العراق و تعريب
الاحتلال
عبد الحميد حاج
خضر* – ألمانيا
هل
هناك شك أن القوات السورية دخلت
إلى لبنان بمباركة أمريكية
وتغاضي إسرائيلي وموافقة عربية
؟ ألم يكن من نتائج هذا التدخل
تصفية التواجد الفلسطيني
المقاوم على الأرض اللبنانية ؟
هل استطاعت القوات السورية أن
تحسم الحرب الأهلية وتضع حداً
للفتنة ؟ وبعد 24 سنة من تواجد
القوات السورية في لبنان ؛ ماذا
بقي ، للمواطن في سورية ولبنان
وفلسطين ، من كرامة وحقوق ،
بل وهل من بصيص أمل للذين ولدوا
في كلا القطرين مع دخول
الدبابات السورية أرض لبنان
بحياة كريمة
؟ .
أستطيع
أن أطرح عشرات الأسئلة ،
والأجوبة ستكون من نوع المصلحة
التي تستحوذ على المجيب . ألم
يرد في الأثر : إن صاحب الحاجة
أعمى لا يرى إلا حاجته . أما
احتلال العراق بقصد تدميره
والفتك به دولة ومجتمعاً ، فقد
وجد من يبرره ويؤوله ويباركه
ببحر علومه . إن احتلال العراق
جعل الصهاينة والأمريكان ، وحتى
الملاحدة منهم يؤمنون بالبعث
والنشور ، بعد أن رأوا عياناً ،
ابن العلقمي والطوسي وقطعان
الشعوبية تنتفض من قبورها بعد
أزيد من 600 عام ، لتدل جحافل
المغول الجدد على أهل الملة
لقتلهم وترويعهم وحرقهم . من
أولويات هموم دولة
"إسرائيل" تدمير
العراق . فوظفت كل قوى الهيمنة
والبغي والعدوان في العالم
لتحقيق هذا الغرض .
إسرائيل
التي كانت مجرد وظيفة في
المشروع الامبراطوري توظف هي
اليوم الامبراطورية نفسها
لتحقيق أغراضها . ألم نقل أن
دراسة قوانين الجدل والجدلية من
الأمور الجوهرية !! من مسلمات
التاريخ القديم والوسيط
والمعاصر ؛ أن السلطة وصناعة
القرار ، في امبراطوريات الشر
والدول التابعة Vassal
State أو التي تقوم بدور وظيفي Function
o Charge ضمن هذه الامبراطوريات ، يستحوذ
عليهما أقليات ونحل وعصبيات
أشبه ما تكون
بالعصابات
، تعرفهم
بسيماهم : يكذبون ويتصنعون
الصدق ، يدعون للدين والفضلية
ويمارسون الإلحاد والهرطقة ،
يقتلون ويسرقون ويتظاهرون
بالسلم والأمانة ، يفعلون
المنكرات والموبقات ويدّعون
المعروف والفضائل ، يخونون
الأمانة وينتهكون الكرامة
ويستمرئون الخيانة ، وإذا بطشوا
بطشوا جبارين . إنها الباطنية
السياسية ، التي نظّر لها
وحدثها وطورها ليو شتراوس Leo Strauss.
الباطنية أي باطنية هي في
الجوهر والمضمون سياسية ، أي إن
إكسير الباطنية هي سياسة الملك
بالشر والعدوان . هل نحن اليوم
أمام أحد فصول الباطنية
السياسية ؟ قدم السيد وليم
بيرنز
W.Berns إلى دمشق قبل أيام وبمعيتة جوقة
كاملة من حملة أسرارالدولة من
الطراز الأول . على سبيل المثال
لا الحصر : بيتر رودمان
P.Rodman مساعد
وزير الدفاع ، ماك كيميت الناطق
باسم الجيش الأمريكي بالعراق ،
وروبر دينين مسؤول الشؤون
العربية والإسرائلية في مجلس
الأمن القومي ، وجوقة على مستوى
"رفيع" من أهل الاختصاص في
وكالة المخابرات الأمريكية
والتخطيط العسكري ، حيث عقدت
" جلسة عمل " مع نظرائهم من
الجانب السوري من أهل القرار في
الجيش والمؤسسة الاستخبارية .
