ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 16/02/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مأسـاة حمــاة

1982م

إعداد : خالد الأحمـد 

بسم الله الرحمن الرحيـم

إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسـول الله وبعد :

الحركة الإسلامية هي مجموع الجماعات العاملة على نشـر الإسلام بين المسلمين ، وتربيتهم عليه ، من أجل إعادة المسلمين إلى الالتزام الكامل بدينهم في حياتهم كلها ، وأكبرها جماعة الإخوان المسلمين .

أما حـزب البعث فهو حزب علماني معادي للإسلام ، يدعي أنه قومي عربي اشتراكي ، وقد أثبتت التجارب أن هذه الادعاءات غير صحيحة ، فقد نهب ثروات المواطنين فصار قادة الحزب من أغنياء العالم ونشروا الفقر بين العمال والفلاحين والموظفين ، حتى صارت الرشوة شيئاً متعارفاً عليه في المجتمع ، يطلبها الموظف علناً من المواطن  ، ومـزق العرب وبذر بينهم الطائفية والعشائرية والفرقـة ، حتى وقف مع فرس  إيران ضد العرب في العراق ، وسمح للطائرات الإيرانية الهبوط في مطارات سوريا الشرقية للتزود بالوقود والصواريخ ثم تضرب الشعب العراقي في طريق عودتها إلى إيران ، ثم وقف عام 1991م مع أمريكا ضد العراق ، وقاتلت القوات السورية جنباً إلى جنب مع القوات الأمريكية ضد الجيش والشعب العراقي ، الذي يحكمه حزب البعث ايضاً !!! ، وبنى من السجون في سوريا أكثر من الجامعات ، ومازال يحكم بالقانون العرفي منذ أكثر من أربعين سـنة .

أسـسه ميشيل عفلق وزكي الأرسوزي ، وصلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني  ، وقام هذا الحزب على جهود الأقليات في سوريا كالعلويين والدروز والإسماعيليين والنصارى ، ومن مفاهيم الحزب الأساسية  أن الإسلام أدى دوراً حضارياً للعــرب ، وانتهى هذا الدور ، وأي رجعــة للديــن تخلف ورجعيـة يجب التخلص منها ، ولابـد للعـرب مــن اعتناق العقيـدة ( الاشتراكية ) لأنها تقدمية معاصرة .

قام حزب البعث بانقلاب عسكري يوم ( 8/3/1963م) واستلم الحكم في سوريا ، وأعلن هجومه على الرجعية فور استلامه الحكم ، وصار يعلن صباح مســاء في وسائل الإعلام أن الرجعية عميلة لإسرائيل والإمبريالية ، ويجب سـحق الرجعية أولاً ، قبل الصهيونية ، لأن العدو الداخلي أخطر من العدو الخارجي . ( ويصرحون بأن الرجعية هم العلماء والدعاة إلى الإسلام ) وصدرت من البعثيين عدة تحديات صريحة كشتم الذات الإلهية ( إبراهيم خلاص في مجلة جيش الشعب ) ، وقال زكي الأرسوزي عن قصـة خلق آدم بأنها أسـطورة ، وبدأوا يسرحون الضباط المسلمين من أبناء السنة ،بحجج مختلفة ( الناصريــة ، ثم البعثيون القوميون ، ...إلخ ) حتىصارت نسبة الضباط العلويين في الجيش العربي السوري تســعين بالمائة .

قام العلويون بالحركة التصحيحية الأولى ( 1966م ) فطردوا الضباط البعثيين السنيين ( أنصــار محمد أمين الحافظ ) ، ثم قاموا بالحركة التصحيحية الثانية ( 1970م ) ليتخلصوا من كل مناوئ لحافظ الأسـد وأسـرته وعشيرته وطائفته ، من سائر الطوائف ، وآلت السـلطة في سوريا لآل الأسـد ( أسـرة علوية ) وأزلامهم .

الحـركة الإسـلامية تتصـدى للبعثيــين :

لاحظ المسلمون الحقد الطائفي و العلماني على الإسلام والمسلمين فهبوا يدافعون عن دينهم ومقدســاتهم فكانت حادثة مسـجد السـلطان في حماة عام (1964م ) حيث أراد مــروان حديد يرحمه الله أن يقوم بعمل سياسي ( إضراب ) يقاطع فيه الشـعب الحكومة حتى تسـقط وتقوم في البلد انتخابات نيابية وحكم ديموقراطي ، ولكن البعثيين ردوا بعنف ودمروا مسجد السلطان وقتلوا قرابة مائة مواطن من حماة واعتقلوا مروان وزملاءه الطلاب وحكموا عليه وعلى بعض رفاقه بالإعدام ، ثم أفرجوا عنهم خوفاً من نقمة الشعب قبل أن يتمكنوا من الحكم .

كما دخلت الدبابات إلى مسجد خالد بن الوليد في حمص عام (1964م ) ، ودخلت الدبابات والوحدات الخاصة ( مغاوير سـليم حاطـوم ) إلى ســاحة المسجد الأموي عام ( 1965م ) ، واستمرت المصادمات بين الحركة الإسلامية والبعثيين ، وفي عام ( 1973م )  أراد حافظ الأسد أن يعدل الدستور السوري ويحذف منه ماله صلة بالإسلام ، فهب العلماء والشعب وأبناء الحركة الإسلامية قاطبة يدافعون عن دينهم ، واعتقلت المخابرات الأسـدية مئات من قادة الحركة الإسلامية على رأسهم الشيخ سعيد حوى (حماة) يرحمه الله والشيخ محمد علي مشعل (حمص ) والشيخ فاروق بطل (حلب )حفظهماالله .

الطليعـة المقـاتلـة :

ونتيجة للتحدي المستمر من البعثيين للمسلمين ، وتطاولهم على دينهم ومقدساتهم ، ولدت الطليعة المقاتلة  في سوريا ، ولدت أولاً في ذهـن مروان حديد يرحمه الله ، عندما كان في زنـزانتـه بعد اعتقاله مـن مسـجد السلطان ، بعـد تدمـيره مع المئــذنة عام ( 1964م )، وعرف مروان أن هؤلاء الذين دمروا المسجد وفعلوا مالم يفعله الفرنسيون لاينفع معهم العمل السياسي ولابد من الجهاد المسلح دفاعاً عن الدين والمقدسات .

ومذ أفرج عن مروان في صيف ( 1964م ) بدأ يهتم بتربية الشباب تربية عسكرية جهادية في حماة والساحل وحلب ودمشق ، وقد صمم على بناء الطليعة المقاتلـة  ، وسـاعده على ذلك :

1 ـ الحـقد الأعمـى الذي صـبه البعثيون على المسلمين ( السنة ) ، وحرموهم من الوظائف ومن لقمة العيش ، وأعلنوا أنهم سيقضون على الرجعية قبل الصهيونية ، وانسحبوا في المعركة مع إسرائيل عام ( 1967م ) ووضح أنهم لايريدون محاربة إسرائيل ولايهمهم ذلك أبداً .

2 ـ الحماس المتفجر لدى شـباب الحركة الإسلامية الذي تربى في أسـر الإخوان المسلمين ، وفي دروس العلماء ، والجماعات الإسلامية الأخرى ، وتعطـش هؤلاء الشباب للدفاع عن دينهم ، وتشـوقهم إلى الجنـة وحور العين .

وأطلقت الطليعة المقاتلة رصاصتها الأولى في رأس الرائد محمد غـرة قائـد الأمـن القـومــي في حماة يوم ( 16 /2/ 1976م ) واستمرت المعركــة تتصاعــد حتى عام ( 1980م ) وهب الشعب مؤيداً للطليعة المقاتلة ، ثم بدأ ت الكفة العسكرية ترجح لجانب السلطة مذ بدأت سلطات المخابرات بتنفيذ سياسة المذابح الجماعية ، تنفيذاً لنصيحة الخبراء الروس ( اليهود ) . وكانت نهاية المعارك بين الطليعة والسلطة الأسـدية مذبحـة حماة الكبرى عام ( 1982م ) .

