بوش
في
طبعه منقحة ومزيده
د.
محمد أحمد النابلسي*
فوز بوش بولاية ثانية لم يشكل
مفاجأة إلا لمن غلبته رغباته
على حساب موضوعيته . ذلك أن
المنافس كيري قد إختير بعناية
للسقوط المدوي. ثم جاء زهد
الديمقراطيين بمتابعة نتائج
الفرز، التي قد تعطيهم فرص
اللجوء للمحكمة في أكثر من
ولاية لتؤكد انسجامهم من مواجهة
بوش وهو انسحاب تعلنه مواصفات
مرشحهم كيري التالية:
1- أنه كاثوليكي وهو مرفوض بسبب
مذهبه، حيث الرئيس الكاثولوكي
الوحيد كمان كينيدي وقضى
اغتيالا في ظروف لا تزال غامضة.
2- أن لكيري أخ تحول إلى اليهودية (
استعادها) واليهود بحسب
البروتستانت المتدنيين هم ضيوف
على أميركا وليسوا مقبولين
عضويا فيها.
3- أن تحويل الحملة الديمقراطية
كان هزيلا بما لا يسمح بمنافسة
حقيقية.
4- أن السياسة الديمقراطية تفضل
توريط الأصدقاء ومشاركتهم، وهي
أضعف من السياسة التبعية التي
بالغ فيها بوش.
5- انهماك كيري بالسياسة الداخلية
وكأنه يتجاهل أخطار السياسة
الخارجية وعلى رأسها تهديد
الإرهاب للداخل الأميركي.
6- فقدان كيري لصفة التعاطف في
مقابل ملكية بوش لتعاطف هوسي
ناجم عن الخوف من الإرهاب.
7- ضآلة حضور كيري في مقابل ظهور
مسرحي لبوش في ثياب الكاوبوي
الأميركي.
8- سابقة فشل الديمقراطيين في
انتخابات الكونغرس النصفية
قبيل الحرب على العراق.
9- عجز كيري عن توظيف عثرات بوش
السياسية والاقتصادية وهو عجز
دعمه ورسخه خوف الجمهور
الأميركي وكذلك فقدان كيري
للبدائل والحلول.
10- لا مبالاة أعداء أميركا (
الإرهابيين ) بهذه الانتخابات
لعدم تفضيلهم مرشح على آخر.
ضغوط بوش على إسرائيل واللوبي
اليهودي ومما أفقد
الديمقراطيين حلفاء تقليديين
مثل اليهود.
11- عدم استجابة كيري للقيم
التقليدية التي يباهي بها بوش .
12- ثغرات حملة كيري الانتخابية
والتحولات المناخية التي
تخللتها.
13- نقص المعلومات الهائل الذي
يعاني منه كيري لوجوده خارج
السلطة في أوضاع بمثل هذه
الخطورة.
هذه الأسباب قد تكون كافية
لتبرير سقوط كيري لكنها لا
تكتمل إلا بإضافة الأسباب التي
تجعل فوز بوش ضروريا ومنها:
إنه رئيس محارب وأميركا لا تغير
عادة رئيسها خلال الحرب.
أن سقوط بوش كان سيعني محاكمة
كبار مسؤولية كمجرمين ماليين أو
ربما مجرمي حرب.
أن الشركات الأميركية الكبرى
ستضطر للكشف أوضاعها المالية
الحقيقية في حال سقوط بوش.
أن بوش وضع المخابرات الأميركية
في حالة إعادة الهيكلية فإذا ما
جاء رئيس جديد غير متورط ( كيري )
فإنه يصبح كارثة على هذه
الأجهزة المخابراتية وهي كانت
لتغتاله لو حدث أن فاز، .
أن بوش قد عقد جملة صفقات داخلية
وخارجية تجعل سقوطه كارثيا
بالنسب إلى جهات مقررة في نتائج
الانتخابات ونكتفي هنا بالإشارة إلى صفقته مع روسيا
بوتين ومع الصين وغيرها.
بعد هذا العرض يتبدى الرئيس
بوش ضرورة أميركية وخارجية في
مواجهة عدو غير معروف بدقة يحمل
اسم الإرهاب وهو اسم لا تعريف
ولا دلالة له. الأمر الذي يجعله
متمثلا بأفراد على رأسهم بن
لادن وتليه قائمة من الإسلاميين
ومن بعدهم بقايا ثوريين
شيوعيين وغيرهم. وكل هذه
القوائم لا تعطي تعريفا دقيقا
للإرهاب مما يزيد في غموضه في
خوف الأميركيين منه.
هذا الخوف الغامض وغير المعرف
يسمى بلغة الطب
النفسي الخوف من الخوف أو
بمصطلح الخوف التوقعي.
بعبارة أخرى فإن بوش مدين بفوزه
إلى هذا الخوف التوقعي وهو في
هذه الحالة اضطراب نفسي جماعي.
بحيث ترتبط استمرارية بوش في
ولايته الثانية باستمرارية
تخويف الشعب الأميركي. وترسيخ
هذا الاضطراب النفسي لدى
الأميركيين. وهو اضطراب يمكن
التحكم به عن طريق لون درجة
الخطر. حيث رفعها بوش غالبا إلى
البرتقالي للحفاظ على درجة
الخوف اللازمة ، وهو كن بمنافسة
فعلية على فوزه.
إلا أنني وبحكم تخصصي في الطب
النفسي مضطر للإشارة إلى أن
الحفاظ على الخوف الجماعي
مستحيل، وذلك أن للجماعات
آلياتها الدفاعية الخاصة، حيث
تشير الدراسات الاجتماعية
الأميركية إلى عودة الأميركيين
إلى مؤسسة الزواج ونواة العائلة
دفاعا عن غريزة الاستمرارية
التي يهددها الخوف من الإرهاب .
