سورية
:
قطع
الأعناق ولا قطع الأرزاق
بقلم
: محمد الحسناوي *
في بادرة غير
مسبوقة أقدم مجلس الشعب (
البرلمان ) السوري على إقرار
قانون يتيح لرئيس الحكومة صرف
العاملين من الخدمة من << دون
ذكر الأسباب >>، بقرار <<
غير قابل للمراجعة أو
الطعن >> . وكان البرلمان صوت يوم3/11/2004
لصالح المادة 137 من القانون
الأساسي للعاملين في الدولة
بحيث أصبحت : << يجوز بقرار من
رئيس مجلس الوزراء صرف العامل
من الخدمة من دون ذكر الأسباب
التي دعت لهذا الصرف ، وإن
قرارات الصرف من الخدمة ، وفقاً
لأحكام هذه المادة ، غير قابلة
لأي طريق من طرق المراجعة أو
الطعن أمام أي جهة أو مرجع ،
وترد الدعاوى التي تقام ضد هذا
النوع من القرارات أياً كان
سببها>> . وأفاد موقع <<
كلنا شركاء>> الألكتروني أن
مسودة المادة أقرت وفق ما جاء من
القيادة القطرية لحزب البعث
الحاكم في سورية . وفي تطور لاحق
أعاد مجلس الشعب التصويت على
تعديل المادة 137 لحصر صلاحية صرف
عمال القطاع العام << من دون
ذكر الأسباب>> بالرئيس بشار
الأسد بدلاً من رئيس الوزراء . (
الحياة 5/11/2004) وهذا التعديل
لايزيل الإشكال .
وهذا يعني أن
التسريح كيفي أو تعسفي ، غير
منضبط بمعايير أو بأسباب موجبة .
كما يعني أن للسلطة التنفيذية
أسبابها التي لا تريد إعلانها ،
لأنه لا يمكن عقلاً أن يتخذ مثل
هذا الإجراء بلا سبب. ولما كان
السبب غير موضوعي ، وغير مقنع
تمّ التكتم عليه .
والسؤال الأول :
هل نسبة هذا الاقتراح للقيادة
القطرية لهذا القانون المستغرب
شهادة تزكية له أم إدانة ، لأن
المنطق الحزبي من حيث نص
الدستور السوري الذي يميز بين
المواطنين ، بجعله حزب البعث
قائداً للدولة والمجتمع (
المادة 8 ) ، مضافاً إليه
الممارسات المتحيزة المعروفة
تعني آلياً أن المسرحين من
الآن هم المواطنون غير
الحزبيين .
ثانياَ : إن هذا
القانون الجديد مخالف للفقرة
الثانية من المادة الثانية من
الدستور السوري لعام 1972من <<
أن السيادة للشعب ويمارسها على
الوجه المبين للدستور>>
والمادة 12 من أن << الدولة في
خدمة الشعب وتعمل مؤسساتها على
حماية الحقوق الأساسية
للمواطنين >> ، ولا يمكن
لمجلس شعب حقيقي أن يقر مثل هذه
القوانين المجحفة بحق موظفي
الدولة والعاملين فيها بلا
تعليل . وهذا يعيد إلى الأذهان
قانون (49) القاضي بإعدام كل
منتسب إلى جماعة الإخوان
المسلمين عام 1980م ، وحتى بمفعول
رجعي ، بلا سبب ولا تعليل ، وقد
عانى القطر من مظالم القانون (49)
ما عانى ولم يبرأ منه حتى الآن ،
مما يكشف هشاشة آليات اتخاذ
القرارات ، وتزوير إرادة الشعب
جهاراً نهاراً ، وتحميل الشعب
المسؤولية فوق ذلك . فقد قال
المحامي أنور البني إن إقرار
المادة المذكورة جاء<< تلبية
لطلب السلطة التنفيذية >> قبل
أن يدعو إلى حملة لإلغاء هذه
المادة . وفي القانون الجديد
مخالفة أخرى للفقرة الرابعة من
المادة/28/ من
الدستور التي تنص على أن
<< حق التقاضي وسلوك سبل
الطعن والدفاع أمام القضاء مصون
بالقانون>> .
وبالمناسبة فإن
السلطة التنفيذية ليست عاجزة عن
إصدار مثل هذا القرار ، فيما لو
عارض مجلس الشعب ، لأن صلاحيات
مجلس الشعب معطاة أيضا لرئيس
الجمهورية بنص الدستور
يستخدمها حين يشاء. ولكن أصوات
المجلس (مضمونة ) ، ولا يحتاج
الأمر للالتفاف عليه ! وهذا مؤشر
آخر على هزال السلطة التشريعية
وفساد تمثيلها لإرادة الشعب ،
وعلى محاولة تمرير القانون باسم
الشعب!
