اللبرالية
الجديدة !!! رجس من عمل الشيطان
ولكن
رب ضارة نافعة
عبد
الحميد حاج خضر - ألمانيا
أستميح القارئ الكريم عن
التكرار المتعمد لهذا العنوان
الذي استعملته في موضع آخر (
فلسفة العولمة !!! رجس من عمل
الشيطان ) كعنوان لبحث نشر على
صفحة هذه الجريدة الغراء (
مذكرات وكتب ) ، منذ عام تقريباً
، على أربع حلقات . ولما كانت
اللبرالية الجديدة هي إحدى
الإفرازات والدمامل أو الخرجات
الكثيرة لفلسفة العولمة ، فلا
أرى ضيراً من تكرار العنوان
الذي لاقي قبولاً حسناً عند
القراء .وغني عن القول
أن اللبرالية الجديدة هي
الوجه السياسي الأقبح لفلسفة
العولمة أو هو هي أو هو إياها ،
تماماً كالمسألة الزنبورية
التي قتلت سيبويه ، فالرجوع إلى
البحث ذكرى قد تنفع الناس . يرى
بعض الباحين أن اللبرالية "
القديمة " ، سياسية كانت أم
اقتصادية ، اجتماعية أم فكرية ،
أدبية أوفنية ، قد لفظت أنفاسها
بعد سقوط جمهورية فايمرا
الألمانيه ، وربما بعد الأزمة
الاقتصاية التي عصفت بالعالم
وصعود النازية وقبلها الشيوعية
في روسيا ودول وسط آسيا
والقوقاز الإسلامية . هنا في
ألمانيا، وقبل سقوط جمهورية
فايمرا ، أي في أوخر العشرينات ،
زار مراسل التايمز اللندنية
منطقة الرور ، التي كانت مركز
صناعة الحديد والصلب ومناجم
الفحم ، فكتب تقريراً عن
الأوضاع المعاشية للعمال
الألمان مقارنة بزملائهم
الانكليز . لقد وجد أن البون كان
شاسعا واسعاً بين مستوى المعيشة
والخدمات وشروط العمل ، حيث كان
العامل الألماني يتمتع بثلاث
أضعاف إلى أربع أضعاف ما يتمتع
به زميله الانكليزي ، فعلق
الصحفي الانكليزي الثمل
بالغرور والاستعلاء على ما رأه
ولمسه : " أليس من الحكمة أن
ندع قيادة أوربا للساسة الألمان
الذين أنجزوا هذا الرفاه العجيب
" . هذا الرفاه العجيب الذي
تحدث عنه مراسل التايمز لم يكن
ثمرة حصافة الساسة الألمان بقدر ما كان
نتيجة لسياسة الرعاية
الاجتماعية التى فرضت على
الطبقة السياسية الألمانية ،
منذ عام 1870 في عهد بسمارك ، من
قبل النقابات والمجالس
العمالية التي أدركت وأجادت
قياداتها فن المساومة
والمناورة وانتهاز الفرص ،
فكانت بذلك أكبر حركة إنسانية
عملت ميدانياً لتحقيق منافع
عينية للعمال والكسبة . ولم تنقص
الحركة العمالية ، وهي تناضل من
أجل مكاسبها المشروعة ، الحس
الوطني الصادق ، فهي التى دحرت
العنجهية الفرنسية التي احتلت
منطقة الرور لتستحوذ على مناجم
وإنتاج الفحم في المنطقة ،
لتسديد ما فرض على ألمانيا من
تعويضات جائرة بعد الحرب
العالمية الأولى وفق معاهدة
فرساي . إن الطبقة السياسية
الألمانية التي قبلت اللبرالية
مكرهة كانت أعجز وأجبن من أن
تتصدى لسياسة الابتزاز التي
مارستها دول التحالف بعد معاهدة
فرساي ، ولكن الطبقة السياسية
الألمانية لم تكن عدوة
للتنظيمات العمالية والنقابية
، كما هو الحال في معظم الدول
العربية ، حتى الدول التي رفعت
لواء الآشتراكية ، بل كانت
تتحالف معها وتحرضها سراً . إني
على يقين لو كان لدينا حركة
عمالية معتبرة وقيادات نقابية
وطنية واعية ، وطبقة سياسية
غيورة ، لاستطعنا أن نهزم
الاحتلال والقهر الذي تمارسه
دول الهيمنة علينا . لو قاطع
عمال النفط وعمال المواصلات في
البلاد العربية
شحن وتفريغ البضائع والنفط
لدول العدوان لضطر المعتدون
والطغاة أن يقوموا ألسنتهم عند
الحديث عن الأمة وحقوقها
المشرعة ، ولكان للأمة شأن آخر
في صناعة القرار . إن صرافة
الذهب وعبيد الدرهم والدينار
