الإعلام
السوري في مواجهة التحديات
ثقل
المسؤولية وخفة المسؤول
ياسين
عبد اللطيف*
عاهدت نفسي أن لا
أكتب للصحافة في الشأن العام،
وصمتُّ طويلاً، عملاً بقاعدة
ألفتها روحي المحتجة، حين قلت :
مع القائل :
خلِّ جنبيك
لرمٍ
وامضِ عنه بسلام
متْ فداءُ
الصمتِ خيرٌ
لكَ من هذا الكلام
وفي الهيئة
العامة للإذاعة والتلفزيون ـ
حيث أعمل فيها ولست فيها ـ أقنعت
نفسي سراً وعلانية " أن في
داخلي جنتي وبستاني" ، ثم
صرّحت جهراً في اللقاءات
الصحفية، وفي كثير من الندوات
الإعلامية التي عقدها كثير من
مسؤولي الدولة أني في الوقت
الراهن أنتمي إلى الجبهة
الملغاة من الكتاب والصحفيين
والمبدعين السوريين وأمثلهم؛
وأنّ الرصيف الذي نقف عليه أحن
علينا من حيطان المؤسسة
الإعلامية المبردة، فهنيئاً
لكم بما كسبتم، أما نحن سنشغل
وظيفة الضمير الغائب .
ـ والذي أخرجني عن
صمتي، وجرح يقيني السابق،
مراقبة ماجرى لنا ومايجري علينا
منذ منتصف شباط 2005م، وفداحة
الأداء المتعثر لإعلامنا
الوطني وأنا أتابع المشهد
السياسي بتلاوينه وأهدافه
الجديدة، لكن من مقعد العجز
وقلة الحيلة ! .
قلت : لثلة من
الإعلاميين المهمشين الشرفاء، (المقلعين
من العمل)، إني أستقيل من الجبهة
الملغاة لأني لا أرغب في أن أكون
شريكاً صامتاً بعد اليوم؛
وأكملت مودعاً: عذراً لأني
احتللت مكاناً كبيراً على
كوكبكم الصغير؛ سامحوني ..
قلت : هذا بعد أن
طقت مرارتي من الإعلام السوري
ورجاله العباهلة ، وذلك لسببين :
الأول ـ لأن المؤسسة الإعلامية
محافظة واقصائية. تنظر إلى
الإعلامي المثقف والخبير كأنه
جائحة مرضية أو وباء عظيم. أو
تراه كمية مهملة بمنطق مستعلٍ
وساذجٍ، وفعلٍ مؤذٍ دائماً في
النهاية. وتفعل المؤسسة ذلك وهي
مطمئنة على دورها دون خوف من أحد
لأسباب لا أدريها موضوعياً!
وربما تفعل ذلك لأن القائمين
على مقاليدها هم من أهل الثقة.
وهذه ضمانة لهم كصك الغفران،
أما بقية الخلق من الإعلاميين
من أهل الخبرة تنزعُ عنهم
المؤسسة رداء الوطنية وتعتبرهم
خارج الحسبة!. وهنا لن أفوت
الفرصة للتذكير بأننا قد خبرنا
أهل الثقة عند سقوط بغداد، إذ لم
يصمدو ساعات معدودة، تعادل ـ
على القليل ـ عدد السنوات
الطويلة التي جلسوا فيها على
كراسيهم باسم الثقة ، الماركة
المسجلة ؟!.
والسبب الثاني :
السكوت عن المسكوت عنه في
الإعلام السوري في هذه الأيام
العصيبة؟!
وكأن الذي حدث لم
يحدث بتاتاً وليس هناك ما سيحدث
بعد زلزال 14 شباط 2005م.
ـ هذه المقدمة
تقفز على الحسابات الصغيرة عندي
ـ لأنها لاتعنيني كمثقف سوري ـ
وتقف عند النتائج؛ مع الجزم
باليقين أني لن أقف بعد اليوم ـ
على الأرصفة الحنونة متفرجاً ،
حتى سن التقاعد ؟! . وسأستخلص
جملة من الأمور من جراء مراقبة
الأداء الإعلامي السوري قبل؛
وبعد الأزمة اللبنانية، لنقف
على العلل والأسباب، بعدها إما
نعدّ وإما نمدّ؟.
