مشروع
الإخوان السياسي :
عـودة
للأصـول
خالد
الأحمـد *
كثرت
المقالات في الصحافة العربية
حول الإخوان المسلمين في سوريا
بعد نشرهم المشروع السياسي
لسوريا المستقبل ، رؤيـة جماعة
الإخوان المسلمين في سورية . ومع
أن أكثر ردود الفعل كانت
إيجابيـة ، تبيـن مـدى التقدم
السياسي الذي وصلت إليـه
الجماعة في تعاملها مع الوطن
ومايضم من نظام حكم ومعارضة ،
ومواطنين . كما تبين مـدى الوعي
السياسي والحرص الوطني على
مستقبل سوريا الذي يشمل جميع
المواطنين بلا استثناء أو
استقصاء . وتبين مدى الوعي
والانتماء الوطني الذي يعلن رفض
الاسـتقواء بالاجنبي ، والوقوف
في خندق الوطن ضد أي تهديد خارجي
لـه . وغير ذلك من الايجابيات
الكثيرة التي وضعت جماعة
الإخوان المسلمين في سوريا في
الرقم الأول من صف المعارضة
السـورية .
إلا أن
ذلك كله لايلغي ماقاله بعض
الهمازين واللمازين الذين
يسؤهم ماوصلت إليه الجماعة من
وعي وتقدم سياسيين ، فراحوا
يطرحون الأراجيف والمغالطات
التالية ومنها :
1 ـ غيرت
الجماعة منهجها الفكري
والسياسي بعد أحداث (11) سبتمبر ،
كما يقول مشاري الزايدي وأمثاله
في الشرق الأوسط وغيرها .
ويومـئون إلى أن هذا موقف
تكتيكي للجماعة وليس
استراتيجياً ، وسوف تعود
الجماعة إلى موقفها المتشدد
والمتطرف ، وستعود إلى استخدام
العنف ، وفرض نظام الحزب الواحد
، والاستبداد ، حالما تسلمت
السلطة ... متذرعين بعدة حجج
واهية تدل على جهلهم بفكر ومنهج
وتاريخ جماعة الإخوان المسلمين
.
وتتحمل
الجماعة بعضاً من سـوء الفهم
المنتشر عنها ، لتقصيرها في
الإعلام ، ونشر فكـرها ومنهجها
على الناس ، وفي سوريا أسست
الجماعة منذ (1945م) ، ومشـت في
عقـد الخمسينات وبداية
الستينات على هذا المنهج ،
فكانت حركة تربوية ، إعلامية ،
سياسية ، تمارس التعددية
السياسية ، ومارست العمل
التربوي والإعلامي والسياسي
،وأسهمت في المجالس النيابيـة
خلال الخمسينات ، وكانت شريكاً
لحزب البعث والشيوعيين
والناصريين ( يومذاك ) في آخر
مجلس نيابي حقيقي سـوري وهو
الذي كان موجوداً حتى يوم (7/3/1963م)
حيث ألغي بقرار العسـكر
البعثيين يوم (8/3/1963م) ، ولأول
مرة تنشـر على الملأ مثل هذا
المشروع السياسي ، الذي يبيـن
للناس : من هم الإخوان المسلمون
، وماذايريـدون ؟
.
2ـ ويرى
آخرون أن الجماعة خرجت عن
أصالتها ومنهجها الأصيل ، وسلكت
طريقاً جديداً مخالفاً
لأصالتها وماضيها . وبعض أبناء
الجماعة ( سامحهم الله وأصلحهم )
يقولون مثل ذلك ، وبعض أنصارها ،
حتى صاربعضهم يتهمون الجماعة
بالمداهنة للنظام السوري .
وهذا
يحتم علينا أن نبين أهداف
الجماعة ، وبرامجها الأصيلة عند
الإمام حسـن البنـا ، والشيخ
مصطفى السباعي يرحمهما الله ،
ونبين مسيرة الجماعة في سوريا
خلال الخمسينات ، ثم نعرج إلى
عقد الثمانينات وهو حالة طارئة
دفع النظام السوري الجماعة
إليها ، ولما انتهت هذه الحالة
الطارئة رجعت الجماعة إلى
منهجها الأصيل . وهو المنهج
المعلن في المشروع السياسي
لسوريا المستقبل .
