بسم
الله الرحمن الرحيم
رسائل
المراقب العام – الرسالة
العشرون
بمناسبة
قدوم شهر ذي الحجة
في
28 من ذي القعدة 1425 الموافق 9
من كانون الثاني 2005
من
المراقب العام للإخوان
المسلمين في سورية إلى إخوته
وأخواته أبناء الجماعة
وأنصارها وأصدقائها، حَمَلَةِ
رسالة الإسلام في كلّ مكان:
السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته، وأحمدُ الله إليكم،
وأصلّي وأسلّمُ على حبيبنا
وقُدوتنا سيدنا محمدٍ خاتم
النبيين، وعلى إخوانه من
الأنبياء والمرسلين، وعلى آله
وأصحابه والتابعين، ومن سار على
دربهم واهتدى بهَدْيهم إلى يوم
الدين.. وأسألُ الله عزّ وجلّ أن
يفرّجَ كروبَ أمتنا، ويحفظَها
من كَيْدِ أعدائها، وأن يلهمَنا
صِدْقَ التوجّه إليه،
والاعتصامَ بحبله، والتعاونَ
على ما يُرضيه.. إنه سميعٌ مجيب.
أما
بعدُ أيها الإخوة الأحبة
والأخوات: فإنه تُطِلّ علينا مع
بداية شهر ذي الحجة، أيامُ
العشر الأوائل منه، تحملُ معها
أطيبَ النفحاتِ الربانية،
وتبشّرُ كلّ من يتعرّضُ لها
ويغتنمُها، بالرحمة والمغفرة
والعتق من النار.
وإنها
لأيامٌ – كما تعلمونَ – عظيمة،
يتجلّى فيها الله الكريم على
عباده، فيُفيضُ عليهم من فضله
ورحمته، ويُقبِلُ عليهم
بمغفرته ورضوانه، ويَغمرُهم
بجوده وإحسانه، فطوبى لمن أقبلَ
فيها على الله عزّ وجلّ بقلبٍ
منيب، وتوبةٍ صادقة، وعملٍ صالح.
وإنها لنفحاتٌ مباركةٌ من ربٍّ
كريم، هنيئاً لمن يتعرّضُ لها،
فتُصيبُه منها نفحة، يسعدُ بها
سعادةً لا يَشقَى بعدَها أبدا،
وإنه لموسمٌ عظيمٌ من مواسم
الخير والإيمان، حَرِيٌّ بمن
يسيرُ على طريق الدعوة إلى
الله، أن يغتنمَ بركاتِه،
لتكونَ له زاداً يُعينُه على
المضيّ في هذا الطريق، والصبرِ
على مشاقّه، والثباتِ عليه..
أيها
الإخوة الأحبة والأخوات: روى
الإمام البخاريّ عن عبد الله بن
عباس رضي الله عنهما، أنّ رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من أيامٍ، العملُ الصالحُ
فيها أحبُّ إلى الله، من هذه
الأيام – يَعني أيامَ العشرِ من
ذي الحجة – قالوا: يا رسولَ الله
ولا الجهادُ في سبيل الله؟. قال:
ولا الجهادُ في سبيل الله، إلاّ
رجلٌ خرجَ بنفسه وماله فلم
يرجعْ من ذلك بشيء".
وفي
روايةٍ للإمام الطبرانيّ
والبيهقيّ، عن عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما: "ما من أيامٍ
أعظمُ عند الله، ولا أحبُّ إلى
الله العملُ فيهنّ، من أيام
العشر، فأكثروا فيهنّ من
التسبيح والتحميد والتهليل
والتكبير".
وروى
الإمامُ الترمذيّ وابنُ ماجةَ
والبيهقيّ عن أبي هريرةَ رضي
الله عنه أنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "ما من
أيامٍ أحبُّ إلى الله أن
يُتعبّدَ له فيها، من عشر ذي
الحجة، صيامُ كلّ يومٍ منها
بصيام سنة، وقيامُ كلّ ليلةٍ
منها بقيام ليلة القدر". وفي
رواية الإمام البيهقيّ: "فأكثِروا
فيهنّ من التهليل والتكبير،
وإنّ صيامَ يومٍ منها يَعدِلُ
صيامَ سنة، والعمل فيهنّ
يُضاعَفُ إلى سبعمائة ضعف".
