الانتخابات
العراقية :
قبلة
الموت للمشروع الديمقراطي
العربي ؟
د.
منصف المرزوقي
إذا سلّمنا بوجود شيء اسمه الحركة
الديمقراطية العربية وأنها
تنظيمات المجتمع المدني
والأحزاب الديمقراطية
التي تدفع
في كل قطر عربي منذ
السبعينات
نحو إقامة الدولة
الديمقراطية، فإن السؤال هو : ما
تأثير الانتخابات العراقية
المقبلة
على الحركة وعلى مشروعها
ككل؟
إنه سؤال لا يجب أن يغيب عن الأذهان في
خضمّ قلقنا المشروع بخصوص
تأثير هذه الانتخابات على
مستقبل الشعب العراقي
المثخن بالجراح.
من نافلة
القول أن وضع الحركة
لا يحسد عليه وهي محاصرة من جهة باستبداد الماضي
والحاضر ومن
جهة أخرى بتصاعد قوّة ما يمكن أن
يكون استبداد
المستقبل. فلا وهم لأحد حول قدرة
الدكتاتوريات الحالية على
تأهيل ذاتها لديمقراطية حقيقية
كما لا وهم لأحد حول ديمقراطية
حركات أصولية مسلّحة.
وكأن كل القوى
تضافرت على إجهاض الحركة
الديمقراطية العربية
فعوض أن تكون السياسة
الغربية عنصرا منشطا ومعينا
للمدّ الديمقراطي في ربوعنا،
كما حصل في أوروبا الشرقية
وفي أوكرانيا،
نراها على العكس عنصرا من
أهمّ عناصر عرقلته.
ثمة بالطبع
سياسة شيراك وبرلسكوني في الدعم
المباشر للدكتاتوريات
العربية وخاصة المغاربية.
لكن
الأخطر من هذه
السياسة (المشينة أخلاقيا
والحمقاء سياسيا على الأمد
المتوسط والطويل)
دور السياسة الأمريكية في
المنطقة وخاصة في العراق.
فعلاوة على مساندتها هي الأخرى
لكل الأنظمة الاستبدادية – ومن
آخرها النظام الليبي –نراها
يوما بعد يوم
تحطّم جهود
الديمقراطيين في العالم العربي
على امتداد ربع قرن لربح القلوب
والعقول العربية لصالح قيم
الديمقراطية وآلياتها.
إن عشرات الملايين من العرب الذين
سيتابعون الانتخابات العراقية
عبر الفضائيات سيتشبعون بدرجات
مختلفة بأفكار
تفرضها الصور
ومنها :
-أن
الانتخابات تجري في ظل الاحتلال
ولمصلحته ويا لهذه الديمقراطية
التي تغزونا على ظهر الدبّابات.
- أنه إذا وجب الخيار بين شرين فإن أهون
شرّ نظام يفرض الوحدة الوطنية
ولو بالقوّة
على نظام يفجّر الوطن
لقبائل وطوائف ونحل وملل تسيل
باسم الحرية
أنهارا من الدم ولا يتوانى
عن ممارسة انتهاكات حقوق
الإنسان بالطريقة نفسها يدا بيد
مع قوات الاحتلال التي سجلت في
مجزرة الفلوجة وثيقة براءة
لحلبجة وحماه وغيرها من المجازر
المرتكبة بأيد محلية.
- أن ضحايا هذه
الديمقراطية الانتقائية
والمسلحة هم
عرب السنّة
فتحرّكي في كل مكان من الأرض
العربية يا أحقاد
الماضي البغيض وتراجع بنا
يا زمن أمريكا
إلى حروب السنّة
والشيعة.
وقد يكون أخطر
ما في هذا التسمّم البطيء الذي
ستتعرّض له
الأمّة قناعة عبث
الديمقراطية كنظام سياسي يحمل
في طياته الأمل في غد أفضل. إن
الديمقراطية
عبر صراع الأفكار التي تضمنها وتنظمها حرية الرأي،
وعبر صراع الأحزاب التي
تضمنها وتنظمها حرية التنظيم،
وعبر الصراع النزيه الذي
تضمنه وتنظمه حرية
الاقتراع، هي حرب استبدلت فيها
الكلمة بالرصاصة
والأحزاب المدنية بجيوش التحرير وصندوق الانتخاب
بساحة المعركة. إنها
النظام الذي يروض العنف
بنقله من الفعل الدموي المباشر
إلى الفعل الرمزي مصرّفا
العدوانية كما تصرّف المجاري
العصرية المياه
الوسخة حتى لا تفيض على الناس
قذارة وأوبئة. ما أقبح صورة
الديمقراطية التي ستقدمها
الانتخابات العراقية
الدامية
وهي بداهة
جزء من العنف لا بديلا له.
قال الشاعر''
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر''.
ما من شكّ أن الحركة
الديمقراطية العربية تمرّ
بأحلك فترات تاريخها القصير رغم
بصيص النور الذي أعطاه المجتمع
الفلسطيني في الانتخابات
الأخيرة. ما
من شكّ أيضا أنها بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى
بدر تهتدي به. هذا البدر هو
جملة من المبادئ والخيارات
التي يجب أن تثبت عليها لإعادة
ما تهدّم وما سيتهدّم داخل
العقول والقلوب العربية
بانتظار أن يتضّح للجميع أن
الخيار كان وسيبقى
بين الديمقراطية والحرب
المسترسلة
المدنية منها
وغير المدنية مثل الإرهاب
الدولي والحرب عليه .
1- تأكيد
استقلالية الحركة الديمقراطية
العربية عن مفاهيم
وأجندة الإدارة
الأمريكية
وممارسة هذه الاستقلالية
عبر رفض كل تمويل وكل استخدام
واعتبار الإصلاحات شأنا
داخليا بحتا
من مشمولات الحركة
الديمقراطية وحدها،
مع التوجه الدائم للمجتمع
المدني الأمريكي لمطالبته
بالضغط على الحكومة التي تمثله
حتى توقف كل
دعم مالي وسياسي وعسكري
وأمني لدكتاتوريات تغذّي
وتتغذى بالإرهاب.
3 – مواصلة
التصدّي فكريا وسياسيا للبديل
الاستبدادي المتمثل في الحركات
الإسلامية السياسية المتطرفة
أو تحت أي
قناع إيديولوجي
مثل التقدمية أو القومية أو
الوطنية . كما لا يجب
الخضوع لأي نوع من الابتزاز
بخصوص الوفاء
للهوية والانخراط في أي مشروع
استبدادي كان وسيظلّ سببا في
هوان الأمة. أما الخطّ الأحمر في
التموقع والتمفصل على الساحة
السياسية فيجب
ألا يمرّ
بين الإسلاميين
والديمقراطيين كما يقدم بعض
الإستئصاليين الأمر، وإنّما
بين الديمقراطيين علمانيين
و إسلاميين من جهة، وبين أعداء
الديمقراطية
سواء ارتدوا عباءة
العلمانية أو الإسلامية.
3- عدم
المساومة في المشروع
الديمقراطي مع الأنظمة
المتحكّمة تحت ذريعة الإصلاح
والقطرة قطرة والتدرّج وكل
سياسات النعامة الأخرى
التي تهدف مقابل بعض
المكاسب للنخب المعارضة القبول
والتسليم بثوابت
النظام العربي الفاسد
الذي قادنا للهاوية ومنها
في العراق انتخابات
الدم تحت
حماية المحتل .
****
مفكر
تونسي من قيادة اللجنة العربية
لحقوق الإنسان
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|