التنظيم
العالمي يوضح موقف الإخوان في
العالم :
وقبل
الدخول في صلب الموضوع أذكر بأن
التنظيم العالمي للإخوان
المسلمين أعلن في أواخر
الثمانينات وبداية التسعينات ؛
أعلـن عن المشـروع السياسي
للإخوان المسلمين ، ويتلخص في
توضيح النقاط التالية التي كثر
حولها النقاش في السـاحة
الإسلامية :
1 ـ قبول
الإخوان المسلمين لمبدأ
التعدية السياسية .
2 ـ قبول
الإخوان المسلمين لمبدأ مشاركة
المرأة في العمل السياسي ، بحيث
يجب عليها المشاركة في
الانتخاب ، كما يحق لها
الترشـح للمجالس النيابيـة .
3 ـ يسلك
الإخوان المسلمون منهج
المشاركة مع الحكم القائـم ،
وليس المغالبـة في عملهم
السياسي .
وقلت
يوضح ولـم يقرهـا ابتداء
للأسباب التالية :
1 ـ
الإخوان في سوريا يمارسون
التعددية السياسية منذ
الخمسينات .
2 ـ
الإخوان في الأردن يمارسون
التعددية السياسية كذلك منذ
السبعينات والثمانينات وربما
قبل ذلك ، والمهم قبل صدور
المشروع السياسي للتنظيم
العالمي .
3ـ ساهم
الإخوان المسلمون في مصر في
مجلس الشعب المصري في
الثمانينات قبل صدور هذا
التوضيـح .
وقد
تكون النقطة الجديدة هي حق
المرأة في الترشـح للمجالس
النيابية ، أما مشاركة المرأة
في الانتخابات فكانت الأخوات
المسلمات يشاركن في الانتخابات
المصرية والسورية والأردنية ؛
قبل صدور هذا التوضيح .
والمتابـع
الواعـي يـجد أن منهـج الإخوان
المسلمين منـذ بدايـة
التسعينات لايخرج عن هذه
المبادئ الثلاثة في مصـر
والجزائر والأردن واليـمن
والكويت والمغرب وتـركيـا
والباكستان وغيرهـا .
أولاً :
منهج الإخوان المسلمين عند حسـن
البنـا يرحمه الله :
في كتاب
وسائل الإعلام المطبوعة في دعوة
الإخوان المسلمين ، وهو رسالة
ماجستير للأخ محمد فتحي شقير ،
من المعهد العالي للدعوة
الإسلامية في جامعة الإمام
محمدبن سعود الإسلامية ، بإشراف
الدكتور أحمد محمد العسـال ،
نجـد النظام الأساسي لجماعة
الإخوان المسلمين الذي وافقت
عليه الجمعية العمومية للإخوان
المسلمين في (8/12/1945م) والمعدل في
(6/5/1948م) وسوف أوجز بداية هذا
النظام الأساسي قدر الإمكان :
المادة
(1) : في شهر ذي القعدة (1347)
الموافق (1928) تألفت هيئة الإخوان
المسلمين ومقرها الرئيسي مدينة
القاهرة .
المادة
(2) : الإخوان المسلمون هيئة
إسلامية جامعة تعمل لتحقيق
الأغراض التي جاء من أجلها
الإسلام الحنيف بما يلي :
أ ـ شرح
دعوة القرآن الكريم شرحاً
دقيقاً يوضحها ، ويردها إلى
فطرتها وشمولها ، ويعرضها عرضاً
يوافق العصر .
ب ـ جمع
القلوب والنفوس على هذه المبادئ
القرآنية ...
ج ـ
تنمية الثروة القومية وحمايتها
وتحريرها ، ورفع مستوى المعيشة .
د ـ
تحقيق العدالة الاجتماعية
والتأمين الاجتماعي لكل مواطن ..
هـ ـ
تحرير وادي النيل والبلدان
العربية ، والإسلامية من كل
سلطان أجنبي ، ومساعدة الأقليات
المسلمة في كل مكان .
و ـ قيام
الدولة الصالحة التي تنفذ أحكام
الإسلام ...
