ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 31/03/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


التمــــشيط

خالد الأحمد*

التمشيط هو أحد منجزات ثورة الثامن من آذار البعثية ، إبداع أمنـي وصلت إليـه العبقريـة الأسـدية، وهو البحث عن عشرات المطلوبين بين مئات الألوف من المواطنين ، يفرض منع التجول على مدينة بكاملها ، وتعزل عن العالم ،كما تعزل أحياؤها عن بعضها ، ويباشر الجيش العقائدي الذي ترك الجولان لقوات الأمم المتحدة ، وباشر مهمته في ( تمشيط ) المدن السورية بحثاً عن معارضي النظام ، يدخل قائد المجموعة ( ضابط أو ضابط صف ) المنزل فيطلب رب الأسـرة ، الذي يقف أمامهم يردد في سـره الشهادة ، ويطلب منه دفتر العائلة ، ثم ينادي على أفراد الأسـرة واحداً واحداً  ، يتأكد من وجودهم ، أما الغائب فينتبـه إلى أنـه قد يكون من المعارضين ، وخلال هذا ( التمشيط ) يحلو لبعض عناصر الجيش العقائدي أن تسلب وتسرق وتنهب ، وتعذب المواطنين ، فتجبر عجوزاً في السبعين على ( الرقص ) ، ومثل ذلك ... هذا التمشيط مارسـه نظام الأقليـة في سوريا للبحث عن أفراد المعارضة المسلحة في كل من حماة وحلب وإدلب وحمص وجسر الشغولا وأريحا وغيرها .

قبل ربيع عام (1980م ) ارتبك نظام الأقليـة في سوريا؛ بعد ضربات الطليعة المقاتلة الموجعة في حلب وحماة ،حتى كان مقاتلو الطليعة في حلب يوزعون مجلة النذير علناً، وعلى مرأى من رجال المخابرات بلاخوف منهم، وكانوا يمشون في شوارع حلب بأسلحتهم، كماكانوا يعطون التعليمات للشعب لينفذها في حماة، كالانسحاب من الحزب وإقامة الصلاة في المدارس، ومنع ترديد شعار حزب البعث في المدارس ...إلخ، وقد شـاهدت بعينيّ المنشورات توزع في صلاة الجمعـة من قبل مقاتلي الطليعة المقاتلة ، كما شاهدت بعض أعضاء الحزب يعلنون انسحابهم من الحزب ويتبرأون منه بعد صلاة الجمعة ، في المكان والزمان الذي حددته لهم الطليعة ، عندما وضعت لهم قطعة ورق عادية جداً ، طلب منهم أن يعلنوا انسحابهم من الحزب بعد صلاة الجمعة يوم كذا وفي مسجد كذا ، وإن لم يفعلوا سينفذ فيهم حكم الله ، وكان ذلك الشخص يقف بعد تسليم الإمام ويقول :[ أيها المسلمون السـلام عليكم ، أنا فلان بن فلان أشـهد الله وأشـهدكم أنني تركت حزب البعث وأتبرأ منـه ، ولم تبق لي علاقة بـه ]، وهو يعرف أن وحدات الأمن سوف تعتقله وتسجنه ، ولكن ذلك أهون من حكم الله الذي سينفذ بـه ؛ إن لم يعلن ذلك .

 وكنت مدرسـاً في إحدى ثانويات حماة ، وقد تلقى المراقب إنـذاراَ من هذا الشكل ( والمراقب معلم ابتدائي بعثي يوظف في الثانويات لأنه بعثي ) ، وذات يوم أخذني من يدي إلى مكتبه وأغلق المكتب ، وأخرج ورقـة دفتر عادية ، قطعت على عجل ، وكتب فيها : يا أستاذ فلان يجب عليك أن تصلي الظهر والعصر جماعة مع الطلاب في المدرسـة ، وأن تصلي الفجر جماعة في مسجد (كذا ) وهو قريب على منزلـه ، وكأنه يظن أن لي صلة بهم ، وصار يقول أمامي والله من يومها ماقطعت الفجر مع الجماعة ، ( يكثر خيرهم جعلوني أواظب على الجماعة ) ، ومع المدرسة أنت تراني أصلي كل يوم ولله الحمد ، وأنا مواظب على الصلاة من قبل ، وأنا بعثي كي أعيش كما تعرف أنت ، لو أني غيربعثي عينوني في القرى ، والآن أنا عملي قرب بيتي ويعطوني ربع الراتب ساعات إضافية ، لولا ذلك أنا ما أشتري الحزب بقرشين ... حاولت أن أطمئنه أن هذه الورقة لامعنى لها سوى طالب سبق لك أن ضربته وأراد أن يلعب في أعصابك ، هكذا فلم يصدقني وقال كل الأوراق التي يبعثوها من هذا الشكل ، ووجدته موقناً أن هذه الورقة أرسلت له من الطليعة .

