إنها
أخبار طيبة للتغيير في سورية ....
ولكنها
لا تكفي!
الطاهر
إبراهيم*
أوردت الصحفية "بهية مارديني"
خبرا نسبته إلى مصدر سوري ونشره
موقع إيلاف في 30 من آذار الماضي
تحت عنوان "تنحية مراكز القوى
في سورية"،جاء فيه:(أن
الممسكين بزمام القرار في سورية
اتخذوا قرارًا استراتيجيًا
بتغييرات شاملة تحت عنوان "إعادة
تأسيس الجمهورية العربية
السورية").
وفي سياق هذا الخبر ذكرت "مارديني"
أمور ينوي الممسكون بزمام
الأمور فعلها منها :إغلاق ملف
الاعتقال السياسي، وإعادة
المنفيين والمبعدين طوعا وقسرا
دون قيد أو شرط، وإلغاء القانون
49 الخاص بإعدام كل من ينتسب إلى
جماعة الإخوان المسلمين.
ولعل الأكثر جدلا وإثارة فيما
جاء في هذا الخبر، أن قياديين
حاليين "سيخلون
مراكزهم طوعا أو كرها لصالح
شباب ليبراليين وتكنوقراط
يساهمون في وضع سورية على سكة
التغيير التي يديرها الرئيس
الشاب".
لا نريد أن نشق على قلوب هؤلاء
"الممسكين بزمام الأمور"
لنعرف إن كانت هذه الأمور ستتم
بدافع ذاتي أو تحت ضغط خارجي؟
فالمهم أن هذه الأمور ستحصل
والسلام. ونحن إذ نرحب بهذه
الأخبار إن صحت، فإننا نَصِفُها
بأنها أخبار طيبة ولكنها لا
تكفي. لماذا؟
لقد مضى على سورية أكثر من أربعة
عقود ارتكبت فيها أخطاء وخطايا
بحق الوطن والمواطن أكبر من أن
يتسع لها مقال وأكثر من أن
يحصيها عد. ثم يأتي البعض ممن
ساهم فيها يريد أن يصحح بعضا
يسيرا منها،طوعا أو كرها،
ويتوقع أن نغض الطرف عن الباقي
الأهم.بل وينتظر منا أن نقول له
عفا الله عما مضى!.
ونحن إذ نرحب باعتذار كل مسئول
عما ارتكب من جرائم بحق الشعب
والوطن، ويعترف بما فعل ويعيد
الأموال التي نهبها من الوطن
والمواطنين، ويشير أيضا بإصبع
الاتهام إلى كل من شارك في تلك
الجرائم ويرفض أن يعترف بما
ارتكب ممن أمره أو ائتمر به.وعندها
فقط يكون قد استوفى شروط "عفا
الله عما سلف". قال الله تعالى
(إنما جزاء الذين يحاربون الله
ورسوله ويسعون في الأرض فسادا
أن يقتلوا أو يصلبوا .... إلى آخر
الآية 33 من سورة المائدة)، ثم
جاءت الآية 34 التي تليها لتبين
كيف يستحق العفو، قال الله
تعالى: (إلا الذين تابوا من قبل
أن تقدروا عليهم فاعلموا أن
الله غفور رحيم) (الآيتان 33 و 34
من سورة المائدة).
وإذ نرحب أيضا بإغلاق ملف
المعتقلين السياسيين. فإننا
نطالب كذلك بأن يتم التعويض على
من بقي من هؤلاء حيا،وأن يتم
كفالة أسر الذين رحلوا عن هذه
الدنيا.كما نطالب بمحاكمة كل
الذين قاموا بالتعذيب أو أمروا
به، وأن يحال إلى القضاء الذين
شاركوا في قتل واغتيال أي مواطن
سوري، ما لم يبادر هؤلاء
بالتوبة والكشف عن الذين تلطخت
أيديهم بدماء الأبرياء، وجرعوا
الغصص والآلام لأسر هؤلاء
المظلومين.
ولأن الخطب أجل من أن يمحى بتلك
السهولة التي يظنهامن عاث في
البلد فسادا وهو في موقعه
الحزبي أو الحكومي فإن توبة
الأفراد لا تكفي حتى نقول أن
الأمور عادت إلى نصابها، بل لا
بد وأن يبادر حزب البعث
بالاعتذار من كل الذين تعرضوا
لما أصابهم عندما كان هذا الحزب
"قائدا للدولة والمجتمع".
ولعله خطوة جريئة ما نوه به
المصدر المسئول عندما أكد أن
السلطة " تحاول أن تقف مع
المعارضة في خندق واحد عبر فتح
الكثير من الملفات منها القرار
الأخير بمنح جوازات سفر صالحة
لمدة سنتين للمواطنين السوريين
المبعدين"،فإن الجميع يتطلع
إلى فتح الحدود البرية والبحرية
وصالات المطارات أمام عودة
المبعدين والمنفيين إلى وطنهم.
