ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 12/12/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


أيها المرء الحر إياك (!)

أن يشغلك الزحام عن هذه الأولويات  !!

غسان أحمد كيالي*

يتوه المرء في زحمة الحياة عن أولويات لديه ، سواء في شؤون دنياه أو غيرها على نحو لا ينتبه إليه ، إلا بعد أن يثقله التعب، أو يعيه المرض ، أو يثبته العجز والكبر ، سواء بين تراكم واجبات أو فوات أوان يتيح له استدراك ما فات من أوقات وطموحات وغايات ، إزاء نفسه وأسرته في شتى شؤونها ، منها حقوق زوجته وأولاده وأقاربه وأرحامه ، ومن ثم أمته ..

وهنا يجدر لفت النظر ، إلى أن هناك شأن رئيس ، مهيمن على ذلك كله ، إن أدركه الإنسان كان سبباً وعونا له في إصلاح شؤونه كلها سواء في دنياه  أو آخرته ، إلا أنه محال إدراكه وتطويعه ، إلا من خلال اضطلاعه على نحو الأولوية بالاعتناء بالتقديم له ، كإقراره وتأبطه وتعهده أن يجعله من نفسه مقام القائد الحاكم ، والروح من النفس . هو ذاك ، شأنه إزاء خالقه !

وعليه ، إخلاصاً مني لهذا الإنسان ، الذي هو لي أخاً أو نظيراً ، وحرصاً عليه من أن تلفحه نار الندم ، ولات حين مناص ، في ثنايا درب حياة عاجلة سريعة الذبول والأُفول ، ليس من شأنها إتاحة نيل صاحبها كل ما يريد  ويطمح ، على ذلك لا بد من تأمل دقيق لسبيل الحياة تلك ، كيف يحسن سلوكها ، فينتبه إلى محاذيرها، ويتقى عثراتها ، ويتعرف على مرشداتها ، فيتأبط محسناتها في ذاكرته ، وليتمكن من اغتنام تأبط ملكاته وطاقاته المغفلة ، وليتمرس على تطويع وتكييف ما يمكنه من ممكنات واستثمار ما يصادفه من نفحات وفرص ومتاحات ، ومن ثم ليطمئن أنه على سبيل قويم مفض به إلى حسن المصير وسلامة العاقبة لنفسه ومن يحب ..

لكل ذلك وددت أن أهمس لهذا الإنسان بكلمات مخلصة أنفحها بين يديه من قلب خبير متمرس ، كلمات أراها لابد ماسة وجدانه وضميره ، ومن ثم له إن شاء " وأنا له أخ أو نظير " مراسلتي متى شاء طلباً للمزيد ، وإن شاء أعرض عن كلماتي ، لكني رغم ذلك ، أظل متمن  له الوقوف على الحقائق والسلامة وحسن المصير على كل حال ..

أما عن تلك الأولويات التي نوهت عنها آنفاً ، فإن أولها تكمن في الإنسان نفسه ! ذلك الإنسان الذي ما برح قلقٌ نساءٌ متلجلجٌ متقلبٌ في شتى شؤونه ، لا يفتأ من حين لآخر يتوالى نسيانه حق ومقتضيات نفسه وصحته التي عليه إنقاذها ، كواجب حياتي أول لديه، الشأن الذي يملي عليه التوقف والنظر والتفكر العاجل وتقرير شأنه والكيفية التي يقتدر خلالها منح نفسه فرصة ما للتأمل والتفكير في ذلك، ذلك أن انه الشأن الذي يحتل لديه وفي حياته مقام الأولوية حالا ومآلاً. ومع ذلك ، فإن عليه أن يعلم أنها تقتضي أن تكون فرصة وافية لتحقيق للاعتناء بها ، ومن ثم تقديم أولوية ذلك الشأن على ما سواه .

وتجدر الإشارة ، إلى أن الواجب ذاك ، ليس معني ٌ به فقط اقتضاء اعتناء المرء بأسباب الوفاء بالحقوق بعد نفسه ، ومن ثم إزاء محيطه القريب وحسب ، وإنما كذلك إزاء محيطه الأوسع أو انتماءه الأكبر ، مصدره ، الخالق ، الذي ينتمي إليه ، شاء أم أبا ، خالقه الذي أوجده حياً ، يسعى ، ويعقل ، وينظر ، ويبحث ، بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً من قبل ، كل ذلك كان قد تم له ، من دون طلب أو تخير منه ، وجوداً يملي عليه بالضرورة التساؤل والتفكر : في سبيل التعرف على خالقه ، لِمَ خلقه على ما هو عليه من أحسن تقويم جميل بديع .. لأية غاية ؟! إذ محال أن يتم خلقه هكذا عبثاً ، ولو كان هناك عبث لما استقرت إذاً السموات والأفلاك على حالها من النظام والاستقرار منذ أمد سحيق حتى عصرنا هذا ، ومن ثم ، كيف له أن يعلم مطلب خالقه منه ، ليوفيه حقه ، ويستقيم تبعاً لمضامين ما أرسله له من نهج سبق أن بينه النبي ، له أن يصغي إليه ، ويتأمل طويلاً فيه ، ليتبين وليقف على سلامته ونزاهته ، وحقيقة تفوقه بصحته وجماله ، وليشرع فيغرف منه ، فينتبه ويحذر مما حذره منه من علائم مضللات ودواع موهمات، وليترقب في سبيله تلك إلى ما أرشده إليه من معالم سلامة فيها لم تزل يتوالى ظهورها على جانبيها ، وليعني في ذلك كله وسواه ، بالاستقامة في تلك السبيل التي من شأنها أن تفضي به وبمن يحب إلى السلامة وحسن المصير آناً ومآلاً ...