وكان مدير ثانويتنا يشاع عليه أنه شيوعي ، وكأنه تلقى مثل ذلك ، وقد وزع بيان من الطليعة يطلب من كل مدير مدرسة أن يخصص مكاناً للصلاة ، وأن يصلي مع الطلاب الظهر والعصر في المدرسة ، وأن يمتنع عن ترديد شعار الحزب في الصباح ، وقـد نفـذ المـدراء هذا التعميم ، وكنت أسـمع مديرنا ( فلان ) ينادي بأعلى صوتـه على العامل : يا أبو محمد .. هات القبقاب حتى أتوضـأ .. ( والقبقاب حذاء من الخشب والجلد يستعمل عند الوضوء ) ، وهو تراث شـامي قديم ،  ثم يخرج من غرفة الإدارة يطقطق بالقبقاب حتى يسـمعه من يتابعـه ، وينقل عنه أنـه نفـذ التعميم ( أي أوامر الطليعة )  .

 وبعد خطاب الرئيس في الثامن من آذار عام (1980م) الذي أظهر مدى ضعف السلطة في مواجهة الطليعة المقاتلة ، بدأت السلطة تستخدم الجيش بكثافة وبشكل مباشر في قمع مقاتلي الطليعة، وكانت المعركة فيما سبق تدور بين أجهزة الأمن كالمخابرات العسكرية، والأمن السياسي، والأمن القومي، وأمن القوى الجوية، وفصائل الحزب والعمال والفلاحين المسلحة، وبين عناصر الطليعة المقاتلة ، عندئذ ابتكر نظـام الأقليـة في سوريا طريقة جديدة للبحث عن عناصر الطليعة ، تسمى التمشـيط .

التمشيط الأول في حمـاة :

تقدمت ألـويـة من الوحدات الخاصة، بعد فرز عناصرها،وطوقت مدينة حماة في نهاية آذار(1980م) وعزلت المدينة عن العالم، وعزلت الأحياء بعد ذلك بعضها عن بعض وفتشت بيوت حماة بيتاً بيتاً على مدى أسبوع تقريباً، وكانت تبحث عن السلاح، وعن أسماء أعضاء من الطليعة المقاتلة توصلت إليها سلطات الأمن بواسطة التحقيق مع المعتقلين وتعذيبهم بشكل وحشي، وأغلب ظني أن هذا التمشيط لم تعثر السلطة من خلاله على أي عنصر ممن تريدهم ، كما لم تعثر على أية قاعدة  من قواعد الطليعة المقاتلة ، إلا أن بعض الضباط أهانوا الأهالي وعاملوهم بقسوة ونذالة ، كما فعل الرائد خالد الأحمد ـ ( وهو من ذراري السنة من قرية تل قرطل قرب حماة  ، قتل بعد ذلك في صراع مع رفاقـه البعثيين على بعض الفاجرات في لبنان ) -  حيث فعل أعمالاً شنيعة بأهالي حي الشريعة بحماة ([1]) . وهكذا مشطت حلب وإدلب وجسر الشغور عدة مرات ، ولم يجد ذلك التمشيط نفعاً ، واستمرت الكفة راجحة في جانب الطليعة المقاتلة  .

