"الربعي"
! أي جهة يخدمها في هجومه
على
الإخوان المسلمين؟
الطاهر
إبراهيم*
من دون جدال أو مماحكة، ما يزال
التيار الإسلامي يشكل الهاجس
الأول للأنظمة في البلاد
العربية. كما يعتبر على نطاق
واسع العدو رقم "واحد"
لأمريكا في المنطقة. وقد دفع ذلك
بعض التيارات الأخرى إلى أن
تتعامل مع هذا الهاجس على غير ما
ينبغي. وقد اعتبرت هذا الهاجس
فرصة لها لتصفية
حساباتها مع التيار الإسلامي،
مرة بالسعي السيئ بين الأنظمة
والإسلاميين، ومرة أخرى لتقنع
أمريكا بأنها البديل الذي يمكن
التعامل معه، بعد أن يتم إزاحة
الإسلاميين من الساحة السياسية.
وعلى هذه الخلفية، فقد رأينا كيف
أن بعض الكتاب إذا ما أرادوا
اختصار طريق الوصول، فما عليهم
إلا أن يقوموا بتبيض "صحونهم"
لدى حكومة بلادهم التي ينتمون
إليها، أو يرسلوا إشارة ذات
مغزى إلى القطب الوحيد في عالم
اليوم أمريكا. ولأن "صوفة
الإخوان" حمراء ،كما يقال،
بفعل الدعاية الشريرة التي
تبثها أمريكاوتزعم فيها أن
الإخوان المسلمين يشكلون الخطر
الأعظم على حكومات المنطقة.
وبناء على هذه القراءة الخاطئة،
فقد رأينا أكثر من كاتب يرمي
بحجره أكثر من هدف، عند ما يزعم
أن جماعات الإرهاب خرجت من
عباءة جماعة الإخوان المسلمين.
فهو بهذه الفرية يثير خوف
حكومته من إرهاب محتمل إذا لم
تبادر إلى تحجيم دور هذه
الجماعة، ومن جهة أخرى يضع قلمه
المسموم في خدمة أمريكا،وهو
يعلم أنه ليس من خصم يثير
حفيظتها أكثر من جماعة الإخوان
المسلمين. لأن هذه الجماعة ،بما
أبدته من اعتدال في طرحها، تسحب
ذريعة الإرهاب من يد
أمريكا،التي طالما أخافت دول
المنطقة من إرهاب هذه الجماعة
المزعوم.
وكمثال على ما قدمنا، فإن مقال
الكاتب الكويتي الدكتور "أحمد
الربعي" تحت عنوان "الإخوان
المسلمون.. والفكر التكفيري"
الذي نشرته صحيفة "الشرق
الأوسط" اللندنية في 17 كانون
الثاني الجاري، إنما جاء ليرسل
أكثر من إشارة في أكثر من اتجاه.
وفي الحقيقة فإن المقال لم يكن
مفاجئا للقراء في المنحى الذي
ذهب إليه في هجومه الذي شنه على
"الإخوان المسلمين".
فهجومه هذا، إنما هو تكريس
لواقع الحال الذي عرف عن "الربعي"
بخصومته النكدة للحركة
الإسلامية خصوصا في الكويت.
وإذا كانت تلك الخصومة تنبعث
بين حين وآخر ضد الحركات
الإسلامية بشكل عام، إلا أنها
تبدو أوضح ما تكون خلال
الانتخابات النيابية في الكويت
-التي توفر حكومته هامشا لابأس
به لإجراء تلك الانتخابات قياسا
على باقي دول المنطقة التي تكون
مجالس النواب في معظمها "ديكورا"
للزينة لا أكثر ولا أقل-، حيث لا
يفرق الربعي بين خصومة شريفة
وسيئة في سبيل الوصول إلى مجلس
الأمة.
لكن المفاجأة تمثلت في مقاله ذاك
أن الدكتور "الربعي" ساق
اتهاماته لحركة الإخوان
المسلمين دون أي دليل أو برهان
على صحة تلك الاتهامات، وكانت
كفقاعات الصابون التي تنطفئ في
الهواء بمجرد انفصالها عن الجسم
الذي تنطلق منه.