المسألة اللبنانية كانت هامشية
إلى درجة لا تصدق ولا تتناسب مع
الزخم الإعلامي الذي أثارته
المعارضة اللبنانية ، وكأن
الأمور تسير وفق المثل العربي (
إياك أعني واسمعي ياجارة ) . من
هي هذه الجارة ؟ .
لقد
كتبت في 8/9/2004 أي قبل زيارة بيرنز
إلى دمشق ما توصلنا إليه مع
بعض الزملاء الألمان عن
طبيعة المطالب الأمريكية
للنظام بسورية ، الأساسية
والجانبية . المطلبان الأساسيان
هما : أولاً الكشف عن الحسابات
السرية لرجال النظام في البنوك
السويسرية تمشياً مع قانون
مكافحة الإرهاب ، وهو المطلب
الذي يعتبر أخص خصوصيات السلطة
في سورية وفي كل دولة شمولية .
والثاني أن تبدي السلطة في
سورية استعداداً مبدئياً
لإرسال قوات كافية إلى العراق
لضبط الوضع هناك !!! . يبدو لنا
الآن ، وبعد زيارة بيرنز ، أن
المطلب الأول كان للابتزاز لفرض
المطلب الثاني ، ويبدو أن
الجماعة على استعداد وتناغم
مقبول حتى لا نقول موضع ترحيب ،
طبعاً إذا حلت
المشاكل "الفنية"
بشكل مرضٍ . أحدى المشاكل الفنية
يبدو أنه حل وبسرعة بعد زيارة
بيرنز إلى مصر المحروسة . كان
هناك قبول ومباركة واستعداد
لتأمين الغطاء السياسي ، وتأمين
الدعم الاستخباراتي ، المشاركة
بتسويق العملية سياسياً
وإعلامياً . من المشاكل الفنية
أيضاً المال والتموين وهذا شأن
عربي آخر فالذي يستطيع أن يدفع
لحكومة العلاوي 1,8 مليارد دولار
، ولتمويل الحرب الإيرانية-
العراقية 80 مليارد دولار ،
يستطيع أيضاً أن يمول حملة
تأديب المثلث السني أيضاً ،
خاصة وإن أسعار النفط ، والحمد
لله ، مرتفعة جداً .
التمويل المباشر للحملة قد
يواجه صعوبات في الكونغرس الذي
صوت منذ أشهر على قانون معاقبة
سورية .
الساسة
البعثيون الذين حكموا سورية في
الستينيات لا يستطيعون تصور هذا
السيناريو مستندين إلى
رومنسيات البعث النضالية ،
ويتوقعون أو بالأحرى يتمنون ،
تمرد من قبل الوحدات العسكرية
المرسلة إلى هناك . لعل بعد
الشقة عن الوطن والحدث ،
وشيخوخة العمر ، يجعل تصور وقوع
مثل هذا السناريو مستحيلاً .
السلطة ومؤسساتها أصبحت وظيفة
مدفوعة الأجر في ، معظم الدول
العربية ، بعد حرب 1967 وفي أحسن
الحالات بعد حرب 1973 . لم يحدث
تمرد بعد دخول القوات السورية
لبنان ، لم يحدث تمرد بعد حواث
الثمانيات في سورية ، لم يحدث
تمرد بعد حوادث طرابلس ، لم يحدث
تمرد بعد صبرا وشتيلا ، بل لم
يحدث تمرد بعد حفر الباطن ، ومع
ذالك أتمنى ما يتمنون وأدعوا
الله أن أكون على خطأ وهم على
صواب . التمرد الوحيد الذي عرفته
الجيوش العربية على إرادة الزج
بها في حروب لا ناقة لها فيها ،
وتجعل من الضباط والجنود أسرى
الخنوع والمذلة حدث مرة واحدة
فقط . عند " تحرير الكويت "
تمرد ضباط وجنود الجيش المغربي
، المشاركين في حفر الباطن ، إثر
المظاهرة المليونية في الرباط
مما اضطر الملك الحسن الثاني أن
يعلن سحب قواته من أرض المعركة .
الجندية العمياء وآليات الضبط
والربط في الجيوش العربية
أصبحت رومانية المعالم . في
سورية مثلاً : أصبح الجنود
المجندين خدماً وخولاً في
بيوتات كبار الضباط . أخبار
متواترة ينقلها العائدون من
الوطن لا تكاد تصدق ، عن الوضع
المعاشي البائس
والتسيب في كافة دوائر
ومرافق الدولة ، والتفشي المخيف
للرشوة والسطو على المال العام
والخاص كصغار التجار والباعة ،
إذا لم يكن صاحبه من
أهل السلطة
. والتسول ؟ ، أنّا التفت بسط
صاحب الحاجة يده بالسؤال .