 

تلاحـم الشـعب مع الطليعة المقاتلـة سـر نـجاحهـا

من البدهي أن نظام الأقلية في سوريا مكروه من معظم أبناء الوطن ، من المسلمين والمسيحيين ، ومن الإسلاميين بشتى حركاتهم ، ومن القوميين ، وحتى من كثير من البعثيين . لذلك قدم الشعب مساعدات كثيرة للطليعة المقاتلة التي هبت في وجـه ذلك النظام الحاقد ، نظام الأقلية التي دمرت كرامة المواطن ، وباعت الجولان ، وقتلت كل ذرة كرامة عند المواطن السوري ، وكان الشعب حتى عام (1980م) متعاطفاً جداً مع الطليعة المقاتلة ، ويقدم لها الخدمات الكثيرة .

خـبراء الجريمـة السـوفييت :

عندما كادت السلطة أن تنهار استنجدت بخبراء روس متخصصين في ملاحقة المجرمين، وقالت لهم السلطة يوجد مائتا مجرم في حماة يقاتلوننا منذ أكثر من ثلاثة أعوام ، وقد مشطنا المدينة عدة مرات ولم نعثر عليهم، كما وضعنا دوريات من الجيش في شوارع المدينة بشكل دائم ، ولم نستطع إيقاف هجماتهم على رجالنا، وأخذ الخبراء الروس إلى عدة أماكن تم فيها اغتيال أنصار السلطة ورووا لهم الحادث كما جرى  :

في الساعة السابعة والنصف أو السابعة والخامسة والأربعين صباحاً يخرج الموظفون وطلاب المدارس إلى أعمالهم، وتمتلأ الشوارع بالناس، وعند موقف الباص حيث كان الضحية واقفاً مر عليه شاب ناداه باسمه فالتفت إليه ، وعندها أودع الشاب رصاصة واحدة في قلب الضحية الذي سقط على الأرض بينما مشى المجرم بين الناس، ولما وصلت الدورية بعد خمس دقائق في العادة ؛ لأن الجيش يحتل المدينة ويتواجد في الساحات الرئيسية بشكل دائم ، ويستنفر في تلك الساعة من كل يوم ، لم تستطع أن تكتشف المجرم ، حتى لو احتجزت عدداً من الناس لا تجد مع أي منهم مسدساً أو أي سلاح غيره .

وبالفعل كان التخطيط والتنسيق عالياً جداً بحيث يطلق أحد مقاتلي الطليعة  النار على ذلك العميل للسلطة، ثم يمشي عادياً بين الناس بضعة مترات ، يدخل أقرب زقاق بعد ذلك، أو يرمي سلاحه في متجر قريب ... المهم ماكنت ترى مواطناً واحداً يندهش من الاغتيال فيصرخ ويشير إلى المقاتل، وحدث ذات مرة أن امرأة قروية كانت تمشي بجوار ذلك البعثي الذي أطلق المجاهد عليه النار فسقط بجوار المرأة الريفية التي دهشت فحاولت أن تولول ( تصرخ )، وبخفة البرق وضع أحد الرجال بجوارها يده على فمها وقال لها ( همساً ) : لاتخافي ولا تصرخي امش في طريقـك ولا تفتحي فمك ، وكان ذلك فعلاً .

أضف إلى ذلك كان مقاتلو الطليعة يخرجون من بيوتهم أو قواعدهم إذا لزم الأمر، ويدخلون بيوت المواطنين بعد الإذن طبعاً  فيقابلون بالترحاب، حتى كانت لمقاتلي الطليعة قواعد كثيرة تبادلية يمكنهم استخدامها إذا لزم الأمر، وكان معظم المواطنين ـ وقيل حتى بعض النصارى ـ  يسره أن يقدم خدمة لمقاتلي الطليعة  ؛ لأن معظم الشعب حاقد على السلطة التي أذلته وأهانت كرامته .

