سوء
استخدام الفتوى والمرجعية
غسان
كيالي*
سائر الرسالات السماوية قضت بحرمة
دم الإنسان، جميعها وثقت علو
مقامه وصون حقوقه، على رأسها
حريته ومن أهمها حقه في تلمس
الحقيقة واختيار العقيدة
وممارسة عبادته على النحو الذي
يشاء، ضمن ضوابط إنسانية عرفية
عالمية حامية له في الدرجة
الأولى.
وكون تميز الإنسان بنعمة العقل
وتفوقه وتفضيله بها على سائر
المخلوقات يجعل من نعمة العقل
الجليلة تلك مناط الاعتبار
والرقي وفيصل كينونته الذاتية،
أما حال ترتب وقوعها في الحجر
والوصاية على خلفية الانتماء
إلى أية مرجعية كانت فذلك
بمثابة الاعتداء الصارخ على أهم
ملكة تميز بها هذا المخلوق
المكرم، وسواء أكان الحجر إن
حصل طوعاً محمولا على مزاعم
ممليات الانتماء إلى عقيدة أو
انتماء ما، أم كان مملى اعتداء
وهيمنة من أية جهة ما، أي من ذلك
كاف لاتهام تلك الجهة بالطغيان
والتطاول على حقوق الانسان التي
منحها إياه الخالق.
وعليه يقتضي الصدع بوجوه أولئك
الذين يتهافتون على ادعاء
الوصاية على أية أنسان على ذلك
النحو، وتعظم المصيبة ويكبر
الجرم أن تفتعل جهة ما مشروعية
احتكار تلك الوصاية الكاذبة على
خلفية القيام على أمور مرجعية
أو مذهبية أو أية خلفيات أخرى
دينية ، تقليدية أو مستحدثة،
ذلك أنه يكفي لنقضها تضمن سائر
الرسالات السموية كون العقل
مناط التكليف، الذي به يكلم،
وبه يكلف، وعليه يحاسب، وبه
يجازى ، وبه يتمتع الإنسان، ويه
يسعد بإنسانيته حالاً ومآلاً.
يكفي أن نسوق بين يدي العاقلين
مثالاً على أن من رأس أسماء
الخالق وصفاته : الحكم العدل.
ومنه تفهم استحالة أن يشرع
الخالق الحكم العدل ، تعالى
إنسان على آخر، ولو بثمة نظرة استعلاء
وحسب، حتى إزاء ذوي العقائد
المغايرة،
ناهيك عنه إزاء المنتمين
إلى دين واحد، ( لكل جعلنا شرعة
ومنهاجاً ) و ( قل كل يعمل على
شاكلته ) و ( ما عليك من حسابهم من
شيء).
نسوق كلامنا هذا لأُولئك الذين
دأبوا سواء على خلفية حقوق
مرجعية مدعية أو انطلاقاً من
موجبات مذهبية مدعاة، أو مسميات
أخرى في ذلك السياق، ونهيب بهم
بحزم الكف عن ادعاء الوصاية على
الناس على ذلك النحو، وهم الذين
لن ينفعهم تهافت التبع من
الجهلة وأشباه حملة العلم على
موالاتهم والذب عنهم، يكفي
دعواهم سقوطاً أنهم فاقدي
الجدارة والكفاءة ومن ثم
الاعتبار لدى العلماء
الحقيقيين..
لقد أستودع الخالق الإنسان ملكة
العقل على أن تحل لديه أولية
المقام وتاج المعايير في الأخذ
والعطاء والقبول والرفض وليكون
لديه العقل بذلك سيد مقامات
وفيصل وميادين الحوار بين
الإنسان وأخيه الإنسان أي كان،
ذلك وحسب الذي يقبله العقل
الإنساني الحر السوي وحسب قواعد
ثابتة للتعامل الإنساني سواء
بين الأفراد أو الجماعات أو
الأمم.
وعليه ، فإن من يزعمون الانتماء
إلى الرسالات السماوية هم أولى
الناس بالإذعان لممليات إرادة
الخالق التي يزعمون عليها ما هي
منه براء.
