ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 16/12/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


التحليل النفسي لشخصية العسكري

الأمريكي في العراق

فارس كمال نظمي

وطأ العسكري الأمريكي أرض العراق في آذار 2003م،ولديه قناعة نفسية متأتية من الخطاب السياسي لقيادته،بأنه جاء (محرراً) لهذا الشعب المظلوم،وجالباً لقيم (الديمقراطية) و(حقوق الانسان) له.إلا أنه سرعان ما بدأ يغير مفهومه عن ذاته،بتأثير إقرار إدارته نفسها فضلاً عن الشرعية الدولية،بأن وجوده قد اتخذ رسمياً صفة (المحتل)،فترك ذلك أثراً مباشراً في سلوكه تجاه العراقيين مجرداً إياه من خصائص أخلاقية (رفيعة) حاول أن يتقمصها عبثاً في بدايات وجوده في العراق.وإذا ما أضفنا الى ذلك القرار السياسي الأمريكي بتجاهل الاتجاهات الوطنية الرافضة للاحتلال،ومحاولة اذلال الكبرياء الوطني العراقي،وتجنب تقديم أي مكاسب أو إصلاحات اقتصادية أو اجتماعية حقيقية للعراقيين،وتبني خيار العنف الأقصى حيال الفئات المسلحة المعارضة في أرجاء مختلفة من البلاد،تتضح عند ذاك بعض العوامل المفسرة لبروز مجموعة من الظواهر السلوكية غير السوية لدى العسكريين الأمريكان في العراق،سنتناولها تباعاً بعد قليل.

يرى النفساني اللبناني (د.محمد أحمد النابلسي) في تحليله لسيكولوجية الجندي الأمريكي (جريدة الشعب 4/6/2004) أن هذا الجندي يدرك بأن سياسة بلاده تقوم على جلب المكاسب عن طريق التهديد بالقوة.فإذا لم ينجح التهديد فهي تلجأ الى الترويع بإستخدام تفوقها التسليحي.ولذلك فهو يعتقد أن قيادته لا تزج به بأكثر من رحلة صيد،وأن دوره القتالي معدوم المخاطر.من هنا كانت صدمة الجندي الأميركي في العراق عنيفة،إذ وجد نفسه أمام أخطار حقيقية وأمام مواجهات مباشرة تكاد تشل تفوقه التقني وتجهيزه بثلاثين ألف دولار من المعدات لحمايته.هذه الحالة تفسر لنا قائمة المظاهر الصدمية النفسية والسلوكيات غير السوية المتبدية لدى الجنود الأميركيين في العراق،والتي من أهمها – حسب تحليل الدكتور النابلسي – ما يأتي:

(1) حالات الإنتحار الوبائية بين الجنود الأمريكان

سربت وسائل الاعلام أدلة عديدة عن حالات انتحار واكتئاب وتنامي لمخاوف الموت والرغبة في الهروب من العراق،إلا أن الرقابة والتعتيم الاعلامي التي تمارسها الادارة العسكرية الأمريكية حالت دون الكشف الواضح والتفصيلي عنها.

(2) زيادة الإقبال على المخدرات والكحول

وجدت زجاجات ويسكي فارغة في الطائرات والعربات الأمريكية.كذلك رصدت حالات منتشرة من إدمان المخدرات على أنواعها،إذ تم معاقبة عدد من الضباط الأميركيين لاتجارهم بهذه المواد.فمن المعروف أن تعاطي المخدرات شائع بين الشباب الأمريكي ولا يستثنى الجنود منهم،وبعض هؤلاء يقاتلون وهم تحت تأثير المخدر بما يدعم تكرار وكثافة الممارسات الإنحرافية للجنود الامريكان.

(3) ضعف الجاهزية القتالية

تنخفض أهلية الجنود الأمريكان للقتال في العراق تدريجياً بسبب تداخل الظروف المناخية الصعبة مع حرب العصابات،ومع الجهل التام بثقافة البلد وتقاليده.كل ذلك يجعل الجندي الأمريكي في حالة خوف دائم وإرهاق نفسي ضاغط،الأمر الذي يدفعه للاستعجال في إطلاق النار ولممارسة العدوان لمجرد شعوره الذاتي بالخطر،فضلاً عن الإرهاق الناجم عن عدم تبديل الفرق الأميركية المقاتلة وبقائها في ساحة القتال مدة أكبر من قدرتها على الاحتمال.

(4) تفاقم الفساد داخل الجيش الأمريكي

من مظاهره الصراعات على المغانم،إذ سجلت عمليات فساد واسعة في الجيش الأمريكي،بدءاً من سرقة البيوت لغاية سرقة الآثار،مروراً بتجارة المخدرات وغيرها من مظاهر الفساد التي تتخللها عادة الصراعات والتصفيات الجسدية بين هؤلاء العسكريين،مما تسبب بإقالة عدد من كبار الضباط الأمريكان من مناصبهم.

(5) التمييز داخل الجيش الأمريكي

يتمثل بالتمييز العنصري والطبقي بين الجنود الأميركيين،وبخاصة التمييز الممارس على المقاتلين الراغبين بالحصول على الجنسية الأمريكية،فهؤلاء يشكلون نسبة (24%) من تعداد الجيش الأمريكي.كما أن غالبية الجنود الأمريكان في العراق ينتمون إلى الطبقات الأمريكية الفقيرة.

