ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 19/12/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المشروع السياسي لإخوان سورية...

لماذا الآن؟

بقلم: إسماعيل أحمد*

 اعتدنا من بعض الناطقين باسم السلطة وأجهزتها الأمنية على ربط كل عرض وحادثة وحديث، إذا كان لا يعجب "النظام" بفزاعة التوقيت، ونظرية المؤامرة على الوطن! خاصة أولئك الذين ألفوا أن يفكروا بالذهنية الاستبدادية ذاتها وهي تغتال الطفولة وتلوث براءتها بدنس معاركها السياسية التصفوية، وتلقن طلائعها البعثية أحقادا وأضاليل وأهازيج سخيفة، فإذا بالصغير والكبير مجبر إن أراد ان يحيي علم بلاده الذي يلم شمل الجميع، أن يكفر ابتداء بأن الوطن للجميع، وأننا جميعا شركاء فيه!

كيف لا ومنشورات البعث تهيجهم ليرددوا  بذات الصوت الذي يصدحون به (حماة الديار عليكم سلام)، وبذات الصوت الذي يصدح بكل فخار: (أمة عربية واحدة)، ليلعنوا السلام بعد السلام، ويمزقوا وحدة الوطن والمواطن بعد ان يصدحوا بوحدة الأمة! فإذا بهم لا يرون في الآخر المختلف غير عميل وأداة وعصابة! فتملي عليهم فروع الشبيبة والطلائع بأن يقرنوا تحية العلم بأحقاد: (عهدنا.. أن نتصدّى للإمبريالية والصهيونية والرجعية.. وأن نسحق..آداتهم المجرمة، عصابة الأخوان المسلمين العميلة)!!

من يدري ربما تخرج هذه الأبواق غدا لتربط المشروع بمؤامرة خارجية ما، خاصة وأن نظرية المؤامرة السلطوية جاهزة للتكيف مع كل واقع، كيف لا والتهديدات الأمريكية وقرار مجلس الأمن الأخير الذي يطالب بعدم التدخل بلبنان، كيف لا والنظامان الأردني والعراقي الجديدان يصعدان الاتهامات للسلطة بالتدخل في العراق، كيف لا ، وكيف لا وكيف لا...، بل الأدهى من ذلك كله أن سورية تمر الآن بمنعطف تاريخي، وستبقى تمر بمثل هذه المنعطفات الحساسة كلما تظاهر مواطن للمطالبة ببعض حرياته، أو عنّ لرأي حر أن يقول للمفسدين: من أين لكم هذا؟ أو خطر ببال جهة ما أن تطالب بحق مضيع!

ماذا عسانا نجيب هؤلاء؟!

أعترف لك قارئي الكريم أن حديثي هنا ليس موجها لهذه الشريحة المؤامراتية، لأنني أعتقد أن جواب هذه الشريحة لا يقتضي المنطقية، ولكنه يحتاج منهم أنفسهم أن يتناولوا "حبة" ضمير وسيشفون بعدها يقينا مما ألم بهم من هواجس. (قل هو من عند أنفسكم).

لكنني مشغول والله، وأتوجه بحديثي لأخاطب ذوي الضمائر والاستقلال الفكري، فهؤلاء أيضا قد يخطر ببالهم سؤال مشروع عن توقيت إعلان المشروع، فلماذا الآن؟

دعونا ابتداء نلفت النظر إلى أن الأستاذ علي البيانوني مراقب عام الإخوان المسلمين في سورية قد صرح بعزم الجماعة على طرح المشروع منذ خمس سنوات تقريبا، في لقائه الأول مع برنامج (بلا حدود) في قناة الجزيرة، وأن موقع الجماعة على شبكة الإنترنت يعرض مقدمة هذا المشروع منذ سنوات عدة، فالفكرة ابتداء ليست طارئة وقد أشار المشروع لهذا في هامش مدخله حيث جاء: (لا يفوتنا أن نشير إلى أن الإعداد لهذا المشروع بدأ منذ سنوات سبقت عرضنا لميثاق الشرف الوطني، وقبل أحداث 11 أيلول التي جاءت بعد الميثاق بأكثر من أربعة اشهر.).

كانت الجماعة تعتزم على تقديم المشروع كمشروع حضاري إسلامي، لكنها تبينت لاحقا أن النهوض الحضاري الإسلامي لا يقوم على أكتاف قطر واحد من أقطار العرب والمسلمين، ومن هنا كان مشروعها السياسي خطوة في طريق النهوض الحضاري بالأمة، وكان كما عرف نفسه بنفسه: (رؤية عصرية مرحلية للخروج بقطرنا العربي السوري من وهدة التخلف إلى يفاع العصر ليكون شريكاً في الإنجاز الحضاري الإنساني).

في هذا الإطار دعونا نتساءل الآن عن الحاجة لمشروع حضاري إسلامي:

في تصوري وتصور الكثيرين، فقد أصبحت الحاجة ملحة على الصعيدين العالمي والمحلي!

