ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 06/06/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


بناء نظام وطني ديمقراطي

شرط لازم لإيقاف التعذيب

في السجون العربية

فريد حداد / اوتاوا

يأتي التعذيب ,  من حيث كونه انتهاك للحقوق والكرامة الآدمية , بالدرجة الثانية  بعد القتل ,  وفي أحيان كثيرة بالدرجة الأولى , عندما ينجم عنه تشويهاً جسدياً أو نفسياً أو حتى موتاً .

يهدف التعذيب بكل أنواعه , إلى إدخال المُعَذب في نفق الألم الغير مُحتمل ,  والذي يبدو بلا نهاية في حينه , وخلق مشاعر الرعب والخوف لديه ,  بهدف إفقاده للسيطرة على عقله , و كسر إرادته , وتحويله الى مادة طيعة بيد جلاده  واجباره على التسليم  بما يريده  معُذ ِبيه , ومنه البوح بمعلومات ليست بالضرورة ان تأتي منسجمة مع الحقيقة  , بل قد تكون بعيدة كل البعد عنها , ومنسجمة مع ما يريده الجلاد  .

يشير التعذيب الى حقائق يجب عدم اغفالها :

1 – ينتمي كلٍ من الجلاد والضحية الى عالمين مختلفين تماماً ومتباعدين , فلا يجمع بينهما منشأ مشترك , أو قضية مشتركة , أو ولاء مشترك .  وبالتالي فتناحرهم رئيسي ولا يزول الا بزوال الجلاد الذي لا يتحقق وجوده الا بوجود الضحية .

2 – ينتمي الجلاد الى عالم , يؤمن بتفوق نوعه مقابل "  تخلف " الضحية الذي لا " يفهم "  الا بالضرب ولا يدرك مصلحته التي هي برأيه , تعاونه مع جلاده ,  حتى لو كان هذا التعاون موجه ضد عائلته  . اي ان الجلاد عنصري بامتياز .  ولا فرق بين رجل الأمن الذي يرتدي اللباس البعثي ,  ويّدعي بان  فعله يأتي في سياق حماية الوطن أو " الثورة " أو الوحدة الوطنية  , و الصهيوني المرتدي للقلنسوة  اليهودية , والمّدعي بأن اضطهاده للآخرين يأتي في سياق جمع " شعب الله المختار " في " ارض الميعاد " ,  أو الأمريكي المتخفي تحت شعارات الديمقراطية والحرية , لأن الله كلفه في حلمه ان "  يحرر "  الشرق الأوسط وينشر الديمقراطية .   فكلهم عنصريون يؤمنون بدونية من يتحكمون بهم ويذيقوهم الأمّرين .

3 -  ينتمي الضحية الى عالم من الضعف والتفكك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والقانوني والثقافي وووو . تحول بينه وبين امكانية  الدفاع عن النفس .

لقد توصلت المجتمعات التي انتفى فيها التعذيب , الى مرحلة متقدمة من التطور السياسي والثقافي والقانوني , أصبحت فيها دولها مؤسسات حرة من سيطرة السلطات السياسية , تحتضن مصالح المجتمع , وتديرها السلطة السياسية , المراَقبة من قِبل مؤسسات تشريعية ومدنية , كما أصبحت خاضعة للمسائلة والحساب داخل المؤسسات القانونية .

في ظل هذا البناء , لم يعد هناك من إمكانية لأي حاكم حتى وان كان فاشياً كجورج بوش , الذي أتى الى السلطة بغفلة من الديمقراطية والتاريخ ,  ان يفتك بخصومه ويخضعهم للتعذيب ,  كما يحصل في البلدان الضعيفة والقاصرة النمو الاجتماعي والسياسي والقانوني وغيره .

وعلى الرغم من ذلك التقدم الحاصل عند تلك الشعوب , الا ان العديد من حكوماتها و التي لا تستطيع ان تحكم بلدانها  الا بالأسلوب الديمقراطي , مازالت ترعى الكثير من الدوائر العسكرية والأمنية في بلدانها , المخصصة  للنشاط  في بلدان العالم الثالث ومنها عالمنا العربي , ويشجعها في ذلك انتفاء العلاقات الديمقراطية على مستوى التعامل بين الدول , وسيادة العلاقات التناحرية الهادفة للسيطرة على الآخر . ولعل الهُزال العام للبنى السياسية والثقافية  التي مازالت الشعوب الخاضعة للاستبداد تعيش في شروطه , يشجع القوى تلك ,  على محاولة  افتراسها .

