بين
العفو العام الشامل
وتسهيل
العودة للمعارضين
تقوم شرعية أية سلطة على عقد
إجتماعي يتنازل فيه المجتمع
بحريته عن حقوقه ليسترد ما تخلى
عنه بعد تنظيمها بقوانين و
تشريعات تشمل كافة النواحي و
منها قوانين العفو.
و العفو إما أن يكون عن الجريمة
أو العقوبة فقط و يسمى بالعفو
غير التام, و عندما يشمل عددا
محددا و لا يكون جماعيا يسمى
عفوا خاصا, و في سوريا يصدر من
رئيس الجمهورية وفق المادة 105 من
دستور عام 1973, و عندما يكون
جماعيا و يشمل العقوبة و الفعل
الجرمي يسمى عفوا عاما.
أما تسهيل أمر العودة للملاحقين
و المنفيين من المعارضة فهو
مصطلح أمني لا قانوني و يبقى
العائد خاضعا لإرهاب المساءلة و
لا يصنف تسهيل العودة بين أنواع
العفو.
و تقوم فكرة العفو على تنازل
الهيئة الأجتماعية عن كل أو بعض
حقوقها بتخويل السلطة لإصدار
قوانين العفو الخاصة و العامة,
رغبة في إسدال الستار على أنواع
معينة من الأعمال و الجرائم,
لأنها تعود الى عهد بغيض تقتضي
المصلحة العامة بعدم تجديد
ذكراه لأن الذكرى السيئة تجدد
حزنا و ألما.
هذه مبررات العفو من الناحية
القانونية و الأجتماعية حيال
مرتكبي الجنايات العادية التي
تمس الأمن العام و التي توجب
العقاب بحماية الفرد و المجتمع,
لأن في القصاص حياة, و لردع
المجرمين من الإعتداء و التمادي
على حقوق المجتمع و حمايته.
و لكن العفو يصبح أكثر تبريرا و
واجبا عندما تكون السلطة فاقدة
لشرعيتها الحقيقية و المتهم هو
المدافع عن حقوق المجتمع, و بظل
الظروف الصعبة و المعقدة في
المنطقة و الأوضاع السائدة في
العراق و فلسطين و المشاريع
التي تستهدف سوريا شعبا و أرضا,
و الأمة العربية و قيمنا
الروحية. فأن
المطلب الشعبي و الوطني أصبح
أكثر إلحاحا لإصدار العفو العام
الشامل لترتيب الأوضاع و رأب
الصدع و رصف الصفوف و إسدال
الستار على الماضي البغيض و
آلآمه و أحزانه التي سببها
النظام لإعداد كبيرة جدا من
المواطنين, فالمصلحة توجب
تناسيها, و عدم تجدد ذكراها, و
تركها خلف ظهورنا و معالجة
آثارها عاجلا, و التطلع الى
المستقبل و هذا لا يتم الا عبر
إجراء المصالحة الوطنية و أحد
بواباتها الرئيسية العفو العام
الشامل عن السياسيين ليشكل
ضمانة قانونية و حقوقية, و يغلق
الملفات و يرد الإعتبار
للمحكومين و الملاحقين بأوامر
عرفية بموجب قانون الطوارئ.
و يتحمل مسؤولية إصدار هذا
القانون رئيس الجمهورية الذي
منحه الدستور إصدار مراسيم
تشريعية لها قوة القانون بموجب
المادة 111 الفقرة (2) التي تخوله
سلطة التشريع قي حال إنعقاد
مجلس الشعب ثم عرضها عليه, و في
الفقرة( 4) سلطة التشريع دون
عرضها على المجلس, و مجلس الشعب
و إن كان ديكورا سياسيا و جهازا
للتبرير لا للتقرير يتحمل أيضا
المسؤولية كمؤسسة أنيطت به
السلطات التشريعية إذ منحته
المادة 71 الفقرة (6) حق إصدار
قانون العفو العام.
و رغم صعوبة و خطورة الظروف و
جسامة الأحداث و جلل الموقف و
الظلم العظيم الذي لحق بمئات
الألوف من المواطنين سجنا و
تشريدا و قتلا و إنتهاكا لحقوق
الأنسان بشكل قل مثيله في
التاريخ, فإن النظام سادر في غيه
رافض إصدار عفو عام شامل منذ
أربعين عاما عن السياسيين الذين
يستحقون أعلى الأوسمة و الأنواط
لتمسكهم بشجاعتهم و كبريائهم
الوطني و عظم بواعثهم و دوافعهم
النبيلة و لمطالبتهم بإسترداد
حقوق الشعب من مغتصبيها لكن
النظام السادي يعمل على إهانتهم
تحت ما يسمى بتسهيل العودة,
ليعودوا صاغرين أذلاء, شاكرين
فضل السلطة عليهم, و محرومين من
حقوقهم المدنية و السياسية, و
إجبارهم على التعهد قولا و
كتابة بالتخلي عن ممارسة حقوقهم
الوطنية, و التعاون مع الأجهزة
الأمنية.
كم مؤلم حقا للشعب عامة و لعائلات
الضحايا من السياسيين الوطنيين
عندما يرون و يسمعون بإصدار
سلسلة من قوانين العفو عن
الجواسيس و مهربي أموال الشعب و
كل من عمل على تخريب الأقتصاد و
المجتمع.
و رغم قناعتنا بأن المجرم من أوغل
في ممارسة التعذيب و التنكيل و
خاض في دماء الأبرياء بالقتل
العشوائي و المقابر الجماعية
أحوج الى عفو الله ثم الشعب,
فأننا نسمو على آلامنا و نتجاوز
أنفسنا و نردد هل تستيقظ ضمائر
صاحبي القرار في النظام السوري
و لو لمرة واحدة؟ و يعملون على
إعادة اللحمة الأجتماعية
بإجراءت عملية سريعة تبدأ
بإلغاء قانون الطوارئ, و
القانون 49 الذي يتناقض مع حقوق
الأنسان و إطلاق الحريات و
العفو العام الشامل و ليس
بأوامر تسهيل العودة للمعارضين.
اللجنة
السورية للعمل الديمقراطي
المحامي
محمد أحمد بكور
26/4/2005
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|