ز ـ
مناصرة التعاون العالمي لصون
الحريات ، وبناء السلام
والحضارة الإنسانية .
و يتابع
النظام الأساسي للإخوان
المسلمين فيقول :
يعتمـد الإخوان المسلمون في
تحقيق هذه الأغراض على الوسائل
التالية :
أ ـ
الدعـوة بطريق نشر المطبوعات ،
والإذاعة ، والوفود .
ب ـ
التربيـة التي تطبع أعضاء
الإخوان على هذه المبادئ ،
وتكوينهم جسدياً وعقلياً
وروحياً.
ج ـ
التوجيـه بوضع المناهج الصالحة
في كل شئون المجتمع .
د ـ
العمل بإنشاء مؤسسات اقتصادية
واجتماعية وعلمية ودينية ،
وتأسيس المساجد والمدارس
والمستوصفات والملاجئ ،
والاهتمام بالشؤون الاجتماعية
كالتكافل وغيره ، وتنظيم الزكاة
، والصدقات لأعمال البـر،
ومقاومة الآفات الاجتماعية ،
والمخدرات والمسكرات والبغاء ،
وإرشاد الشباب إلى طريق
الاستقامة والرشاد ، وشغل أوقات
الفراغ بما يفيد وينفع ، وتكون
هذه الأنشطة الاجتماعية تحت
إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية
.
ويقول
محمد شوقي زكي في كتابه الإخوان
المسلمون والمجتمع المصري وهي
رسالة ماجستير أيضاً (ص19) : [
أنشأوا مدارس البنين والبنات ،
وأقاموا المستوصفات ودور
العلاج ، وأسسوا المتاجر
والمنشآت ، وحرصوا على تعليم
القراءة والكتابة لمن يريد
الانضمام إليهم ، وحققوا
التكافل فيما بينهم ] .
وعندما
كلف عبد الناصر بمحاربتهم ،
والقضاء عليهم ، لم يجـد سـوى
تهمـة العنـف ، والعمل على قلب
نظام الحكم بالقوة ، والاستيلاء
على الحكم ،
واستخدم أساليب عديدة ، منها
الالتحاق بهم ، ثم الانقلاب
عليهم ، ثم اعتقالهم ، وإعدام
الكثير منهم ، استجابة لأسياده
الصهاينة والصليبية الذين
عرفوا مـدى خطورة هذه الجماعة
عليهم ، وخاصة بعد أن قاومت
المستعمر الانجليزي في قناة
السويس خلال الفترة (1952ـ 1954) ،
كما يتضح من كتاب المقاومة
السـرية لكامل الشريف ، وبعد أن
دخلت حرب فلسطين عام (1948) والتقى
في القدس الشهيد حسن البنا مؤسس
حركة الإخوان المسلمين ، والشيخ
مصطفى السباعي امير الإخوان
المسلمين في سوريا ، والأخ أبو
قورة أمير الإخوان الأردنيين ،
والشيخ الصواف أمير الإخوان
العراقيين وغيرهم التقوا خلال
المعركة ضد الصهاينة في القدس ،
ولقنوا الصهاينة دروسـاً
لاتنسـى في ( التبـة 86 ) وفي (
عصلوج ) وغيرهما مما تجـده في
كتاب الإخوان المسلمون في حرب
فلسطين لكامل الشريف أيضاً .
وحسب
رأيي هذا هو الذي جعل الصهاينة
والصليبية تصف الإخوان
المسلمين بالعنف ،
جهادهم في قناة السويس
وفلسطين ، كما هو الآن جهاد حماس
في فلسطين وهي الجناح العسكري
للإخوان المسلمين الفلسطينيين
، وكتائب عزالدين القسـام ،
والقسـام نفسـه ، ويصفهم (بـوش )
بالارهـاب لأنهم يسلكون طريق
الجهاد لتحرير بلدهم ، وتحرير
ثالث الحرمين من دنـس الصهاينـة
. وصار عملاء الصهيونية
والصليبية يرددون مايقول
أسيادهم ويتهمون الإخوان
المسلمين بالعنف .
