بناء
نظام وطني ديمقراطي
شرط
لازم لإيقاف التعذيب
في
السجون العربية
فريد
حداد / اوتاوا
يأتي التعذيب ,
من حيث كونه انتهاك للحقوق
والكرامة الآدمية , بالدرجة
الثانية بعد
القتل , وفي
أحيان كثيرة بالدرجة الأولى ,
عندما ينجم عنه تشويهاً جسدياً
أو نفسياً أو حتى موتاً .
يهدف التعذيب
بكل أنواعه , إلى إدخال المُعَذب
في نفق الألم الغير مُحتمل ,
والذي يبدو بلا نهاية في
حينه , وخلق مشاعر الرعب والخوف
لديه , بهدف
إفقاده للسيطرة على عقله , و كسر
إرادته , وتحويله الى مادة طيعة
بيد جلاده واجباره
على التسليم
بما يريده
معُذ ِبيه , ومنه البوح
بمعلومات ليست بالضرورة ان تأتي
منسجمة مع الحقيقة
, بل قد تكون بعيدة كل البعد
عنها , ومنسجمة مع ما يريده
الجلاد .
يشير التعذيب
الى حقائق يجب عدم اغفالها :
1 – ينتمي كلٍ
من الجلاد والضحية الى عالمين
مختلفين تماماً ومتباعدين , فلا
يجمع بينهما منشأ مشترك , أو
قضية مشتركة , أو ولاء مشترك . وبالتالي فتناحرهم رئيسي ولا يزول
الا بزوال الجلاد الذي لا يتحقق
وجوده الا بوجود الضحية .
2 – ينتمي
الجلاد الى عالم , يؤمن بتفوق
نوعه مقابل " تخلف " الضحية الذي لا " يفهم
" الا
بالضرب ولا يدرك مصلحته التي هي
برأيه , تعاونه مع جلاده ,
حتى لو كان هذا التعاون موجه
ضد عائلته .
اي ان الجلاد عنصري بامتياز .
ولا فرق بين رجل الأمن الذي
يرتدي اللباس البعثي ,
ويّدعي بان
فعله يأتي في سياق حماية
الوطن أو " الثورة " أو
الوحدة الوطنية
, و الصهيوني المرتدي
للقلنسوة اليهودية
, والمّدعي بأن اضطهاده للآخرين
يأتي في سياق جمع " شعب الله
المختار " في " ارض الميعاد
" , أو
الأمريكي المتخفي تحت شعارات
الديمقراطية والحرية , لأن الله
كلفه في حلمه ان " يحرر " الشرق
الأوسط وينشر الديمقراطية .
فكلهم عنصريون يؤمنون
بدونية من يتحكمون بهم ويذيقوهم
الأمّرين .
3 -
ينتمي الضحية الى عالم من
الضعف والتفكك الاجتماعي
والسياسي والاقتصادي والقانوني
والثقافي وووو . تحول بينه وبين
امكانية الدفاع
عن النفس .
لقد توصلت
المجتمعات التي انتفى فيها
التعذيب , الى مرحلة متقدمة من
التطور السياسي والثقافي
والقانوني , أصبحت فيها دولها
مؤسسات حرة من سيطرة السلطات
السياسية , تحتضن مصالح المجتمع
, وتديرها السلطة السياسية ,
المراَقبة من قِبل مؤسسات
تشريعية ومدنية , كما أصبحت
خاضعة للمسائلة والحساب داخل
المؤسسات القانونية .
في ظل هذا
البناء , لم يعد هناك من إمكانية
لأي حاكم حتى وان كان فاشياً
كجورج بوش , الذي أتى الى السلطة
بغفلة من الديمقراطية والتاريخ
, ان
يفتك بخصومه ويخضعهم للتعذيب ,
كما يحصل في البلدان
الضعيفة والقاصرة النمو
الاجتماعي والسياسي والقانوني
وغيره .
وعلى الرغم من
ذلك التقدم الحاصل عند تلك
الشعوب , الا ان العديد من
حكوماتها و التي لا تستطيع ان
تحكم بلدانها
الا بالأسلوب الديمقراطي ,
مازالت ترعى الكثير من الدوائر
العسكرية والأمنية في بلدانها ,
المخصصة للنشاط
في بلدان العالم الثالث
ومنها عالمنا العربي , ويشجعها
في ذلك انتفاء العلاقات
الديمقراطية على مستوى التعامل
بين الدول , وسيادة العلاقات
التناحرية الهادفة للسيطرة على
الآخر . ولعل الهُزال العام
للبنى السياسية والثقافية
التي مازالت الشعوب الخاضعة
للاستبداد تعيش في شروطه , يشجع
القوى تلك ,
على محاولة
افتراسها .
