ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 02/01/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إخوان سورية : أعطوا الشعب ما للشعب

بمناسبة صدور المشروع السياسي لسورية المستقبل

بقلم : محمد الحسناوي*

بعد ست سنوات من الإعداد والتحضير أنجز الإخوان المسلمون في سورية برنامجهم الذي سموه    ( المشروع السياسي لسورية المستقبل ) ، وأعلنوه في مؤتمر صحفي بتاريخ16/12/2004 .

وأول ما يخطر على البال أن يكون هذا الزمن الطويل نسبياً في الإعداد والتحضير ، بسبب أهمية المشروع من جهة ، والرغبة في تجويده من حيث الشمول والتفصيل ، أو من حيث العمق والتأصيل الشرعي والسياسي من جهة ثانية . ولأنني من أعضاء هذا التنظيم أكشف ما ليس بسر ، لكن أضيف أسباباً وتوضيحات للتاريخ ، تفيد من يريد أن يفيد .

أول ما أضيف أن العاملين في الأحزاب أو المنظمات المؤسسية ، يعلمون الآليات التنظيمية في صياغة القرارات أو الشؤون المصيرية في التنظيم ، ولاسيما وضع (البرنامج) الذي هو دليل عمل ومرجع نظري وميداني ، يرجع إليه رجال التنظيم أنفسهم ، وكل من يريد أن يعرف خطط هذا التنظيم وتوجهاته وسياساته في المستقبل . وهذا يحتاج إلى سلسلة من العمليات التنظيمية ، لتحقيق شرعية تنظيمية للمشروع داخل التنظيم من جهة ، ولتلبية حاجات القطر أو الساحة التي يهدف المشروع معالجته من جهة ثانية والظروف المحلية والإقليمية والدولية الراهنة والمتوقعة خلال مدى منظور من الزمن  من جهة ثالثة .

وهذا يعني فيما يعني أن تُكلف جهة أو أكثر بإعداد المسودة أو المسودات ، وقد وضع المكلفون أربعين بحثاً ، ثم عرض المسودات على نوعين من المراجع في التنظيم : النوع الأول هم الخبراء بأنواعهم  ( شرعيين سياسيين إداريين..) ، والنوع الثاني : المستويات التظيمية ذات القرار المسؤول من قيادة : مكتب سياسي ومجلس شورى : مؤتمر عام للجماعة ، وحتى اللجان الاستشارية في المراكز والمحافظات . وهذا يعني أن الحصيلة المعلنة للرأي العام أو نص المشروع ليس إلا الجسم الطافي من السفينة على سطح الماء أو العصارة المستخلصة في (130) صفحة من الحجم الكبير ، أما الأبحاث الأصلية فسوف تنشر بعد مدة في مجلد مستقل أو أكثر ، لمن شاء التوسع فيها ، ومعرفة المعايير الشرعية والسياسية والحضارية المعتمدة . 

وما دام التنظيم مغترباً ، وجسمه التنظيمي خارج القطر والمحافظات ، بل هو تحت أرجاء السماء وأقطار المعمورة كلها ، فلنتخيل كيف يتم تبادل الأفكار فالمسودات ، وعقد الاجتماعات والمؤتمرات ، وفي ظروف أمنية ، أقل ما يقال فيها إنها غير مساعدة . صحيح أن هذا المشروع سبق البدء بالعمل له قبل ثلاث سنوات من أحداث أيلول سبتمبر وقصف أبراج نيويرك ، إلا أن هذا الحدث زاد في التضييق على العاملين الإسلاميين بمختلف ألوانهم ، ولو رفضوا ما حصل . 

والإضافة الثانية : أشير إلى أن المراجع السياسية والفكرية والحضارية التي يمكن أن يرجع إليها أي تنظيم موازٍ ومعاصر لتنظيم الإخوان ، وبحجمه في العدد والانتشار والقدم التاريخي ، يضاف إليها المراجع الإسلامية ، بمعنى آخر أن معاييرهم تستند فيما تستند إلى الشريعة الإسلامية ، وهذه ليست كلمة بسيطة للاستهلاك الشعبي ، أو طلب التميز من الآخرين أو موضة العصر الصحوة الإسلامية ، بل هي عقيدة يعتقدونها كالعبادة سواء بسواء ، أي قبل رضى البشر يطلبون رضى الله تعالى . وفوق ذلك يحرصون على الإفادة من اجتهادات الحركات والمؤسسات الإسلامية المعاصرة في المسائل المستحدثة ، وما أكثرها ،في ميادين الاقتصاد والاجتماع والسياسة ، وتنزيل ذلك على الساحة التي يعالجون شؤونها بشكل أول .

وإضافة ثالثة لا تقل أهمية عن سابقتيها ، ولعلها الأخطر والأصعب ، ألا وهي تجاوز المرحلة الاستثنائية التي وضعهم النظام فيها خلال مرحلة الثمانينات من القرن الماضي ، أعني المربع الأمني ، والعودة إلى استراتيجية التنظيم السلمية الحضارية التي نشأ عليها ، وعمل على هداها طوال المراحل التي سبقت مرحلة الثمانينات ، ولاسيما مرحلة الاستقلال الوطني ، وقيام المجلس النيابي ، وإسهام الجماعة في اللعبة السياسية البرلمانية ، والاشتراك في الحكومات المتعاقبة ، وحتى الحكومة التي أطيح بها في انقلاب آذار 1963 كان للإخوان وزراء فيها ونواب في المجلس النيابي الخاص بها .