أعجز من قتل بعوضة . همهم الوحيد
نقل ماجمعوه من مال حرام إلى
مصارف دول العدوان والتكتم عليه
. يكفي معرفة أن حجم الاستثمارات
العربية في اسبانيا وحدها منذ
عام 1977 _ 1990 وصل إلى 70 ملياد
دولار لدعم حكومة اليمن
الإسباني الذي سارع إلى دعم
العدوان على العراق وذلك ، حسب
ما أدلى به السيد حسنين هيكل على
قناة الجزيرة . أما حجم الأموال
العربية التي استثمرت في أمريكا
أو الموجودة في البنوك
السويسرية في حسابات سرية
بأسماء من اغتصب السلطة أو
أبنائهم وأحفادهم فهي سر
الأسرار وعليها قد يقتل الأخ
أخيه ويتخلى الولد عن أمه وأبيه
وصاحبته وبنيه فله فيها ما
يغنيه . اللبراليون الجدد ،
الذين انطلقوا من أوكارهم في
شيكاغو (غلمان شيكاغو) مع صعود
ريغان إلى سدة الحكم بعد أن
أجهزوا على الرئيس سلفادور
اليندي في تشيلى ، وفرض سلطانهم
وسياساتهم الاقتصاية المدمرة
للحرث والنسل في معظم دول
أمريكا اللاتينة ، التفتوا صوب
الاتحاد السوفيتي فأجهزوا عليه
بأبخس الأثمان والقصة معروفة
للجميع . أما اللبراليون الجدد
العرب فهم لا يحسنون إلا صغائر
الأمور وبمدد من صاحب السلطة
والسلطان . إنهم من الجبن والخسة
ما يجعلهم صم بكم عمي عن هذا
السطو المنظم لثروة الأمة
ويتباكون على التخلف وضعف
التنمية في الاقطار العربية .
كيف يمكن قيام تنمية في أي قطر
في العالم ورأس المال الوطني
يوظف أو يكدس في الدول الغربية
وخاصة أمريكا ؟؟ . اللبراليون
الجدد يصبون جام غضبهم على بائس
فقير في مدينة الصدر ، لأنه لم
يستكين للذبح والنهب والسلب
المنظم بأجهزة اللكميوتر . لقد
أصبح الفقر سبة وشتيمة وسبب
لمتهان كرامة الإنسان عندهم .
لقد اقشعر بدني وأنا أقرأ على
أحد مواقع اللإنترنيت ، الذي
يعتبر بوقاً من أبواق اللبرالين
الجدد ، لأستاذ جامعي يصف
بازدراء شديد جموع الفقراء
والبائسين في مدينة الصدر
والنجف لمجرد أنهم فقراء لا
يملكون إلا أسمالهم البالية . لم
يعد مهماً أن نبحث ونفصل وندلل
على مناهلهم " المعرفية "
ومنطلقاتهم الفلسفية
ومرجعياتهم الفكرية ولكن
نأخذهم بتصرفاتهم النكراء
وأقوالهم الخرقاء وأهوائهم
البلهاء . اللبرليون الجدد
طابور من أنصاف المثقفين ، ولو
حملوا ألقاب علمية باهرة . ألم
يقل فقهاء المعرفة : شهادة بلا
علم خير من علم بلا شهادة . لقد
غرهم أن يعرفون بعض الرطانة
بالإنكليزية وعاشوا على فتات
الثقافة السادية واستحوذ عليهم
شيطان المال والأنانية . يتباهى
اللبراليون الجدد بأنهم ضد
الاستبداد والطغيان والكثير
منهم ، وحتى عهد قريب ، كانوا من
سدنة وأقلام المستبد ، بل كانوا
من أحلاس الوضائف وكتبة ( أرضحال
) ، يعني طلب ، الاسترحام
والاستعطاف والتملق . أما اليوم
فالاستبداد والطغيان عندهم
نوعان : استبداد عروبي إسلامي
يجب اجتثاثه وسحقه ، واستبداد
أمريكي صهيوني يجب تسويقه
وتذوقه ، بكل أنواع الخنى
والفجور والدعارة والمخدرات
الذي تعافه وتأنفه الأصولية
الاسلامية السلفية والنخوة
العربية الرجعية المتخلفة . يرى
القوم أن من واجباتهم "المقدسة"
إخراس الأصوات التى تدعوا
إلى الفضائل ومكارم الأخلاق ،
بالنيل من مصداقيتها ، ووصمها
بالإرهاب والتعصب ، ومعادات
الحرية والديمقراطية وحقوق
الإنسان . يظن اللبراليون الجدد
أنهم يعيدون اكتشاف العجلة
عندما يكررون كالببغاوات وبدون
توقف إدعاءات أسيادهم الصهاينة
عن تخلف العقلية العربية وعجزها
الجيني عن استيعاب الجديد
الوافد والمستحدث الرافد من "
طيبات " الغرب ونعيم حضارته .