لقد لعب
الاستبداد العربي , دوراً
اداتياً مهماً
في استمرار إخضاع
الشعوب
العربية
للحلف الاستبدادي الداخلي
– الاستعماري الخارجي
, كما لعبت مؤسسات القوى
العسكرية والأمنية الاستعمارية
دوراً داعماً و تطويرياً
لإمكانيات الاستبداد المحلي , عن طريق دعمه بالخبرات والمعلومات
والأدوات وغيرها
, ولم يكن سراً لا في الماضي ولا
في الحاضر , ان أغلب ضباط الأمن
العرب , وبغض النظر عن الهوية
التي يدّعوها لأنفسهم , من تقدمي
اشتراكي الى إسلامي الى ملكي أو
جمهوري أو بين..... بين .
قد خضعوا لدورات تدريبية
كثيرة في مدارس غربية , وخاصة
منها البريطانية والأمريكية ,
لقنتهم أحدث اكتشافات
العلوم في معرفة
نقاط الألم والضعف في الجسد
والنفس البشرية , ليسهل عليهم
اقتحام ذاك الجسد ,
وتلك النفس
بهدف اخضاعهما , ( تلك العلوم
التي لم تثر احتجاج او امتعاض اي
رئيس " وطني " عربي كما تثير
ثقافة حقوق الإنسان باعتبارها
علوم لا تناسب خصوصيتنا القومية
). ومن
كان من اولئك الجلادين محظوظاً ,
فقد نهل من كل المنابع
الشريرة في
الشرق والغرب , من رومانيا
والمانيا الشرقية الى بريطانيا
وامريكا , وخير مثال عليهم ,
جلادي الشعب السوري ,
حيث ان العديد من معتَقليهم
أكدوا مشاركة خبراء روس في
التحقيق معهم في الثمانينات من
القرن الماضي .
فاذا كانت
الفضيحة بالتعريف هي السلوك
المناقض للقواعد الأخلاقية
المراعاة في التعامل داخل جماعة
بشرية معينة , فان
ما فعله الحكام العرب
, وما
أضاف اليه الأمريكان وأذنابهم
الصهاينة في
العراق وفلسطين , بحق الشعب
العربي , ينضوي تحت تسمية اجرام ارهابي منظم ,
تقوده دول وأنظمة أرهابية , \
وليست فضيحة \,
ويعاقب عليه القانون
الدولي والمحلي . باعتبار
الإرهاب فعل عنفي يُمارس ضد فرد
أو مجموعة أو بلاد مسالمة , بهدف الابتزاز المادي او المعنوي
او كلاهما, وهذا ما هو حاصل
بالفعل ومنذ وقت طويل , في سيطرة
الأنظمة العربية على دولها
بالقوة , وابتزاز
شعوبهم , أو باحتلال امريكا
لفلسطين والعراق وتشريد شعبيها
واهانته واضطهاده
. ودعمها اللامحدود
لوكلائها في سدات الحكم العربية
.
فما الفرق بين
قصف الفلوجة ونجف وكربلاء وجنين
ورفح بيد
القوات الأمريكية – الصهيونية ,
عن قصف حلبجة وحماة وطرابلس
وتل الزعتر وجرش وعجلون بيد
عبيد الأنظمة " الوطنية " .؟
وما الفرق بين
ان يُعرى سجين عربي في ابو غريب
وعسقلان والخيام
ويُجلد على يد أمريكي , وان
يُعرّى ويُجلد في تدمر والمزة
والتحقيق العسكري ودوار
كفرسوسة وقصر النهاية على يد
" المناضلين القوميين " ؟
ما الفرق بين
اغتصاب سجناء على يد أمريكي أو
عّبد عربي ؟ وهل هوية
المُغتَصِب مهم بالنسبة للضحية
؟
هل تكديس
العراقيين العراة فوق بعضهم على
يد الأمريكي هو أقل أو أكثر
بشاعة من الصلب أو الشبح أو
التعليق من اليدين أو القد مين
للمعتقل السياسي العربي ,
على يد " محرري " فلسطين
من " الثائرين " العسكر في
سورية والعراق والجزائر وكل
الدول العربية ؟
ما الفرق بين
اجبار الأمريكيين عراقي على شتم
دينه , وشتم الذات الإلهية
والأنبياء الذي
يمارسه جلادو الأمن السوري ,
في سعير نوبات إهاناتهم
الهستيرية
للسجناء المتدينين
.
ان الممارسات
الوحشية السابق ذكرها , بحق
الشعب العربي في مختلف أقطاره
من المحيط الى الخليج , كانت
ومازالت تُمارس بارادة كبار
العالم , ولغاية محددة وهي
أخضاعنا , للحصول
على ثرواتنا بدون مقاومة .
ولم يكن الأستبداد العربي
في ممارسة دوره ضمن الدائرة
الجهنمية تلك , الا خادم مأجور
وصغير في ماكينة القمع الدولي
للشعوب .
