زمن
الاستحقاقات
فريد
حداد
تمر على سورية اليوم , ظروف بالغة
الخصوصية والدقة . ولا تتأتى
خصوصية الظروف تلك ,
ودقتها ,
من ما يسميه الصاخبون
الببغائيون بالهجمة
الأمبريالية – الصهيونية التي
تستهدف النظام
سورية وتواجده في
لبنان . بل تتأتى ,
عن استحقاق تصفية حسابات
نجاح الهجمة الأمبريالية –
الصهيونية – الأستبدادية على
الشعب العربي , و منه الشعب
السوري ,
والتي كانت من أهم نجاحاتها ,
تثبيت وتمكين النظام
الأستبدادي في الحكم بسورية عام
1970 . وامثاله
في البلدان العربية الأخرى .
انها مرحلة تصفية الحسابات , بين
النظام الأستبدادي الذي ارتضى
لنفسه ان يهمش شعبه لمدة 35 سنة ,
باحثاً في الخارج عن مصادر
دعمه وحمايته
وشرعيته , وبين تلك القوى
التي أمّنت له ذاك الدعم
والحماية في مواجهة شعبه .
انها مرحلة تصفية حسابات بين
النظام الأستبدادي الذي نزع
السياسة من مجتمعه ودفع شعبه
للأنكفاء والأبتعاد عن الشأن
العام , وبين المستفيد من هذا
الأنكفاء الشعبي -
الغير مباشر -
الذي اسقط عراق ال.27 مليون
مواطن بثلاثة اسابيع .
تصفية حساب بين من انهك مجتمعه
قمعاً وافقاراً واذلالاً , وبين
من أمّن لهم الغطاء لذلك خلال
عقود طويلة , والقادم اليوم عبر
المحيطات ليقطف
ثمار دعمه السابق
للديكتاتوريين ,
الذين نفّذوا مهامهم بنجاح .من
خلال تدمير مجتمعاتهم , وارهاق
شعوبهم , وتحويلها للقمة سائغة , سهّل على الأستعمار ابتلاعها في
العراق , كما سيقدمها اليوم في
سورية وباقي البلدان العربية
الأخرى . .
ولكن لماذا يتم الحساب ؟
لقد أوكلت الولايات المتحدة , الى النظام السوري
, منذ
مطلع السبعينات
, مهمتين
اقليميتن
كبيرتين
ومتداخلتين - ناهيك عن ترتيب وضع
البيت السوري -
وهما . ترتيب شأن البيتين
الفلسطيني واللبناني . ولقد
تداخلت هاتين المهمتين , بسبب التداخل القائم بينهما بفعل
التواجد الفلسطيني المقاوم
والمسلح على أرض لبنان
, بعد الضربة الأليمة التي
ألمت بالمقاومة الفلسطينية في
الأردن على يد النظام الأردني ,
وانتقالها للعمل من خلال
الأرض اللبنانية . وقد تلخصت
الواجبات المعطاة للنظام
السوري بما
يلي :
1 –
تدمير العمل العسكري
الفلسطيني ,
أو تحجيمه للحدود الدنيا ,
وابعاده عن الحدود مع فلسطين
المحتلة قدر المستطاع . وقد تم
فعلاً تنفيذ هذا العمل بنجاح
كبير , حيث تم اخراج المقاومة
الفلسطينية من لبنان بشكل نهائي
بعد قتل أكبر عدد ممكن من رجالها
.
2 – تأمين الهدوء على الجبهة
السورية الأسرائيلية مع ما
يستدعي ذلك من انهاء التواجد
العسكري الفلسطيني في
الأراضي السورية , واقفال معسكرات تدريبهم .
ما عدا تلك التي تنشط تحت
أمرة المخابرات السورية ,
لغايات ,
ليس الكفاح الشعبي في سبيل
تحرير الأرض أحدها
. ولا يُخفى على أحد بأن جبهة
الجولان مغلقة باحكام منذ عام
1973 امام
اي عمل مقاوم سوري
اوفلسطيني , رسمي او شعبي .
