البعثيون
يهدمون مسجد السلطان
في
حماة عام 1964م
خالد
الأحمد*
عندما نقول أن جماعة الإخوان المسلمين في
سوريا ، تدعو الناس إلى الإسلام
، وتدعو المسلمين إلى الالتزام
بالإسلام ، بالحكمـة والموعظة
الحسنة ، والمجادلة بالتي هي
أحسن ، وأن سبيلها إلى ذلك العمل
التربوي والإعلامي والسياسي .
عندما نعلن ذلك ، يعترض بعضهم
علينا ويقول : كيف تقولون هذا !؟
هل نسيتم مافعلتم في عقد
الثمانينات !؟ والجواب على ذلك
يحتاج عدة مقالات أولها هذه
المقالة ، ذات الأهمية لأنها
أول اصطدام بين الشباب المسلم
والنظام البعثي . وفهمها يلقي
الضوء على عقد الثمانينات .
مـروان حـديـد :
ولـد مـروان
خالد حـديـد يرحمه الله في حماة
عام (1934) في أسرة مستورة الحال ،
ومعظم أشقائه من الاشتراكيين ،
وفي اليوم الذي اغتيل الشهيد
حسن البنا ، شاهد مروان أخاه
الكبير فرحاً ويقول قتل اليوم
أخطر رجل في العالم العربي ،
ودفع ذلك مروان إلى التعرف على
حسن البنايرحمه الله ، ثم التحق
بالإخوان المسلمين ، درس
الهندسة الزراعية في عين شمس
بالقاهرة ، ثم درس الفلسفة في
جامعة دمشق ، وفرغ نفسـه للدعوة
إلى الله .
وفي (1964) اختلف مروان حديد مع الإخوان
المسلمين ، الذين يرون الدعوة
إلى الله بالحكمة والموعظة
الحسنة، وتربية الفرد المسلم ثم
الأسرة المسلمة فالمجتمع
المسلم ... رأى مروان أن سوريا
مهددة من قبل الأقليات ، وأن
الزمن والقوى الخارجية في
صالحهم ، وأنهم سيحاربون
الإسلام جهراً إذا تمكنوا من
الحكم . لذلك رأى ضرورة القيام
بعمل سياسـي عاجل من أجل إسقاط
النظام البعثي الذي يعتمد على
الأقليات ، والعودة بسوريا إلى
النظام الديموقراطي الذي كان
سائداً خلال الخمسينات . واعتقد
مروان أن الإضراب السـلبي حيث
تتعطل دوائر الحكومة والأسواق
والمدارس والجامعات ..... تتعطل
عن العمل كفيل بإسقاط الحكومة
إذا شاركت فيه معظم محافظات
سوريا ، كما فعل السوريون خلال
الانتداب الفرنسي في إضراب
الستين يوماً ، وقد غيروا
الحكومة المعينة من قبل
المستعمر يومها بحكومة شارك
الشعب في تكوينها .
أعلن الإخوان رفضهم لهذا المشروع السياسي
، لأنهم يعرفون النظام البعثي
يريد مبرراً لضرب الحركة
الإسلامية ، وحاول الشيخ محمد
الحامد يرحمه الله إقناع مروان
بالعدول عن قراره دون جدوى ،
وكان ذلك في لقاء ضمهما في مكتب
المهندس رامي علواني يرحمه الله
.
قـرار مـروان :
قرر مروان أن يعتصم في مسجد السلطان مع
مجموعة من طلاب المدارس ( من
الصف السادس وحتى الثانوية )
ويدعو الناس من مذياع المسجد
إلى الإضراب ، ويبين لهم خطر
البعثيين وحقدهم على الإسلام
والمسلمين ، وفي أحد أيام (آذار
1964م) دخل مروان ومجموعة من
الطلاب مسجد السلطان واعتصموا
فيه ، وبدأوا يحرضون الشعب على
الإضراب .
ولابد من التوضيح والتأكيد ـ وقد درست هذه
الحادثة دراسة تاريخية موثقة ـ
وأؤكد أن مروان لم يدخل معه قطعة
سلاح واحدة إلى المسجد ، لأنه :
1 ـ يريد عمل سياسي وهو الإضراب وتحريض
الشعب على الإضراب .
2 ـ لديه قناعة ( تبين خطؤها فيما بعد ) وهي
أن الجيش والشرطة لاتدخل المسجد
كما هو الحال أيام المستعمر
الفرنسي ، فقد ترسخ في أذهان
السوريين أن الجيش والشرطة
لايدخلون المساجد ، وكان الشبان
السوريون يضربون الجندي
الفرنسي بالبندورة أو البيض ،
ويهربون منه ، حتى إذا وصلوا
المسجد دخلوه ، فيقف الجندي
غاضباً أمام باب المسجد ثم
يعود، لأن أوامر مشددة جداً
أعطيت له من رؤسائه بعدم دخول
المساجد . كما كانت سلطات الأمن
لاتدخل المدار س والجامعات ،
ولو أرادوا القبض على مدرس
انتظروه عند باب المدرسـة ،
بعيداً عن أنظار الطلاب . كان
ذلك أيام الاستعمار الفرنسي ،
وبداية عهدالاستقلال ، قبل أيام
الوحدة مع مصر ، وقبل حكم
البعثيين ( عهد الوحدة والحرية
والاشتراكية !!؟؟) .