الإطـار الزمني والسياسي والعسـكري للمأسـاة :

بعد أن نهجت السلطة الأسدية منهج المذابح الجماعية وتمكنت من  فصل مقاتلي الطليعة عن الشعب ، انهار العمل العسكري للطليعة ، يقول الطليعي عمر عبد الحكيم في كتابه ( الثورة الجهادية ) :( مع أواخر رمضان ــ1400هـ ــ الموافق ( آب 1980م ) بدأت كفة السلطة ترجح ، وبدأت مسيرة الجهاد العسكري تتراجع بوتيرة حادة فصفيت الكثير من جيوب الجهاد في الساحل وجسر الشغور وإدلب وغيرها ، وتكبد المجاهدون خسائر فادحة لاسيما في حلب ، وأصبحت وتيرة انكشاف القواعد مرعبة ، وكثر استشهاد المجاهدين على الحواجز الطيارة ، وزاد عدد المعتقلين من المنظمين الجدد ( !! ) الذين تدفقوا بالمئات على ا لتنظيم أيام التقدم .

ومع تردي الأوضاع والملاحقة والتنكيل التي تعرض لها كل من ساعد مجاهداً أو كان من أقربائه ، بدأت الهجرة خارج سوريا ، وسمحت قيادة الطليعة لأفرادها بالهجرة بعد أن عجزت عن إيوائهم وتسليحهم وإعالتهم .واضطرعدنان عقلة نفسه إلى مغادرة سوريا عام 1981م ) .

مــدينــة حــمــاة :

تقع مدينة حماة وسط سوريا ، يمر فيها نهر العاصي ، لذلك اشتهرت بنواعيرها ، يعيش أهلها على الزراعة والتجارة الداخلية . وكلهم من المسلمين السنة ، مع أقلية نصرانية تسكن حي المدينة وسط حماة ، ويعيشون في وفاق ووئام مع جيرانهم المسلمين ، حتى أن نساءهم قبل أربعين سنة كانت ترتدي زي المسلمات نفسـه أو قربياً منه ، وبخلاف المدن السورية الأخرى فحماة لاتقبل الغرباء اجتماعياً ، لذلك تقل هجرة الريف إلى المدينة ، وتقتصر على هجرة قليل من القرويين السـنة فقط ، أما العلويون والإسماعيليون في ريف حماة فتستحيل هجرتهم إلى المدينة ، لأنهم مرفوضون اجتماعياً في حماة ، وبينما تجد أحياء كاملة من العلويين في دمشق وحمص واللاذقية جاءت من هجرة الريف إلى المدينة ، لاتجد أسـرة واحدة في حماة . وهذا ما جعل مدينة حماة محافظة جداً ، كما بقيت حماة صغيرة الحجم ( ربع مليون في السبعينات ) ، وقد ترك فيها الشيخ محمد الحامد يرحمه الله ( وهو من زملاء الشيخ حسن البنا وتلاميذه ) ترك فيها أثراً محموداً من خلال تدريسه مادة التربية الإسـلامية في ثانويــاتها ، ومن خلال درسه اليومي في مسجد السلطان ، ولهذا كله صارت حماة معقلاً كبيراً من معاقل الحركة الإسلامية في سوريا ، وفيها تربى مئات الدعاة وقادة الحركة الإسلامية والعلماء المعاصرين .وفي حماة ربى مروان حديد الرعيل الأول من شباب الطليعة المقاتلة الذين هزوا الحكم الأسـدي هزة عنيفة كادت أن تسـقطه .

العلويون في ريـف حــمـاة :

يقطن العلويون في ريف حماة الغربي بأعداد كبيرة ، ولهم مع الحمويين ثارات قديمة ربما تمتد إلى أيام العثمانيين ، عندما اضطهد العثمانيون العلويين وألجأوهم إلى جبال العلويين ليحموا أنفسهم من أيدي العثمانيين المتحمسين لأهل السنة والجماعة ، ومما لاشك فيه أن العثمانيين استعانوا ببعض الحمويين في محاربة العلويين ، كما عاش بعض العلويين فلاحين في أراض يملكها اقطاعيون حمويون ( ضباط سابقاً في الجيش العثماني ) ، كما عاش معظم علويي ريف حماة على الخدمة في مواسم الحصاد في قرى السنة المحيطة بحماة ، وكنت ترى العلويين جماعات رجالاً ونساءً في مواسم الحصاد يفترشون الساحات العامة في مدينة حماة ، وينتظرون من يســتأجرهم ليحصدوا له قمحه وشــعيره ، والحصـاد من أكبر الأعمال الشــاقة لأنه في بدايــة الصيف، وقد امتهنه العلويون بســبب الفقر المدقع الذي كانوا يعانـونــه في جبال العلــويين يومذاك .

وعملت قليل من فتيات العلويين كخادمات في بيوت الإقطاعيين الحمويين ، وكانت هذه الخادمات وسيلة لإدخال إخوانها وأقاربها في الكليات العسكرية خلال الخمسينات عندما كان للاقطاعيين كلمة في الحكومة .

ودفع الفقر المدقع شباب الطائفة العلوية عامة ( في ريف حماة وريف حمص وريف اللاذقية ) إلى الانخراط في الجيش بأي رتبة ، وبتوجيه فرنسي خلال الانتداب الفرنسي ، في الوقت الذي كان أبناء السنة يأنفون من الانخراط في الجيش بل يبحثون عن وساطات لدفع البدل النقدي وإعفائهم من الخدمة العسكرية الإلزامية .

وبسبب الفقر وانعدام فرص العمل في الجبال ، وبتوجيه فرنسي أيضاً سبق العلويون أهل السنة في الريف في التعلم وفي بداية الستينات كان المعلمون العلويون يفيضون عن حاجة مناطق العلويين ويعينون للعمل في مناطق المســلمين السنة التي مازالت فقيرة بالمعلمين مثل منطقة الجزيرة ، وسبب ذلك أن المسلمين السنة في مناطق الجزيرة وسهول حمص وحماة يشغّلون أولادهم في العمل الزراعي بأراضيهم ، وبتربية المواشي ، ويخرجونهم من المدرسـة لهذا السبب ، أما العلوي فلايوجد عمل يدفع الأب إلى إخراج ولده من المدرسـة .

في حماة قامت ثورات وانتفاضات شعبية متتالية ضد الاستعمار الفرنسي ، فقصفها الفرنسيون بالطائرات وسقط فيها ( 1500 ) مواطن بين شهيد وجريح .وعندما غزى الصهاينة فلسطين هب الحمويون بقيادة فوزي القاوقجي وعلمائها للدفاع عن فلسطين . ومن المشهور بين الحمويين أن فلاناً وفلاناً منهم هجموا على الدبابات والمصفحات الفرنسية بالعصي والحجارة ، وعطلوها عن القتال ، وغنموها من الفرنسيين .

وبعد انقلاب الثامن من آذار أدرك أزلام النظام الأسدي خطورة حماة عليهم ، بما يتميز أهلها بالغيرة على الدين ، فقرروا تدميرها بأي ثمن ، وفي عام ( 1964م ) وقع أول اصطدام بين البعثيين وأهالي حماة ، فهدم البعثيون مسجد السلطان ، ومن هذه الأحداث برز مروان حديد زعيماً إسلامياً شــعبياً ، قاد المعارضة بحماس وغيرة على الدين والقيم ، حتى اعتقل عام( 1975 م ) في دمشق ، وبعد عام من التعذيب استشهد يرحمه الله في السجن تحت التعذيب .

حمـاة عام 1980م :

في آذار عام (1980م ) أجمع المثقفون ورجال الفكر والأطباء والمهندسون والصيادلة وجميع أصحاب المهن في حماة وحلب وإدلب وجسر الشغور على تقديم المطالب التالية لحافظ الأسـد وهي :

1 ـ رفع حالة الطوارئ ، وإلغاء المحاكم العرفية .

2 ـ إعادة جميع صلاحيات التقاضي إلى القضاء المدني . بعد استقلال السلطة القضائية عن التنفيذية .

3 ـ احترام حقوق الإنسان فعلاً وممارسة .