وتفاعلاً مع تحليل النابلسي هذا،واستكمالاً له،نقترح اضافة ثلاثة مظاهر سلوكية غير سوية أخرى الى مجمل سلوك المؤسسة العسكرية الأمريكية في العراق،هي:

(6)السلوكيات السايكوباثية

ويقصد بها ممارسات التعذيب النفسي والجسدي ضد المعتقلين العراقيين،سواء تلك التي تم الكشف عنها بالوثائق في سجن أبي غريب أو تلك التي يتحدث عنها المعتقلون المفرج عنهم،فضلاً عن الممارسات العدوانية اليومية في شوارع المدن العراقية،كاصطدام الدبابات الأمريكية المتعمد بالسيارات المدنية وتحطيمها بالمشي فوقها،مأهولة بالناس كانت أم خالية،او اقتحام البيوت عنوة في ساعات الليل المتأخرة مروعين سكانها لا سيما من الاطفال بحجة البحث عن (الإرهابيين)،أو تحليق الطائرات المروحية بهديرها الصاخب على مدار الساعة فوق أسطح المناطق السكنية الآمنة.إن التحليل النفسي لهذه الممارسات (غير المبررة من الناحية العسكرية أو السوقية) يؤشر على معاناة الشخصية العسكرية الأمريكية مما يسمى بـ((التوجه العدواني ضد الآخرين)) بوصفه آلية نفسية دفاعية لاشعورية،محركها هو افتقاد الأمان والرغبة بالتخلص من مشاعرالرعب الذاتي بإرعاب الآخرين،وخلق جو زائف من الشجاعة الوهمية ذات الطابع الاستعراضي.

(7)عقدة (الذنب–الاستعلاء)

كما جاء في البدء،تغيرت صورة العسكري الأمريكي عن ذاته من (محرر) الى (محتل) حسب تشريعات مجلس الأمن الدولي،مما رسخ لديه –على المستوى اللاشعوري– تصوراً آثماً عن نفسه،جعله يلجأ الى (انكار)هذا الذنب،محكوماً بسيكولوجية (الاستعلاء) أو(التفوق) الكولونيالي على الشعوب (المتخلفة)،بأن يعمد الى مزيد من القسوة والازدراء والاستباحة واللااكتراث تجاه حقوق العراقيين المدنيين،بقصف واجتياح أحيائهم السكنية والتجارية(في الفلوجة والنجف ومدينة الثورة وغيرها) كما لو كانت ساحة لمعركة تقليدية بين جيشين،مبرراً ذلك بضرورات فرض(سلطة القانون)،وبأن اللوم يقع بالأساس على الأهالي لأنهم –حسب زعمه– يسمحون بإيواء المسلحين المعارضين للاحتلال في بيوتهم.وقد يعترض القاريء على هذا التحليل،لكونه يستمد افتراضه من مفاهيم سيكولوجية مجردة،ولا ينفتح على الافتراض السياسي القائل بأن ازدياد قسوة العسكري الأمريكي تجاه العراقيين انما ناجم عن تنفيذه لأوامر مخطط لها بعناية في مؤسسات القرار السياسي الأمريكي،ولا شأن لها بالمسارات الذاتية التي تتطور بها سيكولوجية الذات لديه.إن كلا هذين الافتراضين (النفسي المجرد والسياسي المجرد)،لا ينقض أحدهما الاخر،والأحرى انهما يحتاجان الى تفاعل وتكامل بينهما للخروج برؤية أكثر جدلية لعقدة (الذنب–الاستعلاء) هذه.

(8)الجهل بالمنظومات القيمية للمجتمع العراقي

يفتقر العسكري الأمريكي الى ثقافة انسانية عامة تجعله يتعامل بتوازن وبحكمة مع منظومات القيم في المجتمع العراقي،فتراه جاهلاً الى حد كبير بالمقدسات والطقوس الدينية،والأعراف الاجتماعية،والمحظورات التقليدية لهذا المجتمع.وقد انعكس ذلك على سلوكه المباشر مع الناس في مختلف المناطق الحضرية والريفية،تاركاً في أذهانهم انطباعاً متشابهاً في مضمونه العام،مفاده: ((الأمريكي معتدي،إباحي،لا قلب له،ولا حرمات لديه،مرتزق جاء ليغتني من خيراتنا)).