وصعوبة تجاوز تلك المرحلة راجعة إلى عدد من الأسباب : أولها حرص النظام على إبقاء العلاقة مع الإخوان علاقة أمنية صدامية ، لأن طبيعته الاستبدادية الاستئصالية تنفي وجود أي تنظيم سياسي أو اجتماعي آخر أمامه أو معه في الساحة ، حتى الأحزاب التي تحالفت معه فيما يسمى (الجبهة الوطنية  التقدمية ) اختزلت مع الأيام ، كما رضيت وقف نشاطها في عدد من المؤسسات العامة كالجيش والطلاب والمنظمات الجماهيرية ، وحتى خسرت نفسها نهائياً كما هو معلوم ، ناهيك ببقية أطراف المعارضة التي تناولها الاضطهاد فالسحق حتى العظم . وهذا أعقب خوفاً في صفوف المواطنين ، كما أعقب خروج الشعب أو المجتمع من السياسة : اهتماماً وممارسة على حدّ سواء .

و أعقب - بالإضافة إلى ذلك مع الزمن - تراكمات الاحتقان في صدور أعضاء التنظيم الإسلامي وأصدقائه وأنصاره ، تنفخ فيها الممارسات الاستئصالية بأنواعها :من رفض التعيين في مؤسسات الدولة كالتربية والتعليم والجيش ، ومن عمليات التسريح ، وموجات الاعتقالات والتصفية الجسدية للمعارضين في سجون الرأي أو حوادث مفتعلة ، ودخول القطر كله في دوامة الدم وحمامات المواجهات المسلحة الواسعة .

حتى إذا انتهى سيل الدماء على سطح الأرض لم تنته المشاعر والآلام الهادرة في أعماق النفوس ، ولا سيما انكشاف المواجهات عن آلاف الضحايا من الشهداء والمعتقلين والمنفيين المشردين والمفقودين والمتضررين بأموالهم وبيوتهم وذويهم وأقربائهم وجيرانهم وأصدقائهم ، ومدن منكوبة بكاملها ، يؤخذ سكانها بالجريرة على وجه التعميم .

هذا الوضع الاستثنائي فعل في نفوس الناس ما لا تفعله مناهج التربية (الإخوانية) المعروفة من حكمة واتزان ، وتقيد بآداب الإسلام ، وتقديم الخدمة العامة والواجبات على المطالبة بالحقوق ، وعلى التسامح الكريم . خذ مثلاً ردود الفعل من إجبار الطلاب الجامعيين على تعطيل الصلاة في مواعيد الامتحانات عن عمد واستفزاز ، مما اضطر الطلاب إلى التحدي بأداء الصلاة ضمن قاعة الامتحان ، ولو أدى الأمر إلى التعرض للرسوب ، لكن حين ينهض إلى الصلاة معظم طلاب الصف ، فماذا تستطيع أن تصنع السلطة القمعية أو الحزب الحاكم ؟

ومثل ذلك انتشار اللحية للشباب والحجاب للفتيات ، وهو أمر غير منتشر قبل انفراد الحزب الحاكم بالسلطة والمجتمع ، فقد أصبحت هذه الشعائر لغة معارضة سلمية يفهمها الطرفان ، وللاستفزاز والتحدي حظ كبير ، ورب ضارة نافعة .

لكن حين تصل المواجهة إلى ما وصلت إليه ، فإن معالجة الفوران لا تكفي من جهة واحدة ، ولاسيما إذا كان موقد النيران من جهة أخرى . فلنتخيل الجهود الفكرية والتنظيمية التي بذلها وما زال يبذلها التنظيم لإطفاء هذه النار ، والعودة إلى ضبط النفوس والمشاعر ، ومسح عقابيل المواجهات المادية والروحية والفكرية والنفسية ، مع استمرار الطرف الآخر على ما هو عليه . ومثلما يقال عن أبناء التنظيم المضطَّهد وبقية أطراف المعارضة يقال عن جماهير الشعب التي ليست بمنجاة من الاضطهاد و التعاطف مع أطراف المعارضة ، ولا هي بالمحايدة في مثل هذه المآسي الجماعية والانحرافات الفاقعة .

والبدء بالمشروع السياسي للجماعة منذ ست سنوات يعني أيضاً فيما يعني أن ( ميثاق الشرف للعمل الوطني ) الذي طرحوه منذ ثلاث سنوات ، هو جزء أو حلقة ،من سياق عام للمشروع السياسي نفسه ، يتكاملان ويتقاطعان في الخطوط العريضة من جهة ، و يؤشر على نقاط الاستشعار التي أفادتها الجماعة من مناقشة حلفائها أطراف المعارضة والأوساط العلمية والسياسية ، التي تفاعلت ، وما تزال تتفاعل مع ميثاق الشرف المعتمد في مؤتمر الحوار الوطني الأول في لندن 2001 م ، من جهة ثانية .

