الإصلاح
بين التنظير والتفعيل
أيمن
الدقر
يبدو انه لم يعد مفيداً الاستمرار بتناول
موضوع الإصلاح والتطوير
والتحديث من خلال الندوات
والمحاضرات والنقاشات والصحف
والفضائيات فقط، ولم يعد الشرح
والتنظير وقراءة تجارب الغير،
وترجمتها، ومحاولة تعريبها أو
استنباط ما يلائم بلادنا منها
وتسخيره حفاظاً على خصوصيتنا من
وراء النظارات فقط... لم يعد
مفيداً
سنوات أربع امتلأت خلالها آذاننا وعيوننا
وقلوبنا بالخطط والبرامج
والاستراتيجيات، وكل شيء امتلأ
فينا رغماً عنا، فقد احتل
الموضوع الصدارة في حياتنا
لدرجة أن كلّ سوري بات يعرف
جيداً مشكلات الاقتصاد
والسياسة وحلولها، وأصبح يعرف
مواطن الخلل في كل مؤسسة سواء
كانت حكومية أم خاصة، وأصبحنا
نملك ثقافة حقيقية في مجال
التشخيص والمقترحات، ولو قام
أحدنا بجمع ما كُتب فقط عن
الموضوع لحصل على مجلدات.
لم تعد هموم الوطن والمواطن خافية على
أحد، ولم تعد خافية أيضاً الطرق
والأساليب الناجعة لحل هذه
المشكلات، ولكن بقيت المعلومات
والمقترحات والأساليب مسترخية
على الورق، لايقلق راحتها أحد،
ولم تقفز إلى الواقع، ولم تدخل
حيز التنفيذ، إلاّ ما ندر، رغم
اتفاق الجميع بالعلانية والسر
أن هناك خللاً علينا العمل على
إصلاحه، وأن الخطر يداهمنا من
كل جانب، وأن حجم التحديات صار
أكبر من تراخينا.
امتلأنا بنظريات وتصورات الإصلاح كبرميل (باسكال)
والذي نخشى أن ينفجر في وجه بعض
المعنيين غير المبالين بتطوير
البلد وإصلاح ما فسد فيه،
وتشكلت لدينا ثقافة جديدة
على قاموس حياتنا، لكن لا قيمة
لها دون حراك على الأرض، حالها
تماماً كحال العربي الذي دخل
إلى الأمير، وقال مفتخراً: لقد
حفظت كتاب (الأغاني للأصفهاني)
عن ظهر قلب، فأجابه الأمير:
هنيئاً لك، فقد زادت نسخ (الأغاني)
واحدة.
رغم صدور العديد من المراسيم والقوانين
والتعليمات، ورغم جميع
الإمكانيات التي وضعت في أيدي
الحكومة، والقرارات والبيانات
التي صدرت عنها، والتي وضعت
المواطن على رأس اهتماماتها،
لازالت الحالة دون مستوى
الطموح، فالمشكلات المعيشية
قائمة، والبطالة مازالت تعشعش
في حياة الشباب، وأولويات تحقيق
الحياة الطبيعية لازالت تشكل
حلماً لدى الغالبية العظمى،
ولازال البعض يركنون دون فاعلية
خشية أن يخطئوا، وآخرون يمارسون
النقد والنقد فقط دون أي مبادرة
ومهما كانت صغيرة، والبعض الآخر
يعملون بطرق أكل الزمان عليها
وشرب، والمواطن ينتظر وينتظر..
ينتظر تلك الانطلاقة من قبل كل الفاعلين
في الحكومة والمؤسسات لوضع
الآليات والمقترحات في حيز
التنفيذ، وتحقيق الوعود لكي
يلمس المواطن النتائج التي طال
انتظارها، ونتمنى أن لا يطول
أكثر.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|