قبل
أن يطغى الطوفان
وتغرق
سورية في تسونامي آخر!!.
الطاهر
إبراهيم*
لم تكن قضية أوجلان بعيدة في
الزمن حتى ينسى الناس كيف رضخ
النظام السوري للتهديد بعد أن
حشدت تركيا جيوشها على الحدود
مع سورية،ما جعل النظام ينهي
وجود المليشيات الكردية في
البقاع اللبناني ويأمر بطرد
أوجلان نهائيا من الأراضي
السورية واللبنانية.
واستطرادا، فإن إنهاء وجود
الميليشيات الكردية من أصل تركي
من البقاع اللبناني فتح العيون
على قضية هامة وهي أن الوجود
السوري في لبنان لم يكن للدفاع
عن لبنان كما يزعم مناصرو هذا
الوجود، بل كان لتنفيذ أجندات
معينة ومآرب في نفس "يعقوب
النظام"، التي كانت ستؤدي إلى
قصف قواعد "أوجلان" في
البقاع من قبل الجيش التركي
الذي سيظهر وكأنه يدافع عن أمن
تركيا.
ولقد بقيت دمشق تنافح طويلا من
أجل ترسيخ وجودها في لبنان على
أساس أنه وجود متفق عليه بين
البلدين ولمصلحة لبنان أولا
وأخيرا. ولقد كان المواطن
اللبناني كما السوري متأكدا بأن
هذه المصلحة المزعومة ما كانت
إلا لغايات سلطوية وَقَرَت في
نفوس حكام دمشق، وماكان للمصلحة
الوطنية للبلدين فيها أي نصيب.
وبسبب الوجود السوري في لبنان
أهدرت مصالح للسوريين
واللبنانيين،وتعكر المزاج
العام بينهم ، ونمت مشاعر الكره
والضغينة في نفوس كثير من
اللبنانيين تجاه أشقائهم
السوريين، ما أدى إلى مقتل
عشرات العمال السوريين الذين
كانوا يسعون وراء رزق عيالهم في
لبنان.
ولقد سارعت دمشق –كما فعلت مع
أوجلان- إلى سحب الجيش السوري من
لبنان بعد أن تبين لها أن أمريكا
جادة في إنهاء هذا الوجود. ولو
أصغى النظام إلى نصح الناصحين
لكنا في غنى عن الوصول إلى لحظة
الخروج القسري من لبنان، وما
تبع ذلك من اضطراب في لبنان،
تمثل في الاستعصاء الحاصل من
عدم التوافق على حكومة مؤقتة
تشرف على الانتخابات التشريعية
في لبنان ،في أيار المقبل،
لانتخاب أعضاء مجلس النواب
للدورة المقبلة.
ولقد استمر الوجود السوري في
لبنان برغبة أمريكية. ولم يكن
بقاؤه خلاف رغبتها في يوم من
الأيام. بل نستطيع أن نؤكد بأن
هذا الوجود كان يؤدي خدمات
لأمريكا، منها معروف ومنها غير
معروف. وأن هذا الوجود تم
بمقايضة مصالح بين أمريكا
والنظام السوري، وأن مصالح
الشعبين اللبناني والسوري لم
تكن في وارد هذا المقايضة قطعا.
وإذا كان النظام السوري قد أدرك
–ولو متأخرا- أن أمريكا كانت
تعني ما تقول عند ما سعت مع
فرنسا لاستصدار القرار 1559 .فهل
أدرك الآن أن خطوة إنهاء الوجود
السوري في لبنان لم تكن إلا نقطة
البداية في مشوار طويل بين دمشق
وواشنطن، ولكنه مشوار من نوع
آخر؟
ومهما كان الأسلوب الذي يسلكه
النظام في أية خطوة يخطوها
لتجنيب سورية مصيرا آخر مشابها
لمصير العراق ،سواء أكان
الأسلوب مؤتمرا قطريا أو قوميا
أو توافقا وطنيا، فإنه يجب أن
يكون محكوما بأمرين اثنين.
أولهما:أن تعتمد أي خطوة على
الشعب السوري ولمصلحة كل الشعب
السوري . وثانيهما: أن يتم ذلك في
أسرع وقت ممكن، بحيث لا يؤخر ذلك
أمور شكلية تقتضيها عمليات
الإخراج الحزبية، ليظهر النظام
البعثي وكأنه ليس في عجلة من
أمره.