ثم ذهب
عبد الناصر ، وبقي الإخوان
المسلمون المصريون ، وخرج آلاف
الإخوان المسلمون المصريون من
السجون والمعتقلات بعد ذهاب عبد
الناصر ، واضطر السادات إلى
مهادنتهم للقضاء على
الماركسيين ، وخلال سنـتين أو
ثلاث عاد الإخوان في مصر إلى
سابق عهدهم وعـزهم ، ومنذ (1972م)
وحتى اليوم ، استطاع الإخوان في
مصر أن يجعلوا الشارع المصري
بكل مافيه من مسلمين وأقباط ،
ومن سائر الاتجاهات السياسية
يعتقد ويؤمن بالحقيقة التي
لمسـها بالحواس وهي أن الإخوان
حركة إسلامية تربوية وسياسية ،
لا تنهج طريق العنف للوصول إلى
ماتريد ، حتى صرنا نجـد في عدة
مرات الأقباط يدافعون عن
الإخوان المسلمين المصريين ،
ويقولون : نحن متأكدون لو حكمنا
الإخوان المسلمون سننال حقوقنا
كاملة غير منقوصـة .
ثانياً :أهـداف
الإخوان المسلمين عنـد الشيخ
مصطفى السباعي يرحمه الله .
وهذه من
كتاب تاريخ الإخوان المسلمين في
سوريا الذي وزعتـه الجماعـة في
نطاق محدود منذ عام (1999م) ، وهو
من تأليف لجنـة من الإخوان
السوريين يرأسـها الأستاذ محمد
نعسـان عروانـي رئيس مجلس
الشـورى الأسبق :
يقول
الشيخ مصطفى السباعي يرحمه الله
موجزاً أهداف دعوة الإخوان
المسلمين في خمسة أمور هي:
1 ـ
إصـلاح الفـرد : وذلك بتطهير
عقيدته من الفساد ، وقلبـه من
الزيـغ ، ونفسـه من الشـهوة ،
وخلقـه من الضعـف ، وروحـه من
العزلة ، حتى يكون في المجتمع
بنـاء ، يعمل بروح الأبرار ،
ويكافح بعزيمة المناضلين ،
ويفكر بعقل الحكماء والعلماء .
2 ـ
إصلاح الأسـرة : إذ هي الخلية
الأساسية في المجتمع ، واستقامة
شؤونها ، وتماسك بنيانها ، هو
وحده السبيل إلى تماسك بنيان
المجتمع على الأسـس التالية :
أ ـ
التحرر من الجهل والخوف
والرذيلة والجوع والمرض
والمهانـة .
ب ـ
النظام المحكم الذي يجمع بين
القوة والرحمة والعدالة
والتسامح ، وينتفي فيه طغيان
الفرد وميوعة الجماعة .
ج ـ
القوة التي تحفظ الأمة في داخل
المجتمع ، وتصد العدوان عن
حدوده وسيادته وتحارب الظلم
والطغيان أينما كان .
3 ـ
إصـلاح المجتمـع .
4 ـ
كفـاح الاسـتعمار : الإخوان
المسلمون لايرون لكفاح
الاستعمار حـداً يقفـون عنـده
حـتى تتحرر أمتهم من كل آثـاره ،
العسكرية والسياسية
والاقتصادية والفكرية ، وهم
لايرون استعماراً أولى
بالمحاربـة من استعمار .... ويـرى
الإخوان أن كفـاح أعـوان
الاستعمار من طغـاة ومستبدين
ومستثمرين هو كفاح للاستعمار
ذاتـه ، لايهادنون فيـه أحـداً .
5 ـ
توحيـد العرب والمسلمين : من أجل
ذلك نادى الإخوان المسلمون
بوجوب تكتل العالم الإسلامي في
اتحـاد سياسي واقتصادي
كالاتحاد السوفياتي أو
الأمريكي ، مما يجعل من العرب
والمسلمين
أمة مرهوبة الجانب محترمـة
الكيان ، تلعب دوراً في صيانة
السلام العالمي ، وتوفير الرغد
والأمن لشعوب العالم .
ثم يعرف
الشيخ الدكتور مصطفى السباعي
يرحمه الله جماعة الإخوان
المسلمين فيقول :
ليست
دعوة الإخوان المسلمين دعوة
حزبيـة ضيقـة ، تقف عند حدود
سوريا و(لبنان) ، وإنما هي حركة
عالمية في مصر والسودان وشمال
إفريقيا وفلسطين والأردن
والعراق وغيرها ... نهضة عالمية
تمثل حركة البعث الجديد في شباب
العروبة والإسلام ...