لقد ظن القوم أن المهمة التي
أوكلت لهم سهلة يسيرة لا تحتاج
إلا إلى سلاطة لسان ، وزخرف
الكلام بلا حجة أو بيان
في بلاد العربان . بالمناسبة
_ تكثر الشعوبية الجديدة
واللبرالية الجديدة من استعمال
كلمة "عربان " للغمز واللمز
من العرب ، شأنها شأن الشعوبية
القديمة . ولكن خاب ظنهم عندما
فوجئوا بجيل من المثقفين العرب
والمسلمين ، من النوع السهل
الممتنع ، يتصدى لتضليلهم وحشف
بضاعتم وسوء كيلهم . وكانت
الطامة بالنسبة للبرالين الجدد
أن السواد الأعظم من الأمة
تنبذهم وتلعنهم وتتطير من
رؤيتهم ،
وزاد الطين بلة أن الجالية
العربية الإسلامية التي تعيش
على ضفتي الأطلسي تزدريهم
وتمقتهم وترى فيهم حصان طروادة
الصهيوني . إن الملايين من العرب
والمسلمين الذين جاءوا للغرب
الأمريكي أو الأوربي لكسب لقمة
عيشهم ، بعد أن جعل الاستبداد
المتحالف مع قوى العدوان حياتهم
جحيم لا يطاق ، كانوا يبعون
خبرتهم ومعارفهم وقواه
الانتاجية فى سوق العمل والكسب
، ولكن لم يبيعوا ضمائرهم
ووجدانهم ودينهم في سوق النخاسة
والعمالة . إن اللبرالين الجدد
لم يعرفوا حياة الشقاء والكد
والجد في عنابر المعامل وفي
بطون المناجم وجمع القمامة من
الشوارع . الكثير من الأكاديمين
العرب والمسلمين
يقومون بما تيسر من خدمات
كسائق تكسي أو شاحنة أو الخدمة
في المطاعم والفنادق
ولكن أبوا حياة التسكع
والتزلف على أبواب أهل العطاءات
والمنح من المراكز المشبوهة .
إنه الرعيل الذي يعرف الغرب
معرفة حسية بصائرية ، وهو غير
الرعيل الذي نقل
صورة رومنسية عن الغرب أو
نقلت له عن طريق الكتب المدرسية
أو عن طريق الشريحة المتغربة
أصلاً ، التي كانت تحج إلى الغرب
لتستكمل شروط تغربها . هو قطعاً
غير جيل الطلاب النابهين
الموفدين من دولهم ولم يعرفوا
حياة الشقاء والكد ، ينهلون من
رومنسيات الحياة الجامعية
المزدهرة آنذاك . لو عرف الشيخ
رفاعة الطهطاوي ، رحمه الله ،
حياة المنجم والمعمل في الغرب
لكان أكثر حذاراً في
مقالته المعروفة " رأيت
في الغرب مسلمين بدون إسلام "
ومع هذا كان لهذا الشيخ الجليل
بصيرة واتزان يغبط عليها ، ولو
عاش هذا الشيخ إلى يومنا هذا
لنالت منه أقلام اللبرالين
الجدد ما تنال اليوم من العلامة
القرضاوي وحركة الإخوان
المسلمين بل من الإسلام نفسه .