ثالثاُ : إن القطر
يعاني من أزمة بطالة حيث بلغت
نسبة العاطلين عن العمل 30% من
اليد العاملة ، وإن مربع
البطالة السورية يستقبل سنوياً
ربع مليون من العاطلين عن العمل
. والقانون الجديد بالإضافة إلى
المرسوم الجمهوري الخاص بعدم
تعيين خريجي كليات الهندسة ،
يزيدان في أزمة البطالة وليس في
حلها ، وقد قوبل مرسوم
المهندسين في حينه باستنكار
المجتمع السوري عبر عنه بعمليات
احتجاج ومواجهات طلابية ، فُصل
على أثرها عدد من طلاب الجامعة ،
كما أحيل بعضهم إلى محكمة أمن
الدولة ( وما أدراك ما محكمة أمن
الدولة ) ، فكيف يكون استقبال
القانون الجديد ؟
رابعاً : قد يكون
وراء فكرة القانون إذا أحسنا
الظن .. محاولة لمعالجة البطالة
المقنعة والترهل الإداري ،
نتيجة المحسوبيات وسوء التوظيف
، ومعضلة الفساد الإداري . ولا
حاجة للخجل بإعلان ذلك ومعاقبة
المدانين إداريأ أو قضائياً .
على العكس إن ذلك لا يخيف ولا
يُخجل الحكومة ، بل يزيد في
رصيدها ، ولذلك نحن كغيرنا
مضطرون إلى الرفض والتشكيك
بالقانون وبخلفياته وبطرق
تنفيذه أيضاً . وإذا كان الأمر
كذلك فهذا يستدعي انقلاباً
إدارياً يبدأ من ضبط مواصفات
التعيين وآلياته . ولا مانع من
تشكيل لجان فنية متخصصة في كل
مؤسسة عامة معروفة بالنزاهة ،
لوضع تقارير علاجية للفساد
الإداري ، وحتى اقتراح التسريح
أيضاً . وهذا يستتبع عدم تعطيل
القضاء السوري جهاراً نهاراً
بنص (القانون) ، فما المانع
للمسرح بتعليل أن ينتصف
ويشتكي للقضاء النزيه أو القضاء
المختص في زمن القرن الحادي
والعشرين؟
خامساً : إذا كانت
السلطة التنفيذية جادة
بالإصلاح ، وقابلة لنصيحة
المخلصين ، فنحن نلفت نظرها إلى
جيوش العملاء والمخبرين في
أجهزة الأمن الخمسة عشر ، وإلى
المليشيات والمؤسسات الطفيلية
التي استحدثها الحزب الحاكم
وينفق عليها من المال العام
كالشبيبة واتحاد الطلبة ولا
نقول اتحاد العمال والفلاحين
اللذين يقران مثل هذا القانون
الجائر وأمثاله باسم العمال
والفلاحين . لكن هل تجرؤ سلطة
تنفيذية أن تفكر مجرد تفكير
بمثل هذه الاقتراحات ، وإلا
حكمت على نفسها بما هو معلوم ! إن
إغلاق الدكاكين الأمنية مطلب
شعبي جماهيري ، لا يحتاج إلى خجل
أو لف ودوران ، وتاريخها الأسود
لا يحتاج إلى ذكر
أو تعليل ،
ولكن ...
سادساً : إن قطاع
الموظفين والعاملين في مؤسسات
الدولة هو الحلقة الأضعف- حتى
الآن – في مراكز القوى السورية
، لذلك يجرؤ عليه من يتجرأ ،
ولكن الجرأة ، يا سادة ، لها
حدود ( مثلما الحب له حدود ) ،
بمعنى أن الظلم إذا تراكم كمياً
، فسوف يأتي يوم يتحول فيه إلى
فعل نوعي ، على حد تعبير الرفاق
الماركسيين ، فهل تذكرون هذا
الدرس ؟ يبدو أن هذا اليوم لم
يعد بعيداً ، بفضل أفعالكم
الراشدة جداً .
سابعاً : بكل تجرد
نقول : إن الذي اقترح القانون
الجديد واحد من ثلاثة ، وسوف
تبدي لكم الأيام ذلك بعد فوات
الأوان : إما جاهل بواقع القطر
السوري ، أو إنسان جبان استضعف
الموظفين ولم يشر إلى القطط
السمان والذئاب الكواسر الذين
تحدث عنهم الاقتصادي الأكاديمي
الدكتور عارف دليلة والنائب
الشريف رياض سيف فأوردوهما
موارد السجن والتهلكة ، أو
إنسان يريد شراً بالبلد بدءأ
بالدولة .
إن بلاد الشام
شهدت في تاريخها العريق
انعطافين إداريين كبيرين في
الأقل ، أحدهما في عهد عمر بن
عهد العزيز الأموي ، ولكنكم لا
تحبون الأمويين ، والثاني في
عهود الضعف والانحطاط عهد
المماليك ، لما احتاجت الدولة
إلى لمال من أجل محاربة التتار ،
فطلبوا من الشيخ الدمشقي العز
بن عبد السلام فتوى بمصادرة
أموال الأغنياء للمصلحة العامة
، فوضع شرطين : أحدهما بيع
الأمراء المماليك في الأسواق
بيع العبيد لأنهم كذلك ملك
الدولة ، والثاني أن ينزل
الأمراء ورجال الدولة عن
ممتلكاتهم الذهبية والفضية وما
شاكل ذلك قبل أن يمسوا أموال
العامة ، وبالفعل نفذت شروط
العالم الدمشقي ، وتمت الحرب
وكسبها العرب والمسلمون ،
ولكنكم لا تحبون الشيوخ لأنهم
رجعيون .
*
كاتب سوري عضو رابطة أدباء
الشام
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|