من
يحاول خداع من .. ؟
محمد
هيكل
قد
تصمت الحكومات العربية كثيرا .
وقد يصيبها البكم والصم ، وقد
تفقد البصر ، إذا كان ذلك يخدم
مصالحها ويحقق أهدافها ، التي
لا تتجاوز مصالح وأهداف
المتربعين على الكراسي في
عواصمها . لكن ذلك لا يمنع من أن
تخرج هذه الحكومات بين الحين
والآخر على العالم ببعض الأفكار
والآراء ، التي يمكننا أن نطلق
عليها (صمت دهرا .. ونطق كفرا) .
الحكومات
العربية بقيت صامتة على مدى ما
يزيد على قرن من الزمان ، على
الرغم من الأحداث الجسام التي
ألمت بجسم الأمة . فمن الاستعمار
، إلى ضياع فلسطين ، إلى احتلال
العراق ، إلى الهيمنة السياسية
والاقتصادية على الكثير من
الأنظمة العربية اليوم ، ومع
ذلك لم تتحرك الأنظمة العربية ،
أو يبدو عليها أنها استشعرت
الخطر وفداحة المصائب التي ألمت
بالأمة ، فتبادر إلى انتهاج
سياسة محكمة تقلل بها المخاطر ،
وتلملم جهود ألأمة المبعثرة ،
وتداوي جراحها الغائرة، وتجعل
الآخرين يقدرونها حق قدرها .
في
خضم أزمة دارفور ، وبعد أن وصلت
المشكلة إلى أروقة الأمم
المتحدة وتحولت إلى أزمة دولية .
وبعد أن بدأ المستعمرون القدماء
الجدد يدقون طبول الحرب
ويستنفرون قواتهم ، نطق حكماء
العرب بالحكمة . لم يوجهوا
إنذارا إلى المهددين والحاشرين
أنوفهم في خصوصيات غيرهم . ولم
يدعوا الأخوة المتحاربين في
السودان للجلوس وحل مشاكلهم .
ولم يعرضو إرسال قوات عربية
لحفظ السلم وتثبيت الأمن في
الإقليم المضطرب . لكنهم قالوا
لا مانع من إرسال قوات دولية
بتمويل أمريكي .
ألا
يعلمون أن ذلك ترسيخ ومباركة
لاحتلال جديد لجزء عزيز من تراب
الأمة؟ . لماذا لا تكون قوات
عربية وبتمويل عربي ، فتحفظ
الأمن وتطمئن الناس وتعيد الثقة
في العروبة والإسلام ، وتسقط
محاولات الطامعين والحاقدين ؟ .
أم أن ذلك يغضب على الحكام
أسيادهم ؟.
الطريف
أن الولايات المتحدة ردت على
ذلك بمشروع آخر يتمثل في أن يتم
إرسال قوات أوروبية تمولها
الحكومات العربية . فهل يخدع
الأمريكيون الحكام العرب أم أن
الحكام العرب يخدعون أمريكا ؟ .
لا ندري من يخدع من . لكن الأكيد
أن كليهما يخدع الآخر . وتبقى
مصالح ووحدة الأمة في مهب الريح
، لا تهم الحكام لا من بعيد ولا
من قريب . وأغلب الظن أن دارفور ،
وربما السودان بكاملها ، ستخرج
من المحيط العربي ليتم أزنجتها
وإعادتها إلى الوثنية . ولا
يستبعد أيضا أن تضيع كل البلاد
العربية ، ويتحول العرب إلى أمة
في ذمة التاريخ مثل الهنود
الحمر .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|