ومن ثم ، لتعلم أيها القارئ ، أن اعتناء الخالق ( عز وجل ) ببعث الأنبياء تترا كان ذلك رحمة ونعمة منحها لعباده ، تفضلاً، لا استحقاقاً لهم عليه، ذلك أنك أيها  الإنسان معني على ما خلقك الله تعالى عليه من أحسن تقويم، وعلى ما أتاك إياه من ملكات فاعلة سابرة ، أنت قادرة بها على الاستدلال عليه ، مهما تنكرت أو كابرت ، ملكات ومقدرات تستطيع من خلالها تحصيل المعرفة وتلمس الحقيقة، ذلك أن أعلى تلك الملكات " ملكة العقل " الراقية التي ميزك بها عن سائر مخلوقاته ، ومنحتك القدرة على تأبطها وتسييد استخدامها في سياق البحث والتأمل والاستقراء والمحاكمة والاستعانة بها في تمتعك بحريتك في اختيار وتقرير النهج التي ترتضيها وتقرر سلوكها نفسك بنفسك ، ولتعني بالبحث الحثيث في سبيل الوقوف على تلك الإجابات الوافية على الأسئلة الحياتية المهمة المعنية بك التي لا تزال تقلق أو تقض مضاجع البعض في شتى تقلباتهم الحياتية الدنيوية المرحلية هذه.

وعليه، يتحقق لك أيها القارئ الكريم ، أن الحجة لله كائنة قائمة على الناس حتى لو ترتب افتراضاً غياب الأنبياء والرسل، خصوصاً وأن الله سبحانه ما كان ليكلف الإنسان إلا بما يطيق ويستطيع .

ومما سبق ، يتبين كذلك، أن ليس بعثه ( عز وجل ) الأنبياءَ في كل أمة بلسانها ، وموافاة البشرية بنبي تحقق كونه خاتماً، حمَّله ( عز وجل ) مهام تبليغ وتبيان رسالة خاتمة تكتنز شمولية العطاء وأهلية البناء عليها على نحو جعلها بشهادة علماء باحثين متخصصين من مختلف الأُمم  كونها صالحة للانطلاق منها والتفريع منها في شتى المجالات والميادين في كل زمان ومكان ، كل ذلك لم يكن منه إلا رحمة وتفضلاً من لدنه ومنةً فائضة منه على عباده (دعوة إبراهيم مثالاً).

وعليه، كان الإنسان جديرا بتحمل مسؤولية إفضائه إلى الشقاء والفشل .. أو السلامة والفلاح ، ذلك أن كل ذلك ، لا يزال يجد جراء ضلال الإنسان غفلة أو عمداً عن الوقوف بين يدي ممليات قدرته على إدراكه تلك الحقائق ومقتضى إذعانه لها، والرضى بتحمل تكاليف ومهام الاعتناء بأدائها على النحو الموافي السليم.

وعليه يتأكد كذلك ، أن ضلاله ذاك ، لم يكن من قبل ، وكذلك من بعد ، جراء افتقاره الملكات والأسباب الموافية لإدراكها والوفاء لها ، كونه لا يزال يملكها.

كما لم يك ضلاله ذاك عنها جراء غياب المعالم المرشدة، ذلك أن الأرض لم تخلو بعد من عقلاء عارفين داعين مبينين.

كما لم يك ضلاله ذاك عنها جراء غياب الآيات الدالة، ذلك أن الآيات المعجزة الدالة المرشدة له على حقيقة وجوده وأسباب خلقه ومصيره لا تزال كثيرة بادية في جزئيات " فضلا عن كليات " مكونات نفسه ، كما هي منتشرة عامرة في محيطه وبيئته والكون من حوله ، متاحة جلية مضيئة على نحو بالغ الكثافة لا يترك له حجة لمهرب أو مكابرة ، موافية له للاعتبار منها والاستدلال بها والاسترشاد من خلالها ، للوقوف على الإجابات الوافية لما يشتاق في وجدانه وسريرته لإدراكه.