لهذا يتبين بوضوح أن الإشكال السياسي ليس بين تنظيم الإخوان المسلمين والنظام السوري في جوهره ومآله ، إنما هو إشكال مع الشعب السوري بأسره ، ولا يحل الإشكال بالمصالحة مع الإخوان المسلمين وحدهم ، بل بالمصالحة مع الشعب كله .

ولهذا جاء (المشروع السياسي للإخوان لسورية المستقبل) لا ليتكلم باسم الشعب ، بل ليلفت الأنظار إلى حقوق الشعب كل الشعب ، وإشراك الشعب كل الشعب في الحل ، في تقرير المصير ، بلا استثناء أو إقصاء أو مصادرة لفريق أو شريحة أو فصيل أو أحد من كان ومهما كان .

هذه السنوات الست التي أمضاها التنظيم في الإعداد للمشروع السياسي وتحضيره ، فيها ما فيها من الدروس والعبر والمعاني عن مصداقية المشروع في التعبير عن قناعات التنظيم وتوجهاته الحقيقية ، وعن رغبته الصادقة في إصلاح الواقع السوري ، وبمشاركة الطيف السوري بكل فرقائه وتعبيراته وشرائحه ، يعرف ذلك من يعرف من تحليل النصوص والأساليب ، والمتابعين لأدبيات الجماعة ، أما المعاند فحسبنا الله منه .

قد يرى المراقبون مخرجاً حسناً في مشروع الإخوان بدعوتهم إلى الدولة (المدنية ) بديلاً للدولة (العلمانية ) ، لأن النظام الإسلامي السياسي يرفض الدولة ( الثيوقراطية ) أو ما يسمى الدولة الدينية ، والحقيقة أن كل الذي فعله الإخوان أنهم أنزلوا النص الشرعي ( الشورى ) تنزيلاً عصرياً لا غير ، وكشفوا حقائق الشريعة السمحة بلغة يتداولها الناس لا أكثر . أما المصرّون على إلباس الإسلام والمسلمين جرائر الكنيسة وتصوراتها الأوربية ظلماً وعدواناً ، فليسوا من البصيرة والإنصاف والإخلاص للحقيقة والتاريخ وأنفسهم في شيء . أين هم من قول الله تعالى : ( لا إكراه في الدين ) ، وأين هم من قول الرسول : ( ما أُخذ بسيف الحياء فهو حرام ) ؟

بعض الإخوة الأكراد السوريين عاتبون على أمرين ، أحدهما عدم التوسع في الحديث عن قضيتهم من جهة ، وثناء المشروع على العروبة أو اللغة العربية ، والجواب : أن الإخوان المسلمين لا يعدون الأكراد أقلية ، ولو رضوا هم أنفسهم بذلك ، وأن كل صنوف الظلم والاضطهاد والتمييز يجب أن ترفع عنهم ويعتذر لهم بأقرب فرصة ، وأن لغتهم وحقوقهم في المواطنة الكاملة مكفولة ، أو يجب أن تكفل لهم . أما تقدير اللغة العربية عند الإسلاميين – وهم يعلمون أو يجب أن يعلموا ذلك – ليس مسألة عنصرية أو عرقية ، بل هي مرتبطة بفهم القرآن الكريم ودراسة التراث الإسلامي ، ولا يجبر أحد على تعلمها إلا للصلاة ، وحسب ذلك من أهمية . وما نظن المسلمين العرب أكثر احتراماً ومحبة للغة العربية من بقية الشعوب الإسلامية  والأكراد بالذات ، حتى نبغ من الأكراد من نبغ بالعربية ، مثل الملك الأيوبي أبي الفداء ملك حماة ومحمد كرد على رئيس مجمع اللغة العربية في الجمهورية السورية وأمير شعراء العرب الشاعر أحمد شوقي .

ومثل ذلك موضوع الوحدة العربية ، ليس هو في فكر (الإخوان) من باب التعصب القومي الذي يصادر على الآخرين أو يتعالى عليهم ، بل هو من عقيدتهم التوحيدية ، التي ترفض التشظي والتفتيت بدءاً من معاهدات جالديران وسايكس بيكو ، وانتهاء بالإمارات والدويلات والمحميات ، في عصر يبحث الناس فيه عن تكتلات كونية . إن موقف الإخوان السوريين من وحدة سورية ومصر – وهم مختلفون مع جمال عبد الناصر – ثم رفضهم التوقيع على ما يسمى وثيقة الانفصال ، دليل واضح على الروح المبدئية عند الإخوان ، ووضعهم المصلحة العليا للأمة فوق العنعنات وأي مصلحة سواها . كنا نتمنى وما زلنا أن يقرأنا الآخرون كما نحن على حقيقتنا أو كما نريد ، لا أن يلبسونا ما لا نرغب به أو ندعو إليه . وقد آن الأوان لكشف كل الحقائق ، وإعادة الأمور إلى نصابها .

* كاتب سوري عضو رابطة أدباء الشام

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