الأسلحة الموجودة في المسجد :
والتزاماً بالأمانة العلمية كان في
المسجد قطعتان من السلاح ،
أحدهما ( بلطة ) أدخلها محمود
نعيم يرحمه الله وقال لإخوانه :
لو حاول أي عسكري دخول المسجد
سأقطع رأسـه بها . ومسدس عيار (7)
ملم كان مع ضابط مجند حموي كان
في إجازة ، ودخل هذا الضابط
المسجد ، واعتصم في المئذنة ،
وقرر أن يطلق النار من مسدسه (7)
ملم على من يدخل صحن المسجد من
الجنود ـ وللعلم المسدس (7) ملم
مداه لايزيد عن خمسين متر ،
والمسافة بين المئذنة والباب
الشرقي تزيد على الخمسين متر .
الجيش يحاصر المسجد :
وصلت قوات الجيش ، وقتلت طالباً ( من آل
جواد) في المظاهرة لأنه كان يهتف
بسقوط البعث ، وحاولت دخول
المسجد فور وصولها ، دخل بعض
الجنود من
الباب الشرقي ؛فتناول
محمود نعيم يرحمه الله
بالبلطة رأس أحدهم ، واستلم
بندقيته ووقف على الباب وأفرغ
مخزنها في الجنود بينما اخترقت
جسده مئات الرصاصات ، وخرجت بعض
الطلقات من المئذنة .
وماهي إلا لحظات حتى أطلقت الدبابة (ت 54 )
عدة طلقات على المئذنة فسقطت (
أطول مئذنة في حماة ) ، ثم تابعت
الدبابة طلقاتها من المدفع عيار
(100) ملم على قبة المسجد ،
واستسلم مروان نتيجة صراخ
الصبيان الذين معه ؛ وبكائهم
وعويلهم ، وقبض على مروان ،
وأحضر الجيش أسلحة إسرائيلية ،
وضعت أمامهم والتقطت لهم الصور
التي نشرت صباح اليوم التالي في
العنوان الرئيسي ( عصابة
الإخوان استلمت أسلحة
إسرائيلية ) ـ وهذا ماذكره لي
أحد التلاميذ يومها كان مع
مروان ، والتقيت بـه مدرساً في
دول الخليج
ـ ، وحوكم
مروان وحكم بالإعدام ، ثم أفرج
عنه ، ورسـخ في ذهن مروان أن هذا
النظام لاينفع معه العمل
السياسي ، لاالمظاهرة ولا
الإضراب ، هذا النظام الذي فعل
بهم ما لم يفعله المستعمر
الفرنسي ، هذا النظام يكره
المسلمين كرهاً أشـد من كراهية
الفرنسيين للمسلمين ، لذلك هذا
النظام لايصلح معـه إلا العمل
العسكري ، وخرج مروان من السجن
وقد رسـخت فيـه هذه القناعـة ،
وتصلب تفكيره عليها ، وشاء الله
أن يفرجوا عنه ، ويصبح طليقاً
لعدة سنوات ، قام فيها ببناء
الطليعة المقاتلة .. وكان يتحرك
على مرأى من النظام ، ويجمع
ويدرب ويربي الشباب ، بعضهم من
أبناء الإخوان ، وبعضهم من
أبناء الإسلاميين من غير
الإخوان ، وبعضهم من أبناء
الناس العاديين
، ويسافر بين حماة وحلب
والساحل ، وأقام مخيماً على
مشارف مدينة حماة ، على نهر
العاصي عند قرية (الجاجية ) ،
ليربي الناشئة تربية روحية
بقيام الليل وتلاوة القرآن
والصيام ، وجسدية بالسباحة
،وحاولت جماعة الإخوان إقناعه
بالعدول عن رأيـه ، فلم تستطع ،
وأعلن ذات يوم أنه سـيجر جماعة
الإخوان إلى المعركة غصباً عنها
، كما وزعت جماعة الإخـوان على
أعضائها تحذرهم من الاختلاط
بجمـاعة مـروان وذلك عام ( 1968) ،
وصار شائعاً في حماة استخدام
مصطلح ( جماعة مروان ) ، لتمييزها
عن جماعة الإخوان المسلمين
وفي عام ( 1975) بدأت المعركة
كما سنرى في الموضوع القادم .
ونسأل الله عزوجل أن يرينا الحق حقاً
ويرزقنا اتباعه
ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه
والحمد لله رب العالمين
كاتب
سوري في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|