ـ بداية : صدق
الحكيم القائل : ( لايبلغ
الأعداءُ من جاهلٍ
مايبلغ الجاهلُ من نفسه).
والجاهل هنا
الإعلام الذي أخفق في مواجهة
التحديات؛ نتيجة لتركيبته
الهشة والضعيفة. فالأحداث تترى
بتسارع مذهل، والحمم تنهال على
سورية، وأبو رُغالٍ العربي يلف
ويزور عواصم الدنيا لتأليبها
على سورية، حتى قلت: في نفسي،
كأنما يراد إخراج سورية من
سورية؟! .
والإعلام السوري
المرئي ـ مثلاً ـ ماذا كان يفعل
حيال هذه النُفرة العظيمة على
سورية يا ترى؟ كان يغني في كل
يوم وقبل صياح الديكة. وهو لاهٍ
عن كل ما يجري وكأنه ـ والله ـ
إذاعة مدرسية تبث أغانيها
العتيقة المكررة على طلبة صغار
في الفرصة بين الحصص اليومية؛
والطلبة لاهون عنها في التسابق
إلى صنابير المياه، وبوفيه
المدرسة.! .
ـ ويتمثل خطل
الإعلام وعثاره في النتيجة
المخجلة التي بدأ ليصل إليها في
تغطية ماجرى ويجري. فاستحق وسام
: ( الأداء الإعلامي السيء
بامتياز ! ) .
واسباب هذا
الإخفاق متوقعة ومعلومة وهي :
1 ـ عدم وجود سياسة إعلامية
للمواكبة (2) عدم وجود آلية للعمل
، لاسابقاً ولا لاحقاً! ( وأخص
هنا بالحديث الإعلام المرئي
والمسموع) (3) عدم وجود معايير
للعمل الإعلامي داخل المؤسسة.
وهي معايير النوعية والجودة
ومراقبة الأداء والتأهيل ! ( 4)
عدم وجود خطة خاصة بالمؤسسة. أو
غرف خاصة للضرورات ، بل لايوجد
حتى تصور أولي ليعمل بموجبه جيش
من العاملين يعدّ بالآلاف ويكفي
لإنشاء عشر محطات تلفزيونية، في
هيئة تصرف المليارات سنوياً
وتكفي لدعم حملات وحروب إعلامية
على سبيل الوصف؟! ولا أدري
صادقاً أين تصرف هذه الأمول،
ولماذا؟ (5) عدم وجود تقاليد
للعمل داخل المؤسسة، أو السعي
لإيجادها واحترامها كميثاق
ودليل في العمل! (6) بالتجربة
والخطأ يجري العمل داخل المؤسسة
بدلاً من القواعد المذكورة .
وهذه القاعدة
المخبرية تصلح لتعليم الأطفال
في سن الحضانة، قبل تلقينهم
المبادئ والقواعد والمفاهيم،
ولاتصلح لإدارة إعلام دولة بحجم
سورية، يراد منه استثمار الهواء
والسماء لإرسال رسائل حضارية
إلى الآخر، وهم جيراننا في هذا
الكون الفسيح أولاً وأخيراً.
وقبل استخدامه للأزمات! (7) تدار
المؤسسة بالقرارات والأوامر
وبتغليب العصبيات على الصالح
العام، وغالباً لاتحترم هذه
القرارات ويتم استبدالها أو
إلغاؤها أو إهمالها حسب الأشخاص
ومكانتهم والروافع التي تسندهم
وهي كثيرة ومختلفة.
ـ بعد أن حددت
العلة، سأخوض في العمق
وبشفافية، ويشفع لي تاريخي
الأدبي والصحفي طوال ربع قرن.
منطلقاً من مسلمة بسيطة : أن لا
أحد فوق النقد ؛ خاصة إذا كانت
الجهة تنفيذية وعلينا حق مراقبة
أداءها في كل وقت، مستفيداً من
المناخ الديمقراطي الذي يدعم
الاصلاح المؤسسي في سورية.