وبعيدا عن صدق أو كذب تلك
الاتهامات التي ملأت سطور
المقال، فإن"الربعي" نصّب
من نفسه واعظا،مطالبا
التنظيمات الإسلامية (أن تكفّر
عن ذنبها الكبير،حين نشرت لأول
مرة في التاريخ
الإسلامي المعاصر، فكرة تكفير
المجتمع الإسلامي وتكفير
الحكام وتكفير المجتمعات، وخاصة على يد سيد قطب..) كما جعل
من نفسه أيضا قاضيا قضى بتحميل
هذه التنظيمات جريرة ما يفعله
أتباعها، إن كان هناك جريرة
فعلا. وهو لا يبالي ما إذا كانت
أحكامه توافق أو تخالف هدي
القرآن الكريم الذي يقرر "
وأن لا تزر وازرة وزر أخرى".
فهو في سبيل غايته الدنيا لا
يبالي أوقع على الباطل أم وقع
الباطل عليه.
فهذا "نوح"، عليه السلام،
الأب الثاني للبشر، رفض ابنه
ركوب السفينة معه، وقال "سآوي
إلى جبل يعصمني من الماء"
فمات كافرا، وما نقص كفر ابنه من
مكانة نوح، بل بارك الله عليه
بقوله: "قيل يا نوح اهبط بسلام
منا وبركات عليك وعلى أمم ممن
معك..) ( هود الآية 48).
ويعجب القارئ من جرأة الدكتور
"الربعي" على إيراد ذلك
الكم الهائل من الاتهامات في
مقاله، الذي لا يزيد على صفحة
واحدة، من دون أن يأتي ببرهان
واحد على تهمة واحدة منها، وهو
لا يجهل
أن الاتهام من دون دليل يسمى في
شريعة الإسلام "افتراء"،
كما يعرض المفتري للملاحقة
القانونية في القوانين الدولية.
واستطرادا، لوأني اتهمت الدكتور
"الربعي" بأنه أمريكي
الهوى،علماني الخطاب، لقال
الناس:أين دليلك؟وهذا من حقهم،
مع أن ما جاء في مقاله يجعل
القارئ يخمن منه ذلك. ولكن
الحقيقة شيء والتخمين شيء آخر.
وربما يظن الربعي أن القراء من
السذاجة بحيث يأخذون افتراءاته
على محمل الصدق،ظنا منهم
أن أمثاله من أعلام السياسة
والصحافة، وهو الوزير السابق،
والنائب في مجلس الأمة الكويتي
لعدة دورات، فلا يعقل أن ينزلق
في كتاباته إلى درك الافتراء.
وحتى يعلم القارئ أن الإنسان
يوزن بمواقفه لا بمناصبه، فلا
بد من تفنيد اتهامات الدكتور
الربعي.
أولا: يزعم "الربعي" أن (الفكر
ألإخواني هو أخطر أنواع الفكر السياسي
الإسلامي، لأنه يعتمد على
الانتهازية السياسية،). وإذا
كانت الانتهازية السياسية
تتجلى بإراقة ماء الوجه للوصول
إلى المناصب الوزارية، فقد كان
رموز التيار الإسلامي في الكويت
أبعد الناس عن الانتهازية، حيث
أبدوا عزوفا عن دخول
الوزارة في حكومات الكويت
المتعاقبة،رغم حضورهم القوي في
مجلس الأمة الكويتي، وفي الساحة
الاجتماعية والثقافية،حيث كان
وما يزال ،منذ أكثر من ربع قرن،
يحتكر لنفسه اتحاد الطلاب
الكويتي تحت قائمته "الائتلافية".
بينما كنا نرى في المقابل أسماء
من "التيار الليبرالي"
يحرصون على دخول الوزارة في
الحكومات المتعاقبة، وكان
الربعي واحدا من هذه الأسماء.
ولعل هذا المثال يبين حقيقة ،لا
اتهاما، من يمتهن الانتهازية
السياسية ومن هو بريء منها.