 ففي عالم يسوده الظلم والعنصرية والنهب والقهر والعنف والتطهير العرقي، واضطهاد الأقليات، في عالم المنفعة اللاأخلاقية التي أدت إلى إفساد البيئة والحياة فوق بركان نووي وذري، في عالم يموت فيه سنوياً 50 مليوناً بسبب الجوع منهم 15 مليون طفل، في عالم يستأثر فيه 20% من السكان بخيراته على حساب 80% من هؤلاء السكان، في عالم الاغتراب بسبب سيطرة الآلة وحالات الانتحار حتى في البلاد الغنية ذاتها عالم الاكتئاب واللامعقول والإسفاف وقهر الإنسان، في هذا العالم تبدو الحاجة ملحة وعاجلة إلى مشروع حضاري للإنقاذ، يؤكد على قيمة الإنسان، ويتعامل مع الكون والطبيعة من منطلق الصداقة والتناغم والانسجام، وليس الصراع والسيطرة والمنفعة اللاأخلاقية، مشروع حضاري يؤكد على المحافظة على البيئة وربط الإنتاج بحاجة الإنسان دون إخلال بالتوازن البيولوجي أو الاجتماعي، مشروع حضاري يؤكد على اللاعنصرية والعدل والحرية والمساواة والمسئولية الأخلاقية والاجتماعية عن الفقراء والمستضعفين، عالم بلا فقر ولا مجاعة ولا ازدواج معايير، عالم بلا اضطهاد للأقليات، أو ممارسة التطهير العرقي، عالم التعاون بين البشر وليس نهب بعضهم لحساب البعض الآخر، عالم بلا استبداد وبلا قهر وبلا عنف، وهذا كله لا يتوفر إلا في القيم الحضارية الإسلامية التي أثبتت سموها على المستوى النظري والمذهبي، وعلى المستوى التطبيقي، الأمر الذي تفتقده كل المنظومات الحضارية الأخرى، بله تلك التوجهات التي ترتهن لها أو تنبهر بها، أو تقتات على موائدها! ولكن هذا الأفق لعالمي لا يقوم على فراغ، فكان لا بد من أن ننزله على أرضنا، وينهض به إنساننا أولا، على أرضية خلفيتنا الحضارية، ورسالتنا الخالدة،  ثم نرفع لواءه بكل حب وغيرة وحرص ليعم نفعه العالم أجمع..وهكذا كاننت الحاجة إلى المشروع الحضاري الإسلامي على المستوى المحلي أكثر حيوية، لأن وطننا في مجمله خاضع للفساد والاستبداد والانحطاط التنموي والجمود الاقتصادي، فضلا عن ضياع أجزاء منه تحت وطأة الاحتلال دون أن نقدم لها غير الشعارات والخطب الإعلامية الرنانة!

لقد كان المشروع الحضاري الإسلامي -ولا يزال- هو وحده الطريق لهذا الوطن نحو التحرر والتحرير والتنمية والنهضة، ولا شك أن فشل مشروعات النهضة التي استندت إلى القيم الغريبة والمأزومة مع الهوية، مع تجربتها الطويلة على ساحات الوطن السياسية والاقتصادية، لتؤكد بدورها على أن المشروع الحضاري الإسلامي هو وحده القادر على حشد الجماهير وانتزاع طريق السيادة الحضارية والنهضة والتنمية وحل كل المشكلات والتحديات التي يعاني منها أو يواجهها، واستنهاض همم الشعب نحو التوحيد والوحدة والجهاد، وبناء نمط من التنمية مستقل وغير تابع، الأمر الذي يشكل البداية على طريق التحرر من الاستعمار والهيمنة الغربية، وتحقيق النهضة والتقدم والاتفاق، ومن ثم يأتي بعد ذلك حمل القيم الحضارية الإسلامية للعالم بأسره.

ثمة طارئ على الأمة يجعل العمل على هذين المستويين شاق وطويل، لولا أنه لا فكاك منه لأمة تريد أن تنهض وتحقق شهادتها على الأمم (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس)، إن القضية الكبرى التي اعترضت أمتنا، هي ذلك الانتقال العاصف بالأمة من دولة الخلافة العالمية، إلى الدولة القطرية العلمانية، التي سلكت طريقا محيرا في تصديها لهويتها الحضارية! ولقد أدركت الحركات الإسلامية خطورة هذا الانتقال مبكرا ، فراحت تعمل سلميا وديمقراطيا لاستئناف الحياة الإسلامية من جديد ، لولا أنها لم تستوعب جيدا مستجدات الواقع وتحدياته كما ينبغي، وبقيت تطالب بتطبيق الإسلام كما كان أيام الخلافة الإسلامية الواحدة! وحين تفاجأ بالطروحات الحديثة للحياة ، فإما أن تقف منها موقف الرفض والتحريم والتجريم بصفتها البديل عن الإسلام ، وإما أن تضعف أمامها فتحاول وضعها في قالب شرعي تبريري تسويقي، وترتجل الموقف المناسب ، وتعود بعد ذلك لدراسته ، وكثيراً ما كانت ردود الفعل هي الغالبة في المسير !