لماذا سُميت
ممارسات الجلاد الأمريكي في
السجون العراقية بالفضيحة ؟
وقادنا عجزنا نحن أهل
الأستبداد الى تبني هذه التسمية
بدلاً من أن نسميها باسمها
الحقيقي , \ جريمة ارهاب منظمة \
ونعمل على تقديم مرتكبيها الى
المحاكم ؟
للأمريكيين
الحق في ان يسّموا ما حصل
بالفضيحة , لأنها التسّمية
الصحيحة في داخل البيت الأمريكي , وهم لم
يسمّوها كذلك من حيث النتائج
الناجمة عنها والمترتبة على
الشعب العراقي
. بل كانت بسبب الصورة التي
ظهر بها الأمريكي امام نفسه ,
وامام حلفاؤه . فالعسكري
الأمريكي الذي هرّب صور التعذيب
الى الصحافة , والصحافي الذي نشر
تلك الصور ,
لم يفعلا ذلك حباً وحرصاً
على كرامة الإنسان العراقي , بل ,
حباً وحرصاً على جيش بلادهم
ونقاء صورته ,
حباً وحرصاً
على سمعة بلادهم ومكانتها
بين الأمم .
هذا العسكري الذي لم يعرف يوماً
الخوف من رئيسه , ولم يضطر
لتقديم له رشوة للحصول على
حقوقه التي منحه اياها قانون
خدمته العسكرية
تحدى
الأوامر السرية لوزير دفاعه في
تعذيب الأسرى العراقيين .
والتي كشفها الكاتب سيمور
هيرش , في
صحيفة نيويوركر في عددها الصادر
في 15
ايار 2004 , واثبت ان اصغر عنصر في
المجتمع الديمقراطي قادر على ان
يلعب دوراً تقويمياً كبيراً
للأخطاء حتى وان كان حكامه
وقادته من اسوأ فاشيست العالم . .لقد
تمكنت الديمقراطية الأمريكية
من تسريب عناصر مخلصة لوطنها
وجيشها , الى داخل صفوف
المتوحشين الذين أرهبوا
العراقيين .
بينما لم يفلح الأستبداد
العربي التابع لتلك الوحوش الا
من انتاج عبيد لا يجروؤن
التعبير حتى عن مشاعرهم .
الفضيحة كانت
لأن الشعب الأمريكي العظيم ,
والذي لا يفّرط بديمقراطيته
, يرفض
ان تحكمه ادارة كاذبة ومخادعة
وجاهلة ,
تدعي تحرير
العراق بالوقت الذي تمارس فيه
قواتها وبمعرفة قادتها
وموافقة اركان تلك الإدارة ,
ممارسات كتلك التي كان يمارسها
من حُرر العراق منه
الفضيحة كانت ,
لأن حلفاء اميركا الأوروبيون لا
يستطيعوا ان يبرروا سلوك حليفهم
امام شعوبهم .
ان اعتذار جورج
بوش لما حدث في العراق , لا يجب
ان نفهمه , وهو لم يكن بالأصل , اعتذاراً للشعب
العراقي , لأن كرامة هذا الشعب
ومستقبله هي من آخر العناصر
التي تدخل في المعادلات
الحسابية لجورج بوش وادارته , بل
كان اعتذاراً للشعب الأمريكي
عما كُشف من حقيقة ادارته ,
وتأثير ذلك الكشف
الخطير على اعادة انتخابه .
فلقد ذكرت والدة تلك المجندة
الأمريكية التي ظهرت في صور
الجريمة مُدخنة , بأن ابنتها
كانت ذو ( تربية
حسنة قبل ذهابها الى الجيش )
, اي ان قادتها الميدانيين
والسياسيين قد أساءوا إلى
تربيتها . لهذا أتى اعتذار
جورج بوش , ليحفظ ماء وجهه وليس
كرامة وحقوق العرب .
ما حصل في
العراق من احتلال أولاً , وتدمير
لبنى الدولة والبنى الاقتصادية
التحتية ثانياً , والاضطهاد
اليومي الذي يُمارس على الشعب
العراقي والفلسطيني والعربي
كافة داخل السجون وخارجها , من
قِبل المحتلين الداخليين
والخارجيين , هو عمل إرهابي
وإجرامي فظيع , على الشعب العربي
ان يعمل لتقديم كل أولئك
المجرمين الى المحاكم الدولية
والمحلية كمجرمي حرب
ان الطريق
الوحيد لخروج شعبنا العربي من
مستنقع الآلام الآسن الذي يعيش
فيه , هو طريق المقاومة المتعددة
الأشكال والوجوه , حتى الوصول
إلى العصيان المدني الشامل ,
بهدف بناء نظام عربي وطني
ديمقراطي أساسه حق الفرد في
التعبير والاختيار , وسيادة
دولة القانون , والانتقال
السلمي للسلطة بموجب صناديق
الاقتراع . وبدون هذا الخيار
سيبقى التعذيب والألم قوتنا
اليومي , ولن
ينجو منه أحد ,
حتى لو ابتعد عن السياسة ,
بُعد المستبدين عن الكرامة
الوطنية .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|