4 ـ إجراء انتخابات حـرة يختار الشعب فيها رجال السلطة التشريعية .

و خرجت عدة مظاهرات ومسيرات شعبية في حماة وحلب وإدلب وجسر الشغور تندد بالسلطة الأسدية ، وتـم الاتفاق على أن يكون يوم ( 31 /3 / 1980م ) إضراباً عاماً تأييداً لهذه المطالب . ونفذ الإضراب ووزعت عشرات الآلاف من النشرات تبين المطالب المتفق عليها من قبل الشعب .

وكان رد السلطة الأسدية حل النقابات ومجالسها وفروعها ، واعتقل أعضاؤها ، واعتقل عدد كبير من أسائذة الجامعات والمحامين والأطباء والصيادلة والمدرسين والعلماء ، و آلاف من طلاب الجامعات والمدارس الثانوية ، وبدأت السلطة بتمشيط المدن والقرى ، فكانت المجازر الجماعية مثل :

مجزرة جسر الشغور ( آذار 1980م ) قتل فيها (97) رجلاً ـ مجزرة قرية كنصفرة ( آذار 1980م ) ـ مجزرة سـجن تدمر ( حزيران 1980م ) وقتل فيها ألف من خيرة المواطنين  ـ مجزرة سوق الأحد في حلب ( تموز 1980م ) حيث قتلت الســلطة ( 192) مواطناً ـ مجزرة ســـرمدا ( تموز 1980م ) وقتلت فيها ثلاثين مواطناً ــ مجزرة حي المشارقة بحلب ( آب 1980م ) في يوم العيد وقتلت ( 86 ) مواطناً أكثرهم من الأطفال .ـ مجزرة بستان القصر في حلب (آب1980م) قتلت فيها خمسة وثلاثين مواطناً ــ مجزرة تدمر النســـائية ( كانون الأول 1980م ) وقتلت فيها (120 ) امرأة من أمهات الملاحقين وأخواتهم أو زوجاتهم  ـ مجزرة حماة الأولى ( نيسان 1980م ) وقتلوا فيها بضعة عشر مواطناً من وجهاء البلد مثل الدكتورعمر الشيشكلي نقيب أطباء العيون في سوريا ، والدكتور الجراح عبدالقادر قندقجي ، وخضر شيشكلي ( 80سنة ) من زعماء الكتلة الوطنية وصاحب بيت الأمة ـ وقصاباشي من المزارعين الكبار وغيرهم ــ مجزرة حماة الثانية ( نيسان 1981م ) وقتلت ( 335 ) مواطناً ألقيت جثثهم في الشوارع والساحات العامة عدة أيام .

وقد تضافرت الأدلة على نية النظام الأسـدي الانتقام من حماة وأهلها منذ سـنوات ، وقرار حمامات الدم في حماة متخذ منذ ( 1980م )  وقبل ذلك ، وقد صدرت عدة تصريحات من رفعت الأسـد ( الرجل الثاني في سوريا خلال السبعينات )تداولها الناس منها : سيدمر مدينة حماة ويحولها إلى حديقة عامة ومراقص وحانات ، ومنها : سـأجعل المؤرخين يكتبون أنه كان في سوريا مدينة اسمها حماة ، ومنها أنه سيجعل حماة عبرة للشعب السوري كله .

حصار السلطة لمدينة حمـاة قبيل المجزرة الكبرى

في يوم ( 11/10/1981م ) حرضت السلطة أجهزتها القمعية في حماة على اضطهاد أبناء الشعب لأي سبب ، فتحركت فروع المخابرات والكتائب الحزبية المسلحة يعيثون في المدينة فساداً ، فتصدى لهم المواطنون بقوة ، وقتلوا خمسة منهم في حي ( عين اللوزة ) وآخرين في أحياء غيرها ، فأرسلت السلطة في ( 7/12 / 1981م ) عـدة آلاف من سـرايا الدفاع لاعتقال المواطنين من كل القطاعات والاتجاهات ، وكانت المدينة تعيش منذ تشرين الأول محنة تبديل البطاقات الشخصية ، واتخذت السلطة ذلك ذريعة لإهانة المواطنين والانتقام منهم ، فأرغموا المـارة في الشـارع على الاستلقاء أرضاً ، ورفع أرجلهم في الهواء لتلقي وابل الضرب بالعصي والكرابيج ، كما طلبوا من المارة الركوع لحافظ الأسـد ، وفقأوا عين الرافضين ، وتحرشوا بالبنات في الشوارع ، وبدأت السلطة تفجر البيوت بألغام الديناميت على إثر وشاية أو تقرير من أي عميل يفيد أن أحد المعارضين زار هذا البيت أو تردد عليه ، وفجروا قرابة عشرين منزلاً خلال شهر كانون أول .

اليوم الأول من المأســاة :

في هذه الليلة الماطرة ( يوم الثلاثاء في  2/2/1982م ) السـاعة (1,20)صباحاً قامت مجموعة من الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع والمخابرات العسكرية تقدر ب (500)عنصر بتطويق حي البارودية ، وبدأوا بتفجير عدة بيوت ، ثم توجهت مجموعة من الوحدات الخاصة لمداهمة قاعدة أبي بكر القيادية ، وعلم بذلك أبو بكر عبر التصنت على أجهزة الإرسال ، فنصب الكمائن للمجموعة المداهمة فأبيدت بكاملها قبل أن تصل القاعدة ، ثم توجه أبو بكر إلى المسجد ونادى من المئذنة بمكبر الصوت ( حي على الجهاد ) ــ ويبدو أنه كلمة سـر لإخوانه مقاتلي الطليعة ــ فهبوا من مخابئهم كل إلى هدفه المدروس مسبقاً فقتلوا أعداداً كبيرة من جنود السلطة وخاصة من سرايا الدفاع في نقابة المعلمين بحي الشريعة ، وفي الملعب البلدي ، واحتلوا مستودعاً للسلاح في حي البياض وغنموا مافيه من أسلحة ، قتلوا ماشاء الله أن يقتلوا ،وهرب الباقون وغنم مقاتلوا الطليعة كميات كبيرة من الأسلحة في الساعات الأولى من المعركة فتوجهوا بها إلى المسجد الذي غص بالمواطنين ينتظرون أوامر الطليعة ، فوزعوا عليهم الأسلحة .

وقام مقاتلو الطليعة والمواطنون بعدة عمليات في اليوم الأول انتهت بالسيطرة على مدينة حماة ، ونصبوا حاجزين أحدهما على طريق سلمية ، والثاني على طريق حلب ، واعتقلوا جنود السلطة فيهما ومنعوهم من المرور مع هذين المدخلين إلى المدينة .

واستطاعت الطليعة رد الوحدات الخاصة القادمة من ( محردة ) وأجبروها على الانتظار خارج البلد ، وفي الســاعة العاشرة صباحاً أقلعت ( 13 ) طائرة نقل عسكرية من مطار المزة العسكري إلى مطار حماة .

ومنذ الساعات الأولى من المعركة (4,30) قبل طلوع الشمس من اليوم الأول، زجت الســلطة بدبـابـات اللواء ( 47 ) في المعركة ، وتصدى لها المقاتلون في شارع العلمين بقذائف ( آربجي ) فدمروا ( 9) دبابات في شارع العلمين ، وتابعت البقية طريقها إلى دار الحكومة .

وفي الساعة (10,30 ) صباحاً حاولت ( 22) دبابة دخول شارع سعيد العاص فتصدى لها المقاتلون ولم تنج منها سوى ( 3) دبابات فقط وصلت إلى طريق حلب .

اليـــوم الثــــاني : الأربعاء (3/2/1982م ) :

تأكد أن الطليعة غنمت كميات كبيرة من الأسلحة ، والذخيرة ، وسلحوا المواطنين ، واســــتمرت معارك الدبابات من جهات المدينة الأربع وكلها تحاول الوصول إلى حي البارودية ( حيث قاعدة أبي بكر القيادية ) ، ودمرت الطليعة أعدادأ كبيرة من الدبابات ، وفي اليوم الثاني أُخرج اللواء (47) من المعركة بعد أن قام بعملية خدعة تمكن من خلالها من الوصول بدباباته إلى حي الحميدية .