كما تشير هذه الدراسات إلى
زيادة انغلاق الجامعات الفرعية
الأميركية على نفسها، وهو
انغلاق تفرضه التدابير الأمنية
الجديدة على الضعفاء في حين
يتحض بها الأقوياء، وهذه
المؤشرات تدعم تحولات جذرية في
بنية العلاقات داخل المجتمع
الأميركي.
بما يبرر توقعات ارتفاع وتيرة
الاضطرابات
الاحتجاجات والحوادث
تاريخيا فهنالك
حوادث الشغب العنصري منذ
دول ستريت ( 1914) حتى سينسياتي (
2001) ومنذ إضراب عمال البريد ( 1961
وحتى إضراب عمال الموانئ ( 2002)
إضافة إلى انفجارات أوهايو
أوكلاهوما وغيرها من الحوادث
الداخلية، التي جاءت حوادث 11
أيلول لتضاف إليها بعد تهديد
الرئيس السوفياتي اندروبوف
بضرب مولدات الكهرباء
الأميركية قبلها بعقدين.
ونحن نسوق هذه الأمثلة والتحولات
للدلالة على استحالة استمرار
سياسة التخويف المعتمدة من قبل
بوش إذ قد يحتاج ذلك عمليات
جديدة من نوع 11 أيلول أو أقله
إلى التهديد بمثلها وهذا ما
بدأته الصحافة الأميركية عشية
فوز بوش عندما أعلنت عن استلام
شبكة ABS الأميركية لشريط فيديو مدته 75
دقيقة. وهو وارد من منطقة وزير
ستان الباكستانية ومسجلة شخص
يدعى عصام يتكلم بإنجليزية
طليقة. وهو يهدد باعتداءات يكون
الثلاثاء الأسود قزما أمامها.
هذا الشريط
يدعم كفاية منتجي بوش ومؤيدي
سياسته الخارجية إضافة إلى ميل
واضح في الصحافة الأميركية
لتحويل عشوائيات بوش إلى مصطلح
ونظري يدرجها في إطار الريغانية
نسبة إلى ريغان الذي قضى على
الاتحاد السوفياتي . وهاهو
الريغاني الجديد بوش يريد
الإجهاز على أي منافس للمصالح
الأميركية وقوة أميركا
العسكرية مدعومة برعونة
استخدامها بدون روادع تبرر كل
الطموحات المتطرفة للصقور
والمحافظين الجدد، وهي طموحات
تحمل وباء الخوف من القوة
الأميركية إلى أنحاء العالم.
الفارق بين الخوف الأميركي
والخوف من أميركا هو أن الأول
غير منطقي وأقرب إلى الوهمي في
حين أن الثاني خوف مبرر ومبرهن
في أفغانستان والعراق وغيرهما.
وهو بالتالي خوف مستمر بصورة
منطقية مبررة.
طبيعة الأمور أن يميل الخوف
الوهمي للاضمحلال والخوف
الحقيقي للنمو وهذا ما يبرر
وقوف دول مثل كوريا الشمالية
وإيران في وجه الجبروت
الأميركي، حيث الهياج الأميركي
لم يصل بعد إلى مواجهة هذه الدول
وإذا وقفت حدوده عند قصف الكهوف
الأفغانية وإسقاط مائة ألف قتيل
عراقي لم يوجد جيش يدافع عنهم،
لذلك يعد بوش نفسه بالتسلية
ببعض الدول الأضعف وبإثارة
الشغب في بعضها الآخر حفاظا على
هوسه واستمرارية مفهومه
للريغانية ومع ذلك يحق لنا
موضوعيا أن نقرر فشل هذا
المفهوم البوشي. وحسبنا أن نذكر
لذلك المعطيات التالية:
1- أن ريغان لم يقع في فخ
إثارة الأعداء بالجملة من
حوله فقام بجملة خطوات لتجنب
ذلك ومنها إقالته وزير خارجيته
الكسندر هيغ. الذي تصرف على
طريقة رامسفيلد.
2- أن ريغان كان يملك المرونة
الكافية لتجنب الوقوع في مآزق
غير محدودة التكاليف والزمن.
فهو أرسل كوماندوس لاعتقال رئيس
دولة ( نورييغا) من قصره الرئاسي
ولكن في عملية استغرقت ساعتين
وليست في حرب العراق.
3- أن الأوروبيين
كانوا أكثر استعداداً
للتعاون خوفا من ذيول سقوط
الاتحاد السوفياتي وانعكاساته
السلبية التي كان يمكنها تفجير
صراعات داخل أوروبية.
وسقوط هذا المفهوم البوشي سيضع
الرئيس في مواجهة أخطائه
وفضائحه والمعروف منها علنا
أوسع من مجرد تعداده في هذا
السياق. وذلك بحيث تصبح فضيحة
ووترغيت، التي أسقطت نيكسون،
نسخة كاريكاتورية عن مصائب بوش.
ولا ننسى هنا أن نتذكر بأن
المستفيدين من تفجير فضائح
بوش هم أيضا من الأقوياء
القادرين وفي طليعتهم المضارب
جورج سوروس والمعلوماتي بيل
غيتس بالإضافة إلى قائمة من
كبار السياسيين والصحفيين
الأميركيين وهذا ما دفعنا قبل
شهور ويعيدنا اليوم إلى طرح
فرضية أن بوش لن يكمل ولايته
الثانية بل هو سيخرج منها
بقائمة من الفضائح قد يكون
اغتياله أسهل من تفجيرها
بالنسبة للمعنيين فيها
والمتضررين منها في الداخل
والخارج.
* رئيس المركز
العربي للدراسات المستقبلية
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|