حتى
لا تختلط الأوراق
سياسة
التتريك ومجازر الأرمن
الاتحاديون
وليسوا العثمانيين
زهير
سالم*
(الاتحاد والترقي)
ذلك الحزب الفاشي الذي ارتكب
باسم التحديث والعلمانية أقسى
وأفظع الجرائم في تاريخ الإسلام
الحديث. الحزب الذي انقض على
دولة الخلافة ـ ممثلة الأمة ـ
وتحالف مع أعدائها في أشرس
عملية لاستئصال الجذور. والذي
سام الناس الخسف من شتى الملل
والنحل والأعراق؛ حتى ليقول
أديب العربية الكبير مصطفى صادق
الرافعي متحدثاً عن محنة
العلماء الأتراك في ظل حكومة
مدعي (العلمانية) و(التحديث) (فكل
من قال: لا، انقلبت لاؤه حبلاً
لتحيط بعنقه).
ولقد كان هذا
الحزب بسياساته التدميرية شر
سلف لخلف سار على نهجه في تحطيم
هذه الأمة وتمزيق وحدتها،
وإغراقها في مستنقعات التخلف
والتبعية.
يرتكب الكثير من
المؤرخين والسياسيين مغالطات
كبيرة حين يمزجون بين تصرفات
حزب (الاتحاد والترقي) وبين
الدولة العثمانية وينسبون
تصرفات هذا الحزب إلى السلطنة
العثمانية التي كانت أولى
ضحاياه، والتي أخذ على عاتقه
اجتثاثها من جذورها.
فسياسات (التتريك)
الطورانية ضد العرب،
والاعدامات التي جرت بحق رجال
الجمعيات العربية وكذا مجازر
الأرمن كل هذه الأحداث الفاجعة
إنما جرت بعد عام /1911/، أي بعد
عزل السلطان عبدالحميد رحمه
الله تعالى عن السلطة واستيلاء
الاتحاديين عليها. لقد كان
السلطان عبدالحميد عملياً آخر
سلطان يحكم باسم الدولة
العثمانية. وبين عامي 1911 ـ 1924
التاريخ الرسمي لإعلان سقوط
دولة الخلافة مرت المنطقة
بسنوات عجاف لم يكن للعثمانين
فيها إلا صورة الحكم، حيث قام
على كرسي السلطنة سلاطين ضعفاء،
كانوا غطاء لتصرفات الضباط
الاتحاديين المملوئين بالقسوة
والفساد، ولم يكن جمال باشا
السفاح بجدارة إلا واحداً من
هؤلاء.
وإن من حق التاريخ
علينا أن نوضح في هذا المقام، أن
الموقف العام لرجال الإصلاح في
العالم العربي كان ملتبساً إلى
حد كبير، فقد كان هناك فريق، على
رأسه الأمير شكيب أرسلان والشيخ
رشيد رضا، يتمسكون بالرابطة
العثمانية ويطالبون بالإصلاح
من خلالها، وكان آخرون لا يرون
مانعاً من التماهي مع المشروع
الغربي (البريطاني ـ الفرنسي)
لإحداث الإصلاح المنشود!!
لقد كان التمسك
بالرابطة الإسلامية لدى شكيب
أرسلان والشيخ رشيد رضا نوعاً
من الحلف السياسي في وجه الهجوم
الاستعماري ومطامعه، ولم يكن
يعني أبداً التنازل عن المطالبة
بالإصلاح.. كأنك تقول اليوم ثمة
تاريخ يعيد نفسه في نزعات
واجتهادات الإصلاحيين على
الساحة العربية.
إن الذي نريد
التأكيد عليه في هذا السياق أنه
بعد عام /1911/ لا يمكن أن تعتبر
السلطنة العثمانية برايتها
الإسلامية مسؤولة تاريخياً عن
أي فاجعة حلت بشعوب الدولة
ومواطنيها. وهذا لا يعني أننا
نعتقد أن كل شيء في عهد السلطنة
كان على ما يرام. ولعل الخطأ
الأكبر الذي ارتكبه السلطان
عبدالحميد رحمه الله تعالى أنه
رفض التعاون مع جمال الدين
الأفغاني وما يمثله من تيار
إسلامي صاعد، كان يمكن أن يوظف
للتصدي للمشروع الغربي بأبعاده
الاستعمارية.
في هذا السياق
يمكننا أن نفهم أحداثاً تاريخية
مثل (الثورة العربية الكبرى)
ويمكننا أن نتعاطف أيضاً مع
المحنة القاسية التي تعرض لها
الأرمن شركاؤنا ومواطنونا
القدامى الجدد.
*
مدير مركز الشرق العربي
27
/ 04 / 2005
|