواطنين الذين حصلوا
على تسوية فردية لأوضاعهم عبر
السفارات في بلاد المنفى , عادوا
الى البلاد وأعُتقلوا في الحدود
أو المطار وقضوا نحبهم في
الزنازين بسبب التعذيب
انني أجد أنه من الضروري بمكان , ان
توضع الأمور في نصابها , ونؤكد
على أن حل مسألة المنفيين
والمشردين طوعاً أو جبراً , لا
يمكن له أن يأتي بمعزل عن حل كل
المسائل المتعلقة باجراء تغيير
ديمقراطي جذري في حياة بلدنا
وشعبنا . كما انه لا يوجد قضايا
واجبة الحل اليوم وقضايا ممكن
تأجيلها الى الغد ,
تحت اي عذر من الأعذار . كما
انه لم يعد مقبولاً ان تأتي
الحلول مواربة أو عن طريق غض نظر
النظام .لقد آن الآوان لبناء
دولة المؤسسات والقانون , وآن
الآوان لقوننة حياتنا السياسية
والأقتصادية , ليكون القانون
الواضح هو الحكم الفصل بين
الجميع .
ان عودة المنفيين والمشردين
الآمنة الى البلاد لابد له الا
ان يتم عبر طريقين أثنين .
أولهما :
1 – صدور قانون عن مجلس الشعب ,
بصفته المؤسسة التشريعية ,
يُلغي بموجبه العمل بقانون
الطوارئ , ويلغي
حالة الأحكام العرفية , ويُحيل
الى السلطة التشريعية ,
مهمة محاكمة كل مسئول عن
العمل بقانون الطوارئ خلال 42
سنة الماضية ,
الذي عُمل به بشكل مخالف
لقانون اعلانه بالأساس .
2 – صدور قانون من مجلس الشعب
يقضي بالغاء القانون العار رقم
49 القاضي ( باعدام
كل منتسب لجماعة الأخوان
المسلمين )
. كما
يتضمن الحق بالتعويض على كلٍ من
تأذى بسببه مادياً او معنوياً
.
3 – صدور أعلان عن النائب العام ,
يُعلن فيه ايقاف الملاحقات
لأسباب سياسية , والأفراج عن
جميع المعتقلين السياسيين
فوراً , والتعويض على كل من أضاع
يوماً واحداً من عمره في سجون
الأستبداد ظلماً وجوراً .
4 – التأكيد على التعليمات
الصادرة الى السفارات بالخارج
لمنح جواز سفر لكل من كان متعذر
عليه العودة الى سورية لأسباب
سياسية , واعتبار هؤلاء مشردين
وليسوا مغتربين يستوجب دفعهم
لذمم مالية . فمن هرب من بيته
رعباً من حبل المشنقة لا يمكن ان
يكون مغترب باي شكل من الأشكال .
وثانيهما : وهوان يعود جميع
المنفيين في دفعات متتابعة , على
أن تكون هذه العودة مترافقة مع
نهوض شعبي واسع كالذي حدث في
لبنان , يثير الرعب في مفاصل
النظام , ويمنعه
من الحاق الأذى بأي كان .
والطريق الثالث للعودة هو الطريق
الذي لا يخلو من المخاطر, على
الطريقة العبدلكية ان جاز
التعبير .
والطريق الرابع وهو طريق
المساومات الفردية مع رجال
النظام في السفارات والتي تضع
المواطن في وضع ابتزازي كبير
ناهيكم عن مخاطرها التي تتجلى
في نكوص رجال السلطة عن وعودهم
واعتقال العائد في المطار .
واني أرى بأن الطريق الثاني هو
أكثر الطرق أحتمالاً وجدوى ,
وذلك لسبب بسيط وهو , أنه من كان
سبب تهجير الناس لايمكن له ان
يكون العاقل الرحيم الذي يفتح
ابواب العودة والأستقبال
بالأحضان . كما ان افضل حماية
للعائدين وأصدق ضمانات يمكن ان
يحصلوا عليها هي تلك التي
يحصلوا عليها من شعبهم .
لا يمكن ان يكون هناك عودة من دون
ضمانات قانونية او حماية شعبية ,
ولمن هلل
لعودة شخصين الى البلاد ,
واعتبر عودتهما نصراً مبيناً له
او لمنظمته , نقول , ان
أحد العائدين قد عاد تحت الخطر وعلى مسئوليته
الشخصية . وبالتالي فعليه ( أي المهلل )
أن يكون حذرا من أن يخدم
دعاية النظام
وسياسته من
حيث لايدري , تحت تأثير عاطفي أو
ما شابه .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|