ولكن خسرت الطليعة هذا التلاحم وبدأ انحدار العمل العسكري للطليعة بعد أن قال الخبراء الروس  (وهم يهود طبعاً ): مدينة حماة كلها مجرمون ، وليس عصابة كما تقولون عددها مائتان فقط ، هذه المدينة التي لاتجد فيها مواطنا ًواحداً يشير بيده إلى المجرم ليدل رجال الجيش عليه ، هذه المدينة كلها مجرمة ونقترح ما يلي :

إذا اغتال المجرمون أحد رجالكم في حي من هذه المدينة ، فليسرع الجيش إلى جمع خمسين رجلا ًعلى الأقل من المكان الذي وقع فيه الاغتيال ويقتلونهم رشـاً بالأسلحة النارية أمام الآخرين، دون أن تعرف اسماؤهم ،  ونفذت الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع التي دربت منذ عشر سنين على قتال المدن، ولم تدرب على قتال هضبة الجولان، وصار الجيش العقائدي يذبح المواطنين دون أن يعرف أسماءهم ، يقتل خمسين أو مائة لعل المقاتل  الذي نفذ العملية يكون بينهم . ونفذت مجازر جماعية في حماة وحلب في العام (1981م) ، مثل مذبحة هنانو يوم العيدفي حلب ، ومذبحة باب البلد في حماة ، ومثلها في جسرالشغور وإدلب وقراها، وعندئذ رجحت كفة السلطة ، حيث اضطر الأهالي أن يحذروا مقاتلي الطليعة من الاقتراب منهم، حفاظاً على أرواحهم بعد أن رأوا بأعينهم المجازر الوحشية التي اقترحها الخبراء الروس  (اليهود). واستطاعوا أن يفصلوا تلاحم الشعب مع الطليعة المقاتلة  .

ومرة أخرى لم يدر في خلد أحد من السوريين حتى حافظ الأسد ورفعت وعلي حيدر وغيرهم  أن يذبح المواطنون دون معرفة أسمائهم ، قبل اقتراح الخبراء الروس ذلك ، كما لم يدر في خلد أحد عام (1964م) أن يهدم الجيش مسجد السلطان ، وكان لهذه المفاجآت دوركبير في فشل حركة الطليعة المقاتلة العسكرية .

وهكذا في القتال ينتصر من يأتي بجديد لم يخطط العدو لصـده ، واتخاذ التدبيرات ضـده قبل أن يقـع ، لم يخطر في ذهـن مروان أبداً ، أن يدخل الجنود مسجد السلطان قياساً على الفرنسيين ، ولكن البعثيين هدموا المسجد ولم يدخلوه إلا وهو كومة كبيرة من الركام ، دخلوه لاعتقال مروان ومجموعة من طلاب المدرسة المتوسطة معـه .

وفي هذه المرة (1980) لم يخطر في ذهـن أحـد أبـداً أن يقوم نظام الأقلية بقتل المواطنين دون معرفة أسمائهم ، المهم أنهم كانوا لحظة قتل ذلك العميل ، في نفـس المكان ، عسى ولعل القاتل يكون بين هؤلاء الخمسين المقتولين .

هذا بعض الحقيقـة المؤلمـة ، والحقيقة كلها أشد ألمـاً ، والحقيقة كلها ماجرى من مذابح جماعية ، سوف أجمع ما استطيع منها .

 

ملاحظـة ورجـاء : أرجو من القراء الذين يهمهم عدم ضياع الحقيقة ، وهم يعرفون شيئاً عن هذه المجازر والمذابح الجماعية  ، يرسلوها إلي ، دون ذكر أسمائهم ، ويفضل ذكر اسماء الشهداء ، والمكان والزمان الذي وقعت فيه المذبحة ، على أن يكون المرسل شاهد عيان ،  أو سـمع من الثقات العدول ويبين ذلك ، ويرسلها على العنوان :

Abothaer_s@hotmail.com

* كاتب سوري في المنفى



([1]) ــ قتل هذاالرائد في لبنان على أثر مشاجرة مع زملائه من أجل داعـرة ، حيث أطلق عليه زملاؤه العلويون النار. وكان قد اغتصب أرضاً في قريته لأحد الحمويين ، وبنى عليها قصراً كبيراً جداً ، بآلات الجيش والإسمنت والحديد المسروقين من الجيش كذلك ، والعمال هم الجنود ، وشاء الله عزوجل أن ينتهي من إعداد هذاالقصر ، ثم يقتل في أحضان داعرة ، ويحضرون جثمانه إلى والده في القرية ، فيصر على إدخال الجثمان في القصر ، ثم إخراج الجنازة من القصر ، لأنه لم يدخله حياً .

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