وللاعتبار، يمكن تأمل مسيرات
العهود الآفلة التالية على عهود
الأنبياء من ثنايا التاريخ التي
اتصفت منها بالاستبداد واحتكار
السلطة، التي تهافتت افتئآتاً
وباطلاً على عقد رايات دينية
وتحميل شارات عقيدية على رأس
جيوشها المحاربة المعتدية حيث
مابرحت أن انجلت حقيقة زيف
دعواها ودنيوية وسفاهة مراميها
إذ انحصرت بحث قتل المنافسين
والمعارضين وكان مبلغ أهدافها
وحقيقة ممارساتها تحقيق بسط
النفوذ لا حماية المبادئ كما
يدعون وإنما كذلك لاستلاب مواقع
ومكاسب آخرين أم مجرد نفث أحقاد
عنصرية ودينية دعية سائر
الرسالات السماوية في حقيقتها
منها براء.
لقد سبق أن سلبت العهود المستبدة
وحسب ( أي التي اغتصبت منها
الحكم استيلاء أو انقلاباً )
حريات الناس متأبطة أو مسخرة
أناس أذلاء منحتها ألقاب
العلماء ومسميات كأصحاب فضيلة
وسماحة وغيرها .. ممن وجدت لديهم
قابلية التطويع والإذعان رغباً
أو رهباً من وضيعي الغاية
والمقاصد ممن يشترون الدنيا
بالدين ويبيعون آخرتهم بعرض من
الدنيا، أولئك علماء السوء
الذين حذرت منهم رسالات السماء،
ووصفتهم بقطاع الطرق على العباد
بين يدي ربهم، سفكت بفتاويهم
دماء الأقربين بدعوة حماية أمن
واستقرار المصالح وحماية
الأُمة أو الدولة ، وحديثاُ تحت
دعوى شرعية الثورة ( ! ) تبعاً
لتصريح حسين الشافعي في إحدى
حلقات برنامج شاهد على العصر
الذي لا تزال تبثه قنال الجزيرة
منذ أسابيع
والذي لم يرى إثما ان يمنح
لنفسه افتئآتاً الارتفاع إلى
أعلى من مقامه وأن يتكلم ويحكم
في غير ميدان علمه وليجلس على
منصة الفصل والقضاء في مصائر
الأُمة ورقاب الناس وأرزاقهم
ودماءهم مع اعترافه افتقاره
لأية إجازة موافية علمية معتبرة
حضارياً في القانون هكذا ..
باستخفاف وصلافة نادرة.. ودون
أدنى مسحة من حياء أو استحياء أو
شعور بالإثم أو الذنب (!؟)
لقد تأبط أولئك وأمثالهم من آفلين
ومعاصرين شرعيات مزعومة منحوها
لأنفسهم وبرروا لأنفسهم أن
يقفوا إزاء مخالفيهم الرأي مقام
الخصم والحكم ! يجدهم المؤ لا
يزالون لايرون في ذلك ثمة ضير
لإعادة الكرة من جديد !؟ ونشير
هنا " ونحن الذين ننتمي
للأسرة الإنسانية وحسب " أن
أولئك الذين ترتب أن سمحت لهم
ظروف انتقالية استثنائية
فشرعوا لأنفسهم ولأسيادهم
وأحلافهم استرقاق شعوب وتيارات
فكرية ومنع بل ومحاربة التعددية
الفكرية والثقافية إلا تلك التي
صنعوها أو دجنوها بأنفسهم،
فجعلوا بذلك ملايين من الناس
مجرد سلعاً على مذابح أفكارهم
معروضة للتداول والاستخدام في
كل سبيل وخداع قد تحقق لكل متابع
فشلهم في سياسة البلد على كل
صعيد حتى وهم في أوج سطوتهم
وهيمنتهم فضلاً
عن أنهم قد هزموا بكل المواجهات
النوعية التي خاضوها أو شاركوا
أو حرضوا عليها أو كانت لهم ثمة
أصبع فيها..على الرغم من أنهم
كانوا أشد على الشعوب التي
تسلطوا عليها من أعدائها سجنا
لعقود طويلة وملاحقة وحجراً
وقتلاً طيلة عهود مظلمة أشد على
الشعوب فتكاً وشراسة من أعدائها
الحقيقيين ، على خلفية تهم
مستخرجة من لوائح اتهام مفتعلة
مسبقاً كاذبة مفضوحة، بينما
افتضح أنهم كانوا من وراء ستار
خاضعين على نحو أو آخر في
حقيقتهم في أكثر أمرهم لنزواتهم
وحرصهم على البقاء على كراسي
السلطة حتى لو أفضى بهم ذلك
للتحالف والإذعان بين يدي أعداء
كانوا يزعمونهم ، مضللين بذلك
الشعوب لعقود مضت
..
