ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 20/10/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


السياسة السورية !

منزلة بين المنزلتين

عبد الحميد حاج خضر*

ينسب القول بالمنزلة بين المنزلتين إلى إبي حذيفة واصل بن عطاء الغزال . إذ دخل رجل إلى مجلس الحس البصري فقال : يا إمام الدين ، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر ، والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة ؛ وهم وعيدية الخوارج . وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر ، والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان ، بل العمل على على مذهبهم ليس ركناً من الإيمان ، ولا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وهم مرجئة الأمة . فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً ؟ فتفكر الحسن في ذلك ، وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء :أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً ، ولا كافر مطلقاً ، بل هو في منزلة بين المنزلتين : لا مؤمن ولا كافر . ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد ، فقال الحسن : اعتزل عنا واصل ، فسمي هو وأصحابه معتزلة . إن سكوت الإمام البصري عن هذه المسألة كان هو الجواب الكافي والشافي والصحيح ، والله أعلم . لقد أحببت أن أشير إلى أصل هذه المقالة الكلامية دون الخوض في تفاصيلها ، لكثرة ورودها في الصحف وعلى ألسنة أهل الجدل .

لم أقصد من عنوان المقالة  أن السياسة السورية تتأرجح بين الوطنية والقومية من جهة والتبعية للهيمنة العالمية من جهة ثانية ، فلا مجال لأي دولة عربية قطرية ، لا تحكم إرادة الشعب ، أن تنتهج سياسة وطنية قومية . أو تتخذ منزلة بين المنزلتين ، وأقصى ما وصلت إليه السياسات العربية الرسمية في الماضي ، قبل سقوط الاتحاد السوفيتي ، هو التبضع بين مسارات الهيمنة والتسوية المتحاحة . والذي لم يعد متاحاً وعفى عليه الزمن . كما أن التبضع في المسار الأوربي وهم وقلة دراية ، فدول الوحدة الأوربية نفسها تمارس سياسة المنزلة بين المنزلتين ، الهيمنة الأمريكية ومتطابات العولمة من جهة ، ومصلحة دولها وشعوبها من جهة ثانية . الشعوب الأوربية والطبقة السياسية  تكاد أن تفقد الرمق الأخير دفاعاً عن بقايا ديمقراطيتها وسياسة الرعاية الأجتماعية Social State فيها . إذاً خيارات النظم العربية الاستبدادية ليست ضيقة فحسب بل معدومة أيضاً . ونقتصر في حديثنا هذا على النظام السوري الذي لا يملك شرعية معتبرة فحسب وإنما لا يملك منهج قويم للخروج من النفق الضيق ، والذي يضيق مع مرور كل ساعة . إن أحد أجنحة النظام السوري يرى ، في نهج الخارجية الأمريكية ودوائر مهمة في وكالة المخابرات المركزية ، وخاصة بعد تعثر سياسة هضم العراق ، بفضل المقاومة العراقية والحمد لله ، بوابة يمكن الدخول منها إلى دور وظيفي جديد بعد أن استنفذ دوره الوظيفي القديم في لبنان . الجناح الآخر ، وهو الساعي إلى السلطة ، ومتوثب للإنقضاض عليها ، عندما تحين أول فرصة ، يحاول عرقلة مشروع التوظيف عن طريق التمسك بلبنان ، ولن يقبل التخلي عن لبنان إلا إذا أجبر على ذلك ، أو فاز بالسلطة كتعويض عن خسارته لبنان كمصدر رزق . الأمر ، بقضه وقضيضه ، مؤجل إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية . يرقب أصحاب الصغائر في العالم العربي ، وما أكثرهم في الجانب الرسمي ، المنافسة بين جون كيري وجورج بوش ، بأوهام وأحلام كأحلام العصافير . إن سياسة الرئيس وسياسة المرشح للرئاسة اتجاه القضية الفلسطينية متطابقة ، بل هي وجهان لعملة واحدة . أما اتجاه العراق فهناك فروق في النظرية يتقلص مع اشتداد المقاومة العراقية والفلسطينية  ، ليصبح في النهاية خلاف في الأداء وتفاصيله الجزئية . لماذا ننتظر إذاً نتائج الانتخابات الأمريكيه ؟ من سخريات القدر أن ننتظر الحل والحكمة والفرج القربب من انتخابات سيشترك بصنعها فقط حوالي 50% ممن يحق لهم الانتخاب ، عند شعب عرف بالأمية السياسية وقلة الدراية في الشأن العام . لا يتجاوز نسبة المهتمين بالشأن السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية 1,5% أى 5 ملايين انسان ، نسبة الصهاينة منهم تصل إلى الثلث تقريباً . السياسة الأمريكية قبل وبعد الانتخابات ستبقى ثابتة استراتيجياً ومتأقلمة تكتيكياً ، عامل الثبات يقوم على ثلاث ركائز : الصهاينة ، التعصب الريفي الصليبي ، أصحاب القرار في الشركات الكبرى ، المنحدرين من الشريحتين السابقتين . لا يوجد في الولايات المتحدة نظام برلماني ملزم وأقصى ما تقوم به المؤسسات البرلمانية الإعلام دون الإلزام . أما السلطة القضائية فلا سلطان لها إلا إذا وجد مطالب أو مدعي ، وأين المطالب والمدعي لنظم عربية مستبدة وظالمة لا تمثل شعبها ولا تملك شرعية . لهذا يجب علينا النظر إلى مسارات السياسية السورية في غابة الإدارة الأمريكية  بدون أوهام رومانسية أو أحلام عصفورية . المعرض والمفروض على أهل السلطة بكل أطيافها أمران أحلاحهما مر   ( من وجهة نظر الشعب فقط ) . الدور  "الوظيفي" الذي قد تقتضية ضروف المعركة على أرض العراق ، وقد شرحنا أبعاد هذا الدور في مقالات سابق . هذا الدور الوظيفي الأمني لحساب الهيمنة الصهيوأمريكية لم يكن موضع قبول وترحيب من أهل السلطة في سوريا وحلفائها ( ايران – حزب الله ) فحسب ، بل سعت إلية السلطة بكل ما تملك من دبلماسية وتضليل . هذا يعني استقرار السلطة غير الشرعية وفق آليات الماضي وتحكم الأجهزة القمعية والمخابراتية بكل صغيرة وكبيرة ، ومزيد من القهر الاجتماعي الذي تفرضه الإجراءات  الاقتصادية الصادرة عن الثالوث البغيض ، صندوق النقد الدولي ، البنك الدولي ، منظمة التجارة العالمية . هذا الدور الوظيفي "مرفوض" من قبل إسرائيل واليمن المسيحي المتصهين ، والمشروع البديل الذي تهيء له أسرائيل وتسوقه بين السائرين في ركابها ، عن وعي أو بدون وعي ، هو إسقاط النظام وإقامة الديقراطية ، مشروع ظاهره الرحمة وباطنه العذاب . من هم حملة هذا المشروع ؟ الجواب : هم كثر ، منهم  ثلة من حديثي النعمة والمغامرين البلهاء من أمثال فريد الغادري الذي وضع تحت تصرفه مبلغ 98 مليون دولار ، لتمويل إذاعته التي تبث من قبرص ، والصرف على المؤتمرات التي يحضرها أدعياء الثقافة الديمقراطية والخصوصيات العرقية والدينية ، الذين يسعون إلى الجعالة والظهور على شاشة التلفاز ، كمحررين من الاستبداد والدكتاتورية . نسخة كريكاتورية عن المعارضة العراقية ( أنظر برنامج الجزيرة من واشنطن في 7/10 / 2004 الذي يديره حافظ الميرازي ) . انضم إلى هذا الجوقة  أو بالأحرى استأجروا  قناة عربية فضائية يمتلكها أحد رموز السلطة السابقين ، لتضطلع بدور مشابه للدور الذي اضطلعت به قبل احتلال العراق لصالح المعارضة العراقية ، وقامت بتسويق النكرات الذي تقلدوا ويتقلدون مناصب مدفوعة الأجر في الحكومة العراقية ومجلس الحكم . هذا هو الجزء المرئي من جبل الجليد الذي يقترب من السواحل ( السورية – اللبنانية ) . أما الجزء غير المرئي فهو اختبوط الشريحة المنتفعة من تواجد القوات السورية في لبنان ، بشقيها اللبناني والسوري ، وهي مستنفرة ومتحفزة ورهن الإشارة . ستكون هذه الشريحة الأعلى صوتاً بالمنادات بالدمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة ، بل ستفرض المعاير والنماذج واجبة الاتباع ليؤهل الأفراد والجماعات ليكونوا بشراً مصانة الدم والعرض والمال . إن النظام في سورية إذاً هو منزلة بين المنزلتين إما التوضيف في مشرع الاحتلال للحفاظ على السلطة أو أن ينفرط العقد ويختلط الحابل بالنابل وتفرض الفوضي والإقتتال . إذا كان سكوت الحسن البصري عن الإجابة على السؤال الذي أوجد مسألة " المنزلة بين المنزلتين " كان الرد الحصيف علي سؤال قد يقودنا إلى مسائل كلامية لا تحسم بالتي هي أحسن ، فإن السكوت عن سياسة المنزلة بين المنزلتين في سياسة النظام السوري هو سياسة الشيطان الأخرس الذي يسكت عن النطق بالحق خوفاً أو طمعاً.  