وراح الناس يطالبون الحركة الإسلامية بالإجابات على هذه الطروحات ، وبتقديم المنهج في الاقتصاد والسياسة والإعلام وغير دلك، كما يطالبونها بحل المشكلات المستعصية القائمة !

كانت جماعة الإخوان المسلمين سباقة في استيعاب هذه المستجدات والتعامل معها واقعيا بطريقة تتصدى لتحديات الواقع، وما فيه من أسن وركود أو قهر وبغي وظلم، وقد عبرالمشروع السياسي لسورية المستقبل عن مفهوم الواقعية في عرضه لإمكانيات أمتنا العربية والإسلامية بقوله:  (الإدراك الواقعي  لحدود إمكانياتنا المتاحة، إلا أن هذه الواقعية ينبغي ألا تكون مرادفا للعجز والسلبية، فإمكاناتنا المتاحة ليست قليلة، سواء على المستوى المادي أو المعنوي، ويجب توظيفها بالشكل المناسب لتحقيق أفضل الممكن)

في بدايات تأسيس جماعة الإخوان المسلمين كانت مؤتمراتها الجامعة كفيلة بتقديم عدد من التصورات والحلول، خاصة وأنها كانت تتمتع بحرية معقولة في ممارسة أنشطتها، وتستطيع أن تتفاهم مع قواعدها ومجتمعها، فتقوم ما لديها من أفكار وتنضجه، وتدفع عن نفسها ما ترى خطأه أو ضعف جدواه. وكانت رسائل البنا، وكتب السباعي رحمهما الله، تعبر تعبيرا مباشرا عن آفاق العمل الإسلامي، وأهداف الحركة وأطروحاتها ومواقفها من كل القضايا المحلية والإقليمية والدولية المثارة..

ثم مر الوطن بمرحلة استثنائية كانت –حسب تعبير بيان مثقفي ربيع دمشق- مرحلة قطع دستوري دفع فيها كل من الوطن والمواطن الكثير من حريتهما، فاستبيحت كرامة الوطن، واقتطعت أجزاء عزيزة من أراضيه! كما استبيحت كرامة المواطن، واقتطعت أجزاء عزيزة من حقوقه! وكان ذلك شيئ من آثار انقلاب الثامن من آذار الذي دفع سورية إلى حالة من الفتنة كان من آثارها أحداث العنف التي زادته وهنا على وهن!

في تلك الأثناء قدمت جماعة الإخوان المسلمين رؤيتها بعد ان تغيرت المعطيات، وبدلا من النهج الحضاري الذي رسمه السباعي رحمه الله في الفترات الديمقراطية من حكم الوطن، وجدت جماعة الإخوان المسلمين نفسها تضطر للتعامل مع النهج "الثوري" بثورية مضادة، فكان بيان الثورة الإسلامية ومنهاجها الذي نشر في 9/11/1980م، وواضح في هذه المرحلة أن الإخوان كانوا يتفاعلون مع أفكار الشيخ سعيد حوا، والتي تعتبر امتدادا لأفكار الأستاذ سيد قطب رحمهما الله تعالى، وكانت ظروف الأزمة تدفع بهذا الاتجاه..

بقي بيان الثورة الإسلامية ومنهاجها هو أطروحة الإخوان المقدمة للحل، غير أن مرور ربع قرن على هذه الأطروحات، وتغير كثير من المعطيات في أطراف الصراع القديم، وإلحاح الآخرين على أن الإخوان يكتفون بطرح شعارات فضفاضة بوزن (الإسلام هو الحل) دون أن يقدموا برنامجا تفصيليا، وتنامي التيار الوسطي الحضاري في صفوف الجماعة، وهو تيار كان يضغط باتجاه عودة الجماعة إلى أصولها، وشعور الجميع بأنه ما لم يكونوا على مستوى المتغيرات والواقع فسيتجاوزهم الزمن ، محملين بإثم التخلف عن الركب ، وسيدخلون مرحلة الاستبدال التي قال الله تعالى عنها : [ وإن تتولوا يستبدل قوماً ثم لا يكونوا أمثالكم ]  كل ذلك كان دافعا باتجاه تقديم هذه الرؤية الإخوانية العصرية لسورية المستقبل. وأعتقد انها خطوة في الاتجاه الصحيح مهما اعتورها من قصور وتقصير وتأخير...ومع هذا فسيخرج لنا من دهاليز الأجهزة الأمنية ليحدثنا غدا عن التوقيت الخاطئ! فحتى متى نعيب زماننا ونفتري على التوقيت؟!!

* باحث سوري

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