نظرتنا
إلى الغرب
بين
الشعوب والحكام ...!
د
. فواز القاسم / سورية
عندما يتكلّم
خطباؤنا ، أو ينشر كتَّابنا ، عن
الغرب ، فإنهم غالباً ما
يتناولون الجوانب السلبية في
العقلية الغربية ، مثل : النزعة
الاستعمارية ، والروح
الاستعلائية والعدائية للعرب
والمسلمين ، والرغبة في الهيمنة
العسكرية أو السياسية أو
الاقتصادية
…إلخ
وهذا كلام صحيح
بالنسبة إلى الحكام ، الذين
غالباً ما يخضعون لقوى الضغط
الصهيونية التي أوصلتهم إلى
الحكم ، وبالتالي فهم مدينون
لها بمناصرة قضيتها حتى لو كانت
بالضد من مصالح الغرب نفسه ،
فضلاً عن مصالح الشعوب الأخرى
الصديقة في العالم .
ونادراً ما تجد من
يتكلّم عن الجوانب الإيجابية ،
أو من يشخّص مواطن القوة ، في
تلك المجتمعات ، وهذا في تقديري
منهج خاطيء في النظر والتحليل ،
لأنه لا توجد أمة بدون إيجابيات
، والواجب أن ننظر إلى الغرب
نظرة موضوعية ومتوازنة ، نبين
جوانب الصحّ والخطأ لديهم ،
ونتعرَّف على جوانب القوة
والضعف عندهم ، وندرس الجوانب
الإيجابية والسلبية في
مجتمعاتهم ، ونتعامل معهم على
أساس الواقع ، لا على أساس
الأحلام والأماني ، بدون أية
زيادة أو نقصان ، وبدون أي إفراط
أو تفريط ..
هذا المنهج في
التعامل مع الآخرين ، يعلمنا
إياه سيد الخلق ، وإمام
المرسلين ، سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم عندما يقول : (( فارس
نطحة أو نطحتان ، ثم لا فارس بعد
هذا ، والروم ذات القرون ، كلّما
هلك قرن خلفه قرن ، هم أهل صبر ،
وأهله أهل لآخر الدهر ، هم
أصحابكم ما دام في العيش خير )).
وفي حديث آخر رواه
موسى بن علي ، عن أبيه قال : قال
المستورد القرشي عند عمرو بن
العاص ( رض): سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول : (( تقوم
الساعة والروم أكثر الناس )).
فقال عمرو : أبصر ما
تقول .! قال : أقول ما سمعتُ من
رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
قال ( والكلام لعمرو
بن العاص رضي الله عنه ) : لئن قلت
ذلك ، إنَّ فيهم لخصالاً خمسة :
1_ إنهم أحلم الناس
عند فتنة .
2_ وأسرعهم إفاقة من
مصيبة .
3_ وأوشكهم كرَّةً
بعد فرَّة .
4_وخيرهم لمسكين ،
ويتيم ، وضعيف .
5_ وخامسة حسنة جميلة
، وأمنعهم من ظلم الملوك .
( الحديث ورد في كنز
العمال ، ج12 ، ص303 ، رقم 35127 )
فالغرب من خلال هذا
الحديث النبوي المعجز ، يمثِّل
التحدي الأكبر للعرب والمسلمين
عبر تاريخهم الطويل،
وهو تحد عنيد ومستمر ،
وكلّما هلك جيل منهم ( هلك قرن)
خلفه جيل آخر
ذو صبر على متطلّبات
المواجهة وتكاليفها . والأمثلة
لهذا العناد الغربي كثيرة
ومتكرِّرة ، ابتداءً من صدر
الإسلام ، ومروراً بالحروب
الصليبية المتكرِّرة ، وحروب
الأندلس وصقلية وشرق أوربا ،
وانتهاء بالحروب الاستعمارية
الظالمة في هذا القرن ، والتي
كان احتلال العراق
آخر حلقة من حلقاتها ، والتي
لا تزال مستمرّة حتى هذه اللحظة
. بينما الخطر الشرقي الذي
تمثِّله فارس ، كان قد انهار من
نطحة أو نطحتين .
نطحة في القادسية ،
ونطحة في نهاوند ، ثم لا فارس .
أما الشعوب التي تلي
فارس من جهة الشرق ، مثل الصين
ومنغوليا ، وغيرها ، فلم تكن في
يوم من الأيام ذات خطر حقيقي ،
على العرب والمسلمين . والهجمات
التي قامت بها جماعات المغول
والتتار على العالم العربي
والإسلامي ، كانت هجمات بدائية
، جذبتها روائح الخلافة الميتة
والمتهرِّئة ، فقاموا بدور دابة
الأرض التي أكلت مِنْسَأةَ
سليمان الميت سلفاً، وأسقطت
جثَّته على الأرض ، ليس إلا …
وثمة أمر آخر في
التوجيه النبوي الكريم ، وهو
إيجابية النظر في تحدي الغرب ،
رغم عناده واستمراره .
