الدولـة
في مشروع
الإخوان
السياسي
خالد
الأحمد
كان
فرعون يقول لشعبه ( أنا ربكم
الأعلى ) ، وكان لويس السادس عشر
يقول : أنا الدولة والدولة أنا ،
وحكم حافظ الأسـد سوريا ثلاثين
سنة ، ثم ورثها لولده الطبيب
الذي لم يكن يوماً مهتماً
بالعمل السياسي ، ولكن أي إنسان
لايترك أملاك والده تذهب للغير
، فقد ملك حافظ الأسد سوريا
أرضاً وشعباً . ومن رفض الانصياع
قتلـه ، أو سـجنه ، أو شـرده
ونفـاه ، ولذلك
ترك بشار طب العيون ، وقطع
دراسـته في لندن ، ورجع إلى
الكلية العسكرية ليكون ضابطاً
ثم رئيساً ؛ كي لاتضيع أمـلاك
أبيـه التي شـقي في جمعهـا ،
والتي قتل وسـجن وشـرد مئات
الألوف من أجلها.
أما
خليفة المسلمين عمر بن الخطاب
رضي الله عنه
أمير المؤمنين ، حاكم أقوى دولة
في العالم يومذاك ، فقد رأى قاتل
أخيه زيد بن الخطاب ، وقد أسلم
القاتل وصار من رعية عمر ، فقال
عمر : اغرب عن وجهي ، والله لا
أحبك . فأجاب قاتل زيد بن الخطاب
: وهل تستطيع أن تنقصني حقاً من
حقوقي !!؟ فرجف عمر رضي الله
عنه خوفاً وقال : لا ، لا
والله ، لا أستطيع . فقال ذلك
القاتل : إذن إنما تبكي على
الحـب النـساء !!!!؟؟
وهذا
معاوية بن أبي سفيان رضي الله
عنه يخطب على المنبر يوم
الجمعة ويقول : اسمعوا وأطيعوا .
فيقول أبو مسلم الخولاني :
لاسمـع ولاطاعـة ، كيف تمنع
العطـاء !!؟ وإنـه ليس من كدك ولا
من كد أبيك ، ولا من كد أمك ،
فغضب معاويـة رضي الله
عنه ، ونزل عن المنبر ، ثم
غاب برهة ثم عاد وقد اغتسل ثم
قال : إن أبا مسلم كلمني بكلام
أغضبني ، وإني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : [ إن
الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان
خلق من النار ، وإنما تطفأ النار
بالماء ، فإذا غضب أحدكم
فليتوضأ ] ـ أبو داود (7/167) وقد
ضعفه الألباني ـ ، وإني قد دخلت
فاغتسلت ، وصدق أبو مسلم ، إنه
ليس من كدي ، ولا من كد أبي ،
فهلموا إلى عطائكم .
من أجل
هذا الحاكم العادل الذي نسـعى
إلى مبايعتـه ،
الذي لايتأله مثل فرعون ،
ولايستحوذ على الدولة مثل لويس
، ولايملك الشعب والأرض ويقتل
ويسجن ويشرد مئات الألوف مثل
حافظ الأسد ، من أجل حاكم مثل
عمر بن الخطاب رضي الله
عنه أو معاوية بن أبي سفيان
رضي الله عنه
، أو هارون الرشيد يرحمه الله ،
وضع الإخوان المسلمون مواصفات
للدولة في مشروعهم السياسي هذه
أهمها :
1ـ دولة
ذات مرجعيـة :
ومرجعيتنا
هو الإسلام ، والدولة المسلمة
ليست دولة ثيوقراطية ، بل دولة
مدنية ، والدولة المسلمة هي
التي سماها المشروع الدولة
الحديثة ، وهي كماقلت ليست
بالدولة الثيوقراطية ، وليست
كذلك بالدولة العلمانية . إنها
دولة مسلمة .قال عنها أبو بكر
الصديق رضي الله عنه الخليفة الأول : أيها الناس قد
وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن
أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت
فقوموني . ولايوجد أوضح وأكثر
بلاغة من هذا الكلام الذي يؤكد
أن الدولة المسلمة دولة مدنية ،
والحاكم المسلم يعترف سلفاً أنه
ليس مفوضاً من الله ( كما في
الثيوقراطية ) ، بل يعترف أنه قد
يخطأ ، ويطلب من الرعية أن
يقوموه إذا أخطأ .
جاء في المشروع :
( وقد
أبطل الإسلام كل دواعي العصمة
التي يتذرع بها حكام ادعوا أنهم
مقدسون أو ملهمون ، والعصمة في
التصور الإسلامي ؛ وقف على
النبي صلى الله عليه وسلم فيما
يبلغه عن ربـه عزوجل ) .