وهنا نخاطب عقول المفكرين النزهاء
؟ أولا يتساوى أولئك الآفلين
منهم من بعيد أو قريب مع الذين
سمعنا وقرأنا عنهم مؤخراً يجرون
شعوبهم متحالفين مع أمثالهم من
ذوي النزعات الفردية والعصابية
الفعل وردود الفعل والأحقاد
والشوفونية التي تراكم نتنها
عبر تاريخ على
قصر عهد ، إذ تأبطوا وطغاتهم
ناعقين كغرابيب الأطلال
بانتماء مزعوم إلى رسالة المسيح
( عليه السلام ) الذي يبرأ في
إنجيله من ممارساتهم تلك،
وطفقوا محرضين على إشعال حروب
ومواجهات عامة
منذ عقد أو يزيد حاملين ذلك
على شرعية حضارية ( !؟ ) هذه
المرة، قرنوها بدواعي السبق
الحضاري أضاف إليها ماكرون جدد
مشروعية دينية .. !؟
نعم ! إن هناك إناس تسوقهم معايير
مهيمنة ( سفلى ) حقيقتها زيادة
ساحات النفوذ والتسلط على بلاد
الآخرين من بنى الإنسان وتكريس
الإتاواة المنظورة المعلنة
والخفية على المذعنين منها ،
هكذا عنتاً وقهراً لا يغصون أن
يكون ثمن نهمهم على ذلك النحو
دماء كثيرة تسفك ما كان ذلك
ليحصل بالأصل لولا سبق ظلمهم
وتواطئهم مع ظلمة آخرين، يشهدهم
المرؤ متهافتين على كل منبر
محلي أو دولي أممي بافتعال
مشروعية نهجهم وممارساتهم
تلك، بينما يزيد في إحباط المرء
الشريف هنا أنه لايكاد يسمع أو
يقرأ شيأ موافياً ذي حس إنساني
حر نزيه ناهض مكافئ مواجه مناهض
..
من المثير للعجب والذهول أن لا
يستحي أولئك المهوسون بالصدع
بباطلهم وقيئهم تهافتاً دون
جدوى على زعم مشروعية طغيانهم
ذاك، بينما يجبن " كما هو حاصل
" الأسوياء الكفؤ ! عن الإقدام
الموافي لصنع أية مبادرة
إيجابية موافية رادعة ممكنة
...
إننا مصابون بالذهول الشديد إن
ينعق مفتي معين بفتوى تحرم على
أحد المشاركة في دفع ظلم
ومقاومة احتلال وحشي شهد العالم
بافتقاده أية مبررات أخلاقية
فضلا عن شرعية
..
كما نصاب بالذهول محبطين أن يخرج
لنا بعضهم بفتاوي من داخل
سراديب لايكاد يلتقي به أحد إلا
عبر وساطة شديدة التعقيد
والغموض تتهافت على حث الناس
إياهم وغيرهم على للإذعان
للحاكم العميل والمشاركة في
انتخابات في ظل احتلال معلوم
النتائج كل ذلك على خلفية دعوى
مرجعية
.. !؟
كما نعجب من تيارات ومسميات يحتكر
القائمين عليها دعوى المظلومية
دون العالمين يبنى عليها وجوب
التعامي عن مظلومية آخرين
وأقرباء انجلت لكل حقيقة
مظلوميتهم هم على مرمى حجر من
مقار مرجعيتهم ، فتوى مثيرة
للريب كون صاحبها ومواليه
لايفتؤون يدعون الانتماء إلى
قول : الآخر لك في الدين أو نظير
لك في الخلق !؟
ونظل نعجب مستهجنين من تحامل "
الحزب الإسلامي العراقي " على
لسان زعيمه محسن عبد الحميد إذ
رفع عقيرته بإعلان انسحابه من
المشاركة في حكومة جلية عمالتها
للعمي فضلا عن المبصرين بدعوى
أنها " مؤخراً !! " أضحت
مسرفة في القتل والدهم والتدمير
مزعومة فقط على اجتياح ومهاجمة
الفلوجة وحسب ، الشأن الذي يتيح
لكل عراقي " سني كان أم شيعياً
" أن يتساءل : أين كان هذا
الحزب من اجتياح النجف وكربلاء
وسامراء وتكريت وتل عفر وغيرها
.. بل أين كان هذا الحزب المحمول
ظلماً على السنة حين وبعد
اجتياح العراق بأكمله بمدنه
الواحدة تلو الأُخرى !؟
ونظل نعجب ونستنكر بشدة من سلفية
دعية عمياء تقفز فتطأ الأولويات
في العقل والدين وتقرر قتل
المخالفين في الرأي أو المذهب
زاعمة أنهم أشد خطراً على
الأُمة من إسرائيل
...
