المراح
الإسلامي
يشكون
حصاد ما زرعوا
زهير
سالم
رصد
الظاهرة الإسلامية وفهمها أصبح
شغلاً، وأحياناً عبئاً على
الكثيرين. الحالة الإسلامية
التي تكسرت النصال التي نالت
منها على النصال، أصبحت مصدر
قلق وأذى لآخرين. أرادوها، خلال
قرن مضى، قابلة صابرة طيعة. يعجز
البعض عن لملمة أطراف الرؤية،
أو الموقف، ويحاول آخرون لغرض
في النفس أن يوظفوا عناوين من
المشهد، بعد العبث بإطاره لخدمة
أغراضهم، ويعرض فريق ثالث عن
محاولة الفهم لأنه قرر سلفاً
طرائق التعامل معه.
لا
أحد يماري في أن هناك فوضى في
الموقف الإسلامي، فوضى على صعيد
الرؤية النظرية تتنوع إلى درجة
التناقض. وفوضى على صعيد
المواقف العملية أكثر حدة
وتشعباً من الأولى تمثلها
تصرفات وتنظيمات وحركات يقف
تنظيم القاعدة بشعبه المختلفة
يمين اليمين فيها. وثمة انفلات
متجاوز للحد، وهناك إسلاميون
يعيشون حالة من ضبابية الرؤية،
وتشوش الأهداف، وهناك فريق
اختلطت لديه المقاصد بالوسائل،
والذرائع بالأصول، والمطلوب
لذاته بالمطلوب لغيره. وفريق قد
استزلته الأحداث وضغوط الواقع
إلى حيث لم يكن يقدر ولا يريد.
وإذا
كان الاختلاف والتنوع في الرؤية
سنة وغنى فإن الأمر في الحالة
الإسلامية قد تحول إلى نوع من
عموم (البلوى) يشكو منها أهلها،
كما يشكو منها الآخرون، وتطاير
شررها من محيطها المحلي
والإقليمي إلى الإطار الدولي
فعم البلاء وطم.
إن
رصد العوامل الحقيقية لأي ظاهرة
لا يعني تبريرها أو تسويغها،
لأن الرصد الحقيقي هو المدخل
الأول للمواجهة الحكيمة أما
الرصد الرغائبي فليس أكثر من
أسلوب من أساليب الهروب أو
الخداع.
السبب
الأساس وراء شتات الموقف
الإسلامي هو تحطيم (المرجعية
الإسلامية) في أطرها المتعاقبة،
والإمعان في تجاوزها حتى غدا
عنوان هذا الواقع المختلط (..
فاتخذ الناس رؤوساً جهالاً
فضلوا وأضلوا).
كانت
سكرة الفرح الأولى في مطلع
القرن العشرين عندما حطمت القوى
الخارجية مؤسسة الخلافة، وفرطت
عقدها، دون أن تتفكر فيما يمكن
أن يؤول إليه أمر أمة بلا قيادة،
وكانت تلك مقدمة الطريق.
ثم
كان العدوان الثاني على
المرجعية في صورة الاستئصال،
والإقصاء، والتهميش لكل
البدائل المحلية في أطرها
الراشدة التي تمسك بزمام
الرؤيتين الفقهية والواقعية
على أسس من التقويم والتقدير.
وظن الذين أسسوا في كل مدينة أو
قرية عربية (أبو غريب) عربي،
والذين خططوا لتجفيف المنابع،
أنهم كسبوا الجولة مرة أخرى،
وغاب عنهم، وهم أدعياء الفكر أن
يتفكروا بالعواقب من جديد.
في
إطار سلخ المجتمعات الإسلامية
عن انتمائها ونزع هويتها، كان
ثمة مرجعيات معلنة، وكان
بإمكانها أن تنفع لو احتفظ لها
من أقامها ببعض البهاء والرونق؛
ولكنهم حتى هذه المرجعيات
التابعة لهم أحرقوها لخدمة
المآرب الصغيرة، فأحرجوها حين
أخرجوها من دائرة الثقة ونزعوا
عنها ثوب المصداقية.
وبهذه
الخطوات المريبة الثلاث سعى من
سعى إلى حتفه بظلفه، انفلت
الموقف، وغاب الرشد، وتقدم
القاصرون والمستعجلون
والغالون، واختلطت الأوراق
وعمت الفوضى التي نشكو منها
ويشكو منها الآخرون.
ثم
كانت سياسات الإذلال على مدار
قرن مضى، سياسات الإذلال التي
ينفذها المستبد وسيده (سداة ـ
ولحمة) على لحمنا الذي قدروه
ميتاً لا حياة فيه!!
كم
استهانوا بنا لأننا صبرنا
ومازلنا على ظلم المستبد الذي
نصبوه قيماً علينا؟! كم
استصغرونا حين حفرت معاولهم
قبورنا الجماعية لاستخراج
جماجم أبنائنا التي طمرتها
جرافاتهم في ليل الاستبداد
الطويل؟!
هم
لا يقدرون ماذا عنت بالنسبة
إلينا نكبة فلسطين سنة 1948. وهم
لا يعلمون عمق الجرح الذي خلفته
نكسة السابعة والستين. ليس
بإمكانهم أن يتصوروا شعور عربي
احتسى نخب الصحة في مدريد!!
بعيداً عن شعور المراقب البعيد
والقريب.
حين
تنهب ثرواتنا بطرائقهم يظنون
أننا لا نحسن علم الحساب، وأننا
في سلم الفهم الصفر الذي قدمناه
لحضارة الإنسان، يظنون أننا لا
ندرك قطبي منشار الفساد الذي
يأكل أجسادنا وجهدنا في آن.
لا
يدركون مغزى أن نراهم ينجحون في
توحيد (قارة) ويحولون بيننا وبين
توحيد أمة!! في مشروعهم الإصلاحي
الكبير (الشرق الأوسط الكبير)
يضنون علينا حتى باختيار الاسم
الذي نريد.
هذه
الفوضى، وهذه الطفرات، الصائب
منها والخائب القريب والبعيد
كلها حصاد.. حصاد ما زرعوا.
23
/ 6 / 2004
|