الإصلاح
أصبحَ مطلبَ الحالمين
نادر
شهيد*
كلنا نتكلم ونتكلم ونتكلم عن
الإصلاح . . ويدور النقاش ويحتدم
الصراع حول المصطلحات
المستعملة ، والمفاهيم
المسموحة والمحرمة للتعريف
بهذا الإصلاح . ، والتي بالضرورة
يسمح بها أصحاب الشأن والكلمة
والنفوذ في النظام السوري .
فمن هو صاحب الشأن والكلمة في هذا
النظام ؟
وماذا يريد صاحب الشأن هذا من
إطالة أمد النظام الديكتاتوري ،
بتبديل الأصباغ والألوان
والوجوه ؟
ولماذا الهروب من استحقاقات
الإصلاح ، سياسياً أو اقتصادياً
أو إدارياً . . . ؟
إنني لا أرى أن رؤوس ورموز هذا
النظام من ( أصحاب الشأن والنفوذ
والسلطان ) إلا وأنهم يبحثون
مذعورين عن مخرج ولو من باطن
الأرض ، ليهربوا من استحقاقات
التغيير القادم إلى سورية ،
ليُنقِذهم مما هم فيه من وضعٍ لا
يحسدوا عليه . فالرئيس الشاب
الذي أثبتت الأيام أنه وإن كان
يحاول أن يفعلَ شيئاً ما ، لا
نعرف بالطبع حقيقته أو هويته أو
توجهاته ، يحاول أن يُظهِرَ في
كل مناسبة ومنذ وراثته لعرش
الحكم في سورية ، قدراً
متزايداً من الاهتمام بالإصلاح
، الذي يسميه تارةً إدارياً ،
وتارةً أخرى اقتصادياً ،
وثالثةً يسميه محاربة الفساد ،
ولكن تبقى حقيقة الإصلاح
المقصود دونَ تسمية أو تعيين ،
حتى لا يقع الرئيس في مشاكل مع
أيٍ من شرائح المجتمع ونُخبه
على اختلاف ألوانها وطيفها
.
فلا شك ولا ريب بأن المجتمع السوري
ينقسم إلى فئات وشرائح حول
موضوع الإصلاح الذي يرفض أن
يخرج بولادة طبيعية سمحة ، أو
بالأحرى لا يُراد له أن يولد
ويرى النور من قبل شريحة قوية
متسلطة على مقاليد البلاد ،
وآخرين في المقابل يريدون له أن
يولد ويرى النور ولو بولادة
قيصرية معقدة كيفما جاء وكيفما
كان ، ولو على أيدي قوىً تحريرية
عالمية جديدة . وفريق ثالث لا
يرون ضيراً من انتظار ولادة هذا
المولود ولو بعد جيل أو أجيال ،
ولو تطلب منهم الانتظار حتى
يأتي "حافظ الثاني" وريث
الجمهوملكية السورية " ،
وفريق رابع . . وخامس . . وعاشر . .
وهكذا إلخ .
وفي الحقيقة فإن عملية الإصلاح
الجاري تجربتها في سورية بصور
وأشكال مختلفة ، لا تتصل ولا
بسهم واحد أو بجزءٍ من سهم
بمتطلبات وحقيقة الإصلاح
المطلوب في سورية ، وبالرغم من
ذلك فإنَّ مسرحية الإصلاح
الهزيلة الجارية لا تتم برغبة
أو رضى ( أصحاب الشأن في النظام )
، وأن المسؤولين المتمركزين أو
المتنقلين على كراسي الوزارات
ماهم إلا ظلٌ لفئة تختفي في ظلهم
، وتتستر بهئيات ومؤسسات شكلية
وصورية ، وتمارس التسلط
والهيمنة والقمع والديكتاتورية
من وراء ستار .
إنه بعد أن دغدغت بعض المواطنين
قليلاً من مشاعرَ وآمالٍ
بالتغيير والإصلاح ، أصبح
الحديث في هذا الموضع قضية
يعاقب عليها القانون والدستور ،
ولم يعد أحدٌ يجرؤ على النطق بها
أو التحدث عنها ، بعد أن لاقى
معتقلي ربيع دمشق ما لاقوا على
أيدي أزلام هذه الفئة ، عندما طالبوا
بأن يبدأ الإصلاح في سورية من
نقطة صحيحة لا غنى عنها ، وأن
يسير سيراً قوياً واحداً تجاه
معالجة الوضع السوري الداخلي ،
ابتداءً من الدستور الذي يكرس
الديكتاتورية ، والقمع
والهيمنة لجزء صغير متسلط ، على
الكل الكبير المهمّش في سورية .