اليــــوم الثـــالث : الخميس (4/2/1982م ) :

في هذا اليوم زجت الســلطة باللواء المدرع ( 21 ) ، ونفذت مذبحة جنوب الملعب البلدي ، فقد أحضرت اللواء (21) من مدينة حلب ، فكان له دور كبير في تدمير حماة ، وقد فوض العميد شفيق فياض قائد الفرقة الثالثة ، العقيد فؤاد إسماعيل بقتل كل حموي حتى لو كان من عناصر الحزب الحاكم .

ركز اللواء (21 ) هجومه للوصول إلى البارودية حيث القاعدة القيادية ، وركز قصفه لهذه المنطقة ، وفي الساعة (1,30) صباحاً أصابت إحدى قذائف الدبابات الأخ أبابكر ( عمر جواد) فاستشهد يرحمه الله بعد ساعة حيث نزفت دماؤه ، وتسلم المهمة بعده الأخ  ( أبو عارف ) يرحمه الله  .

وفي هذا اليوم سيطرت السلطة على الأحياء الجديدة من المدينة ، وانسحب مقاتلو الطليعة إلى الأحياء القديمة وكثفوا دفاعاتهم حولها .

وفي هذا اليوم وصل رفعت الأسد وأقام في الثكنة ليدير المعارك بنفسـه ، خوفاً من إحباط ضباطه ، وقامت راجمات الصواريخ والمدفعيــة الثقيلــة مذ وصوله ترمي المدينة بقذف عشــوائي ( والثكنة في مكان مرتفع ) مما زاد الخسائر البشرية بين النساء والأطفال والشيوخ .

مجـزرة حـي جنوب الملعب في حماة

1ـ في اليوم الثالث من المعارك بدأت السلطة بتنفيذ مجازر مرعبة في حماة ، وقد بدأت بهذا الحي المسالم ، حيث أنه جديد فيه شوارع واسعة وساحات كبيرة لذلك ابتعد عنه مقاتلو الطليعة ولم يتمركزوا فيه أبداً .

2ـ يغلب على سكان الحي أنهم من القرويين المهاجرين من الريف ( السني ) وهم بسطاء ومسالمون ولم يسبق لهم أن عارضوا الدولة معارضة علنية ، لذلك تنادى بعض الحمويين من سكان الأحياء القديمة ( الخطيرة ) إلى اللجوء إليه لأنه آمـن .

3 ـ دخلت السلطة إلى هذا الحي بدون أي مقاومة تستفزها أو تثير دواعي الإجرام عندهم .

وبعد أن دخلت عناصر سرايا الدفاع إلى الحي نادوا على الناس بمكبرات الصوت ليجتمعوا في ساحة الحي ، ولما تكامل اجتماع الناس من رجال ونساء وأطفال فتحت سرايا الدفاع  أسلحتها الرشاشة على الموطنين العزل فقتلوا منهم ماشاء الله أن يقتل ، ثم توجه الجنود إلى البيوت فقتلوا من لم يخرج منها ونهبوا وسلبوا ما وجدوه ، وكانوا يخرجون الأسرة أمام بيتها ثم يقتلون الأب أولاً ثم الأم ثم بقية الأولاد ، ثم يدخلون البيت للنهب والسلب ، وقد أحصى الأخوان أسماء (98) شهيداً من الرجال فقط ، كما قتلوا المواطن شحود شيحاوي بعد أن أظهر لهم بطاقته الحزبية وهو متفرغ للعمل الحزبي ومعه مسدس وسيارة من الحزب وأظهر لهم ذلك كله ولكنه لم يشفع له عندهم لأن الأوامر عندهم بقتل الحمويين أياً كانوا . كما قتلوا ضابطاً برتبة رائد ( أحمد عبد الحميد عزيز ) وهو حموي كان إجازة عند أهله في هذا الحي ، خرج عليهم بلباسه العسكري ، فقتلوه ثم أجبروا والده وهورئيـس اتحاد نقبات العمال ( بعثي كبير )  أن يقول قتله الإخوان . كما أن المواطن فائز عاجوقة نجا من الموت وكان جريحاً فنقل إلى المستشفى الوطني ، وهناك رآه أحد عناصر سرايا الدفاع فبقر بطنه بالسكين وتركه ينزف حتى مات يرحمه الله .

اليـوم الـرابـع : الجمعة (5/2/1982م ) :

في هذا اليوم بدأت السلطة بالتركيز على هدم منازل المواطنين من أجل توسيع الشوارع في الأحياء القديمة ليتمكن الجيش من احتلالها ، فهدموا عشرة منازل في العصيدةوالزنبقي ، ومع ذلك أخفقت الدبابات من الوصول إلى ماتريد .

وتم تسجيل المكالمة التالية :

العقيد ديب ضاهر : سيدي إن (90) بالمائة من القوات المهاجمة أبيدت .

ـ الجواب ( ويحتمل من رفعت الأسد ) : اضربوهم بالنابالم ولاأريد أن أرى بيتاً لاتخرج منه النار .

ودخلت هذا اليوم الطائرات المروحية تقصف أماكن منتقاة بالصواريخ جو ـ أرض ، والقذائف الثقيلة .

اليـوم الخـامــس : السبت (6/2/1982م ) :

قامت السلطة بانزال جوي في ثلاث مناطق شمالاً على طريق الضاهرية ، وشرقاً قرب غابة الثورة ، وغرباً على القلعة . واستمر هدم المنازل والمجازر الجماعية ، كما لوحظ اليوم نقص الذخائر عند مقاتلي الطليعة ، عندما بدأوا يستخدمون زجاجات المولوتوف .

وكررت السلطة هجومها على شارع سعيد العاص ، فتقدمت الدبابات تحت قصف المدفعية وراجمات الصواريخ ، وقصف الطائرات المروحية .

وقامت السلطة بتدمير بناية عند مدخل البارودية على الرغم من وجود (6) عناصر من الوحدات فوقها ، وكانوا ينادون رفاقهم عندما رأوهم يلغمون العمارة ، وفي نهاية هذا اليوم سيطرت السلطة على شارع سعيد العاص ، وعندئذ صار الدفاع عن البارودية يدور من بيت إلى بيت داخل الأحياء الشعبية .

وتصدى مجاهدوالطليعة حملة (الآربجي) من جنود السلطة للاستفادة من ذخيرتهم ، وتنبهت السلطة لذلك فخفضت حصة العنصر من أربع قذائف إلى قذيفة واحدة ، وركز مجاهدوالطليعة دفاعاتهم عن حي البارودية .

مجـزرة حـي سـوق الشــجرة

هدمت السلطة حوالي خمسين منزلاً في سوق الشجرة ، وقتلت أعداداًكبيرة من الشعب ، حتى تمكنوا من التقدم ودخول الحي ، وعند مسجد سوق الشجرة جمعوا (75) مواطناً وصفوهم مع جدار المسجد ثم رشوهم جميعاً يرحمهم الله ، وقتلوا (15)مواطناً في طاحونة سوق الشجرة، وفي منزل سليمان حمود كوجان التجأ ( 30) مواطناً فقتلتهم قوات السلطة جميعاً ، وانسحب مجاهدوالطليعة من حي سوق الشجرة لينضموا إلى مجاهدي الطليعة في حي العصيدة وحي الدباغة .

وقد أحبط مقاتلو الطليعة هذا اليوم ثلاث محاولات من السلطة لدخول حي العصيدة ، على الرغم من الدبابات والقصف المدفعي وقصف الطائرات المروحية وراجمات الصواريخ .

مجزرة دكان الحلبيـة:

بعد انسحاب المقاتلين من حي سوق الشجرة عمدت السلطة إلى جمع خمسة وسبعين فرداً في دكان الحلبية وأطلقت عليهم الراصاص ثم رشت عليهم الزيت وأضرمت فيهم النار .

