قراءة
في المشروع
السياسي
لسوريا المستقبل
خالـد
الأحمــد*
مقـدمـة
:
أقـر
مجلـس الشـورى لجماعة الإخوان
المسلمين في سوريا في جلسته
الأخيرة صيف (2004) المشروع
الحضاري الإسلامي لسوريا
المستقبل ، وعدل عنوانه إلى
المشروع السياسي لسوريا
المستقبل ؛ رؤية جماعة الإخوان
المسلمين .
يتكون
هذا المشروع من جزئين : الجزء
الأول للمنطلقات الفكرية
والنظرية للمشروع وفيه سبعة
أبواب وهي : منطلقات المشروع ـ
في التجديد ـ مرتكزات الدولة
الحديثة ـ الوطن ـ الإنسان(
الفرد، المرأة ، المجتمع ،
تحديات اجتماعية ) ـ السلطة ـ في
النظم والمناهج .
وتضمن
الجزء الثاني : سياسات المشروع (
البرنامج العملي للمشروع ) ،
ويتضمن سياسات المشروع العملية
في الداخل والخارج .
وأرى
الباب الثالث من الجزء الأول
وهو : مرتكزات الدولة الحديثة ؛
أراه جديراً بالعرض مهما كان
الوقت المتاح لنا محدوداً ،
نظراً لأهمية المشروع بشكل عام
، وهذا الباب بشكل خاص .
حدد
المشروع للدولة التي تنشدها
جماعة الإخوان المسلمين جملة من
المرتكزات أهمها :
1
ـ دولة ذات مرجعية : وتتلخص هذه
المرجعية في الإسلام الذي
لايحشرنا في الدولة
الثيوقراطية ، بل يؤكد الإسلام
أن دولتنا التي نريد دولة مدنية
فهذا الخليفة الأول أبو بكر رضي الله عنه يعلنها
صريحة في اليوم الأول من خلافته
[ قد وليت عليكم ولسـت بخيركم ،
فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أخطأت
فقوموني ...] ، فهو يعلن أنه ليس
بخيركم ، بل واحد من المسلمين ،
أنيطت بـه هذه المهمة ، وهو بشر
يخطأ ويصيب وليس معصوماً ،
ويطلب من رعيته أن يقوموه إذا
أخطأ ، وفي هذا تأكيد على أن
الدولة المسلمةدولة مدنية
وليست ثيوقراطية تعتبر نفسها
وكيلة عن الله ، وتعتقد أنها
معصومة عن الخطأ ، كما يتهم بعض
الناس الحكومة
المسلمة بهذه التهمة .
ومن
مرجعية دولتنا الحضارة العربية
الإسلامية ، و( نخلص إلى أن
الدولة الإسلامية هي مانطلق
عليه الدولة ( الحديثة ) وليست
بالدولة (الثيوقراطية )ولاهي
بالدولة ( العلمانية ) . ثم يمضي
المشروع السياسي مبيناً الفرق
بين الدولة الإسلامية التي نريد
والدولة الدينية فيقول :
(إن
الإسلام لم يقرر مصدراً غيبياً
للسلطة يولد مع الحاكم ، بل حارب
أدعياء الألوهية والربوبية ،
بكل أشكالها وأنماطها ، وقرر
المساواة بين بني البشر فهناك
خالق ( هو رب العالمين ) وهناك
مخلوق هم البشر أجمعون ، وأسقط
كل دعاوي التكريم على أساس
النسب [ يافاطمة بنت محمد اشتري
نفسك لا أغني عنك من الله شيئاً ]
. فلا قداسة لحاكم بحكم مولده أو
نسـبه) .
(وكذلك
فقد أبطل الإسلام كل دعاوي (
العصمة ) التي يتذرع بها حكام
ادعوا في يوم من الأيام أنهم
مقدسون أو ملهمون ، والعصمة في
التصور الإسلامي ؛ وقـف على
رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيما يبلغه عن ربـه تبارك
وتعالى ، ولم ينشئ الإسلام
مؤسسة دينية ، لافي صورة فرد ،
ولاطبقة ( كالبراهمة )
عند الهنود ، و ( الأحبار )
عند اليهود ، و ( الاكليروس ) عند
النصارى . لأن العلاقة بين العبد
والرب في الإسلام علاقة مفتوحة
بلا وسطاء بلا وسطاء ( إياك نعبد
وإياك نستعين ) .
ومصدر
الولايات جميعاً في الدولة
المسلمة هو الأمــة ، أي
الاختيار القائم على الرضا
المتبادل بين أهل الحل والعقد
وبين الإمام ).
2 ـ دولة
تعاقدية : وهو المرتكز الثاني
للدولة التي ينشدها الإخوان
المسلمون ، تقوم على الاختيار
الحـر المعبر عن إرادة الأمـة ،
وتبقى الأمـة ( ممثلة بمجلس
الشـورى ) هي المنشئة للعقد ،
وهي المشرفة عليه ، والرقيبة
على وفاء الإمام بالتزاماته
ومحاسبته ، وهي بالتالي ( الأمة
ممثلة في مجلس الشورى ) لها الحق
في ( خلعه ) أو ( عزله ) أو ( إقالته
) حسب مصطلح كل عصر إذا لم يقم
بما أنيط بـه من مهام حسب شروط
العقد .
3 ـ دولة
مواطنة : المواطنة هي الانتماء
السياسي ، انتماء الفرد لدولة ،
ويضم هذا الانتماء السياسي (
المواطنة ) أجناساً مختلفة ،
فتتكون أقليات عرقية ، ولغوية ،
وأدياناً مختلفة ، ويبقى الرباط
السياسي هو المواطنة . ومن أفضل
الأمثلة على ذلك عمر t
واليهودي ، عندما كان عمر يتفقد
أحوال رعيته في شوارع المدينة
المنورة فرأى شيخاً طاعناً في
السـن يتسـول ، فسأله : ماالذي
ألجأك إلى التسول ؟ قال : السـن
والجزية ، فقال عمر : من أي أهل
الكتاب أنت ؟ قال : من اليهود .