ثانيا: ويزعم الربعي أن (الإنسان
يحتاج إلى منجم أو قارئ كف، ليعرف ما هو موقف الإخوان من
القضايا المفصلية المطروحة في
العالم العربي).ويتساءل القارئ المنصف أيهم أكثر
وضوحا في المواقف: الربعي ومن
كان على شاكلته من الذين يرفعون
راية الليبرالية، ولم يعرف
الناس حتى الآن ماذا يراد من
وراء هذه الراية،أم جماعة
الإخوان المسلمين في كل الأقطار
الإسلامية التي أوضحت برنامجها
الذي يتمثل بالنهوض بالمجتمع في
كافة نواحي الحياة من خلال
تربية الفرد وفق ضوابط لا تصطدم
مع الإسلام، وصولا به إلى النضج
السياسي، بحيث يختار ،من خلال
صناديق الاقتراع، نوابا يعبرون
عن رسالتهم في الحياة.
وإذا كان "الربعي" يتجاهل
مواقف الإخوان فهو مدعو ليكشف
لنا وللقراء عن رأيه هو لنعرف
موقفه من القضايا المفصلية، من
دون (أن يحتاج الإنسان إلى منجم
أو قارئ كف) كما
زعم في مقاله، وعندها سيظهر
أمام الناس من كان "أقرع أو
صاحب شعر طويل".
ثالثا:ويصر "الربعي" على
مغالطة القراء، فيزعم أن (عباءة
الإخوان المسلمين الفضفاضة،
تضم تلاوين من التناقضات والشخصيات
التي لايجمعها جامع)،زاعما أن
سلوك جماعة منهم في قطر عربي
يختلف عن سلوك شقيقتها في قطر
آخر. وهو يزعم أن ذلك عيب فيهم
عندما يشير إلى تناقض سياساتهم
بين قطر وآخر. أوليس الأصل أن
ينطلق الإخوان،كل من مصلحة
القطر الذي يعيش فيه؟ فيعارضون
في قطر عربي عندما تكون
المعارضة هي الأنسب، ويأتلفون
في قطر آخر عندما يلمسون توجها
إصلاحيا عند حكومة ذلك القطر.ولعمر
الله إنها من حسن الفطن أن يكون
موقف تيارات الإسلام مختلفا من
حكومة إلى أخرى ومن قطر إلى آخر.
رابعا:وإذا كان المقال صغيرا في
قيمته، قليلا في عدد سطوره ،
فإنه كان يناقض بعضه بعضا،
ويثبت قضية في سطر، وينفيها في
سطر آخر، ويجمع بين المتناقضين
في السطر الواحد، مما يعني أن
غاية "الربعي" هي توجيه
النقد للإخوان المسلمين من دون
أن يتبصر بما يقول، ظنا منه أن
القارئ العربي تغرّه ألقاب من
يكتب، فلا يدقق في ما يقرأ،
طالما أن الكاتب معروف ومشهور.
فمرة
يزعم أن هناك خصومة مع جماعات
التشدد، ثم ينقض ذلك فيزعم أنهم
لا يحركون ساكنا تجاه ما يفعله
أولئك، فهو يقول:(الإخوان
المسلمين يستمرون في منازلة
الجماعات الإرهابية، أو الصمت
على
جرائمها في
العديد من الدول العربية،ومع
ذلك يحاولون الظهور بمظهر
الاعتدال، وهو تناقض
ما بعده تناقض). وما بين
الهلالين لا يحتاج إلى تعليق.
بعد ذلك يزعم "الربعي" أن
هناك منافسة ومزايدة بين
الطرفين فيقول: (في بعض الدول
العربية نجد حفلة مزايدة على
التشدد بين الإخوان والجماعات
الإرهابية.).
بينما ابتدأ في أول المقالة بما
يناقض ذلك بقوله: (تنظيمات
الإخوان المسلمين في العالم
العربي، تتفرج على عنف الجماعات الإرهابية من دون
أن تحرك ساكنا. ودون أن تتذكر
بأن الساكت عن الحق شيطان
أخرس).
يبقى أن نقول أن الربعي بما أورد
من تهويمات في مقاله، إنما كان
يحرّض على ضرب جماعة الإخوان
المسلمين التي تمثل الإسلام
المعتدل في المجتمعات العربية،
فتخلو الساحة لغلاة المتشددين،
ويعطي الذريعة لأمريكا لتمعن في
حربها ضد الإسلام وأهله.
الفتنة نائمة ولعن الله من
يوقظها. ومن يوقظها "إنما هو
شيطان ناطق"
*
كاتب سوري / عضو مؤسس في رابطة
أدباء الشام
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|