ـ لذا أقول : إن من
يتربع على رأس الهرم الإعلامي
صديق كريم. وأقصد معالي السيد
وزير الإعلام. وإن كنت أحترمه
وأجلّه، فإنني في الوقت نفسه
أعترف أنه ليس من أهل المهنة،
وتجربته الإعلامية متواضعة
جداً قبل الوزراة، أمّا عن عمله
في الجريدة قبلاً ( كان بفضل
حزبيته، لابفضل مهنيته!) لأنه
عمل طويلاً ، مفرغاً في الحزب ،
ولم يعمل صحفياً إلا محرراً
لنشرة أمريكية يملكها مغترب
سوري في أمريكا، وهي جريدة
الاعتدال التي كانت تحرر من
مكتب صغير في المرجة وقوام هذا
المكتب محرر وسكرتيرة!.
ـ وعليه أؤسس : بأن
أداء معالي الوزير وفريقه
الإعلامي ـ في ظل الأزمة ـ جلب
علينا سخط الأصدقاء قبل الخصوم
، وغضب الجمهور المراقب! وهذا
ليست تقولاً ولا استنتاجاً ،
ولا يدخل في باب الرجم بالغيب،
ويمكننا حيال هذا أن نحتكم إلى
أهل المهنة والمعنيين؛
والجمهور المتعطش الذي تسمر
عشرات الساعات أمام الشاشات
يومياً، وهو يرى ويحلل ويحاكم
عقلياً ، ويتأسف عاتباً على
إعلامه الوطني؛ الذي غاب دوره،
بل لم يكن حاضراً، ليكون المنصة
الاستراتيجية التي تمهد وتهيئ
وتؤثر في الرأي العام بصواب
موقفنا، لتلعب الدبلوماسية
دورها بعد ذلك. والذي حدث أن
الإعلام العربي اجتاح بيوت
السوريين وعقولهم وأصابهم
بالارتباك الشديد لاجتهاد
المجتهدين على المنابر
الإعلامية العربية. هذا الغياب
والأداء المتعثر، ترك
الدبلوماسية وحيدة في الميدان،
ماعدا مساندة بعض الأقلام وا!
لأصوات الشريفة لبعض الكتاب
والصحفيين السوريين والعرب؛
وبشكل فردي.
ولكل ما تقدم:
انتظر المراقبون ـ والعرب منهم
تحديداً ، وتحدثوا عن ذلك في
صحفهم ـ عن توقع تغييرات هائلة
في الإعلام السوري ، قياساً إلى
السبب والنتيجة. لكن ما الذي حدث
؟! الذي حدث أن معالي الوزير
أجرى في نهاية الأسبوع تعيينات
في التلفزيون ، لا أدري تمت على
أي أساس لفرط غرابتها؟! والله
لاتليق بقرية، فكيف تليق باعلام
دولة؟! تسخر من عقولنا، وتستخف
بنا وبالمكان وبدوره وباللجنة
المشكلة لتقويم الإعلام، وتقطع
عليها الطريق، وكأنّ معالي
الوزير وفريقه الرائع يقولون:
للجميع ، سلامات يالجنة، نحن
الوزارة ونحن الدولة ..!؟.
ـ وأخيراً أسأل :
حين يخسر فريق الكرة الوطني في
إحدى المباريات الدولية، تقوم
الدنيا؛ وترجم الصحافة ، ويتحرك
الجمهور بقوة، لأن خسارة الفريق
تمس الكرامة الوطنية، ويطالبون
باقصاء المدرب والجهاز الإداري
والفني، أليس كذلك؟ وحين يخسر
فريق الإعلام السوري مباراته
اليوم، وهي خسارة لاتعوض كلعبة
الكرة، ألا يستدعي الأمر إقالة
المدرب والفريق الخاسر معاً،
لأن الأمر يمس الكرامة الوطنية؟!
.
لامجال للمجاملة
ـ بعد اليوم ـ على حساب كرامة
الوطن .
ـ إلى متى نستحي ؟!
.
*
كاتب وصحفي سوري
ezzazoa@yahoo.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|