ونحن
الإخوان المسلمون لسنا جمعية
خيرية تنحصر مهمتها في الإغاثة
، ولسنا جمعية وعظية تنحصر
مهمتها في الخطب والنشرات ،
ولسنا حزباُ سياسياً تنحصر
مهمته في منهج سياسي محدد ،
إنمـا نحن دعاة انقلاب إسلامي
فكري وعملي شامل . دعاة رسالة
شاملة ..تشمل الناس جميعاً وتنظم
نواحي الحياة كلها .. دعاة عصبية
للفضيلة والخير والحق والعـزة ..
دعاة ديـن ولسنا دعاة طائفيـة ..
أنصار سلم لمن أراد بامتنا
وبلادنا سلماً وخيراً وكرامة ..
وجنود كفاح لمن أراد لنا
الإفنـاء ، ولأوطانـنا
الاستعمار ، ولجماهيرنا
الإفقار والإذلال .. نحـن دعاة
إصـلاح اجتمـاعي في أمتنـا .
هذه هي
دعوة الإخوان المسلمون كما تبين
من أهدافها عند المؤسس الأول
الشهيد حسن البنا يرحمه الله ،
والمؤسس الثاني في سوريا وهو
الشيخ مصطفى السباعي يرحمه الله
، ولم يـرد في الأهداف أو
الممارسـة أي بادرة نحو العنف
واستخدام القـوة ضـد الحكـام ،
وإنما استخدمت القوة ضـد
الصهاينة في فلسطين ، وضد
البريطانيين في قناة السويس ،
وضد الفرنسيين في سوريا ،
وهذا هو بيت القصيد ، عندما
صـارت أبواق الإعلام الصهيوني
والصليبي تقـذف الإخوان
المسلمين بتهمـة العنف ( لأنهم
جاهدوا في فلسطين وقناة السويس )
، وراح عملاء الصهاينة
والصليبية يرددون مايقوله
أسيادهم دون وعـي .
الإخوان
السوريون والعنف في الثمانينات
:
استلم
البعثون السلطة في سوريا (8/3/1964م)
، ومنذ ذلك اليوم صاروا يتوعدون
ويهددون الرجعية ، يصرحون بأن
القضاء على الرجعية قبل تحرير
فلسطين ، والكل يعرف أنهم
يقصدون الحركة الإسلامية ، وقد
صرحوا بذلك بلسان زكي الأرسوزي
، وإبراهيم خلاص في مجلة جيش
الشعب (1967م) .
وفي
المؤتمر السادس لحزب البعث صرح
حافظ الأسد بأن الإخوان
المسلمين لاينفع معهم إلا
التصفية الجسدية ، وصرح شقيقه
رفعت بأن مخطط التطهير الوطني
سوف ينفذ ، وسوف يهدم مدينة حماة
، ليقول المؤرخون : كانت هنا
مدينة تسمى حماة ، وسوف يجمع
الرجعيين في الصحراء ليغسل
عقولهم ، ويطهرها من الرجعية ،
ويعمر الصحراء بسواعدهم ...
البعثيون
يهدمون مسجد السلطان :
وبـدأ
مسلسل العنف في عام (1964م) عندما
حاول مـروان حـديـد يرحمه الله
القيام بعمل سياسي وهو الاعتصام
بمسجد السلطان في حماة وتحريض
الشعب على الإضراب ، ومعه ثلـة
من تلاميذ المدارس الابتدائية
والمتوسطة ، فكان جواب السلطة
تدمير مسجد السلطان بالدبابات (ت54)
وبالمدفع عيار (100ملم ) الذي دفع
الشعب ثمنه لتحرير فلسطين من
الصهاينة .دمروا المسجد وأطول
مئذنة في حماة وبطشوا
بالمعتصمين في المسجد بكل قـوة
وقسـوة وعنـف يسميه البعثيون (
العنف الثوري ) .