أيها
الإخوة الأحبة والأخوات: إنها
أيامٌ – كما ترون – غاليةٌ
ثمينة، حريٌّ بنا أن نُعطيَها
حقّها من الجِدّ والاهتمام،
فنُقبلَ فيها على الله عز وجل،
بقلوبٍ خاشعة، وعيونٍ دامعة،
وألسنةٍ تلهَجُ بالذكر،
تسبيحاً وتحميداً وتهليلاً
وتكبيرا.. وضراعةً إلى الله عز
وجل أن يكشفَ عن هذه الأمة ما
أصابها في هذه الأيام، من همٍّ
وغمٍّ وهوان، ويردَّ عنها كيدَ
الأعداء والطغاة والظالمين،
ويُلهمَها العودةَ إلى رشدها
ودينها، لتعودَ خيرَ أمةٍ
أُخرِجَتْ للناس، وأن يفرّجَ
كروبَ إخواننا المسلمين في كلّ
مكان، ويُحسنَ خلاص إخوتنا
المسجونين، ويَلُمَّ شملَ
المهجّرين المبعَدين، ويُعيدَ
البسمةَ إلى وجوه المحزونين..
إنه وحدَه القاهرُ فوقَ عباده،
وهو وحدَه الملجأ والملاذُ
والمستعان.
إنها
أيامٌ كان النبيُّ الكريم صلى
الله عليه وسلم، وصحابتُه
الكرام رضوان الله عليهم،
يخصّونها بمزيدٍ من الإقبال على
الله، والوقوف بين يديه،
والإكثار من ذكره ودعائه،
والإنابة إليه، والاجتهاد في
طاعته.
أيامٌ
من استطاع أن يتفرّغَ فيها
للعبادة فليفعلْ, فقد جعلها
الله عز وجلّ مواسمَ خيرٍ
للمؤمنين، تهزّ مشاعرَهم
وتستجيشُ عواطفَهم, فتأخذ
بأيديهم إلى رحاب الطاعة،
ومحراب العبادة، يخرّون
للأذقان يبكون، ويزيدهم خشوعا.
أيها
الإخوة الأحبة والأخوات:
لِنجتهدْ في هذه الأيام ما
نستطيع، خاصةً في اليوم التاسع
يومِ عرفة، فلقد روى البزّارُ
وابنُ خُزيمة وأبو يَعلَى وابنُ
حِبّان، عن جابرٍ رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم،
أنه قال: "ما من يومٍ أفضلُ
عند الله من يوم عرفة، يَنْزِلُ
الله تبارك وتعالى إلى السماء
الدنيا، فيُباهي بأهلِ الأرض
أهلَ السماء، فيقول: انظروا إلى
عبادي، جاءوني شُعْثاً غُبْراً
ضاحين، جاءوا من كلّ فجٍّ عميق،
يرجون رحمتي ولم يرَوْا عذابي،
فلم يُرَ يومٌ أكثرُ عتقاً من
النار من يوم عرفة".
وروى
الإمام مسلمٌ عن عائشةَ أمّ
المؤمنين رضيَ الله عنها، أن
النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من يومٍ أكثرُ من أن
يُعتِقَ الله فيه عبداً من
النارِ من يومِ عرفة، وإنه
ليدنو، ثم يُباهي بهم
الملائكةَ، فيقول: ما أراد
هؤلاء؟".
وروى
الترمذيّ عن عبد الله بن عمرو بن
العاص، عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: "خيرُ الدعاءِ
دعاءُ يوم عرفة، وخيرُ ما قلتُ
أنا والنبيّونَ من قبلي: لا إله
إلاّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له،
له الملكُ وله الحمدُ، وهو على
كلّ شيءٍ قدير".
كما
روى الإمام مسلمٌ والنسائيّ
وأبو داودَ وابنُ ماجةَ
والترمذيّ، عن أبي قَتادةَ رضي
الله عنه، قال: سُئلَ رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم
عرفة، قال: "يكفّرُ السنةَ
الماضيةَ، والباقية"، وفي
رواية الترمذيّ أنه قال: "إني
أحتسبُ على الله أن يكفّرَ
السنةَ التي قبلَه، والسنةَ
التي بعدَه".