مجـزرة حـي البيـاض :

جمعت السلطة أربع سيارت شاحنة مملوءة بالمعتقلين من حي البياض أمام مسجد الشيخ محمد الحامد ، ولما لم تتسع السيارات للمزيد قتلوا خمسين رجلاً منهم وألقوهم في حوض مخلفات جلي البلاط وقد ظهرت الجثث بعد عشرة أيام عندما جف الحوض .

اليـوم السـادس : الأحد(7/2/1982م ) :

ممايلفت النظر في أحداث هذا اليوم تشبث الطليعة الشديد بالأحياء القديمة التي يتحصنون بها ، ودفاعهم العنيف عنها ، برغم تعاظم ضغوط الســلطة وتنوعها ، واستمرارها بسياسة المجازر ، ونهب الأدوات المنزلية الثمينة ، وتطوير مقاتلي الطليعة قتالهم ضد الآليات باختراع متفجرات ضد الدروع وزرع الألغام .

وحتى مساء هذا اليوم مازالت أحياء ( السخانة ـ العصيدة ـ بين الحيرين ) في حوزة الطليعة ، وزرعوا الألغام حول القلعة فقتلوا عدة عناصر بينهم المقدم رياض عيسى ( خال رفعت الأسد ) . واستمر مجاهدوالطليعة في نقب الأبنية للتنقل بين الأحياء . وفي الليل زرعوا أفخاخاً للدبابات حول البارودية مما أعطب (6) دبابات في اليوم التالي .

اليـوم السـابع : الاثنين (8/2/1982م ) :

في هذا اليوم بدأ انعطاف كبير ، إذ تسـقط منطقة السوق كلها ( نصف حماة ) عدا بعض الجيوب القليلة ، وتتصاعد سياسة المجازر فترتكب السلطة مالايقل عن (10 ) مجازر جماعية هذا اليوم ، ويقتل فيها عدد من البعثيين والعسكريين وعملاء السلطة من الحمويين ، ويتوسع الجنود في عمليات السلب والنهب ويقتلون المواطنين بهدف السلب والنهب .

وتمكن مقاتلو الطليعة الذين قادهم أبو عارف شخصياً من دحر قوات السلطة من حي الحميدية ، حتى دخلوا غابة الثورة وغنموا كثيراً من الذخائر .

مجـزرة ســـوق الطويل :

قتلت السلطة ثلاثين شاباً على سطوح السوق الطويل ، وأخرجوا الشــيخ عبدالله الحلاق( من مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين ورئيس جمعية العلماء) من بيته بحضور المخبر عبد العزيز الأحدب ( ضابط فتوة ) وقتلوه على باب بيته رشاً بالرصاص يرحمه الله .

وقتلوا كثيراً من الرجال في طريقهم إلى بيت الشيخ عبد الله الحلاق يرحمه الله ،  كما ذهبوا إلى دكان أحمد الأحدب ونهبوه وأحرقوه .

مجزرة دكان عبد الرزاق الريـس :

جمع ملازم أول ( 35 ) مواطناً فيهم الأب مع أولاده وإخوانه ، وكلهم جيران ، وأحضرهم إلى ضابط كبير حشرهم في دكان عبد الرزاق الريس ( عمقه عشرين متراً ) ثم أمر هذا الضابط الكبير المواطنين أن ينبطحوا على بطونهم ، ولما فعلوا أمر عناصره أن يضربوا كل مواطن طلقة واحدة فقط ، وقد تكلم منهم (كمال ركبي وهو بعثي مدير المصرف التجاري السوري وقال أنه حزبي ) فأطلقوا عليه النار حالاً قبل الآخرين .

ومن مجازر هذا اليوم :

مجزرة دكان عبد المعين مفتاح في الدباغة ـ ومجــزرة آل الزيــن ـ ومجزرة منشــرة آل البدر ( قتلوا فيها خمسة وعشرين مواطناً ) ـ مجزرة آل الدبور ( وهم من عملاء السلطة أرشدوا السلطة إلى بيوت المعارضة في حيهم ، ثم جاءت مجموعة أخرى من جنود السلطة ووجدتهم مجتمعين في بيت أحدهم فقتلوهم جميعاً وهم ( عشرة أشخاص ) ــ مجزرة آل الدباغ وهم الأستاذ فهمي محمد الدباغ وأولاده وبناته ، قتلوا في قبو بيتهم وعددهم عشرة ــ مجزرة السيدة حياة الأمين مع أولادها الثلاثة وقطعوا يديها لنهب أساورها ــ مجزرة آل موسـى وهي أربع أسر من آل موسى قتلوهم جميعاً ــ مجزرة آل الصمصام في حي الباشورة حيث جمعت أربع عائلات من آل الصمصام بلغ عددهم (17) مواطناً وبعد سلب المال والحلي ــ مجزرة آل قياسة قتلت فيها السلطة (17) مواطناً ــ مجزرة عائلة الكيلاني (4) اشخاص ــ مجزرة مسجد الخانكان حيث جمعوا عدداً من سكان حي الباشورة وقتلوهم فيه  .

من يوم الثلاثاء (9/2/1982م) وحتى يوم الاثنين (22/2/1982م) :

وهي اليوم الثامن وحتى الثاني والعشرين من المأســـاة :

استمرت المجازر الجماعية في هذه الفترة ، واستمرت السلطة في هدم البيوت كي توسع الشوارع وتفتح شوارع جديدة ، واستمر مجاهدوالطليعة في نقب العمارات ليصنعوا لهم ممرات ينتقلون فيها بين الأحياء التي يسيطرون عليها ، بعد أن تعذر عليهم الانتقال في الشوارع ، مع تحمس المواطنين للدفاع عن دمائهم ومن أهم مظاهر هذه الفترة :

ــ مجاهدو التدخل السريع ليلاً وهم مجموعتان لصد أي هجوم ومن أي جهة تتألفان من نخبة المقاتلين ، يعوضون نقص الأسلحة بجلبها من القواعد التي احتلت السلطة أحياءها وذلك بالتسلل ليلاً .

ــ انتفاضة حي سوق الشجرة بعد أن سمعوا أخبار القتل الجماعي واشتد القتال فيه حتى استشهد عدد كبير من الطليعة بعد أن قتلوا أعداداً كبيرة من جنود السلطة .

ــ أبـو عارف ( قائد مجاهدي الطليعة بعد أبي بكر يرحمهما الله  ) يخرج للقتال في الشوارع ويكبد العدو خسائر فادحة في حي البارودية .

ــ أحرقت السلطة قصور الكيلانية الأثرية ومساجدها بعد تدميرها وزواياها المشهورة ، وقتلت جميع آل الكيلاني تقريباً بما فيهم الشيخ المجاهد أديب الكيلاني يرحمه الله .

ــ مجزرة آل المصري في حي العصيدة حيث اعتقلت السلطة منهم حوالي (40) مواطناً ثم أعدموهم بالرصاص .

ــ مجزرة آل الزكار في بيت آل الزكار وفي زقاق آل الزكار قتلت السلطة فيهما حوالي ( 81) مواطناً .

ــ في اليوم السادس عشر من المعركة انقطع الاتصال بين مجاهدي حي الكيلانية ومجاهدي حي البارودية ، وأضافت السلطة إلى عملياتها السابقة الغارات الليلية على مناطق المقاومة .

ــ عمدت السلطة إلى أن تسـوق المواطنين أمامها متراساً وهي تتقدم نحو مخابئ الطليعة .

ــ مازال الكر والفر في حي البارودية بين الطليعة وعناصر السلطة ، إذ تحتل السلطة موقعاً يسترده مجاهدوالطليعةليلاً أو بعد ساعات .

ــ فجر المقاتلون في دمشق سيارة في مبنى وزارة الإعلام ، بعد أن أدخلوها بالقوة إلى مستودع مبنى الوزارة المخصص لتوزيع وشحن جريدة البعث ، حيث انفجرت السيارة فدمرت مكاتب الجريدة في الطوابق السفلى ، وكان ( مايكل فرنشمان ) المحرر السابق في صحيفة التايمز اللندنية في مكتب وكيل وزارة الإعلام ، فنقل الخبر إلى وكالات الأنباء .