وشـاء
الله أن يصدر رئيس مجلس الرئاسة
محمد أمين الحافظ عفواً عن
مروان حديد بعد أن حكم عليه
بالإعدام ، وقـد انقلب تفكير
مروان يرحمه الله من العمل
السياسي إلى العمل العسكري ،
واقتنع بأن هؤلاء البعثيين
الذين فعلوا مالم يفعله
الفرنسيون الذين كانوا يتجنبون
المساجد فلا يدخلونها ، هؤلاء
البعثيون لاينفع معهم إلا
القتال بالسلاح ، ولما لم
توافقه جماعة الإخوان المسلمين
على هذا الطرح ، كما لم توافقه
على الاعتصام في المسجد قبل ذلك
، انشـق عن الجماعـة وأسـس
الطليعة المقاتلـة .
الســلطة
تجبـر شباب الطليعة على القتال :
اعتقلت
وحدات الأمن القومي ،
شـابين من الطليعة في بساتين
حماة ، عام (1975م) ، هما الشهيد (عصفور
) والشهيد (زلف ) ، وعذبتهما
أثناء التحقيق حتى ماتـا
يرحمهما الله تحت التعذيب ، ثم
ارتكب الرائد محمد غـرة قائد
الأمن القومي في حماة يومذاك
حماقة أخرى عندما سـلم الجثتين
لأهلهم ، وكانت آثار الكدمات
واضحة للعيان على صدريهما
ورأسيهما ، وشـاع الخبر في حماة
، وقـرر بقية الشباب الذين على
صلـة معهما أن لايسلموا أنفسهم
لسلطات الأمن ، عندما تأتي
للقبض عليهم ، وأن يقاتلوها حتى
الموت في الشارع بالرصاص أفضل
وأشرف وأسهل من الموت تحت
التعذيب ، كما مات رفيقيهما (
عصفور وزلف ) وهكذا بدأت المعركة
.
مـجـزرة
المدفعيـة :
ثم كانت
مجزرة مدرسة المدفعية ( 16/6/1979م)
التي استنكرتها الجماعة في
حينها ، ونشرت ذلك الاستنكار في
مجلة المجتمع ( شعبان 1399) ،
ومازالت تستنكرها ، ومع أن
الطليعة تركت منشورات تبين هوية
المنفذين ، إلا أن وزير الداخية
عدنان الدباغ أعلن في التلفزيون
السوري يقول : اقتلوا الإخوان
المسلمين في كل مكان ، داخل
البلاد وخارجها . وشـنت السلطة
حملة اعتقالات وقتـل لأفراد
الإخوان المسلمين وأقاربهم .
ومما هو
معلوم للجميع أن شرائح كثيرة
ومختلفة من الشعب السـوري ،
حملت السلاح ضـد البطش والتعسف
الذي مارسته السلطة على الشعب ،
والذي كانت السلطة تنفذ مقررات
سابقة ، ومنها تدمير مدينة حماة
ففي عام (1982م) وفي مجزرة حمـاة
الكبرى ، وبعد أن سيطر الجيش يوم
الثلاثاء على المدينة كلها ،
وانتهت المقاومـة تماماً ، قام
النظام بتعليمات الرئيس يوم
الجمعة ( بعد استسلام المدينة
بثلاثة ايام ) قام بجمع (1500) من
مدرسي التربية الإسلامية وأئمة
ومؤذني وعمال المساجد ، على
رأسهم مفتي حماة الشيخ بشير
مراد يرحمه الله ، وتـم قتلهم في
مجزرة جماعية على طريق سريحين
أو بـراق .
وفي
مجزرة حماة أيضاً اعتقل بعض
البعثيين الحمويين ولما قالوا:
نحن بعثيون وهذه بطاقاتنا كان
جواب الضابط من الوحدات الخاصة :
كل الحمويين إخوان مسلمون ( أي
يجب أن يقتلوا ) . بل أغرب من ذلك
اعتقل حموي مسيحي ولما قال
للضابط أنا مسيحي كان الجواب
نفسـه : كل الحمويين إخوان
مسلمون حتى المسيحيين ( راجع
كتاب حماة مأساة العصر ) .
