وحدات
الأمن تجبر الشباب المسلم
على
القتال المسلح
خالد
الأحمد*
نحن الآن في العام (1975م) ، مروان حديد مازال
مختفياً ، وقد حاولت السلطة
قتله بعد أحداث الدستور (1973م) ،
ومازال التدريب قائماً على قدم
وساق في صفوف الطليعة المقاتلة
، واستطاع الأمن القومي في حماة
بقيادة الرائد ( محمد غـرة )
القبض على شابين مسلحين في
بساتين حماة ، أحدهما من آل (
عصفور ) والثاني من آل ( زلف ) ،
فاعتقلهما ومارس عليهما أشـد
أنواع التعذيب ليكشـف عن طريق
استجوابهم عناصر أخرى من
الطليعة المقاتلة ، ثم استشهد
هذان الأخوان تحت التعذيب (
عصفور ) و (زلف ) يرحمهما الله .
ومن غبـاء الرائد محمد غـرة مدير الأمن
القومي أن سـلم جثتيهما إلى
أهلهما ، وشوهدت الكدمات
الزرقاء واضحة جداً على صدريهما
ورأسيهما ، وشاع الخبر بين
أهالي حماة أن هذين الشابين
ماتا تحت التعذيب . ـ
وقد استفاد النظام من هذا
الخطأ فيما بعد ، فقتل زهاء خمسة
عشر ألفاً من الأخوة في سجن تدمر
، ولم يسلم جثثهم لذويهم ، بل لم
يعترف بقتلهم حتى اليوم ، خوفاً
من نقمة شعبية عارمة ـ .
ومن البدهي أن لهذين الشابين ( عصفور وزلف ) رفاق ، مسلحون مثلهم ، وقد تدربوا
لقتال النظام ، وهم شباب
الطليعة الذين أعدهم مروان حديد
، فماذا يفعل هؤلاء ؟ هل يسلمون
أنفسهم للأمن القومي إذا طلبهم
!!؟؟ ، هل اعترف عليهم هذان
الشهيدان قبل أن يموتا تحت
التعذيب !!؟ هل أسـماؤهم الآن
بين يـدي الأمن القومي ، ينتظر
الفرصـة السـانحة لينقض عليهم !؟
وناقش هؤلاء الشباب أنفسهم ، وتداولوا
الأمر مرات عديدة ، ماذا لو قبض
عليهم الأمن القومي !؟
أليس مصيرهم مقرراً سلفاً ، وهو الموت تحت
التعذيب كما مات ( عصفور ، وزلف )
!!؟ وأيهما أكرم للإنسان أن يموت
تحت التعذيب بكدمات الحذاء
العسكري ، أو كابلات الحديد ، أم
يموت بالرصاص في الشارع !!؟
وعرفوا أن الموت بالرصاص أسهل
بكثير من الموت تحت التعذيب ،
وتأكد لهم أن الموت هو النتيجة
المؤكدة لهم ، فتذكروا قول
الشاعر :
إذا
لم يكن للموت بـد
فمن العجز أن تموت جبانا
وفضلوا الموت بالرصاص في ميدان المعركة ؛
على الموت تحت التعذيب ،
واتخذوا قراراً يقضي بعدم تسليم
أنفسهم ، بل الاشتباك مع
الدورية التي تأتي للقبض عليهم
، وبدأت المعركة . لقد أجبرهم
الأمن القومي على القتال ،
وصرنا نسمع عن معركة في حي كذا
بحماة ، قتل فيها بضعة عناصر من
الأمن ، واستشهد فيها عنصر من
الطليعة ، بعد أن قاتل الدورية
حتى نفذت ذخيرته ، ثم هجم عليهم
بالقنابل اليدوية ، وجهاً لوجـه
، حتى نال الشهادة .
وفي عام 1982:
وفي مأساة حماة الكبرى عام 1982م ، عرفت
السلطة أن (200 ـ 300 ) مقاتل في
مدينة حماة ، فأرادت أن تقتلهم
جميعاً ، فطوقت حماة كلها
بثلاثة أطواق من الجيش والوحدات
الخاصة ، وسرايا الدفاع .
وصارت السلطة تفجر كل عمارة تشتبه أن فيها
قاعدة للمجاهدين ، كانت السلطة
تنادي بمكبرات الصوت على سكان
العمارة ليخرجوا منها ، ثم تضع
الألغام داخل العمارة ، وتفجرها
بكاملها . وكان المجاهدون في
العمارة يموتون تحت الأنقاض .
وتبين للمجاهدين أن مصيرهم الموت المحقق
خلال أيام معدودة ، ولم تبق أي
فرصة للنجاة ، فقرر الأخ ( أبو
بكر ) قائد المجاهدين يومذاك ،
الخروج إلى الشوارع ومنازلة
قوات النظام من وحدات خاصة
وسرايا دفاع والجيش العقائدي .
وفضلوا الموت في الشوارع على
الموت تحت الأنقاض . واقتنعوا أن
الموت بالرصاص أسهل أنواع الموت
.
وفي الساعة الثالثة قبيل الفجر ، يوم (2)
شباط (1982) كانت
كتيبة من الوحدات الخاصة تتجـه
إلى حـي البارودية حيث القاعدة
التي يسكن فيها أبو بكر ، بعد
اكتشافها من قبل الوحدات الخاصة
، حيث سـمع أبو بكر مكالمة
لاسلكية بين قادة الكتيبة ، فهم
منها أنهم يتجهون إلى العمارة
التي يوجد فيها ، عندئذ أعطى
أوامره للمجاهدين بالخروج من
مخابئهم والاشتباك مع العدو .
وتم ذلك ، وقتل من الوحدات والجيش أعداد
كبيرة وصلت الآلاف ، وقتل جميع
المجاهدين تقريباً ، وقتل
النظام قرابة ثلاثين ألفاً من
أهالي حماة معظمهم من النساء
والأطفال والشيوخ . واعتقل
ألوفاً منهم مازالوا حتى اليوم
في عداد المفقودين .
وهكذا اتضح أنه في كل مـرة كانت وحدات
الأمن تضع شباب الطليعة في خانة
الموت المحقق فقط ، ولذلك فضل
هؤلاء الشباب الموت بالرصاص على
الموت شنقاً أو بكدمات الحذاء
العسكري ، أو الموت خنقاً تحت
ركام العمارة .
نسأل الله أن يتقبل الشباب المسلم شهداء
لأن نياتهم صالحة
وأن لايعود إلى سوريا بـلاء مثل ذلك
البلاء ، وأن تعود سوريا آمنة
مطمئنة ، لكل أبنائها ، دون
استقصاء أو إلغاء ، وأن يسود
الحق والعدل والمساواة في ربوع
سوريا ، والله على كل شيء قدير .
*
كاتب سوري في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|