3 – ضبط المجتمع اللبناني وقواه
السياسية ,
بهدف منع قيام اي نظام وطني
ديمقراطي ,
متجاوزاً الأنقسام الطائفي
الذي كان وما يزال المجتمع
اللبناني يعيشه .
وبمقابل تنفيذ تلك المهام , تُطلق
يدي النظام ,
في سورية ولبنان , نهباً , واستعباداً , واستغلالاً,
كما يدخل النظام بحد ذاته تحت
مظلة الحماية الأمريكية . على ان
يبقى الأمريكي ماسكاً بمفاتيح
الملاعب , يفتحها لمن يشاء ويرسم
على أرضها حدود الحركة للاعبين
والتي لا يجوز عبورها .
في زمن كان للأتحاد
السوفيتي دوراً في دعم من يريد
الخروج قليلاً عن الحدود
المرسومة , حيث كان يهدف الخروج عن ما هو مرسوم الى
الحصول على بعض المكاسب ومن
ثم العودة الى داخل الدائرة .
ولم يكن هناك ضيراً من تغليف ذاك
الخروج عن المرسوم , بغلاف
النضال , والتصدي للأستعمار ,
وما شابه
لقد أستمرأ النظام
الحاكم في سورية لعبة
القفز فوق
الحبال بين الكبار, عندما
كان كلٍ منهم بحاجته لأهدافه
الخاصة , و قد ادمن النظام
هذه القفزات
معتقداً بذلك انها ادخلته
نادي الكبار , هذا الأعتقاد الذي
دفعه لتصدير نفسه بان دوره في
المنطقة هو اكبر من حجم سورية
البلد وامكانياتها , وان له
دوراً محورياً لايمكن لأحد
ان يتجاوزه .
هذا التبجح الذي ظهر مجدداً
على لسان بشار الأسد عندما قال
ان " امريكا ستكتشف سريعاً
ان لسورية دور هام في احلال
السلام في العراق ولبنان
وفلسطين " .
متناسياً بذلك انه بعد
انهيار المنظومة الشرقية ,
تقطعت كل الحبال , وان لاخيار لديه الا بالسير على
الطريق الوحيد , الذي يرسمه
الكبير الوحيد في عالم اليوم ,
الذي سئم لعب الصغار ,
ولم يعد بحاجة لخدماتهم . ان
القواعد الجديدة للسياسة
الأمريكية في منطقتنا تنطلق من
تحجيم كل انظمة الحكم فيها
وسجنها داخل حدودها القطرية , مع
احتمال التضحية مستقبلا بها ,
تقرباً من شعوب المنطقة , ولتظهر
نفسها بانها " محررة الشعوب
من الطغيان . وحاملة مشعل الحرية
والديمقراطية " .
لماذا الحساب الآن ؟
لقد انجزت الديكتاتوريات العربية
, ومنها السورية ,
ما تم التعاقد عليه منذ
مجيئها الى سدة الحكم .
و منها تدمير البنى
الأساسية للمجتمع , واضعاف
الوحدة الوطنية , وخلق هوة كبيرة
بين الفقراء ولصوص المال العام ,
وارهاق الناس في عيشها ,
وترويعها ,
واذلالها .
مما أدى بدوره الى وضع
الديكتاتورية لنفسها في خانة
الأنظمة الكريهة التي لم يعد
يحتاجها أحد ,
فاصبحت عالة حتى على من
تبناها من البداية ,
فتنكر لها , وسحب غطاءه لها
خارج حدودها .
وفي ظل تلك المناخات ,
فقد اثار
النظام السوري العالم عليه ,
عندما نسي او تناسى ,
بانه يعمل بلبنان بموجب عقد
عمل , وتصرف وكأنه
يعمل لحسابه
الخاص , فكان التمديد
للحود .
كما كانت مساعيه
لتعميم تجربته اللبنانية
( في دعم
أطراف ضد أخرى اليوم والعودة
الى النقيض غداً في مسعى لتدمير
الجميع وفرض سلطته عليهم ) الى
العراق وما ينجم عن ذلك من
ازعاجات للمحتل ( رب العمل أو
الطرف الآخر في العقد ) . فكان
انهاء عقده في لبنان من خلال
القرار 1559 . وتركه بدون غطاء
حماية امام غضبة الشعب اللبناني
في الأيام اللاحقة .