النظام في سورية يعرف من أين تأكل الكتف ، خاصة عندما يجب عليه الانتظار أو ( الوقوف على الدور ) . مزيد من التشدق بالوطنية والقومية ، والهرب إلى الأمام بعنجهيات ما قتلت ذبابة ، ممارسة الباطنية السياسية ، وإطلاق بالونات اختبارية ، ومزيداً في التجبر على المعارضة الوطنية . أمام النخب السياسية الوطنية والمعارضة السياسية الجادة طريق وحيد لا يقبل التشعب أو الإلتواء ، وهو السير في طريق التغير عبر صناديق الانتخبات العامة التي تنتظم مجموع التراب الوطني وتشمل كل مواطن سوري دون فرز على أي أساس كان . أن تكون حرة دون تدخل أي سلطة أو حزب أوهيئة . أن تكون مباشرة لينتخب المواطن دون وسيط من يمثله في المجلس النيابي الذي يختار من بين أعضائه من يضطلع بمهام السلطة التنفيذية ويباشر مراقبتها ومحاسبتها عن كل صغيرة أو كبيرة ، كما يملك حق حجب الثقة عنها وإسقاطها . أن تحقق مبدأ المساوة بين المواطنين ، لا فرق لعربي على غير العربي ، ولا المسلم على غير المسلم ، ولا الذكر على الأنثى . أن تكون سرية يشهد المواطن فيها دون حسيب أو رقيب لمن هو أهل للولاية عن الشعب لدورة برلمانية يحددها الدستور وتنتهي بانتهاء المدة المحددة . أما النزاهة فهي مطلب أخلاقي قيمي يصبح بصائرياً عندما تعضده رقابة شعبية صارمة ومسألة يقظة أو كما قال (ص) اعقلها وتوكل . أن تجرى الانتخابات وفق النظام النسبي المعمول به في الدول الاسكندنافية وألمانيا حيث يملك كل ناخب صوتين يعطى الأول لممثلي المنطقة الانتخابية والثاني للحزب أو القائمة الانتخابية على مستوى القطر وبه ، أى الصوت الثاني ، يحدد عدد النواب في المجلس النيابي للقائمة الانتخابية أو الحزب . يوقف العمل بدستور عام 1973 الشمولي ، الذي فصل على مقاس صانعه ، الرئيس حافظ الأسد ، ويجدد العمل بدستور الاستقلال الذي أوقف العمل به بعد انقلاب 8 من آذار عام 1963 الأثيم . هذه الخطوة لا بد منها لتجنب أي فراغ دستوري بعد التغير . يعرض الدستور على المجلس النيابي بعد انعقاده لإجراء التعديلات التى يراها المجلس ضرورية ، وعرضها على الشعب للتصويت عليها واعتمادها في دستور دائم للبلاد . على الأحزاب والهيئات والمنظمات أن تدرك خطورة الضرف التاريخي الذي يمر به الوطن والمنطقة العربية ، فإما أن تكون أهلاً لتحمل المسؤلية ، وتتصدى بشكل حضاري للهجمة الهمجية التي تقودها فئة حاقدة على الإنسان والقيم ، أو تنتظر مقصلة التاريخ ليجعل منها هشيماً تذره الرياح . ليعلم أهل السلطة إن الشعب السوري ، الذي بلغ 18 مليون نسمة  يرفده أكثر من 12 مليون يعيشون في المهجر طوعاً أو كراهية ، يرفض أن تسوسه الباطنية السياسية ، ويأنف أن تقوده ثلة طفيلية ، وهو أكبر من أن تعبث بمقدراته فئة انتهازية لا هم لها إلا البقاء بالسلطة وتكديس المال الحرام بالبنوك الأجنبية . ليعرف السيد بشار الأسد أن سوريا دولة جمهورية وليس ملكية أسدية . الشعب وحده ، وبدون وصاية حزبية أو أمريكية ، يقرر من هو أهل للرياسة ومن هو أهل للوزارة . على الأحزاب الوطنية ، قومية أم إسلامية  يسارية أم لبرالية أن لا تساوم فيما لا يحق لها المساومة عليه . وأن تطالب بتمثيل نيابي برلماني يختاره الشعب بحرية كبديل شرعي لنظام مستبد لا يملك أبسط مؤهلات الشرعية . يجب أن يكف هواة البرامج الحزبية والسياسية عن استنبات البذور الإديولوجية بتربة مفعمة بالاستبداد والطغيان والعنجهية أو التبضع في متهات الأنانية . علينا أن نتعلم من تجارب الشعوب في قهر الدكتاتورية . لقد كان مطلب الشعب الإسباني بعد موت الجنرال فرانكو هو: الاحتكام إلى الإرادة الشعبية عبر صناديق الاقتراع ، وعدم الانتظار سنوات ثمار خطاب القسم العقيم أو وعود القصر اللئيم . إن الذين لا يحسنون ترجمة العموميات إلى واقع حسي وعمل ناجز لن يثق الشعب بما يتقولون أو يدعون . يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون . إن الفعل المطلوب اليوم هو إخراج سورية من سياسة " المنزلة بين المنزلتين " عبر تحكيم إرادة الشعب وطرد الاستبداد .

* باحث في الفقه السياسي الإسلامي المعاصر

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