لقد لعب الاستبداد العربي , دوراً اداتياً مهماً  في استمرار إخضاع  الشعوب  العربية  للحلف الاستبدادي الداخلي  – الاستعماري الخارجي  , كما لعبت مؤسسات القوى العسكرية والأمنية الاستعمارية دوراً داعماً و تطويرياً لإمكانيات الاستبداد المحلي ,  عن طريق دعمه بالخبرات والمعلومات والأدوات  وغيرها , ولم يكن سراً لا في الماضي ولا في الحاضر , ان أغلب ضباط الأمن العرب , وبغض النظر عن الهوية التي يدّعوها لأنفسهم , من تقدمي اشتراكي الى إسلامي الى ملكي أو جمهوري أو بين..... بين .  قد خضعوا لدورات تدريبية كثيرة في مدارس غربية , وخاصة منها البريطانية والأمريكية ,  لقنتهم أحدث اكتشافات العلوم في معرفة  نقاط الألم والضعف في الجسد والنفس البشرية , ليسهل عليهم اقتحام ذاك الجسد ,  وتلك النفس  بهدف اخضاعهما , ( تلك العلوم التي لم تثر احتجاج او امتعاض اي رئيس " وطني " عربي كما تثير ثقافة حقوق الإنسان باعتبارها علوم لا تناسب خصوصيتنا القومية ).  ومن كان من اولئك الجلادين محظوظاً ,  فقد نهل من كل المنابع الشريرة  في الشرق والغرب , من رومانيا والمانيا الشرقية الى بريطانيا وامريكا , وخير مثال عليهم , جلادي الشعب السوري ,  حيث ان العديد من معتَقليهم أكدوا مشاركة خبراء روس في التحقيق معهم في الثمانينات من القرن الماضي . 

فاذا كانت  الفضيحة بالتعريف هي السلوك المناقض للقواعد الأخلاقية المراعاة في التعامل داخل جماعة بشرية معينة , فان  ما فعله الحكام العرب  ,  وما أضاف اليه الأمريكان وأذنابهم الصهاينة  في العراق وفلسطين , بحق الشعب العربي , ينضوي تحت تسمية  اجرام ارهابي منظم ,  تقوده دول وأنظمة أرهابية , \ وليست فضيحة \,  ويعاقب عليه القانون  الدولي والمحلي . باعتبار الإرهاب فعل عنفي يُمارس ضد فرد أو مجموعة أو بلاد مسالمة ,  بهدف الابتزاز المادي او المعنوي او كلاهما, وهذا ما هو حاصل بالفعل ومنذ وقت طويل , في سيطرة الأنظمة العربية على دولها بالقوة ,  وابتزاز شعوبهم , أو باحتلال امريكا لفلسطين والعراق وتشريد شعبيها واهانته واضطهاده  . ودعمها اللامحدود لوكلائها في سدات الحكم العربية .

فما الفرق بين قصف الفلوجة ونجف وكربلاء وجنين ورفح  بيد القوات الأمريكية – الصهيونية ,  عن قصف حلبجة وحماة وطرابلس وتل الزعتر وجرش وعجلون بيد عبيد الأنظمة " الوطنية " .؟

وما الفرق بين ان يُعرى سجين عربي في ابو غريب وعسقلان والخيام  ويُجلد على يد أمريكي , وان يُعرّى ويُجلد في تدمر والمزة والتحقيق العسكري ودوار كفرسوسة وقصر النهاية على يد " المناضلين القوميين " ؟

ما الفرق بين اغتصاب سجناء على يد أمريكي أو عّبد عربي ؟ وهل هوية المُغتَصِب مهم بالنسبة للضحية ؟

هل تكديس العراقيين العراة فوق بعضهم على يد الأمريكي هو أقل أو أكثر بشاعة من الصلب أو الشبح أو التعليق من اليدين أو القد مين للمعتقل السياسي العربي ,  على يد " محرري " فلسطين من " الثائرين " العسكر في سورية والعراق والجزائر وكل الدول العربية ؟

ما الفرق بين اجبار الأمريكيين عراقي على شتم دينه , وشتم الذات الإلهية والأنبياء الذي  يمارسه جلادو  الأمن السوري ,  في سعير نوبات إهاناتهم الهستيرية  للسجناء المتدينين  .

ان الممارسات الوحشية السابق ذكرها , بحق الشعب العربي في مختلف أقطاره من المحيط الى الخليج , كانت ومازالت تُمارس بارادة كبار العالم , ولغاية محددة وهي أخضاعنا ,  للحصول على ثرواتنا بدون مقاومة .  ولم يكن الأستبداد العربي في ممارسة دوره ضمن الدائرة الجهنمية تلك , الا خادم مأجور وصغير في ماكينة القمع الدولي للشعوب .