وبدلاً من الخوض في
غمار إصلاح وتغيير
البنية الفاسدة للنظام التي نشأ
عليها ، يحاول رموز النظام اللف
والدوران حول هذا الهدف لتمييعه
وكسب الوقت ، وتضييع حقيقة
الإصلاح المطلوب ، علَّ هذه
الأزمة التي نزلت بساحتهم
تغرِّبُ أو تشرِّقُ بعيداً عنهم
، وتبقى مكتسباتهم في أيديهم من
خلال
ثغرات ينفذوا منها إلى
قانون الإصلاح المنتظر ، تضمن
استمرارهم على عروشهم ، وتكرِّس
هيمنتهم وتسلطهم ولو بأشكالٍ
جديدة تتناسب وموجة الإصلاح
التي تهب على العالم الثوري
والرجعي على حدٍّ سواء . ولطالما
بقي أصحاب الشأن والنفوذ في
النظام هم من سيتولون مسؤولية
التغيير والإصلاح ، فليُبشِرِ
المفسدون والمجرمون بطول
السلامة والإقامة في مناصبهم
ومراكزهم .
وكما قال أستاذنا الشيخ منير
الغضبان حفظه الله "إنَّ الله
لا يُصلِحُ عمل المفسدين"
.
فكيف للمفسد أن يكون مصلحاً ؟
وكيف للحرامي أن يكون أميناً ؟
إن للإصلاح رجاله ووسائله الشريفة
والنزيهة ، ولو استعرضنا بعضاً
من الأسس القديمة والجديدة
للنظام ، نستطيع أن ندرك أننا
أمام مسرحية لا يبدو أن فصولها
ستنتهي في القريب ، وللتقريب
استعرض مايلي:
أولاً : الإصرار على أن تكون
الهيمنة على جميع مؤسسات الدولة
بلا استثناء لحزب البعث . وبذلك
يضمن المتسلطون على النظام عدم
وجود قوى يمكنها الوقوف في
وجوههم ، وبالتالي عدم وجود
طموحات لدى أي مسؤول تهدد
وجودهم أو مكتسباتهم ، كما
وأنهم يكونون ممسكين بخوانيقه
يوم أن
يفكر بأن يخرج عن إملاءاتهم
وأوامرهم
.
ثانياً : أيُّ إصلاح اقتصادي أو
إداري هذا الذي يؤمَّلُ أن يكون
من وراء عصابات ورموز متسلطة
على النظام ، لا يسمحون لأحد أن
يتجاوزهم أو يملي عليهم . فكيف
وأنه سيُطلب إليهم أن يتنازلوا
ولو قليلاً عن مكتسباتهم
وإقطاعياتهم لضرورة خدمة
مسرحية الإصلاح . ومن سيُجبرهم
على هذا التنازل وقد أمسكوا
بزمام الأمن والجيش والاقتصاد
وحولوها إلى دوائر مغلقةٍ عليهم
لحماية مكتساباتهم من موجة
الإصلاح القادمة
.
ثالثاً : كيف ومن أين سيبدأ
الإصلاح الإداري أو الاقتصادي ،
وسيطرة القلة القليلة من حزب
البعث سياسية مقننة ومثبتة
بالدستور والقوانيين القمعية ،
ومحمية بتركيبة مجلس الشعب
المتأهب دائماً للدفاع عن
مكتسباتهم تلك . فكيف سيقبلون
بالإصلاح السياسي وهو نفسه الذي
يستعينون بقوانينه لحماية
أنفسهم ومكتسباتهم ؟
رابعاً : أي إصلاح هذا المنتظر ،
والمسؤولين القابعين على
كراسيّ الحكم والسلطان
يتجاهلون قضايا مئات الألاف من
المظلومين والمحرومين
والمشردين داخل وخارج سورية ،
ولا أحد يحاول أن يفعل شيئاً لرد
مظالمهم أو حل مشكلاتهم وتعويض
حرمانهم . هذا بالإضافة إلى
عشرات الألاف من السجناء
والمعتقلين والمفقودين ، الذين
لم تبذل السلطات أي جهد للكشف عن
مصيرهم
.
فأي إصلاح هذا الذي يتحدثون عنه
والسلطة ما زالت
ترعى وتحمي الظلم والرشوة
والفساد ؟
أظن أن للإصلاح سبيلاً واضحاً لن
يكون إلا من خلاله ، مهما توهم
المتوهمون وانخدع المخدوعون .
وأخشى أن يكون الإصلاح بمفهومه
الحقيقي الذي ننتظره قد أصبح
مطلبَ الحالمين فقط
.
*مهاجر
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|