إننا نعلن براءتنا من كل تلك
المرجعيات والمذاهب والمسميات
والممارسات النابعة منها
مؤكدين كونها ضلالات محمولة
ظلماً على الإسلام البريء منها..
ما بال أولئك بقول : لا إكراه في
الدين، نص لا يزال يقرأ موجب
الأحكام إلى يوم يبعثون.
ليس من عاقل إلا ويعلم أن القرار
الحكيم يتعذر ويستحيل استخلاصه
على سلامته واتخاذه ، بل ولا
يكون جديراً بتعميمه إلا من
خلال مؤسسات مرجعية حضارية
منفتحة على العالم وعلى
المتغيرات قادرة على المتابعة
والرصد السليم محلياً
وإقليمياً وعالمياً ناقضة
للانغلاق في غرفة لا يكاد يراها
النور ، نزيهة عن حمل والانقياد
بالأحقاد والخلفيات التاريخية
التي أفل أصحابها إلى غير رجعة
ولم يعد من المبرر البناء عليها
فضلاً عن دعوى مذهبيتها
..
نتساءل كيف يبرر البعض لأنفسهم
الانغلاق بل ودعوة الآخرين
للانغلاق لصالح مثل تلك
المرجعية التي تكاد تكون غائبة
مغيبة مدمنة الاعتكاف
والانعزال بين يدي أحداث جسام
تحتم على زاعم الانتماء إلى
الدين أو العقل المشاركة بالجهد
والنفس والمال أو التحريض
عليهما على الأقل في مواجهة أذى
تمادى وطغى حتى أضحى يقرع باب
ذلك المرجع أو المفتي بل ويهز
سريره في الليل والنهار ...
معطيات العصر من وسائل العلم
والمعرفة أضحت متاحة لكل ، لقد
أضحى متاح لكل عاقل حيازة شتى
المراجع التاريخية والفقهية
وغيرها ، وأضحى المرؤ المعاصر
المتابع قادراً على المتابعة
والاستيعاب بما يتفوق على سائر
المرجعيات التقليدية الموروثة
منفردة منعزلة مقلدة، ومابرحت
مقتضيات العصر تطرح تحولات
ووقائع ومنجزات صناعية تتيح
بناء المؤسسات البالغة القدرة
والدقة على استخلاص العبر
والقرارات بل وسبر المرهصات ومن
ثم تكوين رصائد معرفية ومقدرات
وإتاحات وممكنات تملي على
المفتي الخروج من التقليدية
المقيتة أكثر من أية وقت مضى
خصوصاً إن قورنت مع حمل رسالة
عالمية خاتمة يتهافت على دعوى
الانتماء إليها الكثير على غير
جدارة أو كفاءة وبالتالي على
غير مشروعية ..
لقد علمنا الإسلام أن يرد الطفل
على الشيخ نقداً وتصويباً ضمن
ضوابط الأدب، بينما لا نزال
نشهد إناس لايتورعون عن التهافت
على قضم حريتنا تلك وأحياناً
الحجر والوصاية عليها بدعوى
رؤيا المرجعية أو المذهب أو
الانتساب إلى السلف ..!!
إيها المتنطعون .. انتبهوا ..
أفيقوا .. إياكم أن تمعنوا
بالتهافت على أحقية الوصاية
علينا على غير إرادة أو خيار منا
..
أعيننا شاخصة راصدة .. راقبة ..
متابعة ولن نتردد في نقض دعاوي
باطلة محمولا ظلماً على الدين
أو المرجعيات أو المذهبيات أو
الرؤى السلفية المتنطعة
المنغلقة .. إن عقولنا منضبطة
بسعة الإسلام وعظمته وسماحته
ومرجعيته وعالمية إنسانيته
ورقاء مملياته ونزاهة أحكامه من
الافتئآت على عقل الإنسان
وحريته في النظر وإبداء الرأي
في مواجهة كل متهافت متنطع
*
ضابط من المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|