ــ كانت السلطة تبدل العناصر يومياً بعد أن يروا من المصاعب مايذهلهم ، فيدخلوا عناصر جديدة متحمسة .

ــ في اليوم التاسع عشر من المعركة صارت دبابات السلطة تتحرك بحرية مستفيدة من اتساع الهدم وقلة ذخائر المقاومة الشعبية .

ــ تصاعد عدد الخسائر في الأرواح في صفوف الجنود والمواطنين والطليعة .

ــ مازال مقاتلو الطليعة يقاتلون بضراوة ويغنمون أسلحة وذخائر من عدوهم .

ــ تبحث السلطة عن العلماء في بيوتهم وتنقلهم إلى جهة غير معلومة .

ــ في اليوم الحادي والعشرين من المعركة تقدمت السلطة في حي البارودية ، وبقي في يد الطليعة (20) منزلاً تحيط بها الدبابات من كل جانب ، بعد أن هدموا المناطق المحيطة بها كلها .

ــ تمكنت السلطة من قسم منطقة الطليعة إلى قسمين :

 1ــ دار بيت عروانة  .  2ـ دار الجر حــى  .                     

آخر أيام الملحمة : يوم الثلاثاء (23/2/1982م) 

المعارك الأخيرة في حي البارودية :

حاولت السلطة في الرابعة صباحاً اقتحام موقع الطليعة ولكنها فشلت بعد أن تكبدت خسائر جسيمة ، وفي الصباح زادت هجمات السلطة وزاد عدد الشهداء ، كما فجرت السلطة المنزل المجاور ل ( بيت عروانه ) الذي لجأ المقاتلون إلى قبوه الكبير .

وفي دار الجرحى دارت معارك ضارية قتل فيها حوالي مائة عنصر من السلطة واستشهد عدد كبير من المقاتلين ولم يبق سوى خمسة عشر مجاهداً ، ليس لهم إلا بنادقهم وقليل من المخازن ، وقد دمرت السلطة منزلهم ولم يبق لهم سوى القبو .

قرر مقاتلو الطليعة مغادرة القبو والاستشهاد في أرض المعركة فوزع أبو عارف إخوانه على مجموعتين خرج هو على رأس أحدها وعددها خمسة، وعند خروجهم اشتبكوا مع عناصر السلطة ولم يعرف عنهم شيء بعد ذلك .

وتمركز ت المجموعة الثانية في القبو ، ولم يجرؤ الجيش العقائدي على دخول القبو ، فألقوا فيه عدة قنابل وآلاف الطلقات عن بعد ثم أهالوا التراب بالجرافات على القبو ، ودخل التراب في بنادق مقاتلي الطليعة داخل القبو، ولم تعد صالحة للرمي ، وودع المقاتلون بعضهم ، ظناً منهم أن الجيش سيلغم القبو ويفجره ، ولكن شاء الله أن ينصرف الجيش بعد أن ردم القبو مطمئناً إلى القضاء على مقاتلي الطليعة  .

وبعد الثامنة مساء تمكنوا من فتح ثغرة في التراب وخرجوا متسللين على مراحل وهم ثمانية أحياء خرجوا على مرحلتين ، وبقي في القبو ثلاثة جرحى يعجزون عن الحركة ، ووصل بعض هؤلاء الثمانية أو كلهم إلى بغداد ليرووا لكم أيها القراء ملاحم البطولة التي قرأتموها .

مجزرة آل شـيخ عثـمان :

وفي آخر أيام المعركة جمعت قوات السلطة مجموعة كبيرة من (آل شيخ عثمان ) تزيد على (25) شخصاَ في حي البارودية ، وقتلتهم جميعاً ، عرف منهم الشهيد محمد الشيخ عثمان فقد دخل القتلة بيت هذا الشهيد ولم يجدوا سوى زوجته الحامل وأطفالها السبعة ، فبقروا بطن الأم ووقع جنينها أمامها ، ثم أقدموا على قتل الأطفال ، وفتحوا اسطوانات الغاز وأضرموا النار في الأسرة والبيت جميعاً .

ــ وفي يوم الخميس (25/2/1982م ) صعدت السلطة هدم المساجد (بعد انتهاء المقاومة) وهدمت مسجد سوق الشجرة ، والجامع الكبير في المدينة ، وجامع المسعود في المحالبة، وجامع الحوراني في الحوارنة ، وجامع الشهداء في الصابونية ، وجامع الإيمان في الشريعة ، وجامع صلاح الدين جنوب الملعب ، وجامع ترسم بك في المحالبة ، وجامع الهدى في طريق حلب ، وكنيسة السيدة العذراء في حي المدينة . واستمرت السلطة في هدم المساجد ، فبعد شهر من الأحداث أي في نيسان (1982م) هدمت السلطة مسجد حي المناخ ، ومسجد الأربعين ، ومسجد مروان حديد ، ومعهد الروضة الهدائية الشرعي ، وجمعية رعاية المساجد .

الجمعـة (26/2/1982م) : 

انتهت المقاومة منذ يوم الثلاثاء ، ولكن السلطة مازالت تعتقل وتقتل وتهدم ، وفي هذا اليوم ساقت (16) مواطناً في حي الفراية الذي لم تخرج منه طلقة واحدة مقاومة ، ساقتهم لينقلوا لهم الأمتعة التي نهبوها من المحلات التجارية إلى الناقلات العسكرية المرابطة جوار الجامع الجديد في سوق الطويل ، وبعد أن أنهى هؤلاء المواطنين مهمتهم ونقلوا لهم الأمتعة ، أدخلوهم في الجامع الجديد ورشوهم بالرصاص فقتلوهم جميعاً .

مذبحـة العلمـاء والدعـاة ومدرسـي التربية الإسلامية :

وفي هذا اليوم الجمعة ، وقد انتهت المقاومة منذ يوم الثلاثاء ، اعتقلت السلطة (1500) مواطناً من العلماء وأئمة المساجد والمؤذنين ومدرسـي التربية الإسلامية وموظفي الأوقاف .

منهم الشيخ بشير مراد ( مفتي حماة ) ، الشيخ الداعية المربي  أديب الكيلاني ، الشيخ زهير أديب هزاع ، الحاج بكري بكرو ( 72 سنة ) ، محمد عرعور (62سنة ) ، وليد عدي ، الأستاذ سهيل الشــعار (مدرس تربية إسلامية ) ، الشيخ كلال مراد ، الشيخ ناجح مراد ، الشيخ أحمد مراد ، الشيخ خالد العتال ( ضرير ) ، إبراهيم الحداد (مدرس تربية إسلامية ) ، الشيخ مصطفى حوى ، الشيخ منير الحوراني (72سنة ) ، وغيرهم كثير ( انظر كتاب مأساة حماة  230) .

مجـزرة طريـق سـريـحين :

تقع قرية سريحين شـرق مدينة حماة على بعد خمسة كيلو مترات فقط ، وفي منتصف هذا الطريق وقعت واحدة من أبشع مجازر حماة الجماعية ، التي لم تعرف التفصيلات الكثيرة عنها ، لأن القتل الجماعي استحر فيها ، ومانجا إلا كأصابع اليد ، قدر لهم أن يكونوا شهادة حية على ذبح أناس ملأوا إحدى عشرة شاحنة طوتهم الأرض الطهور في سريحين ، يقول أحد الناجين من إحدى هذه المجازر :

كنت ضمن أعداد كبيرة بازدحام شديد ، حتى كادت تتقطع أنفاسنا ، وسيق بنا إلى سـريحين ، حيث أمرنا بالنزول فنزلنا ، وكان أول مارأينا مئات الأحذية المتناثرة على الأرض ، وأدرك الجميع أنها تعني مقتل مئات المواطنين من أبناء بلدتنا ، وأننا على الموت مقبلون .

فتشنا بعد ذلك ، وأخذت منا الأموال التي معنا ، وجردنا من ساعاتنا ، ثم أمرتنا عناصر السلطة بالتقدم نحو الخندق العميق الذي يمتد أمامنا إلى مسافة طويلة ، وأمر قـسم منا بالنزول إلى خندق مجاور .