ويجدر التذكير ولفت النظر ، إلى ضرورة الوفاء بتلك الأسئلة الحياتية ، المعنية منها بكل فرد من أبناء الأسرة البشرية أمكن تلخيصها بـ ( مَنْ أوجدني؟  لِمَ وَجَدَني؟  أيها وكيف هي  سبيل الاستقامة لنيل سعادتي الدنيا ، ومن ثم النجاة لنيل حسن المصير بعد الموت ، في الآخرة ؟! ).

وللذكرى كذلك ، فقد سبق أن أدركَ تلك الحقائق على البديهة " على سبيل المثال ، لا الحصر " إعرابيٌ مغمور في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) ، لم تتح بين يديه آنذاك وسائل العلم والمعرفة والاتصال كتلك الكثيرة المتاحة بين يدي الإنسان المعاصر اليوم ، ظهر برهان ذلك في بداهة إجابته على من سأله مستهجناً عن سبب مبادرته لمبايعة النبي (صلى الله عليه وسلم) على الإسلام بقوله: 

ويحكم !! البعرة تدل على البعير! والأثر يدل على المسير! أفلا تدل أرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، وسماء ذات أبراج، على خالق خبير!؟  كما أدرك بعض ذلك شاعر جاهلي " جرير " بمجرد سلامة عقله وصدقه وإخلاصه في تأمله في سبيل البحث وتلمس الحقيقة ، بقوله شعراً:

ألا عجباً كيف يُعْصَى الإلـه ويَجحدهُ الجاحدُ

وفي كل شيء له آيـةٌ ،  تدل على أنه واحدُ !

ذاك ، ولرب سائل يسأل : ما المغزى من مشيئة الخالق أن يتاح للإنسان فرصة حياة محدودة على وجه الأرض؟!

وهو سؤال نجيب عنه: ذاك، إنما أناط الخالق ( عز وجل ) بالإنسان حمل أمانة السعي للوقوف على تلك الإجابات المعنية به في حياة محدودة وهو على ذلك التقويم والملكات المشار إليها، والمتاحات بين يديه ، كونه " الله " عز وجل ، إلـه ، ومن حقه أن يتصرف في خلقه وبمن خلق من مخلوقاته كما يشاء ، ولا يشاء الله إلا حقاً ، سواء بخلقه للإنسان وغيره . فأما مشيئته من خلق الإنسان ، فقد بين ( عز وجل ) بعضها بقوله : ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) وقوله ( إنا هديناه السبيل فإما شاكراً وإما كفوراً ) .

ومنه تتبين كذلك بعض مشيئته من خلق الإنسان على ذلك النحو ، ليبلوه ، كيف يقرر ، وكيف يعمل ، بعد أن خلقه ومنحه إرادته لنفسه ، وحمله مسؤولية قراره واختياره " بين يدي سبيلين ، اثنين ، إحداهما : سبيل شقاء نكدة ينال بها المرءُ نقمة ربه وعقابه، تحقق له حال استعجاله اختياره لها وسلوكها مئارب موات نيلها، ومتع عاجلة وشهوات عابرة ممكن الميل إليها ، وهي التي يحقق بها موافاة شهوة خفية متوقدة متحفزة أو عابرة ينال بها متعة أو اشتهار أو علو موهوم في الأرض ، وغير ذلك من متع مؤقتة غير دائمة بحال.. ذلك وما يتفرع عنه، لا يزال تترتب عليها أغلب أسباب انصراف الأكثرين من الناس إلى اختيار الميل إلى اختيار سبيل تحصيل المتع العاجلة والانشغال بها على غير انضباط عما ينتظرهم في الآجلة وعلى نحو غير مضمون لهم بذنوبهم ، وهو الشأن ، كذلك الذي أفضى بالأكثرين للعزوف عن مجرد التفكير في الغاية التي من أجلها خُلقوا ومملياتها وموجباتها ، ومن ثم لينحو متوجسين مبتعدين عن الاعتناء بالنظر في عواقب الأمر وسلامة المصير...

ومن جهة أخرى ، ولاقتضاء الاعتناء بإجلاء معالم السبيل الأُخرى ، وبعض أهم أسباب ميل وانصراف وانشغال الإنسان السوي في الاعتناء بمقتضيات سلوك سبيل النجاة والفوز في الحياة الأُخرى ، فلا بد من التنويه إلى أنها سبيل قويمة آمنة ، يتاح للمرء فيها نيل سائر أوطاره  ومراداته ، وإشباع شتى شهواته. هي  سبيل تورث المرء مع ذلك وضاءة الوجه وراحة الضمير وقرارة  الوجدان واحترام المرء لنفسه وثقته بسلامة ما هو عليها من سبيل .

وعليه ، أولا يجدر بالمرء التأمل وإخلاص وصحة وسلامة ذاك التحذير والإرشاد من أخ رفيق ، يريد بأخيه الإنسان  كل خير.

* ضابط يعيش في المنفى

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