عصابات السطو والمخدرات تجوب
الشوارع . الاستفزاز المستمر
للسواد الأعظم من الفقراء
والمحرومين من قبل الشباب
والمراهقين من أبناء كبار
الضباط وحديثي النعمة ، بما بين
يديهم من متاع ومال حرام فضلاً
عن العدوانية والسادية التي
أصبحت خلقاً وسجية عندهم . لقد
أصبح من دواعي البشرى والأمل أن
يجد معظم أهل السلطة في معظم
الدول العربية له دور في مكنة
الهيمنة والقهر الصهيوأمريكية
، مهما كان هذا الدور.
إن
تعديل الدستور والتمديد للرئيس
إميل لحود هو من سياسة الهروب
إلى الأمام واستعجال التكليف
بدور جديد بعد أن نضب معين الدور
القديم . من يصدق ؟ أن الأمر لا
يعدو عن إجراءت أمنية مشتركة
بين قوات سورية وعراقية عميلة
وتنسيق أمريكي ، لضبط حدود
طولها 600 كم ، معضها صحارى تنهك
الساري . إن تعريب الاحتلال
ضرورة أمريكية ورغبة صهيونية
أما الإبقاء على جحيم حروبها
فسياسة إنعاش اقتصادية . أريد
قبل أن يثار النقع باللسان
والسنان ، وقبل أن تشحذ الألسن
ببديع البيان عن الحكمة والأمان
وقتال الضباط العظام لإرهابي
الفلوجة وبغدان ، أذكر القارئ
الكريم بما أنشده عمر أبو ريشة
:
أمتي
كـم صنـم مجدتـه
لم يكن يحمل طهرالصنم
لا
يلام الدئب في عدوانـه
إن يك الراعي عدو الغنم
فأحبس
الشكوى فلولاك لما
كان في الحكم عبيد الدهم
ودعـي
القادة في أهوائها
تتفاتى في خسيس المغنم
سيرفدنا
أهل السفسطة والتبرير بعجيب
الحجج وخالص "الحكمة" عن
مزايا : تعريب الاحتلال وفوائد
الامتثال ورشاقة الانسلال ،
وسيذرفون الدموع على ذلك الجندي
المغوار الذي بذل دمه رخيصأ في
سبيل إعادة الاستقرار . لقد
أصبحنا نعرفهم بسيماهم
ومصطلحاتهم . لقد جعلوا أقلامهم
كعيدان أهل الصين يلتهمون بها
المال الحرام ، أما أفواههم فهي
كأفواه قرب تصب الدم والقيح . إن
تعريب الاحتلال يحتاج ، ككل
احتلال ، إلى شاطر ومشطور وكامخ
بينهما . هكذا عرب اللغويون الصندويش . أما الشاطر فله وجهين .
الشاطر : القاطع بالسكين
والشاطر : صاحب الحيلة والمكر ،
وفي كلا المعنيين تمثله السلطة
الوظيفية أو الكيان الوظيفي ؛
أما المشطور فقال اللغويون أن
للمسألة وجهان أيضاً . المشطور
وهو المنقسم . والمشطور أيضاً
الذي أصابه المكر وانطلت عليه
الحيلة . وكلا الحالتين ستصيب
العراق والأمة . أما الكامخ _
فإذا جاء من تل أبيب ، فالقوم
يكثرون من الثوم ، فتفوح رائحته
. وإذا جاء من واشنطن
فالهامبورغة ستثير اشمئزاز
القوم . وإذا جاء من صحراء العرب
فالقوم لا يحسنون إلا بسيط
الطعام وصغائر الأمور . إذن
الأفضل - أن نجعل الكامخ ؛ كامخ
ومكموخ ونخلط كل هذا بهذا ،
فيصبح الأمر كما دبرت قريش
عندما همت بقتل الرسول (ص) ، أن
يؤخذ من كل قبيلة رجل فيهوون
بسيوفهم عليه ويتوزع دمه بين
القبائل وهذا ما يتمناه الشاطر.
*باحث
في الفقه السياسي الإسلامي
المعاصر
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|