استطلاع صورة العسكري الأمريكي في العقلية العراقية

إن اختزال ما تقدم من مظاهر نفسية غير سوية، وضغطها في إطار أكثر تجريداً،يمكن أن يؤشر أولياً مجموعة من الخصائص الانفعالية والمعرفية الأساسية التي تشكل باجتماعها نمط الشخصية العسكرية الأمريكية في العراق،مستثنين منها الخصائص المهارية القتالية ببعديها البدني والنفسي،وكذلك خصائص العلاقة بين العسكريين الأمريكان أنفسهم،إذ أن ما يهمنا في هذا التحليل هو التركيز على الجوانب السلوكية والقيمية الناتجة من التماس بين هذه الشخصية والواقع الاجتماعي العراقي.هذه الخصائص المستنتجة هي:

1. قلق الموت

2. الارهاق النفسي

3. افتقاد الشعوربالأمان

4. النزعات العدوانية

5. النزعات السايكوباثية

6. عقدة (الذنب–الاستعلاء) المزدوجة

7. تدني الثقافة العامة

ولتدعيم أو نقض هذه التصورات النظرية لسيكولوجية العسكري الأمريكي،والمبنية على اسلوب الملاحظة والاستدلال،ارتأينا القيام باستطلاع ميداني لآراء بعض الشرائح المجتمعية ذات المساس اليومي بآثار الاحتلال،وصولاً الى صورة أكثر شمولية وموضوعية للخصائص النفسية التي تركها هذا العسكري في نفوس العراقيين.ومن بين أولى هذه الشرائح،تم استطلاع آراء عينة من طلبة جامعة بغداد من الجنسين،بتوجيه مجموعة من الأسئلة المحددة اليهم،فجاءت أهم النتائج على النحو الآتي:

* كيف تقيـّم شخصية العسكري الأمريكي في العراق،ضمن الخصائص المحددة في الاستمارة؟

أفاد طلبة الجامعة أن العسكري الأمريكي (قاسي) بنسبة (75)%،و(مغرور) بنسبة (62)%،و(جبان) بنسبة (76)%،و(معتدي) بنسبة (71)%،و(كاذب) بنسبة (65)%،و(بلا قيم) بنسبة (86)%،و(كاره للعراقيين) بنسبة (76)%.أما النسب المتبقية،فتوزعت بين اختيار الطلبة للخصائص المناقضة لهذه الأوصاف،وبين اختيارهم لمواقف وسطية.

* ماذا تتوقع أن تكون عليه طبيعة العلاقة بين العراقيين والجيش الأمريكي بعد (عام) من الآن؟

توقع (48)% من أفراد العينة أن هذه العلاقة ستصبح (قتال)،فيما توقع (38)% منهم أن تكون العلاقة (صراع)،مقابل (14)% وصفوها بـ(خلاف).أما نسبة الذين توقعوا أن تصبح العلاقة (تفاهم) فكانت معدومة.

* هناك أطراف متعددة في الساحة العراقية،يتهم أحدها الآخر بأنه السبب وراء حالة التدهورالأمني في البلاد.ما هو برأيك حجم مسؤولية كل من هذه الأطراف في حالة التدهور هذه؟

وزع طلبة الجامعة مسؤولية التدهور الأمني على الأطراف المعنية حسب هذه النسب: (القوات الأمريكية) في المقدمة،إذ تتحمل (34)% من المسؤولية،تليها (دول الجوار) بنسبة (19)%،ثم (الحكومة المؤقتة) التي تتحمل نسبة (14)%،فيما بلغت مسؤولية (جماعات القاعدة) نسبة (13)%،ثم (جيش المهدي) بنسبة (12)%،وأخيراً يتحمل (أعوان النظام السابق) (8)% من المسؤولية.

تقدم هذه الاحصائيات بمجملها إسناداً ملموساً لما طرحناه من تصورات نظرية عن شخصية العسكري الأمريكي في العراق.فالمنهجية العلمية في ظروف ميدانية عسيرة كظروف الاحتلال،تقتضي اللجوء الى مفاعلة الملاحظات النظرية الاستدلالية بالآراء والانطباعات التي يجري جمعها من الجمهور المعني مباشرة بالظاهرة المبحوثة.فقد اتضح أن صورة العسكري الأمريكي:(قاسي/مغرور/جبان/معتدي/كاذب/بلا قيم/كاره للعراقيين/المسؤول الأول عن تدهور الأمن)،التي تم استطلاعها للتو في العقلية العراقية،جاءت مكملة ومتسقة من الناحيتين الوصفية والتحليلية مع الخصائص النفسية السبعة التي سبق استنتاجها نظرياً عن هذه الشخصية.وهذا يعني بالمحصلة،ان قطيعة نفسية هي الآن في طور النضج والاكتمال،بين جماعة بشرية أنهكها الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي على أرضها،وبين حضارة وافدة – بكل تقنياتها ومشروعها العولمي– تدّعي أن رسالتها هي إحلال الحرية والعدل في حياة تلك الجماعة.وسيكون لهذه القطيعة النفسية تأثير آني ولاحق على شكل ومضمون الحراك السياسي والايديولوجي والثقافي والقيمي للمجتمع العراقي،مما يقتضي من كل الأطراف التي تدّعي حرصها على تبني حقوق هذا المجتمع في الأمن والتنمية،أن تتعامل بفطنة وواقعية مع حقيقة أن الصورة النمطية السلبية التي تكونت عن العسكري الأمريكي في العقلية العراقية،ينبغي أخذها في الحسبان في عملية التخطيط للخطوات المصيرية لهذا البلد،على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية،وإلا فلن تكون المراحل القادمة الا توسيعاً نوعياً لدائرة العنف والفوضى والفساد الحالية.

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