لفد أصبح لزاماً علينا أن نكشف
المغول اللبرالين الجدد ، بعد
أن استمرأوا الكذب واستطابوا
الفتنة ، وارتكسوا في مستنقع
الظلال . علينا أن نفضح سرائرهم
وخبايا علاقاتهم ومصادر رزقهم
ومأفون معرفتهم . قبل 14 عاماً
كنت ضيفاً على أحد الندوات "
الفكرية " في قرية صغيرة
بالقرب من مدينة هانوفر Hannover تدعىLockum
لوكوم ، حيث يوجد هناك مركز ثقافي
معتبر تابع للكنيسة
البروتستنتية ، قبل انتفاضة
القدس بحوالي 9 سنوات ، وكان
معظم الحضور من المهتمين بالشأن
العربي ويكتبون في الصحف الكبرى
عن هذا الشأن ، والغريب أيضاً أن
تعقد هذه الندوة قبل اتفاق
أوسلو وقبل صدور كتاب هنتنتونغ
بسنتين تقريباً ، وأغرب من ذلك
حضور عدد من النواب الحضور ،
إثنان منهم يرأسان اللجان
البرلمانية لحقوق الإنسان
لأحزابهم مع الطاقم الفني
المساعد .
إذن الأمر جد . من الحضور أيضاً
عدد من " الباحثين "
الإسرائلين في مسألة الارهاب من
اللكود وحزب العمل . قبل انعقاد
الندوة كان هناك توجه عند صناع
القرار في الدولة والوزارة
الألمانية يدعوا إلى الحوار مع
الحركات الإسلامية المعتدلة ،
أطلق على هذا التوجه ، السياسة
الاستباقية لاستيعاب التوتر في
المنطقة العربية . بعد أن أفرغ
المحاضرون ما في جعبتهم من غث
وسمين ومن تحذير وترهيب جاء دور
العمل والكود
لينفيان ويقرران : أن ليس على
الساحة العربية إسلام معتدل
وإسلام متطرف وكل إسلام سياسي
هو في نهاية المطاف تطرف وإرهاب
، ولعل الاستثناء الوحيد هو
الإسلام الصوفي وبعض النحل
والفرق المتواجدة هنا وهناك ،
ونصحوا بعدم الاستسلام لوهم
الاعتقاد بإمكانية التعايش
والحوار مع الإسلام السياسي .
وكان ممثل الكود يحمل في يده
نسخة بالانكليزية من القرآن
الكريم ، فرفعها بيده عالياً ،
وتمتم ببعض الأدعية بالعبرية ثم
قال : إنه كتاب الإرهاب ، كبرت
كلمة تخرج من أفواههم . تذكرت ما
قرأته في الصغر عن وزير
المستعمرات البريطاني ديزائيلي
عندما رفع المصحف في مجلس
العموم البريطاني ليقول
لزملائه " ما دام هذا الكتاب
بين أيدهم ، يعني المسلمين ، فلن
نستطيع أن نخضعهم لسلطان
الأمبراطورية " . اللبراليون
الجدد ، وبلسان عربي أو انكليزي
، وعبر شبكات الإنترنت عابرة
القارات يكررون نفس المقالة "
أتواصوا به ، بل هم قوم طاغون .
فتولى عنهم فما أنت بملوم . وذكر
فإن الذكرى تنفع المؤمنين ."
الذاريات .
لقد جنحوا للظلم والعدوان
فأرادوها حرب شاملة على الإسلام
والمسلمين والله المستعان على
ما يدبرون . الحقيقة لا أريد أن
يتوقف اللبراليون الجدد عن
اللغو والهراء الذي يمترون لأنه
أحد السبل لبيان الحق وطرق
الرشاد . ألم يقل العرب :
ضدان لما استجمعا حسنا والضد
يظهر حسنه الضد
لا خوف على الأمة من
باطلهم ، فقبح أعمال أسيادهم من
الصهاينة والأمريكان على أرض
الرباط والعراق يقدم الدليل
المادي والبرهان الحسي والحجة
الدمغة على ما يفترون ، فهم ،
والحمد لله ، أقل شأناً من
مسيلمة الكذاب ، وأرجو من الله
العفو والمغفرة لأني لا أتمنى
لهم التوبة فهم عندي غثاء كغثاء
السيل . سيان عندي إن برّوا وإن فجروا فليس يجري على
أمثالهم قلم .
*
باحث في الفقه السياسي الإسلامي
المعاصر
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|