نفسح مجال الرؤية
اليوم لمقال الكاتب داود
الشريان : سورية في عيون أمريكية
..
سورية
في عيون أميركية
داود الشريان
تعاقدت الحكومة
السورية مع شركة " نيو بريدج
ستراتيجي " الاميركية لتحسين
صورتها في المجتمع الامبركي،
واقناع الرئيس بوش بأنها تريد
علاقات افضل مع ادارته، وانها
مستعدة للتعاون مع البيت الابيض
بمرونة كبيرة. وتم اختيار هذه
الشركة بالذات لقرب رئيسها (جو
البو) من بوش، اذ عمل مديراً
لمكتبه حين كان حاكماً لولاية
تكساس، وتولى ادراة حملة لمنصب
الرئاسة عام 2000، ثم اصبح مديراً
للوكالة الفيديرالية لادارة
الحالات الطارئة والمسؤولة عن
تنسيق خدمات اجهزة الحكومة،
ومساعد ضحايا الكوارث الطبيعية.
الحملات الدعائية
التي يلجأ اليها بعض الدول
لتحسين صورته ثبت فشلها أكثر من
مرة. وأكبر مثال على هذا الفشل
هو الحملة التي نظمتها الحكومة
الاميركية في العالمين العربي
والاسلامي. فضلاً عن ان هذه
الحملات تعتمد على فن الاعلان،
والاعلان يقوم على الوعد، «الوعد
الكبير» كما يقول الدكتور
صامويل جونسون، والاعلان غير
دقيق في افضل احواله، ناهيك عن
ان هذه الحملات تتوجه الى جمهور
الناس الذين لا يملك شيئاً حيال
القرار السياسي. والاهم أن هذه
الحملات تقوم على نفي صورة
واثبات اخرى، وفي حال غياب هذه
الاخرى على ارض الواقع او جزء
كبير منها، فإن الحملات تؤدي
نتائج عكسية، تماماً كما حدث مع
الحملة الاميركية، التي كذبها
واقع السياسة الاميركية
المنحازة في منطقة الشرق الاوسط.
وفي الحالة السورية لن يختلف
الوضع كثيراً، فالوعود التي
ستطلقها هذه الحملة لن تجد ما
يسندها على ارض الواقع.
من الغريب ان
يتجاهل بعض الانظمة العربية ان
كسب رضا شعبه هو اسهل الطرق لكسب
رضا الآخرين. وسورية الجديدة لا
يمكن ان تتحسن صورتها الا
بالانتصار على سورية القديمة،
والاحتماء بالقوة الشعبية من
خلال القيام بتحولات جذرية لا
تقل عن اهمية الانسحاب من
لبنان، فدمشق لا تعاني ازمة في
قنوات الاتصال مع واشنطن، او مع
غيرها من العواصم الغربية،
وانما تعاني من ارث حقبة سياسية
تجاوزها الزمن. صحيح ان لــ «اللوبي
» دوراً في التأثير في السياسية
الاميركية، وربما اختيرت هذه
الشركة لهذا الاعتبار بحكم ان
ملاكها من اصحاب النفوذ داخل
اروقة السياسية في اميركا، لكن
حتى اللوبي لن يكون مجدياً في
الحالة السورية، لأن ثمة خلافات
جوهرية بين الطرفين يصعب معها
احدث نقلة نوعية في العلاقات مع
السياسية الاميركية، لعل
ابرزها الموقف السوري من
العراق، وعلاقة دمشق بلبنان
وعدم جديتها في انسحاب كامل من
حياة اللبنانيين، فضلاً عن غياب
الاصلاحات السياسية التي
تستخدمها واشنطن كذريعة
لابتزاز انظمة المنطقة لتحقيق
مصالحها.
أن عقد تحسين
الصورة الذي وقعته سورية مع
الشركة الاميركية لن يقل عن
بضعة ملايين من الدولارات، وكان
بإمكان الحكومة السورية ان
تستثمر هذا المبلغ في شكل مضاعف
لو انها قررت صرفه داخل سورية،
لكن يبدو أن من المستحيل الوصول
الى قناعة من هذا النوع اذا كان
النظام يعتقد أن مشكلته مجرد
انطباعات خاطئة عن واقع صحيح،
وأن خلاصه رهن بالخلاص من
الضغوط الاميركية والدولية،
وليس بتحقيق المطالب الشعبية
والاصلاحات الداخلية، وانه لا
يحتاج إلا الى حملة دعائية
تروّج له كما تروّج لمنتج جديد
في الاسواق!
وفضلاً عن الذهاب
في اتجاه الدعاية السياسية التي
لم تنفع سورية على مدى عقود، كان
الاجدر بالسياسيين السوريين أن
يأخذوا العبرة من جارتهم تركيا،
التي استطاعت ان تقف بوجه
المطالب والضغوط الاميركية
خلال الحملة على العراق وبعدها
لأنها كانت تحتكم في قرارتها
السياسية الى برلمان منتخب وليس
الى الحزب الحاكم، واستطاعت ان
تتعامل مع واشنطن بنديّة في
قضية التسهيلات العسكرية، ولم
تجرؤ واشنطن على مجرد التفكير
بابتزاز الاتراك بفزاعة
الاصلاحات الديموقراطية كما
تفعل مع الدول العربية التي
ليست مع اميركا بخير لأنها ليست
مع شعوبها بخير، وسورية
يأمكانها ان تحمي مواقفها
بالطريقة التركية، وتشرع بحملة
اصلاحات حقيقية لكسب الشارع
السوري، الذي بدوره سيحمي
النظام ويدافع عن سمعة الدولة،
وبغير هذا النهج ستبقى دمشق في
نظر واشنطن محوراً للشر حتى لو
صرفت مال قارون على حملات
دعائية لا تقدم ولا تؤخر.
الحياة ـ
2005/05/11
|