وعندما تقدمت إلى موقعي أمام الخندق ، رأيت الجثث المتراكمة على بعضها البعض ، يلطخها الدم الحار ، وكان مشهداً رهيباً لم أستطع تحمله فأغمضت عيني ، وتحاملت على نفسي خشية الوقوع على الأرض ،

وحدث ماكان متوقعاً ، انهال الرصاص الغزير علينا ، وهوى الجميع إلى الخنادق مضرجين بدمائهم ، أما القسم الذي أنزل إلى الخنادق فقد أطلقت عليهم النار داخله .

ويضيف الراوي الذي نجا بقدر الله :

كانت إصاباتي خفيفة  وقدر الله لي أن أنجو بأن صبرت حتى خلا المكان من الجزارين ، وهربت متحاملاً على جراحي وأنقذني الله من ذلك المصير ، حيث يموت الجريح تحت الجثث الأخرى .

ــ وفي اليوم السابع والعشر ين من الملحمة ( الأحد 28/2/1982م ) قامت السلطة بإنزال جوي في قرية طيبة لإمام ، ( شمال حماة ب(18) كلم ، واعتقلت بضعة عشر رجلاً من القرية ، منهم القاضي محمد أحمد قناص .

القوات المشاركة في تدمير حماة  :

اللواء (47) دبابات ، واللواء (21) دبابات ، والفوج (41) إنزال جوي ، واللواء (138) من سرايا الدفاع ، واللواء (142) دبابات من سرايا الدفاع ، والفرقة الانتحارية (22) من سرايا الدفاع ، والفوج (114) مدفعية ميدان وراجمات صواريخ ، وعشرات الطائرات المروحية . وهكذا تكون مجموع الأسلحة :

1 ـ (248) دبابة من طراز ت 62 ، وت 72 ، وهي أحدث الدبابات في الجيش السوري ، أما في مواجهة الصهاينة فوضعت السلطة الدبابات القديمة مثل ت34 ، ت54 ، ت55 .

2 ـ (108 ) مدفع ميدان عيار (135 ) ملم ومداه (25 ) كلم .

3 ـ (48) مدفع هاون عيار (160) ملم .

4 ـ (248) قاعدة إطلاق صواريخ . واستخدمت راجمات الصواريخ الكورية في سرايا الدفاع .

5 ـ استخدمت عشرات الطائرات المروحية المزودة بصواريخ مضادة للدروع ( جو ـ أرض ) .

  (25000) خمسة وعشرون ألف جندي .

خســائر السـلطة :

ورد في كتاب حماة مأساة العصر أن الأركان العامة للجيش السوري رفعت تقريراً إلى القيادة القطرية لحزب البعث جاء فيه أن خسائر السلطة في حماة سـبعة آلاف قتيل ، (600) منهم ذهبوا قنصاً ، ومن يوم (22/2 ) وحتى يوم (26/2) قتل من عناصر السلطة (1500) قتيل ممايدل على صلابة المقاومة الشعبية في الأيام الأخيرة .

ســياسـة المجـازر الجماعيـة :

سبق أن قلنا أن نصيحة خبراء الجريمة السوفييت التي عمل بها حافظ الأسـد تقول : اقتلوا خمسين مواطناً في المكان الذي يقتل لكم فيه جندي واحد ، ومن ربيع عام (1980م) بدأت السلطة الأسدية بتنفيذ سياسة المجازر الجماعية ، وفي مأساة حماة اتضح مايلي :

كان القتل هو الأساس الذي بنت عليه السلطة استراتيجيتها في حماة ، وممايلفت النظر أن أواومر القتل تأتي أحياناً محددة عددياً ، من قبل السلطات العليا ، فيأتي الأمر بأن يكون عدد القتلى اليوم سبعة آلاف مثلاً ، وفي يوم آخر يجب أن يكون عشرة آلاف ، وقد اعترض العقيد يحيى زيدان قائد المخابرات العسكرية في حماة على القتل ، لأنه يحرم المخابرات العسكرية من خيوط التحقيق ، وقد رفع احتجاجه إلى حافظ الأسـد ، الذي تحدث مع المقدم علي ديـب في هذا الموضوع ،فقال المقدم علي ديـب : سـيدي المعتقلات لاتتسـع ، أين أضعهم ؟ مع أننا لم نترك مدرسـة أو معمل إلا استخدمناه فأين نضعهم ؟ فقرر حافظ الأسـد أن يقتلوا الثلث من رجال الحي ويعتقلوا الثلثين للتحقيق ، مع التقيد بالعدد المحدد يومياً للقتل ، فالسياسة العليا ترمي إلى تصفية شـعب حماة في أسرع وقت ممكن ، لقطع الطريق على انفجارات جديدة في القطر ، وإعادة القطعات العسكرية إلى لبنان للحاجة لها هناك ، والخوف من انكشاف أمر المرتزقة العلويين الأتراك وهم حوالي (600) عنصر اشتركوا في تدمير حماة ، فالوقت لايسمح بالمزيد من التحقيقات ، وكان من الأوامر التي صدرت من حافظ الأسد في نهاية الصراع المسلح مع مقاتلي الطليعة ، رفع عدد القتلى إلى رقم محدد ، حدده بنفسـه مساء يوم الخميس (25/2/1982م) ، وفي صباح الجمعة قامت قوات السلطة بحملة اعتقالات واسعة ، وسيقت مجموعة للقتل حوالي (1500) مواطن ، بينهم مفتي حماة ورئيس جمعية العلماء ، وعدد من العلماء ومدرسي التربية الإسلامية ومؤذني المساجد وأئمتها ، وقيل أنهم دفنوا في منطقة قرية (براق ) أو على طريق محردة في حفرة جماعية .

وهكذا وصل عدد المواطنين الذين قتلتهم السلطة قرابة ثلاثين ألفاً ، واعتقل قرابة ستون ألفاً ، بقي قسم كبير منهم خمسة عشر عاماً في المعتقلات الأسـدية .

بـيـان بالمسـاجد التي هـدمـت :

الأضرار التي لحقت المساجد نوعان ، بعضها نتيجة القصف العشوائي بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ ، والدبابات ، وبعضها تم تدميرها بعبوات ناسـفة زرعت حول جدران المسجد وفجرت عن قصـد ، وهذه خلاصة ذلك :

المساجد التي فجرت عن قصد :

1ــ أربعـون مسجداً تم تفجيرها ، ثلاثون منها هدمت بالكامل وتعطلت عن أداء مهمتها، وعشرة منها هدمت بشكل جزئي .

2ـ عشرة مساجد دمرت نتيجة القصف بمدفعية الميدان الثقيلة ، وجميعها هدمت بشكل جزئي .

3 ـ أربعة مساجد أصيبت بالقصف العشوائي ، ثم أكملوا هدمها بالتفجير

وبعد ثلاث أو أربع سنوات قام المحسنون وأهل الخير في الأحياء لإصلاح المساجد المدمرة جزئياً ، ولابد أن يحصلوا على موافقة من المخابرات العسكرية ، وعندئذ اشترط عليهم العقيد يحيى زيدان أن يقدموا معروضاً يوقعه وجهاء الحي يطلبون فيه السماح لهم بإصلاح المسجد الذي دمرته عصابة الإخوان المسلمين عام (1982م ) ، وتم له ذلك ، لأن الأهالي مضطرون إلى إصلاح المسجد وترميمه .

المعتقــــــــلات :

كان القتل هو الأساس الذي بنت عليه السلطة استراتيجيتها في معالجة موضوع حمـاة ، أما الاعتقال فهو وسيلة مساعدة لتحقيق الهدف الاستراتيجي الأول ( القتل ) ، إضافة إلى مايقدمه من معلومات .

ومما زاد عــدد المعتقلين المسالمون الذين هموا بمغادرة البلد ، والجرحى من القصف العشوائي ، فجمعهم عناصر السلطة في المعتقلات .