فأخذ عمر ( خليفة المسلمين )
الكيس الذي يحمله الشيخ اليهودي
( المواطن ) وحمله عنه ، وذهب به
إلى بيت المال وقال لخازنه :
انظر هذا وأمثاله فضع ( احذف )
عنه الجزية ، وعين له راتباً في
بيت المال ، والله ما أنصفناه !
إذ أكلنا شبابه ، وتخلينا عنه في
شيخوخته !! هذا الحاكم المسلم
عمر رضي الله عنه وهذا مواطن
يهودي في الدولة المسلمة ، وهذه
هي الدولة التي يسـعى الإخوان
المسلمون من أجلها .
4 ـ
التمثيلية : ونقصد قيام المجلس
النيابي أو مجلس الشعب أو مجلس
الشورى أو مجلس أهل الحل والعقد
، .... وكلها
تسميات تعني أنه يمثل الأمــة ،
عندما يكون الانتخاب حـراً
ونـزيهاً. وعندما يفهم
المواطنون حكم الانتخاب في
الإسلام ، ويعرفون أن الانتخاب
شهادة وأمانة .
5 ـ
التعدديـة : وهي من أهم صفات
الدولة المسلمة التي يسعى
الإخوان المسلمون إليها ، قبل
قيام الدولة المسلمة ، وبعد
قيام الدولة المسلمة ، فقد كانت
التعددية الدينية في المدينة
المنورة أول حكومة مسلمة في
العالم ، وفيها نزل قوله تعالى (
لاينهاكم الله عن الذين لم
يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم
من دياركم أن تبروهم وتقسطوا
إليهم إن الله يحب المقسطين ) ،
وقد أقر الإسلام الطعام
والتعايش والزواج بين المسلمين
وأهل الكتاب ، وقامت الحضارة
الإسلامية خلال الدولة
العباسية ، والأموية في الأندلس
على التعاون بين ثقافات
وأعراق وأديان مختلفة .
6 ـ
التداولية : إن إقرار مبدأ
التعددية السياسية يؤدي إلى
إقرار مبدأ التداولية ، ومن
التداول اشتق العرب لفظ ( دولة )
والتداولية هي المقابل
الموضوعي للملك العضوض ،
والمقابل الموضوعي أيضاً لحاكم
يدوم مدى الحياة ، ولو تقاعس عما
التزم بـه ، أو خان ماعاهد عليه
، وهي رفض للجبرية التي فرضت
نفسها على المجتمع مثل ( الحزب
القائد ) أو ( إلى الأبد يا .... ) .
والتداولية هي التداول بين
الأحزاب السياسية التي تدعمها
الإرادة الوطنية العامة عبر
صناديق الاقتراع الحـر
والنـزيه .
7 ـ
المؤسساتية : والدولة الحديثة (
الدولة المسلمة ) دولة مؤسسات
وليست دولة فـرد ، يتولى أصحاب
الاختصاص مهامهم في كل ميدان .
وفي إطار المؤسسات تنفصل
السلطات الثلاث عن بعضها بشكل
واضح ، السلطة التشريعية ،
والسلطة التنفيذية ، والسلطة
القضائية ، ولاتهيمن واحدة منها
على الأخرى ؛ كما هي في الأنظمة
الاستبدادية .
8 ـ دولة
القانون : أي دولة تعلو فيها
سيادة القانون على كل فرد فيها ،
حتى على الإمام ( الرئيس ) ،
والأمثلة كثيرة في تاريخنا
الإسلامي ومنها على سبيل المثال
:
ـ
الخليفة عمر رضي الله عنه يعطي
السوط لابن القبطي كي يضرب ابن
الوالي عمرو بن العاص ( أحد دهاة
العرب ، وأحد قادة الفتح
الإسلامي ، ووالي مصر يومذاك ) ،
ولكن القانون ( وهو الشريعة )
فوقـه ، وفوق الجميع .
ـ تخاصم
علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وهو خليفة مع يهودي ( مواطن من
رعايا علي بن أبي طالب رضي الله
عنه ) فتحاكما إلى شريح القاضي ،
الذي أجلس الخليفة جانب خصمه
وساوى بينهما في مجلس الحكم ،
وعندما لم يستطع الخليفة أن
يقدم شهوداً غير ولديه ( الحسن
والحسين سبطي رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وسيدا شباب أهل
الجنة ) ، ولكن القانون ( الشريعة
) لاتقبل شهادة الولد لوالده ،
لذلك رد القاضي شهادتهما ، وحكم
لليهودي بالدرع ، وخرج الخليفة
من المحكمة وقد خسر الحكم !!!؟
فالقانون فوق الخليفة ، وهكذا
يريد الإخوان المسلمون دولة
يكون القانون فيها فوق الجميع .
هذه على
عجالة أهم صفات الدولة التي
ينشـدها الإخوان المسلمون ،
لتكون دولة جميع المواطنين ،
وليست دولة أقلية ، ولتكون دولة
قانون وليست دولة ( مافيا ) يأكل
الحاكم وزمـرته الشــعب ،
فيتحول ( 95%) من الشعب إلى فقراء
معدمين ، بينما يصبح حكامه من
أوائل الأغنياء في العالم ،
ولتكون دولة تعددية للجميع .
نسأل
الله عزوجل أن يوفقنا إلى
مستقبل أفضل في سـوريا والله
على كل شيء قدير
والحمد
لله رب العالمين
*
كاتب سوري في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|