لقد اتى اغتيال الشهيد رفيق
الحريري وبغض النظر عن القاتل
الفعلي . عملاً منسجماً مع اعمال
كثيرة ومتشابهة قامت فيها
المخابرات السورية في لبنان على
مدار ال. 29 سنة الماضية , والتي
لا بد انها كانت تتم
تحت انظار الكبار وبعلمهم
ورضاهم .
فكان ذاك الأغتيال ,
العامل الذي وحد اللبنانيين
بغالبية طوائفهم
واحزابهم في معارضتهم للوجود
العسكري – الأمني على ارضهم ,
وكان هذا نجاحاً كبيراً حققه
النظام السوري في لبنان ولمصلحة
اللبنانيين من دون ان يقصد او
يريد ذلك . كما كان
المحرك القوي لكل مشاعر
القهر والأستياء المكبوتة في
الصدور عبر السنوات الطويلة
الماضية من ممارسات
الأستخبارات السورية في لبنان ,
التي لا يمكن وصفها الا
بممارسات اجهزة مستعمِرة بكل ما
للكلمة من معنى .
ولم يفت الشعب اللبناني
وقواه السياسية والأجتماعية ,
فرصة سحب الغطاء الدولي في
لبنان , عن
نظام كريه ومكروه ,
ليتحركوا مطالبين بحريتهم ,
وسيادتهم ,
واستقلالهم ,
بعد ان أخذوا قسطاً عن
اشقائهم السوريين
في تحمّل
استبداد بغيض طيلة هذه السنوات ,
فكانت انتفاضتهم الحالية
للأستقلال التي سيكون فيها
للبنانين شرف البداية ,
لأنتفاضة اوسع ,
تكنس كل انظمة الطغيان ,
وتفتح طريق الحرية للشعب
العربي في كل اقطاره .
لقد طفح الكيل مع الشعبين
العربيين في سورية ولبنان ,
من طروحات مستبديها
المدعيّة الوقوف بوجه العدوان
الخارجي , وتحرير الأراضي
المحتلة , والحفاظ على الوحدة
الوطنية , والتقدم والأشتراكية
وغيرها وغيرها . بعد ان تبين
لهما , ان
الطغاة انفسهم ,
هم من اداموا العدوان
الخارجي على الأمة , وتسلحوا به
لقمع الداخل العربي , بعد ان
حولوا مجابهة العدو الخارجي , من
عمل شعبي وطني بهدف تحرير الأرض
, الى عمليات مخابراتية ,
غالباً ماتتم عبر وكلاء ,
وتهدف الى ابتزاز الكبار,
والأغنياء ,
بهدف تحسين المواقع
السلطوية وامكانياتها في القمع
والسيطرة ,
والحصول على الرشاوي
والمغانم . وانهم من دمر الوحدة
الوطنية , عن
طريق سياسة خلق الأزلام ,
وشراء الذمم ,
وتعميم الفساد , وتدمير مؤسسات المجتمع المدني .
لقد دأب نظام التضليل في سورية على
الربط دائماً
بين كل مطلب جماهيري
بالحرية , بالتحركات
الخارجية التي تستهدف " صموده
" وها هو اليوم يعود لهذا
الربط بين انتفاضة الشعب
اللبناني في سبيل استقلاله
وسيادته وحريته والقرار 1559 الذي
هو بالفعل قرار انهاء تفويضه في
لبنان , وسحب الغطاء الدولي عنه
في لبنان . وغداً وفي العاشر من آذار , ومع اعتصام الشعب السوري
امام القصر العدلي بدمشق
للمطالبة بانهاء الأستبداد
وغيره من المطالب الديمقراطية ,
والتي ستكون امتداداً وتكملة
للآنتفاضة اللبنانية .
سيعود النظام لهذه
الأسطوانة المشروخة
لهذا الربط متناسياً ان
القوى الديمقراطية السورية
مازالت منذ 25 سنة تدفع من حياة
مناضليها وحياة اسرهم ثمناً
للأنتقال من الأستبداد الى
الديمقراطية .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|