ولكن
هل يستطيع المؤتمر البعثي
القطري
أن
يجترح المعجزات؟
الطاهر
إبراهيم*
قد يكون من المفيد إجراء مسح شامل
لأهم العوامل التي أوصلت
الأحداث على الساحة السورية إلى
ما هي عليه الآن. وبالتالي
يستطيع الباحث أن يحدد سببا
رئيسا أو أكثر، يشير إليه على
أنه كان عاملا حاسما، خصوصا بعد
أن تم الانسحاب من لبنان تحت
تهديد مجلس الأمن وليس من خلال
التوافق بين الحكومتين السورية
واللبنانية كما يقول اتفاق
الطائف.
ويمكننا القول أن النظام
السوري،عند مقاربته للشأن
اللبناني منذ أن وضع التمديد
للرئيس "إيميل لحود" في
التداول اللبناني، قد فقد
الحسَّ السليم في قراءته
للمتغيرات خصوصا الأمريكية
منها. وأول شيء يؤكد ما قلناه هو
نسيان النظام أن دخول الجيش
السوري إلى لبنان عام 1976 لم يكن
بتوافق لبناني سوري ،كما يحلو
لسدنة نظام البعث أن يزعموه،
وإنما كان بطلب أمريكي.
( أكد ذلك الكاتب المصري
أحمد بهاء الدين في مذكراته
التي نشرتها "الشرق الأوسط"
في ثمانينيات القرن العشرين،
بعد أن أخبره بذلك الرئيس "السادات"
قبل الدخول بيومين نقلا عن
السفير الأمريكي في القاهرة)
فكان على هذا النظام أن يسارع
بالانسحاب من لبنان بالتشاور مع
الحكومة اللبنانية، قبل أن يأمر
به مجلس الأمن الذي تهيمن عليه
أمريكا. ما يعني أن الدخول
السوري إلى لبنان والخروج منه،
تم بأمر أمريكي.
ما قلناه ،وهو صحيح إلى حد بعيد،
لم يجعل "الماكينة"-التي
عملت في عهد الأسد "الأب"
ورأت كيف تم التوافق الأمريكي
السوري على دخول الجيش السوري
إلى لبنان ما تزال هي نفسها في
عهد الأسد "الابن" وعلى
رأسها نائب الرئيس "عبد
الحليم خدام"-، تتنبه إلى
تبدل كل المتغيرات التي كانت
سائدة في ذلك الوقت ووصولها إلى
ما يشبه النقيض الآن. فما يزال
النظام في دمشق لا يريد أن يعترف
بهذه الحقيقة، ما أوصل النظام
إلى طريق مسدود.
وفي ظل تواتر أخبار تؤكد عقد
المؤتمر القومي قريبا، حيث بقي
معطلا لأكثر من ثلاثة عقود
تعايش فيها النظامان البعثيان
في دمشق وبغداد جنبا إلى جنب. ما
يجعلنا نلفت الانتباه إلى قضية
غاية في الأهمية حسب ما نعتقد
وهي التذكير بما انحسر عنه
المؤتمر القومي الذي انعقد في
تشرين الثاني من عام 1970، الذي تم
فيه -بتحريض من الأمين القطري
المساعد"صلاح جديد" رجل
سورية القوي في ذلك الوقت- تجميد
عضوية وزير الدفاع "حافظ
الأسد" ورئيس الأركان
"مصطفى طلاس"، مما جعل
الأول يسارع بانقلابه على رفاقه
في 16 تشرين الثاني عام 1970 ،مما
سمي في حينه "الحركة
التصحيحية" التي جاءت بحافظ
الأسد رئيسا لسورية لمدة ثلاثة
عقود. فهل يعيد التاريخ نفسه مع
الانعقاد الجديد للمؤتمر
القومي، هذا إن تم؟.
كثيرون هم الذين يعتقدون أن دمشق
أصبحت على يقين بأن واشنطن لن
تتوقف عند حدود إتمام الانسحاب
قبل أول أيار "مايو". ولعل
اللجنة الدولية للتحقيق في مقتل
الرئيس الحريري التي شكلها مجلس
الأمن ولديها كل الصلاحيات
بالوصول إلى كل الأشخاص
والهيئات، تكون المنفذ الذي
تدخل أمريكا منه لزعزعة النظام
السوري عندما تقوم اللجنة
باستدعاء ضباط الاستخبارات
السورية الذين كانوا يعملون في
لبنان.
واستباقا
لما يمكن أن تجره نتائج التحقيق
على النظام السوري، فقد أشيع
تقديم موعد المؤتمر القطري لحزب
البعث إلى أيار، بعد أن كان
مؤجلا إلى آخر هذا العام، أو
ربما كان سيرحّل إلى موعد لاحق
أبعد.
فهل سيكون انعقاد المؤتمرين (القومي
والقطري) غطاء لما يعتقده كثير
من المراقبين أن النظام السوري
أصبح في مواجهة أمرين أحلاهما
أمر من الحنظل.فإما أن يقوم
بنفسه بتغيرات ستؤدي عاجلا أو
آجلا إلى انسحاب حزب البعث من
حكم سورية، أو أن التغيير سيفرض
على النظام
فرضا -ولا أحد يدرك متى وكيف
يكون- وستكون عندها نهاية البعث
السوري مشابهة لنهاية شقيقه
البعث العراقي، مع اختلاف في
عملية الإخراج وفي التفاصيل.
فهل يكون البعث السوري أعقل من
البعث العراقي أم ؟
وفي سياق الخيار الأول فقد،كثرت
في الآونة الأخيرة التقارير
التي تبشر بحدوث انفراج سوري
حكومي غير مسبوق، وأن هذا
الانفراج سيأتي بأمور كان مجرد
الحديث عنها يعتبر من جملة
المحرمات أو ضربا من الخيال
الأسطوري.