وتبقى خطوة "منح جوازات سفر
صالحة لمدة سنتين للمواطنين
السوريين المبعدين" خطوة غير
كاملة، وتجب المبادرة إلى
تصحيحهها بتعديل التعميم 17 الذي
صدر في 17 آذار المنصرم، بحيث يتم
منح جوازات السفر للمبعدين لمدة
ست سنوات كاملة حسب التعليمات
التي نصت عليها إدارة الهجرة
والجوازات.
ولا يفوتنا هنا أن نطالب وزارة
الخارجية بإرسال تعميم إلى
السفارات والقنصليات لتقرأه
على المنفيين، يتضمن الاعتذار
منهم عن الأذى الذي لحقهم بسبب
حرمانهم من حقهم في جواز سفر
سوري،وما نتج عن ذلك من مواقف
محرجة تعرضوا لهاأمام أجهزة
الأمن في الدول التي كانوا
مقيمين فيها بدون جواز سفر.
ويستحسن أن ترسل صورة من التعميم
آنفا إلى وزارات الخارجية في كل
الدول التي استضافت هؤلاء
المنفيين وأن يذيل هذا التعميم
بما يفيد بأن أجهزة الأمن في
سورية تعتذر عن الإحراج الذي
تسببت به بحق الطرفين: المواطن
السوري والدولة المضيفة.
كما نسبت "مارديني" إلى
المصدر السوري بأنه رجّح أن "يتم
إلغاء القانون 49 الخاص بإعدام
كل من ينتسب إلى جماعة الإخوان
المسلمين، قبل نهاية العام
الحالي". وفي هذا السياق وحتى
تبرأ الذمم تجاه "جماعة
الإخوان المسلمين" المعتدى
عليها بموجب هذا القانون
الشائن، يجب أن يبادر مجلس
الشعب السوري الحالي، -أصالة عن
نفسه،ونيابة عن كل مجالس الشعب
السابقة- بصياغة كتاب يعتذر فيه
من هذه الجماعة عما ألحقه هذا
القانون بها وبأفرادها من أذى
بدني ونفسي، وأن يعتبر أن هذا
القانون نقطة سوداء ووصمة عار
ما كان لها أن تحصل في بلد ،مثل
سورية،عريق في سن القوانين
المتوازنة.
وإذا صح ما نقلته "مارديني"
عن المصدر السوري بأنه يتوقع أن
تحصل "تغييرات هائلة على
مستويات عليا ممسكة بدفة القرار
منذ مدة طويلة جدا، حيث سيخلي
هؤلاء مراكزهم طوعا أو كرها"،
فإن ذلك سيكون خطوة هامة في طريق
تنظيف مؤسسات الدولة من
المفسدين الذين لم يخدموا إلا
مصالحهم الضيقة على مدى أربعة
عقود.
ولكن ما لم يوضحه الخبر هو
الكيفية التي سيتم بها اختيار
من وصفهم المصدر السوري بأنهم
"شباب ليبراليون وتكنوقراط
يساهمون في وضع سورية على سكة
التغيير التي يديرها الرئيس
الشاب".
وما لم يتم اعتماد الأسلوب
الديموقراطي في حكم سورية بدعوة
المواطنين إلى انتخاب جمعية
تأسيسية تضع دستورا جديدا
لسورية،ومن ثم اختيار حكومة
مؤقتة تشرف على انتخابات مجلس
للنواب يضع سورية على سكة
الديموقراطية، فإن اختيار "شباب
ليبراليين وتكنوقراط" من دون
ذكر الآلية التي ستعتمد في هذا
الاختيار سيوصلنا إلى حرس قديم
جديد، "وكأنك يا أبو زيد ما
غزيت".
ومما يقوي هذا الاستنتاج أن
الخبر أحالنا إلى المؤتمر
القطري الذي أعلن انه سيعقد في
النصف الثاني من أيار (مايو)
المقبل،ما يعني أن الآلية قد
تكون بعثية بامتياز،وهذا يعني
أنه سيعاد إنتاج نفس السياسة
الخاطئة السابقة التي سادت طيلة
أربعة عقود.
ومع كل ما أوردناه من تخوفات
فإننا نعتقد أن الإرهاصات التي
توقظنا كل يوم على دكتاتور يطاح
به هنا أوهناك، تؤكد أن عجلات
قطار "سورية الحديثة" يتم
العمل على وضعها في بداية سكة
القطيعة مع الماضي المؤلم،
والانطلاق بها نحو مستقبل أفضل.
وفي هذا
السياق قد يكون من المفيد أن
يبقى الرئيس بشار لإكمال مدة
رئاسته، ولكن مع مجلس للنواب
ينتخبه الشعب لا مع "شباب
ليبراليين وتكنوقراط"
ينتخبهم المؤتمر القطري. وعندها
فقط نقول إن صافرة القطار بدأت
تعلن عن التحرك المبارك المنشود.
* كاتب سوري يعيش في
المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|