لماذا سُميت ممارسات الجلاد الأمريكي في السجون العراقية بالفضيحة ؟  وقادنا عجزنا نحن أهل الأستبداد الى تبني هذه التسمية بدلاً من أن نسميها باسمها الحقيقي , \ جريمة ارهاب منظمة \ ونعمل على تقديم مرتكبيها الى المحاكم ؟

للأمريكيين الحق في ان يسّموا ما حصل بالفضيحة , لأنها التسّمية الصحيحة  في داخل البيت الأمريكي , وهم لم يسمّوها كذلك من حيث النتائج الناجمة عنها والمترتبة على الشعب العراقي   . بل كانت بسبب الصورة التي ظهر بها الأمريكي امام نفسه ,  وامام حلفاؤه . فالعسكري الأمريكي الذي هرّب صور التعذيب الى الصحافة , والصحافي الذي نشر تلك الصور ,  لم يفعلا ذلك حباً وحرصاً على كرامة الإنسان العراقي , بل , حباً وحرصاً على جيش بلادهم  ونقاء صورته ,  حباً وحرصاً  على سمعة بلادهم ومكانتها بين الأمم  . هذا العسكري الذي لم يعرف يوماً الخوف من رئيسه , ولم يضطر لتقديم له رشوة للحصول على حقوقه التي منحه اياها قانون خدمته العسكرية 

 تحدى الأوامر السرية لوزير دفاعه في تعذيب الأسرى العراقيين .  والتي كشفها الكاتب سيمور هيرش ,  في صحيفة نيويوركر في عددها الصادر في  15 ايار 2004 , واثبت ان اصغر عنصر في المجتمع الديمقراطي قادر على ان يلعب دوراً تقويمياً كبيراً  للأخطاء حتى وان كان حكامه وقادته من اسوأ فاشيست العالم . .لقد تمكنت الديمقراطية الأمريكية من تسريب عناصر مخلصة لوطنها وجيشها , الى داخل صفوف المتوحشين الذين أرهبوا العراقيين .  بينما لم يفلح الأستبداد العربي التابع لتلك الوحوش الا من انتاج عبيد لا يجروؤن التعبير حتى عن مشاعرهم .

الفضيحة كانت لأن الشعب الأمريكي العظيم ,  والذي لا يفّرط بديمقراطيته ,  يرفض ان تحكمه ادارة كاذبة ومخادعة وجاهلة  ,  تدعي  تحرير العراق بالوقت الذي تمارس فيه  قواتها وبمعرفة قادتها وموافقة اركان تلك الإدارة , ممارسات كتلك التي كان يمارسها من حُرر العراق منه 

الفضيحة كانت , لأن حلفاء اميركا الأوروبيون لا يستطيعوا ان يبرروا سلوك حليفهم امام شعوبهم .

ان اعتذار جورج بوش لما حدث في العراق , لا يجب ان نفهمه , وهو لم يكن بالأصل ,  اعتذاراً  للشعب العراقي , لأن كرامة هذا الشعب ومستقبله هي من آخر العناصر التي تدخل في المعادلات الحسابية لجورج بوش وادارته , بل كان اعتذاراً للشعب الأمريكي عما كُشف من حقيقة ادارته ,  وتأثير ذلك الكشف  الخطير على اعادة انتخابه . فلقد ذكرت والدة تلك المجندة الأمريكية التي ظهرت في صور الجريمة مُدخنة , بأن ابنتها كانت ذو (  تربية حسنة قبل ذهابها الى الجيش )  , اي ان قادتها الميدانيين والسياسيين قد أساءوا إلى  تربيتها . لهذا أتى اعتذار جورج بوش , ليحفظ ماء وجهه وليس كرامة وحقوق العرب .

ما حصل في العراق من احتلال أولاً , وتدمير لبنى الدولة والبنى الاقتصادية التحتية ثانياً , والاضطهاد اليومي الذي يُمارس على الشعب العراقي والفلسطيني والعربي كافة داخل السجون وخارجها , من قِبل المحتلين الداخليين والخارجيين , هو عمل إرهابي وإجرامي فظيع , على الشعب العربي ان يعمل لتقديم كل أولئك المجرمين الى المحاكم الدولية والمحلية كمجرمي حرب

ان الطريق الوحيد لخروج شعبنا العربي من مستنقع الآلام الآسن الذي يعيش فيه , هو طريق المقاومة المتعددة الأشكال والوجوه , حتى الوصول إلى العصيان المدني الشامل , بهدف بناء نظام عربي وطني ديمقراطي أساسه حق الفرد في التعبير والاختيار , وسيادة دولة القانون , والانتقال السلمي للسلطة بموجب صناديق الاقتراع . وبدون هذا الخيار سيبقى التعذيب والألم قوتنا اليومي ,  ولن ينجو منه أحد ,  حتى لو ابتعد عن السياسة ,  بُعد المستبدين عن الكرامة الوطنية .

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