ولكن ما ذا يمكن أن يفعله حزب
البعث في سورية ؟
نقلنا في مقال سابق لنا تحت عنوان
"أخبار طيبة للتغيير في سورية
... ولكنها لا تكفي!." تعليقا
على خبر أوردته "بهية مارديني"
في موقع إيلاف الإلكتروني تحت
عنوان "تنحية مراكز القوى في
سورية" نشر في 30 آذار
المنصرم، جاء فيه (أنه سيتم
تنحية مراكز القوى طوعا أو كرها
كما سيتم إلغاء قانون
الطوارئ،وسيتم إخراج كافة
المعتقلين السياسيين ومعتقلي
الرأي والضمير من السجون خلال
فترة لا تتعدى الشهرين، وإعادة
المنفيين والمبعدين طوعا وقسرا
دون قيد أو شرط. وسيتم إلغاء
القانون 49 الخاص بإعدام كل من
ينتسب إلى جماعة الاخوان
المسلمين،كما
سيتم إلغاء المادة الثامنة من
الدستور السوري التي تجعل الحكم
حكرا على حزب البعث).
كل الأمور تدل على أن حزب البعث
قد أصبح في عجلة من أمره، ويحاول
أن يرتجل ما يعتقده أنه يصب في
الخانة التي ترضي أمريكا. ومنها
الانسحاب السريع من لبنان بعد
طول ممانعة وتسويف، ومنها إعلان
النظام أنه مستعد لإجراء
محادثات سلام مع إسرائيل دون
قيد أو شرط، وليس من النقطة التي
انتهت إليها المفاوضات السورية
الإسرائيلية في"شيبردز تاون"
أواخر عام 1999، وعدم اإصرار على
"وديعة رابين".
ولعل آخر مؤشرين تجعلنا نؤكد هذا
الاستعجال البعثي،هما قول
الرئيس بشار في آخر مقابلة له مع
صحفية "تايم" أنه "يريد
أن يتعاون"،ومصافحته الشهيرة
مع الرئيس الإسرائيلي"كتساف"
على هامش تأبين البابا.
وحتى يعتقد السوريون أن النظام
البعثي جاد في السير في طريق
التغيير لا بد أن يشمل هذا
التغيير هو قيام النظام بتنفيذ
ثلاثة أمور هي:
أولا: إلغاء دستور 1973
وإذا كان حزب البعث سيقوم
بالتغيير ،تحت ضغوط خارجية أو
أن ضمائر النافذين فيه صحت من
غفوتها بعد طول نوم على
مدىأربعة عقود،فإن أول ما ينبغي
فعله إلغاء دستور عام 1973 بكل
عجره وبجره وتعديلاته الصالح
منها والطالح، حتى نجعل وراء
ظهورنا فترة الفصام النكد التي
كان فيها هذا الدستور شاهد زور.
خصوصا وأن قانون الطوارئ "أبو
الخبائث" عطل البعض القليل من
المواد التي كان يمكن أن تكون
مفيدة للمواطن.
ثانيا: إلغاء قانون الطوارئ
مما لاشك فيه أن الموبقات التي
ارتكبت في سورية في عهد حزب
البعث لم تكن لتتم لولا هذا
القانون الظالم الجائر قانون
الطوارئ "أبو الخبائث"
الذي نكد عيش السوريين وسكب في
حلوقهم الحنظل المر.ولن يهنأ
للسوريين عيش ما لم يتم إلقاء
كراس هذا القانون في مدافن
النفايات، وشطب كل ما نتج عنه من
قوانين استثنائية ومحاكم
استثنائية مثل محكمة أمن الدولة
والمحاكم العسكرية الميدانية
التي حكمت على الآلاف بالإعدام.
ثالثا: الدعوة إلى مؤتمر إنقاذ:
تحضره كل أحزاب المعارضة
السورية،الداخلية منها
والخارجية ولا يستثنى منه أحد.ولعل
ما ورد في بيان "النداء
الوطني للإنقاذ" الذي أصدرته
جماعة الإخوان
المسلمين في 3 نيسان الجاري
ودعت فيه( لإنقاذ الوطن من
زلزالٍ هائلٍ بدت ملامحُه
قاسيةً مدمّرة، واجتاحت
طلائعُه بعضَ الأقطار
المجاورة، وها هو ذا يقفُ على
حدودنا يهدّدُ بالاجتياح، ولن
تكونَ آثارُه المدمّرةُ قاصرةً
على النظام وحدَه، بل ستهزّ
الوطنَ بأسره).
وذلك (قبل أن يأتيَ الإعصارُ
فيدمّرَ كلّ شيء، وقبل أن يحلّ
الطوفانُ فلا يُبقي على شيء..
وعندئذٍ لا ينفعُ نداءٌ ولا
بيانٌ ولا ندم.. وسيتحمّل
القابضون على السلطة مسئوليةَ
الكارثة.)
فهل يفعلها البعثيون،فيعملون
على وضع اللبنة الأولى في هيكل
إنقاذ سورية من الكارثة المحققة
بعد أن أوصلوا سفينة السوريين
إلى بحر الظلمات الهائج؟
للأسف فإن كل الدلائل التي لدينا
،من خلال استقرائنا لتاريخ حزب
البعث في حكم سورية، تؤكد أن هذا
الحزب تحكمه عقليات مناورة
متسلطة لا تستطيع أن تخرج من
الدائرة التي رسمتها، وتنقصها
الحكمة التي تفتح العيون على
الواقع المر، و"فاقد الشيء لا
يعطيه".
* كاتب سوري يعيش في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|