فهم (( أصحابكم ما دام
في العيش خير )). ولعلَّ العيش
المقصود هنا : هو أسلوب الحياة ،
ودرجة العزَّة والمناعة في
الأمة . فما دام في هذه الأمة من
يلتزم بالمنهج القويم ، وينشد
العيش بعزَّة وكرامة ، ويسعى
لتوفير أسباب العزَّة والمنعة
والقوة فسوف يجد في الغرب من يقدّره ،
ويحترمه ، ويتعاطف معه ، ويسعى
لمصاحبته.
أما الذين ينتكس هذا
المنهج في حياتهم ، ويرضون
لأنفسهم الذلة ، والمهانة ،
والصَّغار .. فسوف ينظر الغرب
إليهم نظرة استخفاف واحتقار ،
ويعاملونهم بما يستحقون من
الإهانة والإعراض .
وعلى هذا فإن صراعنا
مع الغرب يجب أن يقوم على
ركيزتين أساسيتين :
الأولى : إعداد ما
نستطيع من أسباب القوة ، ومن
رباط الخيل ، فهي الضمان
الحقيقي لمنع الغرب من استسهال
مهاجمتنا والاعتداء علينا .
والثانية : حسن عرض
قضيّتنا العادلة أمام شعوبهم ،
وهو ما ينسجم مع مستوى التفكير
الغربي ، الذي يتمتع بالكثير من
الخصائص الإيجابية في هذا
المجال ، فهم كما يقول الحديث
الشريف ، ويصدَّقه الواقع :
من أحلم الناس في
مواجهة المشكلات ، وأسرعهم
نهوضاً بعد النكسات ، وأوشكهم
كرّة بعد هزيمة ، بالإضافة
لحبِّهم للحرية
والديمقراطية ، ومناعتهم ضد
استبداد الملوك والرؤساء
والحكام .
ولعلَّ في المواقف
الإنسانية الباهرة ، التي يقفها
اليوم بعض رجالات الغرب الشرفاء
، من أمثال النائب العمالي
البريطاني ، جورج غالوي ، ووزير
العدل الأمريكي الأسبق ، رامزي
كلارك ، والمفكر الفرنسي المبدع
، روجيه غارودي ، وغيرهم .. من
قضايا العرب والمسلمين العادلة
، وفي مقدِّمتها وعلى رأسها
قضية الإحتلال الصهيوني
لفلسطين ، والاحتلال الأمريكي
الصهيوني البريطاني للعراق ،
لخير دليل على ما نقول ، وهي
مواقف حضاريّة ، وحقيقية ،
ومشرِّفة ، وهي متقدّمة على
مواقف كل العرب والمسلمين ،
فنحن لم نسمع أن دولة عربية ، أو
جماعة إسلامية ، أو منظمة حزبية
أو جماهيرية ، قامت بما قام به
النائب العمالي الشريف البطل
المتحضِّر البريطاني
الكاثوليكي جورج غالوي ، لأن
الذي يخترق أوربا ببحارها ،
وجبالها ، وسهولها ، ووديانها ،
وهو يركب حافلة ، لا تزيد سرعتها
على ستين كيلو متر في الساعة ،
ليصل إلى أفريقيا ، ومنها إلى
آسيا ، وصولاً إلى بغداد ، ليعلن
تضامنه معها ، ورفضه للظلم
الواقع عليها ، متحدِّياً
دهاقنة الكفر والشرِّ في العالم
، من أصحاب البطش والإجرام ، من
الذين ركعت لهم دول عملاقة ،
وخضعت لسطوتهم امبراطوريات
جبّارة … إن مثل هذا الشخص ، بطل
، وشريف ، وشجاع ، ومتحضّر ،
ويستحق كل تقدير واحترام من
جماهير الأمة الوفية ، فألف
تحية ، وألف مرحى ، لجورج غالوي
، ورمزي كلارك ، وروجيه غارودي ،
وغيرهم من الأبطال والشرفاء في
أوربا والعالم .
وإلى المزيد من
التواصل والحوار والتعاون مع
أمثال هؤلاء الشرفاء في أوربا ،
دعماً لقيم الحق والعدل
والفضيلة ، التي لا بد أن تنتصر
في النهاية على قوى الظلم
والقهر والعدوان ...
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|