أيها
الأحبة: إذا كان الاجتهاد في
العبادة في هذه الأيام، يلتقي
مع أول وصيةٍ تواصَيْنا بها في
أول رسالة، ألا وهي محاولة
الارتقاء بالمستوى الروحيّ في
أنفسنا وأهلينا وإخواننا، إلى
مرتبة أحباب الله الذين يحبّهم
ويحبّونه، حتى نبدأ عمليةَ
التغيير من أنفسنا، وأن يكونَ
لنا يومٌ في كلّ شهر، نجتمعُ فيه
على طاعة الله وعبادته، فنصومُ
نهارَه ونقومُ ليلَه، مع أهلينا
أو مع إخواننا، ضارعين إلى الله
عزّ وجلّ، بقلوبٍ خاشعة، وعيونٍ
دامعة، أن يكشفَ عنّا وعن
إخواننا وعن المسلمين، ما نحنُ
فيه من الشدّة والبلاء،
مُستمدّين منه - سبحانه وتعالى -
العونَ والتأييد، مستحضرين
وردَ الرابطة، وأن يكونَ هذا
اليومُ، هو يومَ الخميس الآخِر
من كلّ شهرٍ قمريّ، وليلةَ
الجمعةِ الآخِرةِ منه.. فإنني
أرجو أن تكونَ رسالتي هذه
تأكيداً لهذه الوصية، وتذكيراً
بالوصايا الأخرى التي تضمّنتها
تلك الرسالةُ والرسائلُ التي
تلتها، وهي:
1-
أن نسعى دائماً إلى تجديد
إيماننا بالله عز وجل، وتوثيقِ
صلتنا به، والإخلاصِ له،
والإنابةِ إليه، والإقلاعِ عن
الذنوب، وتجديدِ التوبة
والاستغفار، وحسنِ أداء
العبادات..
2
– وأن نُعمّقَ في أنفسنا معانيَ
الأخوّة في الله والحبّ فيه،
نجسّدَها فيما بيننا أُلفةً
ومحبةً وتكافلاً وتعاوناً على
الخير..
3
– وأن نتذكّرَ أننا دعاةٌ إلى
الله عز وجل، في أنفسِنا
وأهلينا ومجتمعاتنا، بأحوالنا
وسلوكنا قبل أقوالنا وألسنتنا،
فيكونَ كلّ واحدٍ منا مِشعلاً
يُضيءُ ما حولَه.
4
– وأن نجتهدَ في التحقّق بأركان
البيعة العشرة، والنهوضِ
بواجبات الأخ العامل، والرجوع
إلى (رسالة التعاليم) للإمام
الشهيد حسن البنا رحمه الله،
التي شرح فيها هذه الأركان
والواجبات، لنقيسَ – في ضوئها -
مدى ارتباطِنا بهذه الجماعة
المباركة، فنستكملَ النقص،
ونشحذَ العزيمة، ونتابعَ
الطريق.
5
– وأن يبادرَ كلّ واحدٍ منا
ليأخذَ دورَه في العمل بجِدٍّ
وعزيمة، ويتحمّلَ نصيبَه من
المسئولية عن تنفيذ الخطة
المقرّرة، والبرنامج
المرسوم.
6
– وأن نتعاونَ على مواجهة
التحدّيات المالية، بالمزيد من
السعي والبذل والتكافل،
لتتمكّن الجماعة من الوفاء
بالتزاماتها في رعاية آلاف
الأسر، وتأمينِ مُستلزمات
العمل.
ذلك
أنّ هذه الوصايا، لا قيمةَ لها
إلاّ إذا تعاهدنا على الوفاء
بها، والتزمنا بتطبيقها،
وأعانَ بعضُنا بعضاً على ذلك،
لننجوَ من الخسران: "والعصرِ
إنّ الإنسانَ لفي خسر، إلاّ
الذين آمنوا، وعملوا الصالحات،
وتواصَوا بالحق، وتواصَوا
بالصبر".
وإلى
أن نلتقيَ ثانيةً في رسالةٍ
قادمة، أستودعُكم الله أيها
الأحبة، وكلّ عامٍ وأنتم بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته. والله أكبر ولله الحمد.
لندن
في 28 من ذي القعدة 1425 الموافق 9
من كانون الثاني 2005
أخوكم:
أبو أنس
|