وبعد
تصريح وزير الداخلية الذي يحرض
على قتل الإخوان المسلمين في كل
مكان ، بعده بعدة شهور ، وفي (أيلول1979م
)سمح مجلس شورى الإخوان
المسلمين لأبناء الجماعة
الدفاع عن أنفسهم بالسلاح ، حتى
لايمـوتوا كالدجاج بين يـدي
وحدات الأمـن .
ومن
الناحية العمليـة سـارع معظم
أبناء الجماعـة ، إلى الخروج من
سـوريا ، وشـهد عام (1980م)
نـزوحاً كبيراً لأبناء الحركـة
الإسلامية ، خرجوا من سوريا
خوفاً على أرواحهم وأعراضهم
ودمائهم من بطـش وحدات الأمـن
وإرهـابها ، ومازال معظمهم في
المنفـى .
ومنذ (1991م)
وقـد قومـت الجماعة ماحصل في
الثمانينات ، وأعلنت أن الشباب
المسلم دفـع وأجبر على استخدام
السلاح ، لتتخذ السلطة مبرراً
لقتلـه والقضاء عليه ، وقد قتلت
عشرات الألوف منه ، والجماعـة
تبـين وتوضـح أنها ضـد استخدام
السلاح ، وأن العنف ليس من
منهجها ، وأن عقـد الخمسينات
والستينات يبيـن منهج الجماعـة
الأصيل الذي عادت لـه الآن .
المشروع
السياسي لسوريا المستقبل رؤية
جماعة الإخوان المسلمين في
سوريا :
واليوم
تنشر الجماعة هذا المشروع ،
تعبر عن أهدافها ، ووسائلها
لتحقيق هذه الأهداف ، وتؤكـد
أنها تسلك طريق التربية والعمل
السياسي والإعلامي ، وتطلب
محكمـة عادلـة يوافق عليها
الطرفان لتحكم في أحداث
الثمانينات ، وتؤكد الجماعة
التزامها بالتعددية السياسية ،
وقبول الآخر الديني والعرقي
والثقافي والفكري والسياسي ،
وتعلن قبولها والتزامها
بصناديق الاقتراع ، وتقول في
نهاية مشروعها السياسي تحت
عنوان :
ســوريـا
التي نـريـد :
ـ نريد
سوريا بلداً تسود فيه كلمة الحق
والعدل ، ويقوم فيه المواطن وهو
آمن على نفسه بدوره الفاعل في
بناء وطنه ، وحماية معتقداته ،
يقطف ثمار تقدمه وازدهاره .
ـ
نريدها بلداً تتحقق فيه الوحدة
الوطنية ، وينبذ التعصب الطائفي
، وتتعايش فيه مختلف الديانات
والمذاهب والأعراق ؛ ضمن إطار
المصلحة العليا للوطن .
ـ
نريدها بلداً يؤمن بالحق في
الممارسة السياسية وتشكيل
الأحزاب في إطار دستور البلاد ،
ويكون الاقتراع الحـر النـزيـه
أساساً لتداول السلطة دون تسلط
أو إراقـة دمـاء .
ـ
نريدها بلداً يمتنع فيه استبداد
السلطة والتفرد بهـا ...
ـ
نريدها بلداً يتساوى فيه الجميع
أمام القانون ، دون حصانة لأحد
أمام القضاء ،رئيساُ كان أم
مرؤوساً .
ـ
نريدها بلداً ذا جيش وطني يحق
لكل مواطن كفء شـرف الانتساب
إليه حسب المؤهلات .
ـ
نريدها بلداً ذا إعلام حـر ،
يعمل على دعـم وترسيخ حرية
التعبير والتفير والإبداع ...
ـ
نريدها بلداً يحتفظ بكفاءات
أبنائه الوطنية ، وتكون عامل
جذب للكفاءات الوطنية والعربية
والإسلامية المهاجرة .
ـ
نريدها بلداً تعلو فيه سيادة
القانون ، ويتقدم فيه أمن
المجتمع على أمن السلطة ،
ولاتحل فيه قوانين الطوارئ محل
القوانين العاديـة .
نسأل
الله عزوجل أن يحقق هذه الأماني
، ويعيننا على متابعتها
وهو على
كل شيء قدير . والحمد لله رب
العالمين
*
كاتب سوري في المنفـى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|