واستطرادا، فكما تم ترحيل "أوجلان"
في ليلة واحدة عندما شعر الرئيس
"حافظ الأسد" أن نظامه
وشخصه في كفة وبقاء أوجلان في
البقاع في كفة. وكما تم سحب
الجيش السوري من لبنان في أقل من
شهر من دون انتظارٍ للمراحل
التي يحكمها اتفاق الطائف،
عندما شعر الرئيس "بشار" أن
وجود النظام كله في كفة وبقاء
الجيش السوري في لبنان في كفة.
فإن على النظام السوري أن يدرك
أن وراء الأكمة الأمريكية ما
وراءها، وأنه لم يعد هناك كثير
وقت للمناورة.
نحن لا نقول أنه فات الوقت، ولو
بقيت ليلة واحدة قبل الطوفان.
ولا نقول أن السبل قد انسدت ولو
بقي هناك فسحة في الأمل ولو
بمقدار أنملة. ويبقى هذا الهامش
مفيدا عند ما يدرك الرئيس بشار
بأن انفراد حزب البعث في حكم
سورية هو الذي يتهدد
سورية،ويجعل الخطر قاب قوسين أو
أدنى، كما استشعر ذلك عند ما أمر
بسحب الجيش السوري من لبنان،
فإن عليه أن لا ينتظر مشورة "حراس
مصالحهم" كما أسماهم في حديثه
لمراسل "نيويورك تيمز" وأن
يبادر قبل أن لا يجد متسعا من
الوقت للمبادرة.
إن لدى الشعب السوري الكثير الذي
يبذله في التصدي لأي خطر يتهدد
سورية "الوطن". ولكنه في
نفس الوقت سئم من المماطلة
والتسويف والمراوغة التي
تستعمل معه لتخديره عن الإحساس
بما يراد به وبالوطن. وإلا فإن
كثيرا من بنود الإصلاح التي
يسمع المواطن أن النظام سيقوم
بها لا تحتاج إلى كثير وقت ليصدر
رئيس الجمهورية أوامره وتنفذ في
اليوم التالي.
فإلغاء قانون الطوارئ، ووقف
عدوان الأجهزة الأمنية على
المواطنين. وإنهاء سياسة
الانفرادِ والإقصاء، والتسلّطِ
والاستبداد، والفسادِ والإفساد.
والأمر بإطلاق سراح كل
المعتقلين السياسيين ومعتقلي
الرأي. والدعوة إلى انتخابات
نيابية من خلال صناديق اقتراع
شفافة. وإعادة الحكم في سورية
إلى جميع أبناء الوطن بعد أن بقي
في أيدي حفنة قليلة لأكثر من
أربعين عاما. وإلغاء دستور عام
1973 الذي فرض الوصاية على الشعب،
وامتهنِ كرامته، وزعزع وحدته
الوطنية خصوصا المادة الثامنة
منه.وأن يستبدل به الدستور
السوري الذي صيغ في بداية عهد
الاستقلال و .... وكل هذه الأمور
لا تحتاج إلا إلى يوم واحد إذا
صدقت النية.
يا قوم نحن وأنتم والشعب السوري
كله في سفينة واحدة.والاستمرار
في أخطاء السنين الماضية هو
الانتحار بعينه. وقد حان الوقت
لتتركوا سورية لشعبها، فهو أدرى
منكم بالدفاع عنها، ولا بأس أن
تكونوا فصيلا من فصائل الشعب
السوري وليس كل الشعب.
لقد راهن نظام حزب البعث كثيرا
على سكوت أمريكا عن أخطائه.
وراهن أكثر على الأوراق التي
كان يساوم بها. وقد حان الوقت
لكي يراهن ولو لمرة واحدة على
قدرات الشعب السوري. فهل يفعلها
حزب البعث قبل أن يطغى الطوفان
وتغرق سورية في تسونامي آخر؟.
ويبقى أن نقول أن الذين كانوا
يقفون على أقدامهم ،يصفقون
لأكثر من خمس دقائق في كل وقفة
،ويهتفون ملء حناجرهم بصوت واحد:
"بالروح بالدم نفديك يا بشار"..هؤلاء
هم أول من ينفض عن المسئول عند
ما يتطلب الأمر العطاء لا
الأخذ، والتضحية لا الترقية،
فيلتفت المسئول يمينا فلا يجد
إلا نفسه، ويلتفت شمالا فلا يجد
إلا نفسه، بعد أن تفرق عنه "حراس
مصالحهم"، عندها فقط يدرك أن
أولئك المقربين كانوا غثاءً
كغثاء السيل.
*كاتب سوري يعيش في
المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|