وكانت حماة أثناء المــجزرة سـجناً كبيراً مطوقاً بسياج محكم من الآليات والأسلحة والجنود ، ولم تكتف السلطة بهذا لأنها تخاف أن يتحرك هذا المواطن المسالم ، ويحمل السلاح ضدها لذلك لابد من اعتقاله ، وبالتالي لابد من قتل بعض الشعب واعتقال الباقين ، إلا أن السجون العادية غير كافية ، فهي لم تصمم لشعب كامل ، ولابد من فتح سجون جديدة تتناسب مع ضخامة العدد ، وعلى هذا استخدمت كل مدرسة أو معمل أو ثكنة عسكرية ...إلخ وهذه أسماء بعض المعتقلات :

معتقل اللواء (47) ــ معتقل الثكنة ــ معتقل المطار ــ معتقل المحلجـة ــ معتقل المنطقة الصناعية ــ معتقل مدرسة غرناطة ــ معتقل مدرسة الصناعة ــ معتقل معمل البورسلان ــ معتقل المخابرات العسكرية ــ معتقل الأمن السياسي ــ معتقل أمن الدولة ــ معتقل معمل الغـزل ــ معتقل معمل البلاط ــ معتقل مركز الدفاع المدني .

ولعل الحديث عن بعض هذه المعتقلات يعطي صورة عامة عن مجملها وعن طبيعة النظام والمعركة .

معتقـل مدرســـة الصــناعـة :

1ـ الازدحــام :  حولت قاعات الدراسة وورشات المعامل فيها ، وتبلغ حوالي خمسين غرفة وعشر ورش كبيرة ، حولت إلى أماكن للاعتقال ، وكان التعذيب فيها سهلاً لكثرة الأدوات الموجودة وتنوع أشكالها .

وقد سجن فيها حوالي خمسة عشر ألف مواطن ، وزعوا في غرفها وقاعاتها  ، بما يقرب من مئتي شخص للقاعة ، ومائة شخص للغرفة ، التي لايزيد طولها عن سبعة أمتار وعرضها ستة أمتار

2ـ البرد والجـوع والظمأ : فصل الشتاء لم ينته بعد ، والأمطار والرياح في أوائل آذار تلسع الجلود ،والناس محشورون بملابس النوم ، أو حفاة أو أشباه عراة ، وحظهم من الطعام خمسة كيلو غرام خبز توزع على مائة معتقل كل ثلاثة أيام ، والماء يأتيهم شحيحاً ، فيتدافعون عليه لشدة الظمأ .

3 ــ التـعــذيـــــب :

آ ـ التعذيب بالملزمة : يؤتى بالمعتقل وتوضع رجله أو يده في الملزمة الضخمة ، ويشد على الملزمة حتى تمزق لحمه ، وتهرس عظامه ، ويوضع الرأس أحياناً ، أذا أرادوا القضاء على الشخص بسرعة .

ب ـ المكبــس الحديدي : يضغط على الرأس حتى تتكسر عظامه .

ج ـ كرسي سليمان : وهو الخازوق الحديدي ، الذي يجلسون الرجل عليه حتى يسيل الدم من قفاه .

د ــ بسـاط الريــح : يعلــق المعتقل من يديه ورجليه في السقف ، مع تجريح ظهره وبطنه بالسكين ، ويترك حتى ينزف دمـه .

هـ ــ الكهرباء : توضع أسلاك الكهرباء في لسان المواطن ، ودبره وقبله ، كما يوضع أحياناً على سخانة كهربائية مشتعلة حتى تفوح رائحة لحمه

و ــ الكي بالحديد المحمى : تحمى أسياخ الحديد على النار وتغرز في جسد المواطن ، في الصدر والظهر والبطن ، وقد عذب رجل عمره ستون عاماً بهذا الشكل ، وآخرون غيره .

ز ــ الخنــق : يضعون رأسـه على الجدار ويضغطون بأنبوب على رقبته حتى يموت .

كان هذا التعذيب يجري أمام المواطنين المعتقلين في قاعة التعذيب ، وهم مصطفون بشكل رتل أشباه عراة .

واضافة إلى ذلك كانت الدبابات تمر في الشوارع فوق أجساد بعض الأحياء من الجرحى ، كما شاهد الناس جثثاً تنهش منها الكلاب .

معتقـل معمــل البورســـلان :

زُج فيه سبعة آلاف مواطن على الأرض المعبدة في ساحة المعمل ، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ، على الرغم من شدة البرد والصقيع ، وظلوا هكذا ثلاثة أيام مكتوفي الأيدي إلى الوراء ، فتوفي منهم عشرة مواطنين ، وكان يوزع لهم نصف رغيف من الخبز لكل شخص يومياً ، وأما الصلاة فكانت بالإيماء ، أو خفية ، وكان بعضهم لايتجرأ على ذلك ، أما المستحيل فهو ماء الوضوء .

وأثناء التحقيق تعصب عين المواطن ويداه مقيدتان إلى الوراء ، وكان معدل الوفاة (6ــ7 ) أشــخاص يومياً ، وفي هذا المعتقل استخدم الجنود كـي الجلد بإشارة (  X ) على الوجه والصدر ، وقص الأذن ، وترك النزف حتى يموت الشخص ، وحرقوا اللحـى بولاعة الغاز .

معتقـل المحلجــة الخماســية :

دخل قسم من اللواء (21) بدباباته فسرقوا خزانات الموظفين من أموال وعدد وأدوات ، ثم جمعوا حوالي ثمانية آلاف معتقل ، وقد عزلوا (83) شخصاً منهم اعترفوا بأنهم مسلحون ، ووضعوهم في قبو فيه ماء بارتفاع نصف متر تقريباً ، وكان الجنود يحرقون سجلات المحلجة وأكياس القنب للتدفئة ، ويقذفون بقاياها المحترقة على رؤوس الشباب المسلحين في القبو ، وكانوا يقذفون لهم ببذور القطن ليأكلوا منها ، وأمروهم أن يشربوا من الماء المتجمع في أرض القبو ، ثم حملوا في نهاية المعركة إلى مكان مجهول .وبعد أيام حمل جميع المعتقلين في ســيارات (زيــل ) عسكرية ، وأخذوا إلى تدمر ( غالباً ) ولم يعد أحد منهم حتى تأليف كتاب حماة مأساة العصر .

كــل حمـوي متهــم :

بعد ماتقدم يتبادر إلى الذهن سؤال : هل كان شعب حماة كله مناوئاً للنظام !!؟ هل كان الأطفال والشيوخ العجز والنساء محاربين للسلطة!!؟ هل حمل الأطفال السلاح !!؟ هل حملت الأجنة في بطون أمهاتها السلاح !!؟ وهناك أسئلة أكثر غرابة : هل كان الشيوعيون ضد السلطة !!؟ هل حملوا السلاح ضد السلطة !!؟ لماذا قتلوا المهندس الشــيوعي ( اسماعيل نوفل ) !!؟ هل كان هذا الشيوعي منظماً مع الإخوان المسلمين !!؟ .

يروي أحد مسيحيي حماة أنه جاء إلى العقيد علي ديـب أحد قواد الوحدات الخاصة ، وأحد كبار المسؤولين عن مجازر حماة ، وقال له : ياسيدي إنكم تبحثون عن الإخوان المسلمين ، وأنا مسيحي ، فأجابه العقيد : إن مسيحيي حماة كلهم إخوان مسلمون !! وقد قتل عدد كبير من مسيحيي حماة ، فما معنى إخوان مسلمون عند السلطة الأسدية إذن : إنه كل من يعارض سياستها ، كل من يقول لا ، لا ، ياأسـد ، المعركة يجب أن تكون في الجولان وليس في حماة ، كل من يقول : أســد عليّ وفي الجولان نعامـة ، كل من لايداهن لحافظ أسـد فهو من الإخوان المسلمين !! حتى لو كان مسيحياً ، وهذا شـرف كبير للإخوان المسلمين ، يعني أنهم هم وحدهم قالوا : لا ، لا، لا، يا حافظ أســــد ، (ياحافظ مانك منا خذ زلامك وارحل عنا ) ، فكلمة إخوان مسلمين صارت تطلق على كل وطني شريف .

ولاحول ولاقوة إلابالله العلي العظيم ، والحمد لله الذي لايحمد على مكروه ســواه .

* كاتب سوري في المنفى

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