2ـ دولـة
تعـاقـديـة :
(الدولة
الحديثة التي نطالب بها ، أو
نسعى إليها ، في إطار مشروعنا
الحضاري ، هي دولة تعاقدية ،
تقوم على الاختيار الحر المعبر
عن إرادة الأمة ) . وأجمع مجتهدو
الفرق كلها ـ ماعدا الشيعة ـ على
أن طريق الإمامة هو الاختيار
والاتفاق . والإمامة عقد بين
الإمام والأمـة ممثلة بأهل
الاختيار ( الحل والعقد ) .
والأمة مشرفة ومراقبة للعقـد ،
وتملك الحق في خلعـه إذا لم يوف
بشروط العقد .
3 ـ
دولـة مـواطنـة :
المواطن
هو الفرد الذي ينتمي إلى كيان
سياسي ( دولة ) ، والانتماء
الوطني غير الانتماء القومي أو
الديني ، ومصطلح مواطن تشمل كل
إنسان ينتمي إلى الوطن ، بعيداً
عن الانتماء العرقي أو القومي
أو الديني ، وكلمة مواطن تغني عن
كلمة (ذمي ) ، وتشمل من حيث الدين
( المسلم ، المسيحي ، اليهودي ،
المجوسي ، الوثني ... إلخ ) شريطة
أنه ينتمي إلى هذا الوطن . كما
تشما من حيث العرق ( العربي ،
والكردي ، والأرمني ، والشركسي
، والشاشاني ، والفارسي ،
والأوربي ، والأميركي .....إلخ )
شريطة أنه ينتمي إلى هذا الوطن .
وقد كانت وثيقة المدينة خير
مثال على أن الدولة المسلمة
دولة مواطنة . فاليهود
والمسلمون ( المهاجرون والأنصار
) مواطنون متساوون في الحقوق
والواجبات .
4ـ دولـة
تمثيليـة :
في بيعة
العقبة الثانية طلب الرسول صلى
الله عليه وسلم أن يخرجوا لـه
نقباءهم ( ممثليهم ) وقد أرجو
اثني عشر نقيباً كانوا كفلاء
على قومهم . وأهل الحل والعقد
،أو أهل الاختيار ، هم الذين
يمثلون الأمـة في اختيار الحاكم
، وهم الذين يخلعونه إذا لزم .
5 ـ
دولـة تـعدديـة :
في
المدينة المنورة كانت التعددية
الدينية أول صور التعددية . فكان
اليهود وكان المسلمون مواطنين
في الدولة المسلمة يومذاك . وقد
أقر الله عزوجل التعايش بين
المسلم وغير المسلم ( لاينهاكم
الله عن الذين لم يقاتلوكم في
الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن
تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله
يحب المقسطين ) . والتعددية
السياسية حقيقة واقعـة في أي
تجمع إنساني . وسـمة أساسية لكل
دولة حديثـة .
6 ـ
دولـة تـداوليـة :
من
التداول اشـتق العـرب كلمة (
دولـة ) ، والتعددية السياسية
تؤدي إلى التداولية ، وهي
المقابل لحالة (الملك العضوض)
الذي جاء بولاية العهد . بدلاً
من اختيار الأمـة بواسطة
الاقتراع الحـر والنـزيـه . وهي
المقابل الموضوعي لحاكم مدى
الحياة نجح أو أخفق . [ إن أحسنت
فأعينوني ، وإن أسـأت فقوموني ،
أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإن
عصيته فلا طاعة لي عليكم ] .
والتداولية
هي تداول بين القوى والأحزاب
السياسية بمناهجها واجتهاداتها
.
7 ـ دولة
مؤسـسات :
يتم
العمل فيها بروح وجهد الفريق ،
ويتولى أصحاب الاختصاص مهامهم
في كل ميدان . وفي إطار
المؤسساتية يتحول الجيش إلى جيش
وطني ( غير فئوي ) يحمي الوطن ( كل
الوطن ) ، وتتحول المؤسسة
الأمنية إلى مؤسسة تحمي حرية
المواطن ، وفي إطار المؤسساتية
ستجد العقول المهاجرة مكانها في
سياق وطني عام منتج .
ودولة
المؤسسات تقوم على الشورى ؛
ضد الدولة الفردية ، التي
تقوم على الأهواء والمصالح
الشخصية والعشائرية .
8 ـ
دولـة القانون :
يتقدم
فيها أمن المجتمع على أمن
السلطة ، ولاتحل فيها حالة
الطوارئ محل القانون العام .
ويحترم فيها الدستور من قبل
الحاكم والمحكوم ...
هذه أهم
صفات الدولة في مشروع الإخوان
السياسي ، وهي دولة مدنية
مرجعها الإسلام ، دولة حديثة ،
تقوم على التعاقدية ،
والمواطنـة ، والتمثيلية ،
والتعددية ، والتداولية ، ودولة
مؤسسات وقانون .
نسأل
الله عز وجل أن يجعلنا ممن
يستمعون القول فيتبعون أحسنه ،
وأن يردنـا إلى سـوريا المستقبل
، الحـرة الديموقراطية ، التي
تحترم حقوق المواطن وتكفلها .
إنه سميع مجيب .
*كاتب
سوري في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|